عيد الدنح

عيد الدنح

الرسالة : تي 2: 11-3: 7

الإنجيل : لو 3: 15-22

ظهور مجد الله

يا إخوتي، نعمة الله ينبوع الخلاص لجميع البشر، ظهرت لتعلّمنا أن نمتنع عن الكفر وشهوات هذه الدنيا لنعيش بتعقّل وصلاح وتقوى في العالم الحاضر، منتظرين اليوم المبارك الذي نرجوه، يوم ظهور مجد إلهنا العظيم ومخلّصنا يسوع المسيح الذي ضحّى بنفسه لأجلنا حتّى يفتدينا من كلّ شرّ ويطهّرنا ويجعلنا شعبه الخاصّ الغيور على العمل الصالح.

هكذا تكلّم وعظ ووبّخ بما لك من سلطان تامّ. ولا يستخفّ بك أحد. ذكّر المؤمنين أن يخضعوا للحكّام وأصحاب السلطة ويطيعوهم ويكونوا مستعدّين لكلّ عمل صالح، فلا يشتموا أحدًا ولا يكونوا مماحكين، بل لطفاء يعاملون جميع الناس بكلّ وداعة. فنحن أيضًا كنّا فيما مضى أغبياء متمرّدين ضالّين، عبيدًا للشهوات ولجميع أنواع الملذّات، نعيش في الخبث والحسد، مكروهين يبغض بعضنا بعضًا. فلمّا ظهر حنانُ الله مخلّصنا ومحبّته للبشر، خلّصنا، لا لأيّ عمل صالح عملناه، بل لأنّه شاء برحمته أن يخلّصنا بغسل الميلاد الثاني لحياة جديدة بالروح القدس الذي أفاضه الله علينا وافرًا بيسوع المسيح مخلّصنا، حتّى نتبرّر بنعمة المسيح ونرث الحياة الأبديّة التي نرجوها.

الدنح كلمة سريانيّة تعني الظهور. هو مجد الله يتجلّى. حين كان يسوع يعيش عيشته الخفيّة في الناصرة، يعمل بيديه كما يعمل كلّ إنسان، أخفى مجده. لاشى ذاته كما قال بولس الرسول (فل 2: 7). ما أراد أن يعرف أحد بلاهوته. ولكن حين اقتبل العماد، ذاك الذي كان في البدء مع الله، ذاك الذي هو الله، كشف عن ذاته بحيث رأينا مجده، مجد الابن الوحيد، الذي يفيض بالنعمة والحقّ (يو 1: 14). هذا هو المعنى الأساسيّ لعماد يسوع في الأردنّ. منذ بداية رسالته بدأ يخلّصنا، يحيينا، يغسلنا، يجدّدنا بالروح القدس. وما زال عمله حاضرًا في الكنيسة ولن يزال إلى انقضاء العالم.

1- أحيانا، خلّصنا

أكثر من مرّة ترد لفظة "أحيانا". حمل إلينا الحياة. خلّصنا من النفاق والشهوات العالميّة. هذا يعني: كنّا أمواتًا بخطايانا، ولكنّ الكلمة الأولى هنا: نعمة الله. كلّ هذا إنّما هو عطاء مجانيّ. لا حقّ لنا به. وإن كان اليهود قد فكّروا أنّهم نالوه بأعمالهم حسب الشريعة، فقد أخطأوا. فمن أراد أن يتبرّر بالناموس، نال البرّ البشريّ الذي لا يحمل الحياة ولا الخلاص. لذا يقول لنا الكتاب: لا يزالون في خطاياهم.

هذه النعمة أعطيت للذين آمنوا فصاروا أبناء الله (يو 1: 12) وفعلت فعلها فينا. نترك حياة ونأخذ بحياة أخرى، نترك الكفر الذي هو عدم الإيمان، نترك ما في هذا العالم من شهوات، بعد أن عرفنا أنّنا لسنا من هذا العالم. لا شكّ في أنّنا في العالم، كما قال يسوع لتلاميذه (يو 15: 19). ولكن لا نعيش عيش العالم. فالعفّة طريقنا، نتهرّب من أمور كثيرة لنعيش في خوف الله. بعد أن طهّرنا الله، وجعلنا شعبه الجديد، لا يبقى لنا سوى أن نتنافس في الأعمال الصالحة.

2- في الماضي

في إطار هذه النعمة التي نالها المؤمنون، عاد الرسول إلى الماضي وما فيه من سواد. بعد أن عرفنا الخلاص والحياة، نرجع إلى الوراء لا لكي نكشف الفساد والخطيئة برائحتها النتنة، بل لنذكر أين كنّا وأين صرنا، بعد أن منحنا الله ما منحنا. وخصوصًا كي نعرف أنّنا نستطيع أن نرتدّ عن نعمة الله، أن نعود إلى حياتنا الماضية. كان القديس أوغسطينس يحسّ بشهواته السابقة تشدّ به إلى الوراء، بل إنّ بولس نفسه هتف مرّة في أعماق قلبه: من ينقذني من جسد الخطيئة هذا؟

من ظنّ أنّه واقف ليخف من السقوط. كلّنا معرّضون، كلّنا نحتاج إلى الصلاة لئلاّ نقع في التجربة. والصورة التي أعطيت عن كنيسة كريت التي يقيم فيها تيطس، تلميذ بولس، قد تكون حقيقة بالنسبة إلينا اليوم. ماذا نجد؟ الجسد الذي يفسد الإنسان من الداخل، ويدفعه إلى القتل. أما هذا فعله قايين؟ والكره، يكرهنا الناس ونحن نكرههم. أضعنا صورة الله فينا، كما أضعناها في القريب. بدل الأخوّة هي العداوة، وبدل التسامح هو الانتقام، لا سبع مرّات بل سبعين مرّة سبع مرّات. وأخيرًا، البغض الذي تحدّث عنه يسوع حين قال: "يرتدّ عن الإيمان كثير من الناس، ويخون بعضهم بعضًا، ويبغض واحدهم الآخر" (مت 24: 10). إلى أين ستصل مثل هذه الجماعة المسيحيّة؟ إلى نهايتها، إلى الدمار والخراب. ونعجب بعد ذلك أن تفتر المحبّة في القلوب، وتضيع الشهادة بأنّنا تلاميذ المسيح.

3- ظهر لطف الله

ذاك كان الوضع في الماضي، وهو وضع كلّ جماعة مؤمنة خسرت زخم إيمانها الأوّل، وراحت تعيش في الملل من رتابة الحياة، وفي الخوف بعد أن أضاعت النور وغاصت في الظلام. ولكنّ الربّ لا يسمح بذلك. رحمته تعمل وحنانه، لطفه وبرّه. ما نظر إلى أعمالنا مهما كانت سيّئة. كنّا معادين له بخطايانا، فصالحنا بموت ابنه، وهو يستعدّ في كلّ وقت أن يجعلنا ننعم بهذه المصالحة. وهكذا لا نعود عبيدًا للخطيئة، بل أبناء الله وأحبّاءه.

بدأ فغسلَنا كما يُغسَل الطفل حين يولد. ولدنا ولادة جديدة، لا على مستوى اللحم والدم، بل بالروح. هي غير الولادة البشريّة. نولَدُ من الله، من فوق. لا شكّ بوجود الماء في العماد، ولكنّ الولادة الحقّة هي بالروح الذي يجدّدنا. نترك الإنسان القديم بما فيه من غضب ونقمة وخبث وشتيمة، ونلبس الإنسان الجديد مع عواطف الحنان والرأفة والتواضع والوداعة والصبر (كو 3: 9-10، 12).

حلّ الروح القدس على المسيح، وأسمع الآب صوته: أنت ابني الحبيب. والروح يحلّ علينا، يجعلنا أبناء الله وأبناء الكنيسة. نحن أبناء، إذًا نحن ورثة. كنّا في اليأس، انتقلنا إلى الرجاء، كنا في الموت فعرفنا بغسل الميلاد وتجديد الروح، الحياة الدائمة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM