دخول المسيح إلى الهيكل

دخول المسيح إلى الهيكل

الرسالة: روم 9: 30-10: 4

الإنجيل: لو 2: 22-24

إيمان لا يخيب

يا إخوتي، ماذا نقول؟ نقول إنّ الأمم الذين ما سعوا إلى البرّ تبرّروا ولكن بالإيمان، أمّا بنو إسرائيل الذين سعوا إلى شريعة غايتها البرّ فشلوا في بلوغ غاية الشريعة. ولماذا؟ لأنّهم سعوا إلى هذا البرّ بالأعمال التي تفرضها الشريعة لا بالإيمان، فصدموا حجر العثرة، كما يقول الكتاب: "ها أنا أضع في صهيون حجر عثرة في طريق الشعب وصخرة سقوط، فمن آمن به لا يخيب."

وكم أتمنّى من كلّ قلبي أيّها الإخوة خلاص بني غسرائيل، وكم أبتهل إلى الله من أجلهم. وأنا أشهد لهم أنّ فيهم غيرة لله، لكنّها على غير معرفة صحيحة، لأنّهم جهلوا كيف يُبرّر الله البشر وسعوا إلى البرّ على طريقتهم، فما خضعوا لطريقة الله في البرّ، وهي أنّ غاية الشريعة هي المسيح الذي به يتبرّر كلّ مؤمن.

في عيد دخول يسوع إلى الهيكل، وهو بعمر أربعين يومًا، ليقّدم عنه تقدمة الفقراء: زوجا يمام أو فرخا حمام. في هذا العيد الذي لا يشبه ما عُمل لأيّ طفل يقدّمه والداه إلى الهيكل، سيطرة النبوءة على الشريعة. سمعان يعلن أنّ الخلاص أتى نورًا للأمم الوثنيّة ومجدًا يعتلن لشعب إسرائيل. وحنّة النبيّة تتحدّث عن الطفل مع كلّ من ينتظر فداء إسرائيل. وراحت الكنيسة تتأمّل في سرّ البشارة وما فيه من حيرة بالنسبة إلى الإنسان العاديّ: إختيار هذا الطفل لسقوك وقيام كثيرين في إسرائيل. فكيف نفهم هذا؟ نعود إلى النبيّ أشعيا، إلى كلمة الله المتحدّثة عن حجر عثرة يمكن أن يسقك بسببه كلّ من لا يؤمن.

1- النور للأمم

سعى الأمم إلى النور. أتوا من البعيد فشابهوا المجوس. تبعوا الكوكب الذي تراءى لهم. وهذا رمز إلى نور المسيح الذي ما انحصر في أرض فلسطين، بل وصل "إلى الشرق". وهكذا سعت إلى صليب يسوع شعوب من برثية وماداي وعيلام... والعرب والكريتيّون والرومان. وصل نوره إليهم، فبدا وكأنّه يدعوهم: تعالوا إليّ أيّها التعبون والثقيلو الأحمال وأنا أريحكم. وارتاح المجوس حين وصلوا إلى البيت الذي يقيم فيه الطفل يسوع مع والديه.

طلبوا البرّ، البرارة، القداسة. طلبوا الخلاص من شرّ الأصنام الذي اعتادوا عليه. ومن عبادة الكواكب. طلبوا التحرّر من الماضي، من الإنسان العتيق، وصولاً إلى الإنسان الجديد. والطريق هي طريق الإيمان. شابهوا إبراهيم الذي ترك أرضه وبيت أبيه ومضى إلى "المجهول" بالنسبة إليه، لا بالنسبة إلى الربّ الذي له مخطّطه بالنسبة إلى كلّ إنسان. آمن إبراهيم فحسب له إيمانه برًّا، أي رضى الله عنه وباركه. ونحن ننال الرضى عينه والبركة إن سرنا على هدي الإيمان، وهي طريق توصلنا في النهاية إلى المسيح.

2- سقوط وقيام

حين دوّن لوقا إنجيله، سنة 85 تقريبًا، رأى أنّ بعض الشعب اليهوديّ تبع يسوع. مريم العذراء. يوسف. التلاميذ. إخوة يسوع أي أبناء القبيلة. وغيرهم من الرجال والنساء. رجال تركوا كلّ شيء وتبعوه. ونساء اهتممن بخدمته وخدمة التلاميذ. بل بخدمة الكنيسة على مثال المسيح الذي جاء ليخدم (لو 8: 1-3). أصدقاء ما أرادوا أن يتركوا يسوع حتّى النهاية. ونساء سيكنّ قرب القبر حين يُدفَن يسوع، وقرب القبر الفارغ بعد قيامة يسوع فيحملن البشارة إلى الإخوة في الجليل. وجه مشرق في البشارة.

والوجه المظلم هو رفض الشعب اليهوديّ برؤسائه وكتبته أن يأتوا إلى يسوع هذا مثلما جاء المجوس الباحثون عن يسوع إلى أورشليم. جاء الوثنيّون: أين يُولَد ملك اليهود. هو أوّلاً يريد أن يملك على شعبه، قبل أن يملك على سائر الأمم. أن يقدّم الخلاص إلى الذين عاش بينهم حياته. ماذا كان جواب هيرودس الملك الأدوميّ في أورشليم؟ استعدادًا للقتل. والكتبة، دلّوا الغرباء على موضوع ولادة الطفل وهم ما تحرّكوا. في بيت لحم. ما اهتمّوا في الدرجة الأولى. ثمّ جادلوا، شاكسوا. وفي النهاية رفضوا وطلبوا أن يسكتوا هذا الصوت، أن يقتلوا "الكلمة". ولكنّهم عثروا وأيّة عثرة. والحجر الذي رفضوه صار راس الزاوية "من وقع على هذا الحجر تهشّم، ومن سقط هذا الحجر عليه سحقه" (مت 21: 44).

3- المسيح هو الغاية

ما وصل الشعب اليهوديّ إلى الهدف الأخير، بل توقّفوا في الطريق. بدأوا فطلبوا الشريعة التي هي مقدّسة، صالحة، عادلة (روم 7: 12). وحسنًا فعلوا ولاسيّما في ممارسة الوصايا وشريعة العدالة والمحبّة الأخويّة، أقلّه في قلب الشعب. ولكنّهم توقّفوا عند الشريعة وما راحوا أبعد منها، صارت لهم موضع عبادة، مثل الهيكل. فشابهت "صنمًا" يمنع الإنسان من مواصلة الطريق.

فالشريعة ليست غاية. هي محطّة تقود إلى المحطّة الأخيرة، يسوع المسيح. هي وسيلة تقود إلى المسيح كما كان يفعل المربّي مع الطفل الذي يقود إلى المدرسة. ولكنّهم ما أرادوا أن يتحرّروا من الشريعة. أن يتركوا المربّي، فلبثوا عبيدًا لما تفرضه هذه الشريعة من ممارسات، وجب أن تجد كامل معناها في المحبّة، ولهذا تجاوزهم الملكوت. أُخذ منهم وأُعطي للأمم، والغيرة الكبيرة لله، لم تكن اهتداء إلى يسوع، بل اندفاعًا لقتل الابن فيكون الإرث لهم. وأيّ إرث؟ صاروا خارج البرّ، والوثنيّون دخلوا كما الابن الضال. شابهوا الابن الأكبر الذي رفض أن يدخل إلى حيث النور والفرج. لو آمنوا لتبرّروا. لو خضعوا لطريقة الله في التبرير! لو رأوا في يسوعه هذا، المسيح وابن الله. ولكنّهم فضّلوا أن يكونوا عميانًا. فسبقهم الأعمى منذ مولده. أتؤمن بابن الإنسان بعد أن رأيته؟ أجاب: آمنتُ، يا سيّدي، وسجد.

والسؤال يطرح علينا: من هو الغاية لنا، المسيح أم أمر آخر؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM