الصوم الذي أريده 58:6 - 10

الصوم الذي أريده

58:6 - 10

بعد أقوال متقطّعة في أش 56-57، نكتشف في ف 58 نشيداً يرِدُ في وحدة حقيقيّة مع الآيتين الأخيرتين اللتين أضيفتا إلى الفصل، على ما يبدو. والكلام يرتبط بأشخاص حقيقيّين، ولا يقف عند عبارات عامّة. دعا الربّ النبيّ وأرسله، فمضى يتكلّم في احتفال صلاة، في ليتورجيّة توبة.

بدأ النبيّ فندّد بالانحرافات الدينيّة والخلقيّة التي يجدها عند معاصريه (آ 1) الذين يقومون بممارسات طقوسيّة مثل الصوم وينتظرون من الله البركة. بل يشتكون لأنّ البركات تأخّرت (آ 2 - 3). ولكنّ الربّ بيّن لهم أنّ لا قيمة لأعمالهم، لأنّ العدالة غابت وكذلك المحبّة الأخويّة. فالصوم الحقيقيّ لا يقوم بأعمال لا تسمية لها في حدّ ذاتها (آ 4 - 5). بل برفضِ الظلم والتكرّس لخدمة القريب (آ 6 - 7). عندئذ ننعم بحضور الله وحسناته، فننهض ونُنهض اخوتنا معنا (آ 8 - 12). بعد ذلك، إن راعى المؤمنون قداسة السبت وابتعدوا عن الكذب، غمرهم الله بعطاياه.

ونقرأ النصّ الأشعيائيّ (58:6 - 10):

6 فالصوم الذي أريده،

أن تحلّ قيود الظلم،

وتفكّ مرابط النير

ويُطلق المنسَحقون أحراراً،

ويُنزَع كلّ نير عنهم.

7 أن تفرش للجائع خبزك،

وتُدخل المسكين الطريد بيتك.

أن ترى العريان فتكسوه،

ولا تتهرّب من مساعدة قريبك.

8 بذلك ينبثق كالصبح نورك،

وتُزهر عافيتُك سريعاً.

تسير في طريق الاستقامة،

ويجمع الربّ بمجده شملك.

وتستغيث فيقول: ها أنا.

إن أزلتَ من بيتك الظلم،

والإشارة بالاصبع والكلام الباطل،

10 إذا سكبتَ نعمتك للجائع،

ولبَّيتَ حاجة البائسين،

يُشرق في الظلمة نورك،

وكالظهر تكون لياليك.

هكذا يكون الصوم الحقيقيّ: نُبعد كلّ مضايقة، ونهرع إلى كلّ محتاج. إن شئت تمارس الصوم، ولكن لا على حساب المتطلّبات الخلقيّة. تدمّر الظلمَ وتبني العدالة في الوقت نفسه. تخدم القريب ولا تستخدمه، ولا تستبعده، وتتعامل معه بالرحمة.

1 - المحبّة وإكرام الله

حسب بداية ف 58، أرسل الربّ إلى شعبه نبياً. وبان تعليمُه حالياً وقادماً. فحامل كلمة الله يبدو كتلميذ لأشعيا الثاني، صاحب ف 40 - 55، الذي قام برسالته في بابلونية، وسط المسبيّين، في السنوات العشر الأخيرة من سنوات المنفى (587 - 538). أما أشعيا الثالث، فأقام في أورشليم في العقود التي تلت التحرّر من النير البابلي والعودة إلى فلسطين، في حقبة وجب على الراجعين أن يُعيدوا بناء الكثير في يهوديّة دمّرتها الحروب والسلب والنهب:

نسلك يبني الخرائب القديمة،

وأنت تؤسّسها لجيل فجيل.

فتُدعى مرمِّم الثغرات،

ومُعيد بناء المساكن (آ 12).

هذا كلّ ما نستطيع أن نعرف عن مكان وزمان هذه الخطبة النبويّة: تعليمها واضح وهو يشير إلى انحرافات دينيّة وخلقيّة نراها في كلّ جيل.

 

فمعاصرو أشعيا الثالث (نحن لا نعرف اسمه. أراد أن يختفي وراء كلمته) يقومون مثلنا بممارسات دينيّة: صلوات يوميّة، ليتورجيّات جماعيّة، احتفالات توبة، أصوام في الأيام المفروضة. تجاه ذلك، انتظروا بركات الله، واعتبروها أنّها تأخّرت. بل عاتبوا الربّ: نصوم ولا تنظر. كم نحن قريبون من الفريسيّ الذي يتكلّم عنه القديس لوقا؟ «أصوم مرّتين في الأسبوع، أؤدّي العشر على جميع ما أقتني» (لو 18:12).

إشتكوا إلى الربّ، فأفهمهم الربّ أنّ أعمالهم التقويّة لا قيمة لها، لأنّها تترافق مع تقصيرهم في مجال العدالة في أبسط مجالاتها، وفي العمل بحسب المحبّة الأخويّة. فالصوم الحقيقيّ لا يقوم بأن نقوم بأعمالٍ لا قيمة لها في ذاتها. بل أن نترك الظلم ونجعل نفوسنا في خدمة الآخرين. أتتهرّب من مساعدة اخوتك، وتنتظر أن يتجلّى نورك كالفجر؟ لا تعمل عملاً صالحاً، وتعتبر أنّ نورك يضيء على الناس الذين يمجّدون الله بسببك! هناك شرّ ترفضه. وهناك خير تقوم به. عندئذ تنعم بحضور الله الذي يثبّت أحبّاءه الضعفاء، بل الذين يضحّون من أجل إخوتهم، شرط أن يقدّسوا اليوم المكرّس له، ويجعلهم قدّيسين كما أنّه هو قدّوس. ذاك كان شعار سفر اللاويّين في طريق القداسة: «لا تسرقوا. لا تغدروا. لا يكذب بعضكم على بعض. لا تظلموا أحداً ولا تسلبوه. لا تحتفظوا بأجرة الأجير عندكم إلى الغد. لا تلعنوا الأصمّ، ولا تضعوا حجر عثرة أمام الأعمى» (19:11 - 14).

2 - لا تفعل للغير، إفعل للغير

في هذا المجال ترد الوصيّة في صيغة سلبيّة وفي صيغة إيجابيّة. قال طوبيت لابنه طوبيا: «لا تفعل لانسان ما لا تحبّ أن تتحمّله» (طو 4:15). وقال يسوع في عظة الجبل: «افعلوا للآخرين ما ترغبون في أن يعمله الآخرون لكم» (مت 7:12).

ويقول أشعيا (آ 6): إنّ الصوم الحقيقيّ يقوم بأن تزيل كلّ مضايقة، كلَّ جور. وأن تجعل الرحمة تجاه القريب تنمو وتنمو، ولا سيّما في حالة الحرب وما بعدها من فقر وجوع وتشرّد. لا شكّ في أنّنا نقوم بالأصوام. ولكنّنا لا نهمل ما تفرضه علينا هذه الأصوام من متطلّبات خلقيّة، بحيث لا نفعل للآخرين ما لا نريد أن يفعله الآخرون لنا. فالذين انحنوا تحت النير البابليّ (42:3)، يجب أن يعملوا المستحيل لكي يحرّروا الذين ينحنون تحت نير ونير. وبالأحرى، لا نجعل نيراً على الآخرين بديون تتراكم، أو بسلبِ ما يملكون بحيث يخضعون لنا كالعبيد. يجب على الصائم أن يحطّم القيود التي بها يربط الانسان قريبه ويستغلّه. إذا كان النصّ شدّد على واجب تحرير الاخوة من كلّ عبوديّة ظالمة، فلأنّ العائدين يتذكّرون كيف تحرّروا منذ زمن قليل من عبوديّة بابلونية. في الماضي، طلب المشترع من المؤمن أن يحرّر عبده، فيتذكّر أنّه هو كان عبداً في مصر فافتداه الله (تث 15:12 - 15).

ولكن لا يكفي أن ندمّر الظلم. فلا بدّ من بناء الحقّ والعدالة، بحيث نفعل للآخرين ما نتمنّى أن يفعلوا لنا: نريد عدالة ولا نمارس العدالة! نريد رحمة ولا نعمل عمل رحمة! وها هو النبيّ يطلب من الصائمين أن يُشركوا الفقير في خبزهم، أن يأووه في بيتهم، أن يكسوه بثيابهم (آ 7).

وإذ أراد النبيّ أن يجعل الناس يشعرون بأنّ فريضة المحبّة الأخويّة تعني كلَّ واحد منهم شخصياً، انتقل من المخاطب الجمع (أنتم، تصومون) إلى المخاطب المفرد (أنت، نورك أنت، تدعو الربّ أنت). فأنت، أيّاً كنتَ، يجب عليك أن تطعم الجائع وتأوي المشرّد وتلبس المحتاج. وخصوصاً لا تتهرّب ممّن هو لحمك وعظمك.

إذا رأيت ثور أحد من بني قومك أو خروفه ضالاً، وعلمتَ لمن هو، فأعدْه إليه. وإن لم يكن قريباً منك، أو لم تكن تعرفه، فأدخل الثور أو الخروف إلى بيتك حتّى يطلبه صاحبُه فتعيده إليه... وإذا رأيت حمار أحدٍ من بني قومك أو ثوره واقعاً في الطريق، فلا تتغافل عنه، بل ساعده على إنهاضه (تث 22:1 - 2، 4).

ويتساءل سكّان أورشليم: من الذي هو لحمي وعظمي؟ من هو قريبي وابن قومي؟ مثلهم سأل معلّمُ الناموس يسوع: «ومن هو قريبي» (لو 10:29)؟ إبن بلدي، أخي، إبن طائفتي، إبن ديانتي، أو كلّ انسان مهما كان عرقه ودينه ووضعه الاجتماعيّ؟ فكلّ حاجة هي صوت يتوجّه إليّ.

وأشعيا ما أراد أن يحصر القريب في القوم الذين ننتمي إليهم. هو يتكلّم عن المحتاج ولا يفصّل من أين يأتي هذا المحتاج. «والطريد» لا يمكن أن يكون ابن البلد، بل الغريب. و«ابن لحمي» ليس فقط ابن ابراهيم، بل كلّ أبناء آدم، كلّ خلائق الله الآب. ثمّ نحن لا ننسى أنّ القول في ف 58 يندرج في مجموعة يهمّها الغرباء، حيث كلّ لحم، أو كلّ بشر، يعني البشريّة كلّها، ولا يميّز قوماً عن قوم. قال الرب في 56:6 - 7:

6 والغرباء الذين ينتمون للربّ

ليقوموا بخدمته ويحبّوا اسمه

ويكونوا له عبيداً،

جميع الذين يحافظون على السبت

ولا يدنّسونه،

ويتمسّكون بعهدي.

7 أجيء بهم إلى جبلي المقدس،

وأفرحهم في بيت صلاتي

وتكون محرقاتُهم وذبائحهم

مقبولة على مذبحي

لأنّ بيتي يُدعى:

«بيت صلاة لجميع الشعوب».

وهكذا من موسى إلى يسوع، رحمة الله التي تتوجّه إلى كلّ انسان، توسّع شيئاً فشيئاً رحمةَ الانسان الذي هو قريبه، الذي هو لحمه ودمه. في هذا المجال قال يشوع بن سيراخ (18:13 - 14)

13 أمّا الربّ فيرحم جميع البشر،

يوبّخهم ويؤدّبهم ويعلّمهم،

وإليه يعيدهم،

كراع يردّ قطيعه إليه.

14 يرحم الذين يقبلون تأديبه،

ويسارعون إلى العمل بوصاياه.

3 - من العالم القديم إلى تعليم يسوع

منذ زمان طويل، كانوا يعتبرون أعمالاً ترضي الاله، تلك التي فيها يُحسن الانسان إلى انسان آخر. ففي مصر ردّد «كتاب الموتى» هذه الأقوال: «هدّأتُ غضب الاله بما يُسرّه: أعطيتُ خبزاً للجائع، وماء للعطشان، ولباساً للعريان وقارباً لمن لا قارب له». وفي العهد القديم قدَّم حزقيال، وبعد أيوب وابن سيراخ، لائحة مفصّلة بالأعمال التي تسرّ الربّ. نقرأ مثلاً في حز 18:5 - 9:

فإذا كان الانسان صدّيقاً، وعمل ما هو حقّ وعدل... ما غرّر امرأة قريبه، ولا ضاجع امرأة طامثاً، وما ظلم أحداً، وردّ إلى المديون رهنه، وما سرق، وأعطى خبزه للجائع، وكسا العريان ثوباً، وما أعطى مالاً بالربى، ولا أخذ ربحاً، وكفّ يدَه من الاثم، وحكم بالعدل بين الناس، وسلك في فرائضي، وعمل بأحكامي، فهو صدّيق يستحقّ الحياة، يقول السيّد الربّ.

ونقرأ في أي 22:5 -9 اتهام أليفاز التيماني:

5 شرورك أنت جسيمة،

وآثامك لا حدّ لها.

6 ارتهنت من أخيك بغير حق،

وسلبت العراة ثيابهم.

7 منعت عن العطشان ماء،

وحرمت الجوعان خبزك.

8 ببطشك امتلكت كلَّ الأرض،

وبجاه رفيع سكنتَ فيها.

9 أرسلتَ الأرامل فارغات،

وحطّمت أذرع اليتامى.

وكان جواب أيوب شهادة عن حياته كبارٍّ في نظر الله (أي 29:11 - 17):

«تسمعني أذني فتهنّئني،

وتراني عيني فتشهد لي،

12 لأنّي كنتُ أغيث المسكين

وأعين اليتيم الذي لا عون له.

13 تحلّ عليّ بركةُ البائسين،

وتطربُ لي قلوبُ الأرامل.

14 لبستُ الحقّ فكان كسائي،

وبقي العدل حلّتي وتاجي.

15 كنت عيناً بصيرةً للأعمى،

ورِجلاً صحيحة للأعرج.

16 وكنتُ وحدي أباً للفقير،

وسميعاً لدعوى الغريب.

17 وكنت أهشِّم أنياب الظالم

ومن بين فكّيه انتزع فريسته.

وفي أي 31، يقدّم النصّ فحص ضمير موسّع حول الكذب والغش والعيب والزنى. ويطرح أيوب السؤال على نفسه:

16 هل حرمتُ الفقير بيته،

أم تراني أكلتُ مال الأرملة؟

17 أو أكلتُ لقمتي وحدي،

ولم يشاركني فيها اليتيم؟

19 أرأيت هالكاً من العري،

أو بائساً لا كسوة له؟

25 هل فرحتُ بوافر ثروتي،

أو بالكثير الذي جنَتْه يداي؟

وفي الخطّ عينه، نستطيع أن نقرأ ابن سيراخ (3:30 - 4:10؛ 7:32 - 36؛ 29:1- 3). وفي النهاية، أي في قمّة الوحي، سيعلن الله بفم يسوع أنّ أعمال الرحمة هذه التي نعملها للبشر ترضيه، بل تصيب قلبه في الصميم. فهو ما صنع «اللحم» بل هو صار «لحماً»، صار بشراً، فبدا سريع العطب تجاه كلّ سوء، ومرهف الشعور أمام كلّ خير: «كنت جائعاً فأطعمتموني» (مت 25:35 - 36). لا شكّ في أنّ أشعيا الثالث لا يرى الله في القريب، بل خليقة يحبّها الله. ولكن نما يقينٌ هام في البيبليا يعتبر أنّ كلّ خدمة للبشر هي خدمة لله. وفي النهاية قال يسوع بالنسبة إلى المساكين: «من قبلكم قبلني، ومن قبلني قبل الذي أرسلني... ومن سقى أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فأجرُه لن يضيع» (مت 10:40 - 42).

4 - ماذا نعمل

أربعة أمور تنهي تأمّلنا في كلام أشعيا هذا: قريب من الآخرين، قريب من الله. محاربة البغض. حبّ في العمل لا في القول. محبّة الله ومحبّة القريب.

أ - قريب من الآخرين، قريب من الله

من عمل على خدمة القريب، بدلاً من أن يستخدمه، يشعّ مثل النور. والانسان الخيّر ينمو بسرعة، يرى جراحه تُشفى. أحسنَ إلى الآخر فجاء من يُحسن إليه. والله نفسه سوف يحسن إليه. يحميه الربّ فيقول له النبيّ: «برّك يمشي أمامك، ومجد الربّ وراءك». في زمن الخروج، رافقت العبرانيّين النارُ في الليل والسحاب في النهار. والذين استعدّوا للرجوع من بابل، قيل لهم:

الربّ يمشي أمامكم،

ووراءكم يكون إله اسرائيل (52:12).

وهكذا نفهم أنّ أشعيا الثالث استعاد كلام معلّمه وأعاد صياغته: توجّه القول النبويّ إلى مجموعة. وهنا إلى انسان فرد، يعمل الخير. تطلع أشعيا الثاني إلى الله الذي هو نفسه يقود مسيرة الخروج الجديد. وفي أشعيا الثالث، هو إشعاع الربّ يقود كلَّ ما يعمله الانسان البار، في حياته اليوميّة، العاديّة.

إذن، يقف الربّ بجانب كلّ مؤمن من مؤمنيه. فمن يعمل مشيئة الله، يكفي أن يدعو فيجيبه الله. يكفي أن ينادي، فيقول الربّ: «ها أنا». مثل هذا الوعد بالبركة، الذي هو قريب من الحماية التي وُعد بها أيّوب (رج مز 91:121)، يُبرز سعادة من يطلب مسرّة الله فيرذل الشرّ ويعمل الخير. ويقوم بينه وبين الربّ حوار متواصل لا يُخفي فيه الله وجهَه ولا يتهرّب.

ب - محاربة البغض

تحدّثت آ 6 - 8 عن رفض الجور والقيام بأعمال الرحمة «فينبثق كالصبح نورك». واستعادت آ 9 - 10 هذا، مع اختلافات بسيطة. طُلب من المؤمن هنا أيضاً، أن يُلغي نير الضيق والظلم وتهديد الاصبع. لسنا أمام تهديد أو احتقار فحسب. بل أمام اتهام أمام القاضي مع هجوم يهتمّ بإسقاط الضحيّة. بدلاً من هذه الأمور الدنيئة، نُخرج الخبز من فمنا لنُشبع الجائع المرميّ على الأرض (مثل لعازر في مثل لعازر والغنيّ، لو 16:19 - 21). هنا نقرأ أش 59:4، 6 - 7:

4 لا أحد فيكم يدعو بالعدل،

أو يقاضي غيره بالحق.

تتّكلون على الحجج الفارغة،

وتنطقون بالكلام الباطل.

تحبلون وتتمخّضون بالمكر،

وعند الولادة تلدون الاثم.

6 خيوطكم لا تصير ثوباً،

ولا يكتسي بأعمالكم أحد.

أعمالكم أعمال الاثم

وأفعال أيديكم ظلم

7 أرجلكم تسارع إلى الشرّ،

وإلى سفك الدماء البريئة.

أفكاركم أفكار الاثم،

وفي مسيركم خراب وهدم.

فالذي تحمّل ذلّ المنفى (53:7. ظُلم. كان كنعجة) واختار أن يتّضع في الصوم (58:3)، لماذا لا يُشفق على الذين يعرفون الذلّ والجوع حوله؟

ج - حبّ في العمل، لا في القول

من مارس الصوم بهذه الطريقة، يستطيع أن يتقبّل كلام النبيّ: «يُشرق في الظلمة نورك، وكالظهر تكون لياليك» (آ 10). وصوفر اتّهم أيّوب، فوعده مواعيد مماثلة إن كان سلوكه حسناً: «يكون عمرُك أبهى من الظهيرة، وظلامُه مثل نور الصباح» (أي 11:17). فحبيب الله والبشر يسير في الحياة كإنسان نال النور وحمل النور. فبحسب استعارة نقرأها في مز 112، يصبح نوراً للعالم (مت 5:14 - 16). والذين يشاهدون حياته وأعماله «المضيئة» يهنّئون. وبالأحرى يمجّدون الله بسببه.

د - محبّة الله ومحبّة القريب

يوم الصوم ويوم السبت (58:13 - 14) يشكّلان يومين مكرّسين تكريساً خاصاً للربّ. وطريقة الاحتفال بهما تبيّن تعلّقَنا بالله، وتأثيرَ حياتنا الدينيّة على سلوكنا الخلقيّ في نهارنا. لا حاجة للتشديد على آنيّة هذا التعليم، ولا سيّما في زمن الصيام المبارك، وفي المشاركة بقداس الأحد. فالفقير فقيرٌ بالصلاة. والخطر يكمن في أن ننسى القريب فنمنِّن الله، أو ننسى الله فنمنّن القريب، وكأنّ علينا أن نختار بين الله والقريب. فمحبّة الله من دون محبّة القريب كاذبة. ومحبّة القريب التي لا تنبع من محبّة الله، سوف تجفّ قريباً بعد أن قُطعت عن ينبوعها. فالوصيّتان وصيّة واحدة: أحبّ الربّ من كلّ قلبك. وأحبّ قريبك كنفسك (مت 22:37 - 40).

الخاتمة

تعليم أشعيا هنا عميق الجذور. ينطلق من الشرق القديم وقبل وحيِ الاله الواحد فيصل إلى المسيح. ربط الله مصيرَه بمصير الانسان، بحيث إنّ المحبّة الأخويّة تدلّ على أنّنا نكرم الله. فمن لا يحبّ القريب لا يقدر أن يقول إنه يحبّ الله. والخطيئة الكبرى تكمن حين نختفي وراء تعبّدنا لله فنخدِّر ضميرنا ولا نتطلع إلى اخوتنا الذين بقربنا. بل نسلبُهم كي نبني «معبداً» للربّ. أو لنقدّم له ذبيحة. حينئذ يقول لنا الربّ بلسان أشعيا: أعيادكم ثقلٌ عليّ، سئمتُ احتفالاتكم. تُكثرون الدعاء فلا استمع لكم. تبسطون أيديكم للصلاة فأحجب وجهي عنكم (1:14 - 15). فالصوم الذي يريده الربّ هو تحرير الذات والقريب. والصلاة التي يطلبها، تفهمنا أنّ ما نفعله للقريب نفعله لله، حينئذ يضيء نورنا أمام الناس، ويتحوّل الليل حو

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM