عيد تهنئة العذراء

عيد تهنئة العذراء

الرسالة : أف 1: 3-12

الإنجيل : لو 1: 46-55

طوبى للبطن الذي حملك

يا إخوتي، تبارك الله أبو ربّنا يسوع المسيح، باركنا في المسيح كلّ بركة روحيّة في السماوات، فاختارنا فيه قبل إنشاء العالم لنكون عنده قدّيسين بلا لوم في المحبّة، وقضى بسابق تدبيره أن يتبنّانا بيسوع المسيح على ما ارتضى وشاء، لحمدِ نعمته المجيدة التي أنعم بها علينا في ابنه الحبيب. فكان لنا فيه الفداء بدمه، أي غفران الخطايا، على مقدار غنى نعمته التي أفاضها علينا بكلّ ما فيها من حكمة وفهم، فكشف لنا سرّ مشيئته التي ارتضى في نفسه أن يحقّقها، أي التدبير الذي تمّمه عندما تكتمل الأزمنة، فيجمع في المسيح كلّ شيء في السماوات وفي الأرض.

وفيه قضى الله بسابق تدبيره، وهو الذي يفعل كلّ شيء على ما ترضى مشيئته، أن يختارنا لنسبّح بمجده، نحن الذين جعلوا رجاءهم من قديم الزمان في المسيح.

جاء الناس يهنّئون مريم بابنها. فرفعت التهنئة إلى الله. باركته، عظّمته. قالت عظيم هو الربّ. نظر إليّ أنا أمته الوضيعة، التي لا أستحقّ كلّ هذا المجد. عظيم الله الذي صنعَ فيَّ العظائم، صنع العظائم، وأي عجيبة أكبر من هذه: صرت أمّ الربّ. فأيّ شرف يضاهي هذا الشرف؟ وأيّ عمل يضاهي هذا العمل؟ ونحن معها ندخل في مخطَّط الله ونعيش سرّ الميلاد العجيب متذكِّرين بركة الله ومحبّته، بعد أن عرّفنا إلى الابن الحبيب طفلاً بين أطفالنا نراه بعيوننا، نسمعه بآذاننا، نلمسه بأيدينا.

1- تبارك الله

الله مبارك هو. يستحقّ أن نسجد أمامه على ركبنا. أعطانا كلّ بركة. كانت بركات عديدة في الكتاب المقدّس. منذ البداية، بارك الله الإنسان، الرجل والمرأة معًا، وقال لهم: أنموا واكثروا واملأوا الأرض. وما زالت البركة حاضرة في قارّة تجاوزت ستّة مليارات من البشر. وبارك إبراهيم في بداية مسيرة الإيمان، فصار المؤمنون بالله الواحد يقاربون نصف البشريّة. وبارك يعقوب ويوسف وموسى. وبارك كلّ واحد منّا ببركات صغيرة أم كبيرة مفرّقًا علينا نعمَه بطريقة مجّانيّة.

ولكنّ البركة الكبرى كانت في عطيّة الابن. أعطانا الله ابنه فما ترك شيئًا لنفسه. أعطانا فيه كلّ شيء. فما بقي له ما يعطيه. ولكن إذ أعطانا يسوع لن يبخل علينا بأيّ عطيّة. بل صار يسوع عطيّة الآب للعالم. به تمّ الخلق. به تمّ الفداء. هو الوسيط الوحيد بين الله والبشر. وهكذا حلّت بركة الله بملئها وكمالها في العالم، في المسيح يسوع، في السماوات وعلى الأرض.

2- الذي بمحبّته تبنّانا

ما نحن أحببنا الله أوّلاً، بل هو أحبّنا وأرسل ابنه كفّارة عن خطايانا. ويقول يوحنّا: "هكذا أحبّ الله العالم حتّى إنّه أرسل ابنه الوحيد". أجل، عمل الله وتدبيره من فعل محبّة، أين منها محبّة الوالدين لأولادهم. هذا الأب والأمّ معًا. يخبرنا عنه هوشع كيف علّم ابنه المشي، حمله على ذراعه، لامس وجهه وجهه.

هذه المحبّة بدأت بالابن. فالآب يحبّ الابن ويعطيه كلّ ما له. والابن يحبّ الآب ويعطيه كلّ ما له. ونحن ندخل في هذه المحبّة بفعل الروح القدس الذي هو الحبّ الجامع بين الآب والابن. نحن نصير أبناء مع الابن. إذا كان يسوع ابن الله بالطبيعة. فكلّ واحد منّا ابن الله بالتبنّي. صرنا أبناء، صرنا ورثة. فتشرّفنا بأن نموت معه لكي نقوم معه. وكلّ هذا لمجده، لا بسبب استحقاقنا. وكلّ هذا، نعمة منه ليجعلنا في نعيم معه.

3- وعرفنا سرّ مشيئته

مع عيد الميلاد، دخلنا في السرّ، سرّ تدبير الله الخلاصيّ. سرّ التجسّد: ما كنّا لنتخيّل هذا السرّ: أن يصير ابنُ الله إنسانًا. أن يصير الكلمة الذي هو لدى الله، بشرًا، إنسانًا من لحم ودمّ، ويسكن بيننا فنرى مجده. ولكنّ الآب عرّفنا بهذا السرّ. أعطانا أن نعيشه في التاريخ منذ ألفي سنة تقريبًا، ونعيشه كلّ سنة في طقوسنا، في عيد الميلاد المجيد.

تمنّى العهدُ القديم، ولا سيّما إيراهيم، أن يروا يوم الابن، فما رأوه. أمّا نحن فرأيناه. عرفناه هو من كلمة الحياة. عرفنا الابن الذي هو الصورة الكاملة عن الآب. عرفنا أنّ الله محبّة. تنازل إلى هذا القدر. هو الذي لا تسعه السماوات حلّ في حشا مريم. هو الذي خلق الكون، وُضع في القمط، في مذود صغير. إلى هذا المستوى وصلت محبّة الآب الذي "تخلّى" عن ابنه الذي "أخلى" ذاته وما تمسّك بلاهوته، فصار عبدًا طائعًا حتّى الموت والموت على الصليب. فالميلاد في مذود يشير إلى الإقامة في القبر، والنور الذي شعّ في بيت لحم سوف يشعّ في أورشليم نورًا يصل إلى العالم كلّه، مع من هو نور العالم. بحيث من يتبعه لا يسير في الظلام.

أتينا نهنئ مريم بولادة يسوع. وقلنا له: طوبى للبطن الذي حملك. ولكنّ التهنئة لا تقف على مستوى ولادة بالجسد. مريم صارت أمّ الله وتميّزت عن كلّ نساء العالم. والتهنئة التي حملناها غداة عيد الميلاد صارت تهنئة لنا نحن الذين نلنا بركة البركات بميلاد الابن. ونعمة النعم حين كان لله أن يتبنّانا بمحبّته فيعرّفنا بسرّ مشيئته.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM