الأحد الرابع من زمن العنصرة

الأحد الرابع من زمن العنصرة

الرسالة : 1 كور 2: 11-16

الإنجيل : لو 10: 21-24

الإنسان البشريّ والإنسان الروحانيّ

يا إخوتي، فمن هو الذي يعرف ما في الإنسان غير الروح التي في الإنسان؟ وكذلك ما من أحد يعرف ما في الله غير روح الله. وما نلنا نحن روح هذا العالم، بل نلنا الروح الذي أرسله الله لنعرف ما وهبه الله لنا. ونحن لا نتكلّم عليها بكلام تعلّمه الحكمة البشريّة، بل بكلام يعلّمه الروح القدس، فنشرح الحقائق الروحانيّة بعبارات روحانيّة. فالإنسان البشريّ لا يقبل ما هو من روح الله لأنّه يعتبره حماقة، ولا يقدر أن يفهمه لأنّ الحكم فيه لا يكون إلاّ بالروح. وأمّا الإنسان الروحانيّ، فيحكم في كلّ شيء ولا يحكم فيه أحد. فالكتاب يقول: "من هو الذي يعرف فكر الربّ ليرشده؟" وأمّا نحن، فلنا فكر المسيح.

في إطار مسيرتنا بعد العنصرة، نفهم، يومًا بعد يوم، عمل الروح في الكنيسة وفي العالَم وفي كلِّ واحد منّا، شرط أن نكون من البسطاء الذين لا يعقِّدون الأمور. أن نكون من الأطفال الذين يثقون بأبيهم السماويّ. أمّا إذا أرادوا أن يكونوا حكماء بحكمة هذا الدهر، فلن تصل إليهم البهجة التي تحدّث عنها يسوع. وإذا اعتبروا نفوسهم أفهم من يسوع، فمثل هذا الفهم هو إلى زوال، ويبقي في الفمّ طعم المرارة، على مثال ما فعل أولئك الذين هزئوا بالبارّ، كما يقول سفر الحكمة: "توهّموا، ولكنّهم خدعوا نفوسهم لأنّ الشرّ أعمى بصائرهم (حك 2: 21) وحين انفتحت عيونهم على الحقيقة، داهمهم الموتُ قبل ساعة الندم.

1- الإنسان البشريّ

أتى بولس إلى كورنتوس وحدّث أهلها. فآمن عدد كبير منهم وتوزّعوا في جماعات تلتئم يومًا في الأسبوع. تسمع كلام الله، تشارك في عشاء المحبّة حيث الكثير لا يفضل عنه، والقليل لا ينفعه، وفي النهاية تشارك في العشاء الربّانيّ وهي ترجو أن لا يكون هذا الطعام للحكم عليها والدينونة.

في هذه الحال، يكون الإنسان البشريّ هو الذي يتصرّف. يأتون إلى عشاء الربّ. الغنيّ مع الغنيّ. والفقير يُجعل جانبًا. أو كما يقول القدّيس يعقوب: "قفْ أنتَ هناك. أو: إجلس عند أقدامنا". (يع 2: 3). وماذا يبقى من طعام لهؤلاء الذين تكدّسوا في الرواق وما كان لهم مكان إلى المائدة؟ واحد يشبع، يرتوي، يسكر، والآخر يمضي جائعًا.

ذاك هو التصرّف البشريّ في الكنيسة. فتعليم المسيح لم يصل إلى مثل هؤلاء الناس. هم مسيحيّون بالاسم والهويّة، هم في مجتمع مسيحيّ وفي عادات مسيحيّة، ويتصرّفون تصرّف البشر، كعادات البشر وتقاليدهم. نعامل الناس كما يعاملوننا. نحبّهم إذا أحبّونا، نبغضهم إذا أبغضونا. نُهملهم إن لم يكن لنا عندهم مصلحة. وضاعت مجّانيّة الإنجيل التي تكلَّم عنها الإنجيل: إن أحببتم من يحبّونكم... إن أحسنتم إلى المحسنين إليكم... إن أقرضتم من ترجون أن تستردّوا منهم قرضكم... إن كنّا مثل هؤلاء، لم ترتفع بعد عقولنا وقلوبنا إلى العلاء. وحين نشارك في الذبيحة، لا نرتفع إلى الصليب الذي يجتذبنا يسوع إليه، وبالتالي نبقى ناظرين إلى السماء، وكلّ اهتمامنا بالأرض كأنّها غايتنا ومن حياتنا.

2- الإنسان الروحانيّ

هو ذاك الذي يقوده روح الله. ينيره بأنوار الإنجيل. إنّه لا يتصرّف بسرعة، بل بصمت، يتأمّل، ينتظر. ليس هو من يوجّه حياته بحسب أحكامه البشريّة. فالنمل عديد على الأرض، والناس مثلهم يسيرون. والخراف كثيرة والواحد منّا يسير وراء الخروف الذي قبله ولا يخرج من الصفّ لئلاّ يهزأ به الناس. يلبس كما يلبسون. يفعل كما يفعلون. يفكّر كما يفكّرون. وكلامه باهت مثل كلام من سبقه. باطل، باطل.

كانت الأم تريزا ده كلكوتا مثل هؤلاء. خرجت من الصفّ. تركت القطار الذي جعلوها فيه. تركت الروح يعمل فيها فتبدّلت حياتها وشهدت للمسيح في العالم. وأيّة شهادة! ومار شربل ترك الصفّ وعرف زوال ما يتعلّق به البشر على الأرض، ويتمسّكون به ويخافون أن يُفلت منهم. والقدّيسة رفقة نظرت إلى الألم نظرة روحيّة، لا بشريّة. لماذا التأفّف والتجديف والانغلاق على الذات ورفض الله؟ كان المرض هنا. سرطان في العظم. مثلها كثيرون. ولكن تركت الروح يفهمها. فكان تجاوبها مع المصلوب عميقًا.

الإنسان الروحانيّ يعمل ولا ينتظر حكم البشر، بل حكم الإنجيل. هو يتكلّم لا كلام البشر وتكراره، على ما كان يفعل الكتبة في زمن المسيح. ولا يستقي حكمة البشر التي هي في النهاية جهالة. كلّ هذا يعني أنّنا ننفتح على الروح نسمع له في الأعماق، ونقرأ إنجيلنا على هدي الروح الذي يوصلنا إلى الحقيقة كلّها، كما قال لنا يسوع.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM