عيد القدّيس نعمة الله الحردينيّ

عيد القدّيس نعمة الله الحردينيّ

الرسالة: روم 12: 1-8

الإنجيل: مت 4: 18-25

الحياة الجديدة في المسيح

يا إخوتي، أناشدكم، أيّها الإخوة، برأفة الله أن تجعلوا من أنفسكم ذبيحة حيّة مقدّسة مرضيّة عند الله. فهذه هي عبادتكم الروحيّة. ولا تتشبّهوا بما في هذه الدنيا، بل تغيّروا بتجديد عقولكم لتعرفوا مشيئة الله. ما هو صالح، وما هو مرضيّ، وما هو كامل.

وأوصي كلّ واحد منكم بفضل النعمة الموهوبة لي أن لا يغالي في تقدير نفسه. بل أن يتعقّل في تقديرها، على مقدار ما قسم الله له من الإيمان. فكما أنّ لنا أعضاء كثيرة في جسد واحد، ولكلّ عضو منها عمله الخاصّ به، هكذا نحن في كثرتنا جسد واحد في المسيح، وكلّنا أعضاء بعضنا لبعض، ولنا مواهب تختلف باختلاف ما نلنا من النعمة: فمن له موهبة النبوءة فليتنبأ وفقًا للإيمان، ومن له موهبة الخدمة فليخدم، ومن له موهبة التعليم فليعلّم، ومن له موهبة الوعظ فليعظ بسخاء، ومن يرئس فليرئس باجتهاد، ومن يرحم فليرحم بسرور.

إذ نعيّد القدّيس نعمة الله الحردينيّ، الذي هو إنسان عصرنا أو عاصر جدودنا، نتعرّف إلى هذه الحياة الجديدة التي تُعطى لكلّ واحد منّا، للقدّيسين وللناس العاديّين، للكبار كما للصغار، للمتعلّمين والأميّين. فالله لا يحابي الوجوه، ولا يفضّل إنسانًا على آخر بسبب أمور خارجيّة. فهو الأب الذي يحبّ الجميع ولا يستثني أحدًا من حبّه، سوى ذاك الذي يشابه الابن الأكبر الذي رفض الدخول إلى قاعة العرس والمشاركة في الفرح. فالقدّيس نعمة الله دعاه الله فتبعه. وها هو مع سائر القدّيسين ينشد نشيد الحمل ليلاً ونهارًا، حيث زالت كلّ دمعة، وما بقي موت ولا حزن ولا صراخ ولا وجع (رؤ 21: 4). فقد صار كلُّ شيء جديدًا.

1- أنتم ذبيحة حيّة

في العهد القديم، كانت الذبائح كثيرة. وهي تحلّ محلّ الإنسان الذي خطئ سهوًا. يضع يده على الضحيّة، فينحرها الكاهن تكفيرًا عن الخطايا. ولكن مع يسوع، لم يعُد لهذه الذبيحة من قيمة. الذبيحة الحقيقيّة هي الروح المنسحق. وذبيحة يسوع لم تكن خارجًا عنه. كان هو الذبيحة منذ بداية حياته على الأرض. ما شئتَ ذبائح ومحرقات، فقلت ها أنا آتٍ لأصنع مشيئتك يا الله.

تلك كانت ذبيحة يسوع التي بدأت ذروتها في بستان الزيتون: لا مشيئتي، بل مشيئتك. وهكذا وصلت به هذه الطاعة حتّى الموت على الصليب، فقال: تمّ كلّ شيء. تمّت مشيئة الله. ولكنّ الموت ليس النهاية. لهذا أقام الله ابنه وأعطاه الاسم الذي يفوق كلّ اسم.

والمؤمن ذبيحة امتدادًا لذبيحة المسيح. والكاهن بصورة خاصّة. هم يشاركون في الذبيحة اليوميّة. فكيف لا يصيرون المسيح الذي يقبلونه في التناول؟ كان الحيوان يموت حين يقدّم. أمّا المسيحيّ فهو ذبيحة حيّة، راضية لله ومرضيّة لدى الله. فهنيئًا له إن تجاوب مع نداء ذاك الذي قدّم جسده، ذاته، وقدّم دمه، حياته!

2- لا تتشبّهوا بما في هذه الدنيا

قبل الفصح بأربعة أيّام، كان يختارون حملاً من القطيع. يجعلونه جانبًا. منذ الآن صار للربّ. هو لا يعود يختلط مع سائر الخراف. ولا يعود يخصّ الراعي. وفي الرابع عشر من الشهر يقدّم. هكذا كان المسيح "حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم". وهكذا يكون المؤمن ذاك الذي يقدّم نفسه للربّ. لهذا، فهو لا يستطيع أن يبقى في الحياة القديمة. عليه أن يبدّل قوله، فكره، تصرّفاته. عليه أن لا يكون بعد شبيهًا بالعالم الذي يعيش فيه. ولا يكون التبدّل قضيّة خارجيّة، بل من الداخل. كدت أقول يصبح طبيعة جديدة تعطي ثمارًا تليق بالدعوة التي دعينا إليها.

مشيئة الله تنير حياتنا. ولا يهمّنا سوى رضاه والصلاح. وقد دعانا يسوع في إنجيل متّى: "كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماويّ كامل هو". هذا ما يتوق إليه المؤمن. وهذا ما بلغ إليه القدّيسون الذين لم يروا عملاً صغيرًا على أنّه صغير. كلّ عمل لديهم هو كبير لأنّه يُعمل في خطّ مشيئة الله، ومع يسوع.

3- المواهب العديدة

في الكنيسة، لا يكون الواحد مثل الآخر، لأنّه نال موهبة غير تلك التي نالها الآخر. إذا كان القدّيس شربل نال بشكل خاصّ موهبة الصلاة فكان مثالاً لنا في خطّ المسيح الذي كان يصعد الجبل ويقضي ليله في الصلاة. وإذا كانت القدّيسة رفقة نالت بشكل خاصّ لا أن تؤمن بالمسيح فقط بل أن تتألّم معه (فل 1: 29)، فتحمل صليبها وتسير وراء ذاك الحامل صليبه على طرقات العالم. كان القدّيس نعمة الله ذاك الذي يعظ بالكلمة مثل يسوع، ذاك الذي يعلّم على مثال المعلّم الوحيد.

أجل. المواهب عديدة في الكنيسة. وكلّ واحد يُنمّي موهبته ويفرح بما أعطيَ للآخرين من مواهب. حينئذٍ لا يعود الفردُ وحده ذبيحة حيّة مرضيّة عند الله، بل تصبح الجماعة كذلك، والكنيسة كلّها. وهكذا نتوحّد جميعًا في جسد المسيح ويقوم كلّ واحد "بالعمل الخاصّ به". عندئذ نتكامل كأعضاء من أجل غنى الكنيسة جسد المسيح، الذي لا يزال ينمو حتّى الوصول إلى المسيح الكامل.

هكذا كان القدّيس نعمة الله مثالاً لنا في خطّ يسوع. ونحن نقتدي به لأنّه اقتدى بالمسيح. هو الكاهن الذي يقدّم. وهو أيضًا الذبيحة. هو الذي كان في العالم، ولكنّه لم يكن من العالم. وهو المعلّم الذي دعاه أخوه الحبيس لأن يكون معه على رأس الجبل، فلبث بين الرهبان ذاك المدبِّر مع المدبّرين في وقت صعب من حياة الرهبنة يفرح فيه الإنسان "أن يخلّص نفسه" من الشرك. وأخيرًا هو من نال المواهب فتاجر منها، فسمح من الربّ المديح الذي ينتظر المؤمن: "كنتَ أمينًا في القليل، فسأقيمك أمينًا في الكثير. أدخل فرح سيّدك".

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM