القسم الثلاثين:مثل الكرّامين القتلة

      مثل الكرّامين القتلة 21: 33- 43

غرس ربُّ بيت كرماً وارسل يطلب ثمراً
وظّف السيد مالاً كثيراً في كرمه. واهتمّ به اهتماماً خاصاً، وخاطر بكل ما لديه. ولكنّه ليس ذلك المستثمر الذي يطلب الربح. فعلينا بالأحرى أن نتأمّل حبّه الجنوني الذي ظلّ يثق برجاله رغم كل شيء. ونتأمل باعجاب في عمله والأخير، عمله البسيط والانتحاري: أرسل ابنه. ولكن ما الذي دار في خلد الكرّامين؟ ظنّوا أن المناسبة جاءت وأنهم سينجحون بالاحتفاظ بهذا الكرم ميراثاً لهم.
يشدّد النص على الثمرة. هذا لا يعني أن السيّد يطلب الربح، ولكن أن علينا أن نكون فاعلين في كرم الرب. فالرب سيطالبنا بالحساب. ما هي الثمار التي نقدّمها له؟ سنتعجبّ حين نرى غير المؤمنين يعملون أكثر منا من أجل تقدّم البشريّة. فهؤلاء ينتظرون أشارة لكي يدخلوا إلى الملكوت من الباب الواسع.
ويتفرّد متّى فيعلن أن الكرم أُعطي لأمّة تُثمر ثمراً. إنه دلّ على الشعب اليهودي. وقد دلّ علينا: قد يأتي جيل يكون أهلاً لهذا الميراث أكثر منا نحن الذين أردنا أن نستثمره ولا نخدمه. نحن هنا أمام نداء إلى الرجاء، والمستقبل مفتوح أمامنا.
الذين يُثمرون ثمراً هم هؤلاء المرسلون الذين رذلهم الكرّامون القتلة. هم الشهداء الذين سفكوا دماءهم أمانة لله. وهذا الابن الذي طُرح خارج الكرم؟ لا بدّ من ان نفكِّر في هذه الخمرة التي تحولّت إلى دم المسيح المسفوك لأجلنا نحن الكثيرين. ويسوع المرذول صار حجر الزاوية في البناء كله. بناء سريع العطب ولكن يسوع يعيد بناءه.
هذا عجيب في عيوننا. صار العنف ينبوع مغفرة. والرفض يثبت كرامة الفقير. وتتحوّل الثمار إلى عطاء الذات. والجماعة العتيقة قد تجدّدت. ما كاد ينتهي في مأساة، ما كان ينبوع قلق، قد تحوّل بفضل نظرة جديدة ورجاء لا يقهر. فالذي يعرف أن ينظر إلى الامور، يفهم أن حبّ الله يتغلب على كل الحواجز التي تقف في طريقه.
وهذا الخبر هو تنبيه لنا: مرّ الله في حياتنا فلم نتنبه إلى مروره. يبقى علينا أن نقرأ ما عمله الله في حياتنا ليكون فرحنا نقياً. والويل لنا إن خسرنا ما اعطيناه بسبب إهمالنا وعدم انتباهنا!
سيُدهشنا الله دوماً بمآثره. زرع كرمه بصبر وطول اناة. نظّم كل شيء لتكون الغلال مذهلة. ولكن ابنه هو الذي وُضع في المعصرة (سفك دمه).
كان على شعب العهد القديم أن يعطي أفضل العنب، أفضل الثمار، أفضل العصير. ولكن خرج من المعصرة دم ذكي، أُهرق ظلماً.
هل انتقم ربّ الكرم؟ لا يتحدّث يسوع في نهاية المثل عن العقاب، بل سامعوه. لم يصبّ سيّد الكرم غضبه على القتلة. بل بدّل الوضع فخرجت الحياة من الموت.
ما هو عجيب يبقى حاجزاً أمامنا. دم المسيح هو الماوية التي تسري في الأغصان المرتبطة بالجذع لتعطي ثماراً جديدة في الكرم الجديد الذي هو الكنيسة. أي: نحن كلنا، نحن المعمدون الذين نؤلّف الشعب الجديد.
كل سر الكنيسة حاضرٌ في هذا المثل عبر الصور الملموسة: نحن الرب وبيته. نحن مرتبطون ارتباطاً حميماً بالمسيح الذي يستند الجميع إليه. انه جذع الكرمة وحجر الأساس.
والكنيسة هي جسد حيّ رأسه المسيح ونحن أعضاؤه.
موضوع الكرمة أيضاً. وها هو الإنجيلي يقدّمه الآن في بُعده الدراماتيكي. فمع مثل الكرّامين القتلة، نسمع النداء الاخير الذي يُطلقه يسوع إلى إخوته اليهود: أنتم الذين قتلتم مرسلي الآب الواحد بعد الآخر، هل ستقتلون ابنه أيضاً؟ وكلّنا يعرف كيف انتهى الخبر... فمن خلال هذا التعليم المظلم نستشّف سماء منيرة. فابن الكرّام الذي أذلّ وقُتل سيكون حجر الزاوية في العهد الجديد والابدي. وينشد المزمور 118: هذا هو عمل الرب وهو عجيب في عيوننا.
هلاّ اكتشفنا عمل الله فينا وفي الكنيسة! وهلاّ تساءلنا عن دورنا في هذا العمل!

     



Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM