أعراس أورشليم مع إلهها 62:1-5

أعراس أورشليم مع إلهها

62:1-5

يبدو ف 62 في امتداد ف 60 - 61. مع المواضيع عينها: كلام عن الغرباء، عن العزّ والبهاء، عن الخلاص والبرّ، عن المديح، بل الاندفاع في المديح. لقد حلّ الضياء الآن على المدينة التي اعتبرت أنّ الربّ تخلّى عنها فصارت وحدها معزولة ثكلى. معبد الربّ عاد إليها بمجده وفدائه وقداسته وجزائه. هو النبيّ يتحدّث عن مجد أورشليم الآتي، مع عودة علاقات الحبّ مع الربّ. فالربّ ما زال يهتمّ بالمدينة المقدّسة، بالقدس، بعد أن أراحها من كلّ من يريد لها سوءاً، بحيث يأتي إليها المفديّون من كلّ جانب.

ونقرأ نصّ أشعيا (62:1 - 5)

1 لأجلك، يا صهيون، لا أسكت،

لأجلك، يا أورشليم، لا أهدأ،

حتى يخرج كالضياء حقُّك،

وكمصباح متّقد خلاصك.

2 فترى الأمم حقّك،

وجميع الملوك مجدك،

وتُدعين باسم جديد

يعيّنه فمُ الربّ.

3 تكونين إكليل عزّ في يد الربّ،

وتاج ملك في كفّ إلهك.

4 لا يقال لك من بعد: هجرها أهلُها،

ولأرضك من بعد: أرض خراب.

بل يقال: هي موضع سروري

ولأرضك: هي الزوجة

لأنّ الربّ يُسرّ بك،

وتكون الأرض زوجة له.

5 فكما يتزوّج الشاب بتولاً

كذلك بانيك (= الربّ) يتزوّجك

وكسرور العريس بالعروس،

يفرح بك الربّ إلهك.

1 - سياق النصّ

سنة 587 ق م، أخذت أورشليم، وهُدم الهيكل، ومضى الشعب إلى المنفى. بعد أن خسر «المهجّرون» كلّ شيء وأحسّوا بالقهر، اكتشفوا ازدهار العاصمة الوثنيّة على المستوى الاقتصاديّ والثقافيّ. حُرموا من هيكلهم وعبادتهم، فاكتشفوا عظمة الليتورجيا إكراماً لمردوك وعشتار. وتساءلوا أمام «تشامخ» الوثنيين: هل تخلّى الربّ عن شعبه؟ أين هي مواعيده؟ وهكذا كان زمنُ السبي خطراً قد يغرق فيه إيمانُ الشعب.

في الواقع، لم يكن شيء من ذلك. فهذه الحقبة تميّزت بجديد في إيمان الشعب بفضل الأنبياء الذين رفضوا اليأس وربّوا الشعب على الرجاء. قالوا: الله أمين. وباسم هذه الأمانة عينها نجد شرحاً للشقاء الحاضر: خطئ اسرائيل فعاقبه الله. ولكن إن كان الله حفظ وعيده فعاقب، فهو أيضاً يحفظ وعوده حين يخلّص. أجل، سوف يخلّص الربّ شعبه إن عاد الشعب إليه وتاب عن خطيئته.

في مناخ الرجاء هذا وُلدت ف 40 - 55 في سفر أشعيا، في ما سُمّي كتاب التعزية. دُوّنت في نهاية المنفى فأعلنت للمسجونين أنّ عودتهم إلى أورشليم باتت قريبة: إنّ الله سيحرّرهم في خروج جديد يتفوّق كلّ التفوّق على مآثره السابقة ومعجزاته.

ونتخيّل فرح المنفيّين وأملهم حين حرّرهم كورش سنة 539، فعادوا إلى أرضهم، الأرض المقدّسة: لقد وفى الله بمواعيده، وظهر فجرُ ولادة جديدة من أجل أورشليم. ولكن ما عتّم العائدون أن خاب أملهم أمام الواقع: مدينة مدمّرة مع عوائق هائلة في وجه البناء، وأوّلها معارضة متنامية من قبل الناس الذين حلّوا محلّ المسبيّين. في هذا الجوّ وُلدت ف 56 - 66 في ارتباطها مع ف 40 - 55، قسمان قريبان ولكن مختلفان جداً. ولكن في الجهتين نجد نداء إلى الرجاء.

وكوّنت ف 60 - 62 وحدة مميّزة في أشعيا الثالث (ف 56 - 66). هي ترتبط بشكل خاص بأشعيا الثاني (ف 40 - 55)، وقد تعود إلى السنوات الأولى من العودة. بدا الهيكل وكأنّه بُني (60:7: على مذبح الربّ)، أمّا المدينة فما أُصلحت بعدُ أسوارها (62:7: لا تَدَعوا الربّ يهدأ إلى أن يثبّت دعائم اسرائيل). هذه الأناشيد تحتفل بقيامة ساطعة لأورشليم، وينفتح ف 62 على نشيد فرح إكراماً لها.

أمّا 62:1 - 5، فيُقسم إلى اثنين: في آ 1 - 3، يصوَّرُ مجد أورشليم. وفي آ 4 - 5 يتحوّل وضعُها تحوّلاً تاماً. وها نحن نتوقّف عند الآيات نفسّرها.

1 - النداء (62:1)

بُنيت هذه الآية الأولى في توازٍ مزدوج، بحسب نهج عرفه الشعر العبريّ

آ 1 أ: لأجل صهيون لا أسكت.

آ 1 ب: لأجل أورشليم لا أهدأ.

وتجاه هذين الشطرين نقرأ شطرين آخرين متوازيين:

أ 1 ج: حتى يخرج كالضياء حقها (صدقها، برّها)،

أ 1 د: وخلاصها كمصباح متّقد.

من يتكلّم؟ هو النبيّ الذي حدّد رسالته في الفصل السابق: أراد أن يُعلن خلاص الله، فنال روح الله وأعلن بشرى التحرير للمساكين:

61:1 روح السيّد الربّ عليّ،

لأنّ الربّ مسحني له.

أرسلني لأبشّر المساكين،

وأجبر المنكسري القلوب.

لأنادي للمسبيّين بالحرية

والمأسورين بتخلية سبيلهم.

2 وأنادي بحلول سنة رضاه

عقاب إلهنا لمعاديه.

 

3 لأعزّي جميع النائحين في صهيون.

ماذا نعرف عن شخصيّة هذا النبيّ الذي نجهل اسمه؟ هو من مدرسة أشعيا التي امتدّت طويلاً فأعادت قراءة ما قال هذا المعلّم الكبير منذ القرن الثامن (740 - 701) على ضوء الأحداث المستجدّة، من ذهاب إلى المنفى بعد خسارة كلّ شيء، إلى عودة لبناء ما تهدّم في النفوس قبل أسوار أورشليم وهيكلها. هو يكلّم أناساً يتذكّرون الربّ، يرفعون إليه الدعاء والتسبيح (62:7). من المعقول أن تكون هذه القصيدة أُنشدت خلال احتفال ليتورجيّ، ربّما في احتفال دخول إلى أورشليم كما نقرأ في 62:10:

هيّا، اعبروا الأبواب،

هيّئوا طريق الشعب،

مهّدوه ونقّوه من الحجارة،

وارفعوا الراية للشعوب.

في الأصل، لا تتماهى «صهيون» مع «أورشليم». فهذه تدلّ على المدينة، أمّا صهيون فهي القلعة التي بُنيَ عليها الهيكل، فصارت أقدس مكان في المدينة. ولكن إذا كان مجد الربّ يملأ المدينة، فأورشليم كلّها صارت «صهيون»، صارت قدساً للربّ. مثل هذا التماهي بين صهيون وأورشليم أمر عاديّ في أشعيا.

إلى متى لن يهدأ الربّ ولن يصمت؟ إلى أن يبرز الضياء على مدينته، ويصل الخلاص إلى شعبه. هي صوَرٌ معروفة ترسم موضوع الخلاص. وهي تتّخذ هنا مضموناً أصيلاً. «الحقّ أو البرّ (ص د ق ه) يكون مع «الخلاص» (ي ش و ع ه) كما في 45:8:

هلّي ايتها السماوات من فوق،

ولتمطر الغيوم الصدّيق «ص د ق ه»

لتنفتح الأرض فينبت الخلاص.

هذا ما يفعله من هو إله «ص د ي ق» ومخلص (آ 21). وفي 46:13:

قَرُب برّي (ص د ق ت ي) فلا يبعُد،

وخلاصي لا يتأخّر.

وقال الله في 51:5:

برّي قريب وخلاصي آتٍ

وذراعاي تحكمان الشعوب.

في الأصل، البرّ هو حالة من البراءة والكمال يُعترف بها أمام منبر الله. إنّها من عند الربّ، كما قيل في 54:17: «هذا ميراث عباد الربّ، وبرّهم من عندي، يقول الربّ». فالله وحده يقدر أن يُتمّ هذا الخلاص من أجل فرد من الأفراد أو شعب من الشعوب. ووحدَهُ يخلّص باسم برّه وحقّه، باسم صدقه.

غير أنّ هذا البرّ لن يكون حصّة الشعب كلّه إلاّ بعد تجديد تام يأخذ شكل دينونة. حينئذ يتحقّق الخلاص، فيشارك الشعب في برّ الله نفسه. وهذا التحقيق يكون الحدث الحاسم في التاريخ، وتتمّة كلّ رجاءات أورشليم. أنشد النبيّ رجاءه، وأعلن أنّه متيقّن من تدخّل الله القريب الذي سيجعل البرّ يتفجّر كالنبع ومعه الخلاص. تساوى اللفظان، البرّ والخلاص، فدلّ النبيّ على أنّه احتفظ من البرّ بوجهة الخلاص فقط. فإنّ ف 60 - 62 اختلفت عن ف 56 - 59، 63 - 66، وتقاربت من 40 - 55 فأعطت دوماً لهذا البرّ، معنى تدخّل إلهي يحمل الخير.

60:17 بدل النحاس آتيكِ بالذهب،

وبالفضّة بدل الحديد،

بالنحاس بدل الخشب،

وبالحديد بدل الحجارة،

وأجعل افتقادي لك سلاماً،

واقترابي منك برّاً.

61:10 فرحاً أفرح بالربّ،

وتبتهج نفسي بإلهي.

ألبسنَي ثيابَ الخلاص،

وكساني رداء البرّ.

كعريس يستحمّ بالغار،

أو عروس تتزيّن بالحلي.

11 فكما الأرضُ تخرج نباتها،

والحقلة تنبت زرعها،

كذلك يُنبت السيّد الربّ البرّ

فيتمجّد أمام جميع الأمم.

ولكن تبقى الأصالة الحقيقيّة لهذه الآية في موضع آخر. نحن ننتظر عادة أن نقرأ: برّ الربّ، خلاص الربّ. أو: خلاص يمنحه الربّ لاسرائيل. ولكنّ النصّ يقول فقط: «برّها» (هي). «خلاصها» (هي). هو خلاص أورشليم أو صهيون. وهكذا نجد وجهة «وطنيّة متطرّفة» في هذه القصائد التي تدلّ على حبّ الكاتب لأورشليم. لهذا، خفّفت السبعينيّة من هذه الجرأة، فجعلت الربّ يتكلّم: «إلى أن يشعّ برّي، خلاصي». غير أنّ السريانيّة البسيطة لبثت قريبة من العبريّة، فقالت: «إلى أن يخرج برّها كالنور، وخلاصها كالمصباح يتّقد».

3 - مجد أورشليم تجاه الأمم (62:2 - 3)

توجّه النبيّ مباشرة إلى أورشليم، وأنشد المجد الذي وُعدت به. لا يمكن أن تبقى مختبئة، لأنّ لفظ «البرّ» تضمّن في الأصل بُعدَ إعلانٍ قضائي. هي دينونة يُعلنها الربّ أمام الجميع. ويتكامل اللفظان «مجد - برّ»: فالمجد هو القيمة الحقيقيّة لشخص من الأشخاص، «وزنه». وهذا المجد هو أوّلاً خاص بالله بنفسه. فهو وحده «له ثقله». وهذا المجد يشعّ على مدينة الله. ويكون دور الأمم مشاهدين لانتصار صهيون. ولا يُقال إنّهم يشاركون في هذا الانتصار وفي هذا الخلاص.

وهكذا تستعيد أورشليم مكانتها، وكأنّها «تثأر» لنفسها. فيقال لها:

 

60:3 فتسير الأمم في نورك،

والملوك في ضياء اشراقك.

4 تطلّعي وانظري حولك:

جميعهم قادمون إليك.

5 ثروة البحار تنتقل إليك،

وغنى الشعوب إليك يعود.

انقلب الوضع رأساً على عقب. من كانوا أسياداً صاروا عبيداً، والتي عرفت الضيق قد سيطرت الآن. ستعيش صهيون من غنى الأمم «وترضع لبن الشعوب، وتمتصّ ثروة الملوك» (60:26). غابت نظرةُ الشموليّة التي وجدناها في أشعيا الأوّل (2:1 ي)، الذي رأى الأمم يصعدون في حجّ إلى صهيون وينعمون بسلام أبديّ. وهنا نحن بالأحرى أمام ردّة فعل «ثأريّة» نفهمها على ضوء ملموس في أورشليم التي دمّرها «الأمم».

وبعد أن استعمل النبيّ في آ 1 صور النور ليدلّ على خلاص صهيون، ها هو يُدخل في نهاية آ 3 عبارات تعود بنا إلى عيد ملكيّ، إلى حفلة عرس ستُصبح في آ 4 حقيقة وواقعاً.

4 - اسم جديد لأورشليم (62:4)

موضوع الاسم الجديد الذي يُعطَى لأورشليم، قد هُيّئت له الطريق في آ 2 ب: «تُدعَين باسم جديد تعيّنه كلمة الربّ». موضوع الاسم مهمّ جداً في الكتاب المقدّس. من سمّى شخصاً بدا وكأنّه خلقه، أو عرّف بما هو في الحقيقة. لهذا، كان إعطاء الاسم لطفل أمراً مهماً جداً. أمّا الربّ فكان متحفّظاً، فما أعطى اسمه. هو الذي هو. في الصراع مع يعقوب، قال الربّ: «لماذا تسأل عن اسمي» (تك 32:30)؟

موضوع الاسم المعطى لأورشليم موضوع متواتر عند الأنبياء ولا سيّما عند أشعيا. فبفضل تدخّل الله، تهتدي أورشليم «فتصبح مدينة البرّ، مدينة الأمانة» (1:26). ومضايقوها يدعونها «مدينة الربّ، صهيون قدّوس اسرائيل» (60:14). وتدعو أورشليم أسوارها «خلاصاً» وأبوابها «تسبيحاً» (60:18). والسكّان أنفسهم يشاركون في هذا الاسم الجديد فيُدعون: سنديانة الحقّ (61:3)، كهنة الربّ، خَدمة الله (آ6 ). وهذا الموضوع أساسيّ جداً في سفر الرؤيا، فيطبّق يوحنا كلام النبيّ على المنتصر بإيمانه: هو ينال، في نهاية الأزمنة «اسماً جديداً» (رؤ 2:17). وعطيّة اسم جديد تتضمّن خلقاً جديداً:

65:15 تتركون اسمكم للعنة والفساد،

وأدعو عبادي باسم آخر.

16 من أراد أن يُبارَك في الأرض،

يتبارك بالإله الأمين،

وكلّ من يحلف على الأرض،

يحلف بالإله الأمين.

لقد زالت الخليقة القديمة. ولكي يدلّ النبيّ على الواقع، يذكّرنا باسم أورشليم القديم: «ع ز و ب ه» المتروكة (رج عزباء في العربيّة)، التي لا رفيق لها ولا أهل. «ش م م ه» «الخربة». هذان الاسمان اللذان عُرفا في 1 مل 22:24 (واسم أمّه عزوبة) حافظا على مدلول رمزيّ سيستفيد منه النبيّ. هما ينطبقان على أرض لم تُفلَح ولم تنقَّ من الحصى، على مدينة في الخراب والدمار. هذا ما قاله أش 6:11 - 12: «تصير المدن خربة بغير ساكن، والبيوت بغير بشر، والأرض خراباً مقفراً، لأنّ الربّ يُبعد عنها الشعب، ويكون فيها فراغ عظيم». فدمار أورشليم واقتياد الشعب إلى المنفى، بيّنا أنّ تهديد الربّ لم يكن عبثاً. فساعة يتكلّم النبيّ كانت هذه «اللعنات» واقعاً.

والألفاظ الخاصة بأرض خربة، تذكّرُنا برمزيّة الزواج والعهد. فرمز «المرأة» ورمز «الأرض» قريبان. نتذكّر هنا بداية سفر أيوب: «عرياناً خرجت من بطن أمي، وعرياناً أعود إلى هناك» (أي 1:21)، أي إلى الأرض التي تبدو مثل الحشا الوالديّ. فالمتروكة هي «مدينة صهيون» التي تركت الله ومالت إلى البعل، لهذا تركها الله بدوره. وخراب الأرض دلالة على خراب جذريّ ، خراب أورشليم التي تخلّى الله عنها لأنّها خانته.

بعد اليوم سيدعو الله صهيون «سروري». الله يجد فيها مسرّته. تكون له موضع بهجة، ويحفظها «حفظ الحدقة بنت العين». وتُدعى أيضاً «ب ع و ل ة» بعلة، أي زوجة وعروسة. هو موضوع الزواج والزوجة الخائنة التي رذلها الربّ ثمّ استعادها (هو 1:1 ي). كانت صهيون متروكة منسيّة. وها هو الربّ يحبّها من جديد، والعهد يتجدّد.

54:4 لا تخافي فأنت لا تخزين،

ولا تخجلين لأنّ العار لا يلحقك.

تنسين خزيَ صباك

ولا تذكرين عار ترمّلك

5 لأنّ الذي صنعك زوجك،

الربّ القدير اسمه

وقدوس اسرائيل فاديك

وهو إله الأرض كلّها.

60:15 كنتِ مهجورة، مكروهة،

لا أحد يعبر فيك،

والآن أجعلك فخرَ الدهور،

وبهجة جيلٍ وجيل.

استعاد النبيّ صورة العهد (بين العريس وعروسه)، وضمّها إلى صورة حنان الأم تجاه ابنها: هي لا تنسى رضيعها أبداً، ولا يمكن إلاّ أن ترحم ثمرة بطنها، فقد كان في رحمها، في حشاها (49:15).

ويُرسَم موضوع العهد بشكل أفضل، بصورة العرس. ويبدو الكاتب جريئاً جداً حين يلعب على الألفاظ: تزوج يعني امتلك. والمرأة هي المملوكة. الزوج هو «بعل» (كما في العربيّة). أي السيّد. وبعل هو السيّد الذي يمتلك الأرض. إنّه يمسك أسرار الخصب في الحقل وفي القطعان. إذن، لا بدّ من مراضاته بطقوس سحريّة. ولكن بعد الآن، لن يكون «بعل» هو السيّد. وخصبُ أرضك لن يأتيك في طقوس سحريّة وأصناميّة، بل في حبّ الله الذي يتزوّجك. ما تجرّأ النبيّ وكتب: «يهوه يكون بعلك» احتراماً لتسامي الله، ولكنّه أشار إلى أن أورشليم ستكون منذ اليوم «بعلة» الربّ في علاقة حبّ (هو 2:18).

5 - فرح الأعراس مع الربّ (62:5)

ذاك الذي صنعك يتزوّجك. ذاك الذي بناك يكون بعلك، زوجك. نصل هنا إلى ذروة النصّ. شُبّه الربّ بشاب، وأورشليم ببتول، ببكر. في منظار العهد، كان الأنبياء قد ندّدوا بزنى أورشليم، ففسُد الإيمان بالاله الواحد. ودُنّست شعائر العبادة ببغاء مكرّس يمارَس في كنعان. فأورشليم هذه الزانية بنت الزنى، ستكون بتولاً جديدة بحيث تعرف حبّ الله لها.

أرعبت جرأةُ هذا النصّ الكتبة العبريّين اللاحقين، فخفَّفوا المعنى. وتبعتهم السبعينيّة (والبسيطة أيضاً) فقالت: «بنوك يسرّون بك». وهكذا تجنّبوا أن يكون الربّ زوج أورشليم، وذلك مع أنّ الموضوع يُقرأ في 54: 5 ي؛ 61:10.

وصورة الأعراس تذكّرنا حالاً بالفرح: «كما يُسرّ العريس بعروسه، يُسرّ الربّ معك». ذاك هو الفرح المسيحانيّ الذي يدلّ على أنّ العهد تحقّق. هو فرح أعراس الله وشعبه. فرحٌ ساطع لا بدّ أن يلفت انتباه العائدين الذين وصلوا إلى مدينة مهجورة يعمّها الخراب.

الخاتمة

قرأنا في هذه القصيدة القصيرة عناصر أساسيّة في إيمان بني اسرائيل. هناك انتظار متّقد يتطلّع إلى خلاص أورشليم. فرغم صعوبات الوضع الحاضر، تطلّع النبي بقلب يعمره الرجاء، مستقبلاً باهراً يحفظه حبّ الله لصهيون أمام جميع الأمم.

وهذا الرجاء الذي يُوجز كلّ انتظار اسرائيل، يتجذّر في مواعيد العهد الذي جعل الشعب يُوجد ويحيا. فبالرغم من حقبات طويلة من الخيانات «والقطيعة»، انتهى كلُّ شيء بانتصار الله الذي سيخلق جديداً: تكونون لي شعباً، وأكون لكم إلهاً. هذه الردّة التي تتكرّر في البيبليا ستصبح واقعاً وحقيقة: «عريسك هو الذي بناك. الله يفرح بك كما يفرح الزوج بزوجته». هو أجمل رجاء أعطيَ للبشر فعبّروا عنه. نحن هنا في إحدى قمم العهد القديم مع استشفاف تدخّل الله بواسطة تجسّد ابنه.

فإن حافظ يهودُ تلك الحقبة الذين طبعتهم محنة المنفى بطابعها، على مثل هذا الحبّ لأخربة أورشليم، فكم يجب أن يكون حُبّنا للكنيسة! لقد عرفنا أوّل تحقيق لهذا الخلاص، فوجدَ الله، في يسوع المسيح، مسرّته وسط البشر. وبأيّ رجاء يجب أن ننتظر أورشليم السماويّة التي تبيّن لنا أنّ مواعيد العهد قد تحقّقت تحقيقاً نهائياً. قال رؤ 21:2: «رأيت المدينة المقدّسة، أورشليم الجديدة، نازلة من السماء من عند الله. تهيّأت كعروس تزيّنت من أجل عريسه

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM