عيد التجلّي

عيد التجلّي

الرسالة : 2 كور 3: 7-17

الإنجيل : مر 9: 1-7

مجد موسى ومجد يسوع

يا إخوتي، فإذا كانت خدمة الموت المنقوشة حروفها في ألواح من حجر أُحيطت بالمجد، حتّى إنّ بني إسرائيل ما قدروا أن ينظروا إلى وجه موسى لمجد طلعته، مع أنّه مجد زائل، فكيف يكون مجد خدمة الروح! وإذا كانت خدمة ما أدّى إلى الحكم على البشر مجدًا، فكم تفوقها مجدًا خدمةُ ما يؤدّي إلى تبريرهم. فما كان في الماضي فائق المجد، زال بفضل المجد الذي يفوقه الآن. وإذا كان للزائل مجد، فكم يكون مجد الخالد؟

ولأنّ لنا هذا الرجاء، فنحن نتصرّف بجرأة. فما نحن كموسى الذي كان يضع قناعًا على وجهه لئلاّ يرى بنو إسرائيل نهاية ما يزول. ولكن عميت بصائرهم، فلا يزال ذلك القناع إلى اليوم غير مكشوف عند قراءة العهد القديم، ولا ينزعه إلاّ المسيح. نعم، إلى اليوم لا يزال القناعُ على قلوبهم عند قراءة شريعة موسى، ولا ينزع هذا القناع إلاّ الاهتداء إلى الربّ. فالربّ هو الروح، وحيث يكون روح الربّ، تكون الحرّيّة.

في عيد التجلّي، يوم تجلّى يسوع أي كشف عن نفسه لتلاميذه، نقرأ هذا النصّ من رسالة بولس. لبث يسوع في نظر تلاميذه ذاك الإنسان الذي رأوه، سمعوه، لمسوه. تعب من مسيرة الطريق فجلس على حافّة البئر. جاع، عطش، احتاج إلى النوم. بل هو الآن يقول لهم إنّه سيألّم كثيرًا. يرذله الشيوخ والأحبار والكتبة، ويُقتل. فلماذا تبعوه؟ إن كانت حياته تنتهي كما انتهت حياة سائر الأنبياء في الفشل، وفي الموت؟ لهذا، تجلّى يسوع، كشف مجده نورًا لا يستطيع أحدٌ أن ينظر إليه. وبياضًا لا يقدر أحدٌ أن يصنع مثله. وإذ كلّم الرسول من عرفوا الكتاب المقدّس، قابل بين موسى ويسوع.

1- خدمة الموت وخدمة الحياة

عاد الرسول إلى موسى الذي انتهت حياته في موآب. وشريعته لم تمنح الحياة للذين تبعوها. هذا إذا استطاعوا. فقد تفصّلت وتعقّدت، فعجز المؤمن العادي عن اللحاق بها. وبدلاً من أن تقود إلى البرّ، أبعدت الإنسان عن البرّ الحقيقيّ الذي ناله يسوع المسيح وحده. والذين رافقوا موسى في البرّيّة، ماتوا كلّهم، وما دخل واحدٌ منهم إلى أرض الموعد. بل هو أيضًا مات على باب الأرض التي تقدّست بمرور الآباء.

ومع ذلك، فموسى خادم هذا الشعب "الذين سقطت جثثهم في البرّيّة" (عد 14: 29)، عرف بعض المجد. يقول عنه الكتاب إنّ وجهه كان مشعًا بعد لقائه بالربّ، بعد أن خاطبه الربّ (خر 34: 29). وكانت النتيجة أنّ بني إسرائيل "خافوا أن يقتربوا منه". ويقول بولس: إذا كان موسى عرف هذا "المجد" فأيّ مجد يعرفه يسوع؟ إشعاع وجه موسى زمنيّ، موقّت. وإشعاع وجه يسوع يدوم. فالتجلّي نفحة من القيامة.

2- خدمة الدينونة وخدمة البرّ

خدمة الدينونة هي خدمة العهد القديم. وخدمة البرّ خدمة العهد الجديد. هنا نعود إلى ما قال بولس عن الشريعة في الرسالة إلى رومة. هذه الشريعة تتسلّط على الإنسان، تستعبده بحيث تنسيه حرّيّة الروح. بما أنّ الناس "جسديّون" أي بشر من لحم ودم، لبسوا الضعف الذي يميل بهم إلى الشرّ، اغتنمت الشريعة هذا الوضع فعملت في أعضائنا "حتّى تُثمر الموت" (روم 7: 5). هذه الشريعة عرّفتني على الخطيئة فبلبلت ضميري، ولكنّها لم تعطني القوّة، فازداد مرضي مرضًا، وخطيئتي خطيئة. بسبب الشريعة لم تعد الخطيئة ميّتة فيّ، بل حيّة. لهذا تمنّى الرسول لو ينجو من هذه التعاسة التي هو فيها. أجل، هو تحت الدينونة، تحت حكم الله وعقابه.

أمّا خدمة البرّ فهي التي تجعلنا مع يسوع المسيح. إن كانت الخطيئة دخلت إلى العالم، ومعها الموت، فالآن جاءت النعمة بيسوع المسيح (روم 5: 12، 15). "برّ" يسوع والعمل بمشيئة الآب منذ دخوله إلى العالم، هو الذي يهبنا الحياة، يبرِّرنا، يقدِّسنا. لا نعود بعدُ خطأة، بل نصير أبرارًا. ومع أنّ التدبير الأوّل كان ناقصًا، فنال مجدًا، فما يكون التدبير الثاني في يسوع المسيح؟ دخل التلاميذ الثلاثة في مجد يسوع الذي تجلّى على الجبل. وسيفهمون في ما بعد أنّ هذه الخبرة التي توصلهم إلى "القيامة من بين الأموات" (مر 9: 10) تمرّ في الآلام والصليب. فهل هم مستعدّون أن يسيروا المسيرة التي سارها يسوع؟ وإلاّ فالمجد الذي اختصّ به موسى في العهد القديم، وأُعطي لنا جميعًا، لن يكون من نصيبنا إذا كنّا لا نتذكّر موته ونعترف بقامته.

3- قناع على الوجه

تسلّم موسى الوصايا، فنال مجدًا كبيرًا. خاطب الربّ وجهًا لوجه، كما لم يخاطبه أحد. وكان نبيًّا فما كان مثله نبيٌّ في شعبه فدافع عنه الله نفسه: ليس عبدي موسى كذلك. "فما إلى فم أخاطبه، صراحة لا بألغاز، وعيانًا يعاين شبهي" (عد 12: 77-8). وزاد هذا المجد حين أتى إلى شعب ائتمنه الله عليه، وهو يحمل الكلمات التي كتبها الله بإصبعه. لهذا وضع القناع على وجهه المشعّ لئلاّ يضايق الآتين إليه. غير أنّه كان يزيل هذا القناع حين يخاطب الربّ.

ترك بولس هذا التفسير وتبع المعلّمين الذين قالوا: إنّ قناع موسى جُعل قناعًا على الطابع العابر لإشعاع مجد الله. يجب أن يختفي هذا الإشعاع، هذا النور، بعد أن صار الله بعيدًا عن الإنسان في القرون الأخيرة قبل المسيحيّة، بحيث يتحاشى المؤمن التلفّظ بكلمة "يهوه" أي الربّ الذي هو. فقال: السيّد، السماوات، الاسم. هذا القناع هو الذي منع موسى وشعبه من اكتشاف مجد المسيح. وحين يقرأون العهد القديم، كتاب موسى، لا يفهمونه ما دام هذا القناع على وجوههم. ما دامت الشريعة حاجزًا بينهم وبين العهد الجديد، وما دام الروح لم يفعل فعله بحيث تنعكس صورةُ مجد الله على وجوهنا جميعًا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM