الأحد العاشر من زمن العنصرة

الأحد العاشر من زمن العنصرة

الرسالة: 1 كور 12: 1-11

الإنجيل: مت 12: 22-32

حين يلهمنا الروح

يا إخوتي، أمّا المواهب الروحيّة، أيّها الإخوة، فلا أريد أن تجهلوا حقيقتها. تعرفون أنّكم، عندما كنتم وثنيّين، كنتم تندفعون إلى الأوثان البكم على غير هدى. أمّا الآن فاعلموا أنّ ما من أحد إذا ألهمه روح الله يقول إنّ يسوع ملعون من الله، ولا يقدر أحد أن يقول إنّ يسوع ربّ إلاّ بإلهام من الروح القدس.

فالمواهب الروحيّة على أنواع، ولكنّ الروح الذي يمنحها واحد. والخدمة على أنواع، ولكنّ الربّ واحد. والأعمال على أنواع، ولكنّ الله الذي يعمل كلّ شيء في الجميع واحد. كلّ واحد ينال موهبة يتجلّى فيها الروح للخير العام. فهذا ينال من الروح كلام الحكمة، وذاك ينال من الروح نفسه كلام المعرفة. والروح الواحد نفسه يهب أحدهم الإيمان، والآخر موهبة الشفاء، وسواه القدرة على صنع المعجزات، والآخر النبوءة، وسواه تمييز الأرواح، والآخر التكلّم بلغات متنوّعة، والآخر ترجمتها. وهذا كلّه يعمله الروح الواحد نفسه موزّعًا مواهبه على كلّ واحد كما يشاء.

في إطار العنصرة وحلول الروح القدس على التلاميذ، وهو زمن لا نزال نعيش فيه وصولاً إلى زمن الرسل والكنيسة. في هذا الإطار يفهمنا يسوع عمل الروح فينا، وفي جماعاتنا. نحن نعرفه بالإيمان. نعرف قدرته. ونتميّزه في كلّ تفاصيل حياتنا، إذا سمحنا له أن يدخل إلى قلوبنا. ولكن ما أتعسنا إن نحن لم نتعرّف إليه وإلى عمله، بل نحن هالكون إن نسبنا عمله العظيم إلى "روح شرّير"، إلى أصنام بكماء لها ألسن ولا تحكي، آذان ولا تسمع، عيون ولا ترى، أيدٍ ولا تفعل. حينئذٍ يكون كلامنا تجديفًا، رفضًا لله ولأنواره. نصبح عميانًا على مستوى الفرّيسيّين ونحسب نفوسنا أنّنا نرى. مثل هذا الرياء لا شفاء منه. وهذا الكذب الكبير يقود إلى الهلاك. أمّا الرسول فجعل عمل الروح القدس في قلب الثالوث. وكلّ هذا من أجلنا ومن أجل خلاصنا. كلّ هذا من أجل بنيان الكنيسة وكلّ واحد منّا.

1- المواهب

الله يهب، يعطي، يمنح بطريقة مجّانيّة. كلّ ما لنا هو هبة من عند الله. ولا شيء من عندنا إطلاقًا. لهذا، إن نحن افتخرنا بما أعطانا الربّ، نفتخر بالربّ لا بنفوسنا. والمواهب في الكنيسة هي حمل الكلمة، مرافقة المرضى، تدبير بيت الله، الدعوة إلى الإيمان. مواهب عديدة لأنّ الحاجات عديدة.

ولكنّ الإنسان لا يتفرّد بموهبته وكأنّها شيء يخصّه. كلّ ما أعطي إنّما هو من أجل الجماعة، كالنار التي لا تشتعل إذا جعلناها تحت الرماد. والموهبة لا تنمو إن لم تكن من أجل بنيان الكنيسة. هي نهر يجري من ينبوع. وهذا الينبوع هو الروح. فإن صارت الموهبة موضع أنانيّة، صارت مياهًا آسنة، أو أرضًا جافّة. الروح محبّة والموهبة لا تنتعش إلاّ بالمحبّة.

مواهب عديدة وروح واحد. النبع واحد. والسواقي كثيرة. لي موهبتي ولقريبي موهبته. هنيئًا لمن يكتشف هذه الموهبة ويتجاوب مع الروح في "المتاجرة". وهنيئًا لمن اكتشف عند الآخرين الموهبة التي نالوها، فمجّد الروح بسببهم. والويل لمن يحسب موهبته الوحيدة في الكنيسة، وسائر المواهب ليست بشيء. هو وحده "المؤمن" وعلى الآخرين أن يتبعوه، أن يسيروا وراءه، جعل نفسه المسيح! هذا يجدّف على الروح. ولكن تبقى الطريق مفتوحة إلى التوبة قبل فوات الأوان.

2- الخدم

ربط الرسول المواهب بالروح. ويربط الخدم بالربّ يسوع المسيح. فالمواهب هي من أجل الخدمة. أعطيتَ كلام الحكمة، فلماذا لا تقوله. وخصوصًا إذا لم تكن حكمتنا بشريّة فحسب. الحكمة الحقّة هي حكمة الصليب. أعطيتَ موهبة الشفاء، فكيف تحتفظ بها لنفسك؟ هذا يعني أنّك تحتاج إلى طبيب من نوع آخر، يشفي ما فيك من كسل، ويخرجك من ذاتك لكي تكون للآخرين.

الخدمة. الخادم. هكذا كان يسوع المسيح. هو جاء ليخدم ويبذل حياته. هل نريد نحن طريق غير طريقه. والخدمة ثمرة المحبّة، بل الثمرة الأولى. المحبّة وحدها تخدم. والخدمة الحقّة من أجل الآخرين، هي العلامة التي لا تخطئ عن محبّتنا لله. كان يسوع عند أقدام تلاميذه. غسلها. هذا ما لا يفعله العبد، بل الأب والأمّ، بل الإنسان المحبّ.

ولكلّ إنسان خدمته. والخدم تتوحّد في شخص المسيح. هو يتابع عمله في الكنيسة وفي جماعاتنا. نحن نعمل معه وبه. أو بالأحرى هو يعمل بنا. يمسك بيدنا لتعمل، وفمنا ليتكلّم وقلبنا ليحبّ. خدمة واحدة وهي تحاول أن تصل إلى الجميع، على محتاجي الجسد ومحتاجي الروح. ونحن ما هي خدمتنا؟ وكيف نمارسها؟

3- الأعمال

قال يسوع: أبي يعمل وأنا أعمل. فالله خلق السماء والأرض. وهو يخلقها الآن، وفي كلّ آن. خلق كلَّ واحد منّا على مستوى الزمن بالنسبة إلينا. ولكن لا زمن عند الله كلّ شيء أمامه حاضر. هو الآن يخلقنا على صورته ومثاله. هو يعمل ولن يزال يعمل. وفكره عمله، وقوله فعله. لا مسافة بين الاثنين كما هو الأمر عندنا.

والله يدعونا إلى العمل. هكذا نبتعد عن الفرّيسيّين الذين يقولون ولا يعملون. يعطون الأوامر للآخرين، ويوضحون الوصايا والشرائع فيجعلونها حملاً على أكتاف الناس وهم لا يحرّكونها بإحدى أصابعهم. المسيحيّ هو من يعمل ويفرح في العمل، لأنّ العمل ينميه جسدًا وعقلاً وروحًا وإمكانيّات. وإنسان لا يعمل هو ميت.

والأعمال على أنواع. لكلّ واحد عمله. وهو يسير في خطّ الموهبة التي نالها. وذلك من أجل الخدمة التي يطلبها الربّ يسوع منه: تعال وساعدني. إحمل صليبي معي. رافقني في هذه المهمّة. العمل في النهاية هو عمل الله. فلماذا المزاحمة والحسد والخصام؟ الربّ يفرح بأعمالنا. هو يراها من أعلى سمائه كيف تتكامل، الأعمال المادّيّة منها (الحدّاد، الخبّاز، البنّاء...) والأعمال الروحيّة. وهو يفرح حين يأخذ كلُّ واحد مكانه فيقوم بما يطلبه منه الله دون أن ينسى الذين حوله.

مواهب كثيرة أعطيت لنا. نكتشفها. نجعلها لأجل الخدمة والبناء. والويل لنا إن كنّا من المتكاسلين على مثال أهل تسالونيكي المنتظرين عودة الربّ. دعاهم الرسول: تجنّبوا كلّ أخ بطّال (2 تس 3: 6). وقال: إعملوا، ولا تملّوا من عمل الخير.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM