بدء الشهر المريميّ

بدء الشهر المريميّ

الرسالة : روم 12: 9-15

الإنجيل : لو 1: 46-55

الحياة الجديدة

يا إخوتي، لتكن المحبّة صادقة. تجنّبوا الشرّ وتمسّكوا بالخير. وأحبّوا بعضكم بعضًا كإخوة، مفضّلين بعضكم على بعض في الكرامة، غير متكاسلين في الاجتهاد، متّقدين في الروح، عاملين للربّ. كونوا فرحين في الرجاء، صابرين في الضيق، مواظبين على الصلاة. ساعدوا الإخوة القدّيسين في حاجاتهم، وداوموا على ضيافة الغرباء.

باركوا مضطهديكم، باركوا ولا تلعنوا. إفرحوا مع الفرحين وابكوا مع الباكين.

في بداية الشهر المريميّ، شهر أيّار نرافق مريم العذراء وهي تنشد نشيدها. عظمة الله فوق كلّ عظمة. وكلّ "عظيم" فينا هو من لدنه تعالى. فمع وضاعة حالنا، يستطيع الله أن يفعل فينا عظائم كما فعل مع مريم. فقالت لها الأجيال: طوباكِ، هنيئًا لك. وقدّم لنا بولس الرسول قواعد عمليّة بها نسير في خطى المسيح، مع مريم، كما كان الأمر بعد عرس قانا الجليل: مضى يسوع إلى كفرناحوم ومعه أمّه وإخوته وتلاميذه (يو2: 12). تلك هي الصورة التي تلقي الضوء على ممارساتنا في هذا الشهر المريميّ.

1- المحبّة

النداء الأوّل نداء المحبّة. هي تنطلق من الله الينبوع. وكلّ ما فينا من محبّة هو امتداد لما في قلبه. كما نور المسيح ينتقل إلى المؤمن الذي هو أيضًا نور العالم. كذلك المحبّة التي هي نار في قلب الربّ تشعل قلب كلّ واحد منّا إذا شاء. فهناك أناس يبتعدون عن هذه النار التي جاء المسيح يلقيها في العالم، بحيث يتميّز المؤمن عن اللامؤمن.

ومحبّتنا لله علاقتها محبّة صادقة للقريب. فمن لا يحبّ أخاه لا يقدر أن يحبّ الله الذي هو أبونا جميعًا. في شكل عام، نتجنّب كلّ شرّ. كيف أُسيء إلى أخي، وماذا أنتفع إن أسأتُ إليه وإن أساء هو إليّ؟ ثمّ لا خبث، ولا رياء. بل تتوافق نوايانا الداخليّة مع أقوالنا الخارجيّة. ومحبّتنا لا تنتظر الآخر أن يفعل. بل أنا أسبق في عمل الخير والتعلّق به. فالله أحبّنا أوّلاً ثمّ طلب منّا أن نحبّه. وهكذا يفعل المؤمن. هو يتّخذ المبادرة فيكون عمله نداء إلى الآخر لتعيش الجماعة هذه المحبّة.

2- الرجاء

النداء الثاني يدعو المؤمن إلى أن يتطلّع إلى الأمام، لا إلى الوراء. فالله أمامنا وهو يدعونا للسير معه، وراءه، مهما كانت الظروف صعبة. لا شكّ في أنّنا نستطيع أن ننظر إلى الوراء لنشكر لله حسناته، أو لنأخذ العبرة من أجل خدمة أفضل. ولكنّ العودة إلى الوراء للبكاء والتحسّر لا يمكن إلاّ أن تقود إلى الموت.

يأمل الإنسان، ينظر مليًّا، يرجو، يترقّب، ينظر إلى البعيد وهذا لا يتمّ بقوانا الشخصيّة. فالرجاء فضيلة، والإيمان والمحبّة يزرعهما الله فينا. يحلّ الاجتهاد محلّ الكسل، والحرارة محلّ الفتور، والفرح محلّ الحزن، والثبات محلّ التراخي. في الرجاء نكون عابدين للربّ متعلّقين بمشيئته مهما كان الضيق الذي يحيط بنا. ونحن لا ننسى جوّ الاضطهاد الذي عاشته الكنيسة الأولى، ويعيشه اليوم مؤمنون عديدون. هل ييأسون؟ كلاّ. بل هم مواظبون على الصلاة ويعرفون أنّ الله يوجّه كلّ شيء لخير الذين يحبّونه. واليأس يسيطر اليوم على عدد من الشباب. فيضع حدًّا لحياته. ينتحر. يهرب. لماذا؟ لأنّه ما استند على من هو عمود الحقّ وأساسه، على المسيح. ترجّى إبراهيم حيث لم يكن موضع للرجاء. بسبب الصعوبات، ولكنّ الرجاء يصبّ في الحبّة كما النهر في البحر، صبّ في الله. فكم تكون سعادتنا بعد شقاء هذا العالم، وكم يكون فرحنا بعد أن يترك الناس الحزن يسيطر عليهم فيفني حياتهم.

3- التضامن

نحن جماعة صغيرة أو كبيرة. نحن عائلة، كنيسة. ما من إنسان يعيش وحده، وإن كان وحده بدا تعيسًا. فإن سقط من يسنده؟ لهذا خلق الله الرجل والمرأة معًا. وكوَّن الإنسان كائنًا اجتماعيًّا. هذا هو التضامن. أنا ضمن الآخر. في داخله. وهذا أكثر من التعاطف، حيث ترافق عاطفتي عاطفته. أنا ضامنٌ لأخي. مسؤول عنه. ولا أستطيع أن أقول: "لست حارسًا لأخي". ذاك كلام قايين الذي كان قاتلاً. ويمكن أن يكون كلام كلِّ واحد منّا حين نرفض أن ندخل حياة قريبي في حياتي، فأكون بقربه.

تضامن على مستوى الجسد: حاجات القدّيسين أي المؤمنين. إذا رأيت أخًا في حاجة وملتُ بوجهي عنه فكيف تكون محبّة الله فيّ؟ تضامن على مستوى العواطف: ما يشعر به الآخرون أشارك أنا فيه. تلك هي الأخوّة المطلوبة في المحبّة. وتضامن مع الشرّير، مع الذي يضطهدنا، يلعننا. نغفر له. لا نعامله بحسب عمله. هو عضو مريض وسوف يُشفى. وإن تصرّف بعنف فضربني على وجهي الأيمن، أتصرّف بوداعة وأدلّه على الوجه الآخر في الحياة. لا اللعنة، بل البركة، لا الشرّ بل الخير. ففي النهاية نحن أولاد أب واحد في السماء، وهو يُشرق شمسه على الأشرار والأخيار ويرسل غيثه على الأبرار والفجّار.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM