عيد رأس السنة - يوم السلام العالميّ

عيد رأس السنة - يوم السلام العالميّ

الرسالة : أف 2: 11-22

الإنجيل : يو 14: 27-34

المسيح هو سلامنا

يا إخوتي، فاذكروا أنتم الذين كانوا غير يهود في أصلهم، أنّ اليهود الذين يعتبرون أنفسهم أهل الختان بفعل الأيدي في الجسد لا يعتبرونكم من أهل الختان. واذكروا أنّكم كنتم فيما مضى من دون المسيح، بعيدين عن رعيّة إسرائيل، غرباء عن عهود الله ووعده، لا رجاء لكم ولا إله في هذا العالم. أمّا الآن، ففي المسيح يسوع صرتم قريبين بدم المسيح بعدما كنتم بعيدين. فالمسيح هو سلامنا، جعل اليهود وغير اليهود شعبًا واحدًا وهدم الحاجز الذي يفصل بينهما، أي العداوة، وألغى بجسده شريعة موسى بأحكامها ووصاياها ليخلق في شخصه من هاتين الجماعتين، بعدما أحلّ السلام بينهما، إنسانًا واحدًا جديدًا ويصلح بينهما وبين الله بصليبه، فقضى على العداوة وجعلهما جسدًا واحدًا. جاء وبشرّكم بالسلام أنتم الذين كنتم بعيدين، كما بشّر بالسلام الذين كانوا قريبين، لأنّ لنا به جميعًا سبيل الوصول إلى الآب في الروح الواحد.

فما أنتم من بعد غرباء أو ضيوفًا، بل أنتم مع القدّيسين رعيّة واحدة ومن أهل بيت الله، بنيتم على أساس الرسل والأنبياء. وحجر الزاوية هو المسيح يسوع نفسه، لأنّ به يتماسك البناء كلّه وينمو ليكون هيكلاً مقدّسًا في الربّ، وبه أنتم أيضًا مبنيّون معًا لتصيروا مسكنًا لله في الروح.

اعتادت الكنيسة الكاثوليكيّة منذ الستينات، مع البابا بولس السادس، أن تحتفل بيوم السلام. فالبشر منذ الرومان يقولون: إن شئت السلام فاستعدّ للحرب. وهكذا يكون السلام هديّة من الله، ونحن نطلبها فنهيِّئ قلوبنا لاستقبالها. وسلام المسيح لا يشبه سلام العالم. الأوّل مبنيّ على المصلحة المشتركة أو الخوف المتبادل. والثاني على محبّة الله التي تريد أن تجمع البشريّة كلها في عيلة واحدة، في رعيّة واحدة.

1- بعيدون وقريبون

إعتُبر البشر المؤمنون بالله الواحد أنّهم قريبون. قام عهد بينهم وبين الله، كاتفاق ملك مع ملك، أو كتوافق عريس وعروسه. فالله هو إلههم يحامي عنهم، بل يحارب إذا اقتضى الأمر. وبُنيت حياتهم على الرجاء في هذا العالم أوّلاً بخيرات تدلّ على بركة الله، ثمّ على الرجاء في الآخرة. هم الأبناء والبنات المميّزون ولا يمكن أن يختلطوا مع الآخرين، اختارهم الله وميّزهم عن البعيدين لا سيّما وأنّ المسيح جاء من أجلهم.

فالآخرون هم البعيدون. لا تصل إليهم كلمة الله يشبهون ذاك العشار الذي لا يجسر أن يقترب من الله، فيكتفي بأن يقول من بعيد: إرحمني أنا الخاطئ. ففي النهاية، البعيدون هم الخطأة. وبما أنّ المؤمنين يحسبون نفوسهم أبرارًا، فهذا يعني أن "اللامؤمنين" هم أشرار، خطأة ومن فئة "الناس الطامعين، الظالمين، الزناة" (لو 18: 10). فماذا ينتظرون من حياة يعيشونها على الأرض تجعلهم في عداد الهالكين. أما قيل في الماضي: خارج الكنيسة، ويقال اليوم: خارج الجماعة المؤمنة لا خلاص لإنسان.

2- المسيح هدم الحاجز

وهكذا رُفع حاجز بين فئة وفئة، منذ بداية البشريّة. الرعاة في شخص هابيل، وأهل المدن والقرى في شخص قايين. وتميّز اليونان عن الذين دعوهم برابرة لأنّهم لا يعرفون اللغة اليونانيّة. وتميّز اليهود عن غير اليهود لأنّهم لا يعيشون على الطريقة اليهوديّة. وتميّز البيض عن السود، واعتبروا أن هؤلاء لا يصلحون سوى أن يكونوا عبيدًا. حاجز البغض والاحتقار، حاجز الاستغلال والعبوديّة، وفي النهاية هي عداوة بين فئة وفئة.

ولكن جاء المسيح فهدم هذا الحاجز. الحاجز يسجننا كما يسجن الآخر فيعيش كلّ واحد بطريقته. وفي النهاية يفصلنا بعضنا عن بعض. ومع الابتعاد تلد العداوة، التي تولِّد الحرب والنزاعات. نحن لا نعمل معًا، بل يعمل الواحد تجاه الآخر. وحين يحسّ أنّه الأقوى، يجعل مصلحته وأنانيّته فوق كلّ شيء. وكانت النتيجة القتل، كما في البداية: لستُ حارسًا لأخي. بل أنت حارس له بعد أن دعوته أخاك. وفي أي حال، كيف يحقّ لك أن تقتله؟ وارتفع جسر العداوة الذي هدمه يسوع بدمه. ألغاه بجسده الذي صار الجسد الذي يجمع البعيدين بالقريبين، بعد أن صار "للجميع سبيل الوصول إلى الآب في الروح الواحد".

3- ما أنتم غرباء

الغريب لا يحقّ له بشيء. هو من ذهب، ولا يُقال لماذا ذهب، ابتعد، نزح عن وطنه. هو ضعيف وليس له من يدافع عنه. الغريب في منطق الشرق هو ابن الغرب. فيجب أن يبقى الحاجز بين الاثنين بسبب الخطر الذي يجعله هذا الفريق أو الآخر. في الماضي خاف الشرق من الغرب، وأغلق المرافق والموانئ. واليوم يخاف الغرب من الشرق، الذي جعله مرادفًا للإرهاب. ويخاف الشمال من الجنوب الهارب من الجوع والظلم والحرمان. إن مضى ابن الشرق إلى الغرب فهو غريب. وفي آخر المطاف يمكن أن يكون ضيفًا موقّتًا نستغني عنه ساعة نشاء، أو نأخذ منه ماله وأملاكه. وكنا نقول عن الغرب، هو المحتلّ والطامع. يجب أن نطرده. وما نقول على مستوى العالم، نقوله على مستوى الجماعات المحلّيّة، على مستوى الطوائف من مسيحيّة وغير مسيحيّة. يجب أن يبقى الغريب غريبًا فيرتاح ابن البيت!

كلا، ثمّ كلا، هذا يكون بدون المسيح. أمّا مع المسيح فما من غريب أبدًا. كلّنا أهل البيت. وما من ضيف يقضي يومين أو ثلاثة ثمّ يمضي. منذ شريعة موسى، قيل للمؤمن: لا تضايقوا الغرباء، فأنتم كنتم غرباء. لا تجعل الغريب يعمل يوم الراحة، فأنتم حين كنتم عبيدًا ما عرفتم يوم راحة في الأسبوع، حسب اليهوديّ أنّ السامريّ غريب بالنسبة إليه، فإذا هذا الغريب يهتمّ به، ولا يهتمّ الكاهن اليهوديّ واللاويّ (لو 10: 33). يقول النص: تحرّكت أحشاؤه مثل أمّ على ابنها. فنزل عن دابته وضمّد جراحه. والمرأة الكنعانيّة هي من أهل البيت، مهما فكّر اليهوديّ وقال. ويسوع نفسه فتح لها الباب: عظيم إيمانك، أيتها المرأة، فليكن لك ما تشائين (مت 15: 28).

هكذا تبدأ طريق السلام. نتّكل على الرب الذي هو سلامنا نقرّ بخطيئتنا، ونبحث عن كلّ حاجز نضعه بيننا وبين أخينا، وبين جارنا، بين حزبنا والحزب الآخر، بين طائفتنا والطائفة الأخرى، لماذا نريد أن نبني حواجز يعمل الربّ على هدمها؟ لماذا لا نساعده فنفهم أنّنا كلّنا أهل البيت والله أبونا جميعًا، يريد السعادة لكلّ أبنائه، فإن حصرناه فينا، صار هذا الإله قسمًا، لا ذلك الحيّ الذي أرسل إبنه لكي يحصل الجميع "على الخلاص الذي في المسيح يسوع مع المجد الأبديّ" (2 تم 2: 10).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM