يوم الجمعة العظيمة

يوم الجمعة العظيمة

الرسالة : عب 12: 12-21

الإنجيل : يو 19: 31-37

يسوع وسيط العهد

يا إخوتي، فشدّوا أيديكم المسترخية وركبكم الضعيفة، واجعلوا طرقًا مستقيمة لأقدامكم فلا ينحرف الأعرج بل يشفى.

سالموا جميع الناس وعيشوا حياة القداسة التي بغيرها لن يرى أحد الربّ. واحرصوا أن لا يحرم أحد نفسه من نعمة الله، وأن لا ينبت فيكم عرق مرارة بسبب انزعاجًا ويفسد الكثير من الناس، وأن لا يكون أحد فيكم زانيًا أو سفيهًا مثل عيسو الذي باع بكوريّته بأكلة واحدة. وتعلمون أنّه لمّا أراد بعد ذلك أن يرث البركة خاب وما وجد مجالاً للتوبة، مع أنّه طلبها باكيًا.

وما اقتربتم أنتم من جبل ملموس، من نار ملتهبة وظلام وضباب وزوبعة، وهتاف بوق وصوت كلام طلب سامعون أن يزادوا منه كلمة، لأنّهم ما احتملوا هذا الإنذار: "حتّى البهيمة لو لمست الجبل لرجمت". وكان المنظر رهيبًا حتّى أنّ موسى قال: "أنا مرعوب مرتعد".

يوم الجمعة العظيمة نفهم بشكل ساطع أنّ يسوع هو الوسيط. صُلب بين السماء والأرض فكان السلّم الذي ينزل السماء على الأرض ويرفع الأرض إلى السماء. فهو من قال: متى ارتفعتُ جذبتُ إليّ الناس أجمعين. هذا ما فعله في يوم صلبه، فدعا كلّ تلميذ يحبّه أن يحمل صليبه ويتبعه. وما سيفعله يوم صعوده، فيصعدنا كلّنا في موكبه الظافر. فيوم الجمعة قد يكون يوم النوح والبكاء على المستوى البشريّ. بكت النسوة حين رأين يسوع. ويبكي المؤمنون اليوم أمام موت أحبّائهم. ولكنّ يوم الجمعة هو يوم الانتصار العظيم، مات المسيح فأمات الخطيئة والموت. ولكنّه قام وهو يدعونا إلى وقفة قيامة على مثال مريم التي كانت واقفة بقرب صليب ابنها.

1- الصليب طريق

تلك دعوة الرسول إلى "العبرانيّين"، إلى جماعاتنا. لا بدّ من الشجاعة والعزم، من أجل الانطلاق في طلب القداسة، على خطى يسوع الذي رأى في يوم آلامه ذروة حياته. الطريق فتحها يسوع. فلا نبحث عن طريق أخرى. هو سار عليها وما نظر إلى الوراء، إلى أسبوع الشعانين. بل تطلّع إلى القمّة إلى الجلجلة.

ولكنّ وضع المؤمنين مخيف: الأيدي متخلّعة لا قوّة فيها لتعمل. الركب ترتعد، ترتجف، ولا تريد أن تسير إلى الأمام، على مثال الرسل خلال صعود يسوع إلى أورشليم. هم يعرجون ولا يطلبون الشفاء ممّن قال للمخلّع: قم، احمل فراشك. ومرارة الخطيئة تأكلهم بعد أن باعوا الربّ كما باعه يوضاس، باعوا نفوسهم كما فعل عيسو، أخو يعقوب، لقاء بعض الطعام. وبعد ذلك بكى. فماذا تنفع الدموع بعد أن فات الأوان. ويا ليت تلك الدموع كانت دموع توبة! بل ستصبح غضبًا وحقدًا ونيّة قتل.

2- بين سيناء والجلجلة

على جبل سيناء ظهر الربّ لموسى في البروق والرعود. فامتنع الشعب من الصعود إلى هذا الموضع المقدّس. بل هُدِّدوا بالقتل. لا يحقّ لهم الصعود إلى جبل الربّ. لهذا حلّ عليهم الخوف والرعدة. وسوف يطلبون من موسى أن يكلّمهم هو، ولا يكلّمهم الربّ لئلاّ يموتوا. أترى الربّ جاء ليميتنا أو ليموت هو عنّا؟ الله ما وفّر ابنه، بل أسلمه عن جميعنا. فماذا لا يعطينا بعد؟

وتجاه سيناء صهيون، الجبل المقدّس الذي عليه بُني الهيكل. ولكنّ هذا الهيكل سيُهدم. ويكون هيكل آخر يدلّ على حضور الله على الأرض: جسد المسيح المائت على الصليب والقائم من القبر. وموت يسوع لم يتمّ داخل أسوار أورشليم. فيسوع خرج من المدينة المقدّسة وهو يحمل صليبه. فعلى جبل الجلجلة بنيت أورشليم الجديدة، وإليها يأتي المؤمنون من كلّ صوب. لقد صار الصليب موضع تجمّع البشريّة كلّها. لا شكّ كان ذلك عند جبل الجلجلة حيث ترتفع كنيسة القيامة التي تعود إلى أيّام الصليبيّين. ولكن على تلّة هناك صليب يرتفع فيدلّ العالم على ما فعله ذاك الذي بذل نفسه من أجل أحبّائه.

3- من هابيل إلى يسوع

أوّل مرّة يذكر الكتاب المقدّس خطيئة قتل، كانت مع هابيل البريء الذي قتله قايين، القويّ، المتسلّط. ما استطاع أن يصرخ فيسمع الله صوته. ولكنّ دمه صرخ من الأرض والربّ قبل ذبيحته دون أن يقتل الذي قتله. غفر له. جعل له علامة تدلّ على أنّه تحت حمايته. فالله لا يريد موت الإنسان ولو هو أراد موت أخيه. قال: لي الانتقام وأنا أجازي. وكيف ينتقم الله؟ حين يستقبل ابنه العائد إليه مهما غرق في بحر الخطايا، ويغمره بحنانه من جديد.

ويسوع سُفك دمه. وهو أفضل من دم هابيل بما لا يُقاس. هو دم بريء. دم كريم. هو حمل لا عيب فيه ولا دنس (1 بط 1: 19). كانوا يرشّون دم الذبائح على المذبح لغفران الخطايا. وها دم يسوع يُرش على البشريّة كلّها. فالله الذي هو ديّان الجميع، هو قبل ذلك مخلّص الجميع ويريدنا جميعًا أن نعود إلى التوبة. لا يقوم انتقام الربّ بقتل القاتل. ولا انتقام يسوع بالبغض والحقد، بل بالغفران لأنّ الإنسان لا يدري ما يفعل. لا يحسب إلى أين يقود عمله. الله وحده يعرف ويريد أن تكون أسماؤنا جميعًا "مكتوبة في السماء". فما الذي يمنعنا بعد اليوم من الاقتراب من جبل صهيون الجديد، من جبل الجلجلة؟ بل هو يسوع يفتح ذراعيه ليضمّ البشريّة كلّها.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM