اليوم الثالث - المياه ببحارها واليابسة بنباتها 843-1180

في اليوم الثالث، قرأ السروجيّ تك 1: 9-13، ونحن ننقل النصّ عن السريانيّة البسيطة:

9. وقال الله: "لتجتمع المياه التي تحت السماء إلى مكان واحد، ولتُرَ اليابسة فكان هكذا.

10. ودعا الله اليابسة أرضًا، وتجمّع المياه دعاه بحارًا ( ي م ي م) ورأى الله أنّه حسن.

11. وقال الله: "لتخرج الأرض كلأً عشبًا يُزرَع زرعًا لجنسه، وشجرَ ثمار يصنع ثمارًا لجنسه، الذي نصبته فيه على الأرض".

12. فأخرجت الأرضُ كلأ عشبًا يُزرَع زرعًا لجنسه، وشجرًا يصنع ثمرًا، نصبتُه فيه لجنسه، ورأى الله أنّه حسن.

13. وكان مساء وكان صباح يومٌ ثالث.


المقدّمة

ينبغي لنا، يا إخوتي، حول الأفكار الروحيّة[1]،

وصول الوجدان المليء حقًّا وإيمانًا،

845 وحول الفهم، أن نكون مسرعين إلى القراءة،

حين تتنعّم[2] النفس بحبّ الإله.

بالإيمان يفهم الإنسانُ إن كان متميِّزًا:

بكلمة خلق الربُّ العوالم من لا شيء.

 

وضع موسى، معينُ النبوءة، في كتابه

850 كلَّ الخزائن والكنوز والثروات التي لا تُدرَك.

استنارت نفسه بالنبوءة وبالتجلّيات،

حتّى رأى الربّ وجهًا قبالة وجه[3].

وتعلّم في كلّ مسيرة البرايا كلّها،

كيف خرج العالم ليأتي من لا شيء.

 

855 سمع موسى أصوات القدرة الصانعة،

فكشف للعالم خالقه بعجب كبير.

كيف قامت كلُّ البرايا برمزٍ خفيّ،

وكيف أسرعت بقوّة عظيمة كلُّ المتقنات.

 

تجمّع المياه في البحار

قال الله: "لتجتمع المياه في البحار،

860 وَلْتُرَ الأرضُ التي اختفت تحت السيول".

وفي الحال، انتقلت المياه إلى البحار وما تاهت،

بسرعة رهيبة إلى الموضع الذي أرسِلت إليه.

خرج الأمرُ على السيول فربطها،

ومثل أفواج ابتعدت من الأرض وبدّلت موضعها.

865 انصرف عنها صجُّ المياه القائم فيها،

فتطلّع ليمضي إلى الموضع المنحدر الذي أرسلت إليه.

حرّكها صوتُ الأمر فهرَّبها،

كما صوتُ السلاح هرّب الأدوميّين[4].

وأسرعت أمواجًا أمواجًا فتجمّعت،

870 فأخذها الزخم العظيم ونقلها[5].

 

ما ركضت إلى موضع البحارُ حين انحدرت[6]،

بل بسبب الأمر الإلهيّ.

عميق البحر! وليس من أجل هذا جمعها.

بل لأنّ الربّ أمر توجَّهت إليه،

875 قال: "لتجتمع المياه"، فسمعت المياه.

اجتمعت لتتمّ الأمر،

لو كان (الموضع) الذي أمرَ عميقًا أو مرتفعًا.

هكذا تركض لكي تُتمَّ قولَ أمره،

وما ركضت إلى هذا المكان لأنّه عميق أو منحدَر.

880 بل بسبب هذا الأمر الذي أرهبها،

لو أنّ المياه نزلت بسبب عمق البحر،

تلك العلويّة لا تبقى في المكان المرتفع.

فحين يأمر تصعد المياهُ أيضًا في السحب،

ولأنّه أمرَ ركضت هكذا كما إلى العمق[7].

885 دعا مياه البحر فسمعت صوت أمره،

وأفاضها حيث شاء، كما كُتب[8].

وهكذا أمر هناك أن تجتمع (المياه) في الثالث،

وحيث أمر اجتمعت في (اليوم) الثالث.

حلّ ذاك التجمّع الذي اجتمع فوق الأرض،

890 وفي أكنافها قاده، وضعه، كشف وجهها.

 

من له نفسٌ، من له قلب

من له نفس ارتفعت فوق الشرور[9]،

ومعرفة اتّقدت بنار الحبّ الإلهيّ،

وقلبٌ فرغَ من الأفكار الجسديّة،

وعقل صفى فامتلأ عجبًا بقدرة الصانع (الخالق).

895 نزل، قام في موضع سيناء بجانب موسى،

وسمع منه أقوال نبوءته وكلماتها،

ورأى هناك هذه المدهشات في قدرة خلقه،

حين بُنيَت مقصورة العالمين بالقوّة الخفيّة.

 

خرج رمزه[10] الإلهيّ على الأعمال،

900 قاسى الأيّام، وزن الأوقات، رتّب، وضع

المساء في مكانه، الليل في موضعه، الصباح في طريقه.

ووهب النهار قياسه فتجاهى به.

نسج الألوان وألبسها للنور والظلمة،

وبلباسهما فصل الليل عن النهار.

905 ركّز المسكن العظيم، أتقنه فوق كلّ الجهات،

وفي ظلاله تسكن الخليقة في المعمورة.

كدن (ربط) الليالي والنهارات فعبَّر

الواحد بعد الآخر ليصنع عجلة مليئة عجبًا.

قسم الغمر (ت ه و م، المياه الكثيرة) وأرسله إلى مواضعه،

910 فسمعتْ صوتَه المياه وركضت إلى تخومها.

أسر البحار فوق قبّة الرقيع (الفلك)،

فهدأت هناك، كما في العمق، في الموضع المرتفع.

 

المياه السفلى إلى البحار

أمر (المياه) التحتيّة فتجمّعت من داخل المسكونة،

وحيث أراد أقام تجمّع سيولها.

915 أمر الربُّ المياه في اليوم الثالث،

لتجتمع حيث يشاء أن يُسكنها (ع م ر).

قيل: "لتجتمع المياه التحتيّة"،

وهذه سمعت له لأنّه دعاها ليجمعها.

بما أنّ هناك مياهًا أخرى في المرتفع (أو: البحر) العالي.

920 لهذا عرَّف أيّة مياه شاء أن تجتمع،

خرج الأمر لهذه المياه التي تحت الرقيع،

وهذه اجتمعت كما أُمرت.

في اليوم الثاني جُعلت حدود لتلك (المياه) العالية،

في الموضع العالي، وهناك أقامت كما أُمرت.

925 وأمر التحتيّة في اليوم الثالث،

فتجمّعت كما أمرت في قلب البحار.

سمعت المياه صوت القدرة الصانعة تأمرها،

فركضت وأتت إلى الموضع الذي عُيِّن.

وثبتت، عبرت فوق كلّ حفرة وكلّ هوّة،

930 لتأتي إلى الموضع الذي دعاه الله إليه.

طريق سريعة! فالإله قد أمر:

ولو صادق العمقُ المياه لا تلبث فيه،

لا الارتفاع جعلها تلبث من الركض،

ولا العمق منعها من أن تجري.

935 ركضت من المرتفعات ومن الأعماق وعبرت،

لأنّ صوت الأمر جعلها تركض وتسرع.

قال الله: "لتجتمع المياه"، فاجتمعت،

فتساوى العلوّ والعمق للمياه لكي تمضي[11].

 

الرمل الرخو

مضت المياه فتجمّعت في الموضع العظيم[12]،

940 فدعا الله ذاك التجمّع باسم: البحار.

دخلت المياه البحار وكانت حدودها بركة،

وهناك ربطتها قوّةُ من صنعها.

جعل للبحر أبوابًا ومغاليق، أدخله فحبسه،

ووضع له حدًّا، الرمل الرخو، فلا يتجاوزه.

945 قسم الأماكن ووهبها لأخوين اثنين:

البحر واليبس. واحد فواحد منهما يبقى في مكانه.

ارتفعت أمواج البحر المضطربة، تكوّمت،

وتبدّد الرمل فحُجزت فيه وما نزحت.

 

ملجمٌ البحرُ مثل جواد بهيميّ،

950 بسنٍ من الرمل، وهادئ وقائمٌ متواضع.

جبّار العالمين بيّن قوّته في شيء صغير[13]،

ليدرك العالمُ كم أمره مخيف[14].

الرملُ المبدّد صنع للبحر العظيم سياجًا،

فيتغلّب على كلّ السيول التي أسرها.

955 لا أنّ الرمل يقدر أن يقابل البحار ويحاربها،

بل هو الرمز الإلهيّ جعل لها حدًّا.

في الغبار وضع ناموسًا لا تحلّه

كلُّ البحار التي تتخاصم معه بأمواجها.

الرملُ رخو، وشديد الأمرُ الإلهيّ،

960 يأمر فيقول الرمل ولا يتراخى،

لا تتجاوزه تجمّعات البحار المحبوسة فيه،

ولا تحلّه كلُّ السيول المربوطة به.

اليم (البحر) عبد سامع (طائع) أمسك موضعَه،

فقام في حدوده وثبت كما أمرَه ربُّه.

965 وبالعواصف وبالأمواج التي تتحرّك فيه،

لا يصوم الحدّ ليعبر إلى مكان ليس له.

 

البحر واليبس

بنير واحد، كُدنت (المياه) مع اليبس وما سحقته[15]،

فسارت معه لا تزاحمه لتمسك مكانه.

بين اليم واليبس، وضع الباري أمانًا،

970 والأمان في تخومهما ما قام العالم.

الصانع (الإلهيّ) قسم لهما الأماكن،

ولجمهما لكي يرى الواحد الآخر ويتساويان.

بيَّن للبحر مكانه وموضعه، أدخله، وضعه،

وحبسه، كما بسور مرتفع، بالرمل المبدَّد.

975 ها قد وُضع داخل أبواب ومغاليق،

داخلَ الرمل فأغلِق بوجهه وحُبس هناك.

هو معزَّز بجاه أمواجه المرتفعة،

وبما أنّ الباب مُوصَد في وجهه، لا يقدر أن يخرج.

قال له الربّ: "ابقَ هنا واصنع كذا"،

980 كما أمر الربّ البحرَ ووضعه في مكانه.

كما قُسم وقت الليل والنهار،

هكذا قام اليمّ واليبس في تخومهما.

والتجمّع الكبير الذي حلَّ على وجه المسكونة،

دخل وعبر البحار في الموضع الذي اجتمعت فيه.

985 أخوان توأمان، اليمّ واليبس، في ذاك اليوم الواحد،

أمسكا موضعيهما ومكانيهما وميناءيهما.

وفي ذلك اليوم عينه أخذا كنية اسميهما،

وواحد واحد منهما نال اسمه وأمسك مكانه.

وفي ذلك اليوم عينه، دعا الله اليبس أرضًا،

990 وتجمّعُ المياه العظيم، دعاه بحارًا.

 

القوّة والرمز وعملهما[16]

ورأى أنّ ما أتقن من مصنوعات حسنٌ هو،

ومليء بالعجب صنع خلقه المحبوب.

حسنة كانت الأرض التي أنشئت على لا شيء،،

كما كُتب: "علّق الأرض على لا شيء"[17].

995 حسنة كانت البحار التي حبس في تخومها،

ورُبطت كلّها بسلاسل فهدأت في ولاياتها.

عُلِّقت الأرض، ولو تركها الرمزُ سقطت،

وتجمَّعت البحار ولو أهملها اقتلعت الأرض (اقتلاعًا).

قوّتُه حملت اليمّ واليبس واهتمّت بهما،

1000 وكما على شيء عظيم، وُضعتا بحسب إرادته.

 

فتحْتَ الأرض وتحت المياه التي تحت الأرض[18]،

لا شيء إلاّ القوّة الإلهيّة.

فهذه القوّة حملت الخليقة مثل جبّار،

وإن لم يكن لها موضع تسكن فيه لا يُسكنها.

1005 في لا شيء وُضعت كلّ الخليقة، التي خلق،

وهي تحملها، وإن تركتها لا تكون بعد.

وبما أنّها خلقتها، فأين تضعها إن (شاءت) أن تضعها،

لا تضعها، لأنّه لا يوجد شيء فيه تضعها.

إذا تركتها إلى أبد الآبدين، او انحدرت،

1010 لا تسكن، بل إبادة تُباد كلُّها[19].

 

لا تتركُها، فالأمّ لا تترك طفلها،

بل تحمله وتهتمّ به لأنّه ولدته.

خلقتْ الخليقة ومثل والدة رحوم،

حملتها تلك القوّة الخفيّة وقامت كجبّار.

1015 لا تضجر لأنّ الأمّ لا تضجر من ابنها،

لأنّ أرحام الأمّ مأسورة بحبّ الطفل.

الإله هو أمّ رحوم،

ومثل طفلٍ يحمل العالم بحبٍّ عظيم.

تلك النعمة التي بنَت العالم هي حملته[20]،

1020 وهو معلَّق بها كما بشيء عظيم فتهتمّ به.

كما كُتب: "علّق الأرض على لا شيء"،

وتجلّى لها أنّ نعمته تحملها.

 

روح الله وأمره

أنشأ الأرض، وجمع البحار، ووضع الأسماء

لخلائق خلائق، في أيّام وأيّام، كما شاء.

1025 صارت يابسة والعجب أنّه صارت في يوم واحد.

يبست الأرض المبتلّة والموضوعة داخل السيول،

أمر الباري ذاك الروح (أو: الريح) الخادم.

فجفّف وجه الأرض الذي كان رطبًا.

لو كانت الأرض كلّها يابسة،

1030 لما دُعيَت يابسة كما دُعيَتْ.

كانت يابسة كما كُتب: "اليابسةَ

دعاها أرضًا، ومجمَّعَ المياه بحارًا"[21].

 

جفّفها، أتقنها، أمَّنها، كمّلها وصنعها أيضًا،

وفي الحال، أمرها بأن تثمر وتُخرج كلَّ الأشجار.

1035 تزوّجها[22] الأمر (الإلهيّ) فشرعت تثمر أطفالاً،

من حشاها كما أمرها ربُّها.

قال الله: "لتُخرج الأرضُ ملأً عشبًا،

وكلّ أشجار الثمار (المثمرة) والزورع بطبائعها.

قوّة القدرة الصانعة خطبتها للعروس الأرض[23]،

1040 لتدخل فتكون أمّا للعالم الذي حملته.

وهذا الأمر ملأ الأرض مكان الزرع،

فشرعت تلد كحشا جديد بقوّة عظيمة.

أنمى الخضار ومع إنمائه سمُن وكمُل،

أعشابًا وزروعًا، وفي يوم واحد بلغ الحصاد.

1045 نبتت الأشجار مع أغصانها، مع أوراقها،

زهورها مع أثمارها وقد نضجت.

مع النموّ نبتَتْ قامات طويلة،

لأنّه كان تمامَ البرايا كلّها التي صُنعت[24].

 

كما أنّ آدم لم يكن طفلاً ثمّ ولدًا،

1050 وشابًّا ورجلاً، متنقّلاً في انتظام.

ولكن في الحال كان رجلاً حين وُجد،

وهكذا قامت كلُّ الاتقانات في الكمال.

 

صعدت الشجرة من جوف التراب وحملت ثمارًا،

فاحتاجت فقط قاطفًا يأتي وينعم.

1055 نبت الزرعُ ومع هذا النبت بيّن السنابل،

وهي سمينة في أشكالها وحسنة.

أمر الصانع (الخالق) حضنَ الأرض فأثمر كلّه،

زروعًا وأجناسًا من كلّ الأشجار ومن كلّ الأثمار.

كلّ السواسن، كلّ الأزهار وكلّ الخضار،

1060 الورود الأقاحي والألوان المميَّزة بأشكالها.

العروسُ الأرض ثوبًا من الألوان والزهور،

كسيَتْ وامتلأت الجبال من صورها.

 

حين دخلت العروس إلى العالم أمرها لتلد،

تزوّجها الأمر فحبلت وفي الحال ولدت.

1065 صارت القوّة الخفيّة شريكة لها حميمة،

فسمعت، حبلت، ركعت وأسرعت فولدت.

في ذلك اليوم الذي دُعيَت الأرض باسم

ولدت لينال بنوها كنيتهم معها.

في ذلك اليوم انجلت السيول عن وجهها،

1070 وفيه تنقَّت من كلّ رطوبة.

وبدل البحار التي اجتمعت فيها، قام اليبس،

ودعاهم الربّ أرضًا باسم تكنَّت به.

وأمر فكانت وأتقنت وسُكنت،

وحبلت، ولدت كلّ الأشجار مع كلّ الزروع.

1075 في شهر نيسان، صنع الربّ للأرض مأدبة،

وأدخلها[25] إلى العالم فكثر أولادها لاتقان العالم.

دخلت سنةٌ لا زرع فيها فامتلأت خيراتٍ،

نيسان الجديد رأس العالم والمملوء محاسن[26].

 

الأرض بسقفها وأرضيّتها

ماهرٌ الصانع (الخالق) وكلّ ما عنده يملأ عجبً،ا

1080 وبسبب الكلّ يتحرّك الفم على تسبحته.

الرقيع البارحة، واليومَ والأرضُ كملت،

ظلّل البيت ثمّ صنع له بيتًا وأتقن[27].

قبل يوم واحد، وضع التظليل (السقف) في المرتفع العالي،

وبعد يوم، أنشأ أرض (أرضيّة) البيت العظيم.

1085 من الأرض أخرج كلّ لذّة ورتّب،

داخلَ البيت، ليلتذّ بها كلُ آكليها.

هديّةً رمى للأرض حين صارت،

حين قال: "لتخرج الأرضُ كلُّ الأشجار".

قال كلمة فكثرت ثروات المقفرة،

1090 وفي الحال أخرجت، وهبت الكنوز كما أمرَها.

اغتنت الأمّة من موهبة وهبها لها سيّدُها،

وبأمره لبست المجد لأنّها لم تكن لابسة[28].

فامتلأت الجبال والتلال أيضًا بكلّ الزهور،

والأعالي والأعماق بالزروع المميّزة بكلّ الأنواع.

1095 وفي كلّ الجهات، الأشجار كلّها مع ثمارها،

الكرم والزيتون، والآس البهيّ، والأرز المرتفع.

نبتت وصعدت، ظلّلت الجبال فاعتنت الأرض،

صارت متقنة، مأهولة، خصبة ومليئة بالمحاسن[29].

 

ظهر فيها اليومُ الثالث ومنه اغتنت[30]،

1100 وبه ابتهجَت فامتلأ حضنها بكلّ النفائس.

أتقنت الأرض في اليوم الثالث الذي دخلها،

وهرب منها الغمر (ت ه و م) العظيم الذي خنقها.

وكثر أولادها لأنّها كانت مقفرة ومعذّبة،

واستنار وجهها وانجلى فرأت النور.

1105 ولبست بهاء كلِّ الأشجار وأمجادها المميَّزة،

وكلّ الزروع وكلّ أجناس المطاعيم[31].

كان حضنها فارغًا، فملأه الربُ بكلّ الطيّبات،

بالنفائس والثروات المميَّزة للأجيال الآتية،

وكلّ الأغراس التي تشتقّ من الأشجار،

1110 والزروع المحفوظة من الزروع الصغيرة بأجناسها.

وها هي المطاعيم تتسلسل قبائلَ قبائل،

من هذا الأمر الأوّل الذي تزوّج الأرض.

قبلت منه، وكثر أولادُها إلى كلّ الجهات،

فتهب كلَّ يوم من الموهبة الكثيرة التي فيها.

 

في معارج العلوم

1115 أمر الصانع (الإلهيّ): "لتخرج الأرض". فسمعت الأرض

وهي من ذلك الوقت تُخرج وتهب كما أمرها.

هذا الأمر يقوم عليها مثل تابع لها،

لتعطي، كلّ يوم، الخيرات للعالم الساكن فيها.

غنيٌ حضنُها، مليء كنفُها وواهب الشَبع،

1120 أيًّا أيًّا، أجيالاً أجيالاً كما أُمرت[32].

 

وضع الصانع المقرونة في التراب حفظها هناك[33]،

لتكون لعشائر العالم الذي أتقن للقبائل.

أمرَ الأشجار حين تُقطع فروعُها،

أن تُثمر مثل أجناسها إن وُضعت في الأرض.

1125 وهب للجفنة متى أخذ منها غصنٌ،

وطمروه في التراب، بأن يكون هو أيضًا جفنة.

قال للزرع: إن أخذوه من موضع واحد،

وزرعوه في موضع آخر، يأتي بأضعاف.

أمرَ الزيتون: إذا اقتلعوه وأخذوه،

1130 وطمروه في الأرض، تقوم شجرة مثل الأولى.

 

هذا الحدّ وضعه للأشجار والزروع،

لتتسلسل هي به ومنها مع أوقاتها.

في أحضانها تحفظ الزروع والأغراس،

كما كوّنها الصانع الذي كوَّنها.

1135 وهب للأشجار أصنافًا مميّزة من المطاعيم،

ثمارًا مجيدة من كلّ نوع، كما شاء.

للزيتون الزيت، للتفاح رائحة حلوة،

ووضع في الجفنة فرح القلب لكلّ المضايَقين.

وهب الزيت الذي يبهج الوجه من دهنه،

1140 وصنع خمرًا يُفرح قلب شاربيه كلِّهم.

بالخبز الشبع. وكلّ اللذات في الفاكهة،

ومن التراب عينه هذه الكثيرة كلّها.

بأطعمة مختلفة وبروائح أشكالاً أشكالاً،

ليكثر المجدُ للصانع واللذة لنا.

 

رمز اليوم الثالث

1145 يوم مبارك هو الثالث[34]، زار الأرض،

وكمّلها وكلّلها بالغنى والخيرات التي أكثرها فيها.

خلعت قميص المياه التي لبستها، ورمتها،

ولبست ثوب الأزهار والثمار والورود.

كانبعاث للأرض كان في الثالث،

1150 يومٌ مبارك فيه أنشئت الأرض وصارت.

ورأى الربّ أن صُنع يديه كلّه حسن،

وكان مساء وكان صباح، في (اليوم) الثالث.

 

أيّام ثلاثة

ثلاثة قياسات من العجلة رُكّبت[35]،

وشرعت تزحف فتُعبر الأيّام الواحد بعد الواحد.

1155 دفعت اليوم الأوّل، فخرج وانتقل،

والثاني أيضًا، أعبرته وكأنّه ما كان.

وأتى اليوم الثالث، وأيضًا هو ما دامَ،

زال هو أيضًا وما عرف موضعه أين هو.

ثلاثة أيّام وصلَت إلى العالم وخرجت منه،

1160 وما دخلت إلى العالم أيضًا أيّامٌ أخرى مثلها.

هذه الأيّام لا تشبه التي بعدها،

فلها وحدها كان نور لا مسيرة له.

ما وُجدت فيها الشمس ولا القمر،

ولا الساعات التي تُعدّ في حدودها.

1165 الصباح والغروب ونصف النهار، كان شيئًا واحدًا،

لون بهيّ لا يمشي ولا يتبدّل.

ما حُبس النور في كرات ماشيات،

ولا تواصل مع الساعات الشمسيّة.

كانت أيّامٌ مقاسة فوزّعتْها،

1170 القوّة الخفيّة التي تحفظ المكان لما بعدها.

سُكب النور ثلاثةَ أيّام على الخلائق،

وما كان للجبال ظلٌّ ولا للتلال[36].

هناك ما ظهر النورُ من جانب واحد،

فيأتي ظلٌّ ويقوم في هذا الجانب الآخر.

1175 فُرش النور من كل جانب على كلّ شيء،

وقام وسكن وليس له طريق يمشي فيها.

وهكذا دام النور الذي وُجد، ثلاثة أيّام،

وما حُبس في هذه الآنية التي من بعد.

بل كان منثورًا فحلَّ وسُكب على البرايا،

1180 كما أمر الصانع الإلهيّ سيّد الأزمان.

 

 



[1] يحتاج الإنسان إلى عقل مشبَع بالصدق والإيمان لنغرق في الكتب المقدّسة، ساعة النفس تتنعّم بحبّ الله. إن آمن المتميّز، فهم أنّ الله، بكلمته، خلق العالم من لا شيء. استنار موسى بنور النبوءة وبما ناله من وحي، حين رأى الربّ وجهًا لوجه، فبيّن كيف خرجت الخليقة من لا شيء.

[2] م ت ب س م ا. راجع "ب س ي م ا". نستعذب، نتنعّم.

[3] رج خر 33: 11 الذي يروي فيقول: "ويكلّم الربّ موسى وجهًا لوجه، كما يكلّم الرجلُ صاحبه". "أ ف ي ن. ل وق ب ل. ا ف ي ن": في البسيطة كما عند السروجيّ. في العبريّة: ف ن ي م. ال. ف ن ي م": وجهًا إلى وجه.

[4] رج 1 مل 11: 17؛ 2 أخ 25: 14.

[5] مزج الأمر فهرّب المياه، كما هرّب صوتُ السلاح الأدوميّين.

[6] لا يعني الكلام أنّ الموضع المخصّص للبحار كان عميقًا. بل هي أطاعت أمر الله. فلولا هذا الأمر، لما بقيت المياه العلويّة في مكانها. أراد الله أن تمضي إلى موضع، فمضت.

[7] ترك السروجيّ العامل الطبيعيّ الذي به تجري المياه من أعلى إلى أسفل. وشدّد على "أمر" (ف و ق د ن ا) الله الذي "يأمر" (ف ق د) المياه "فتسمع" (ش م ع) وتطيع وتنفّذ الأمر. المياه صعدت فوق الرقيع، كما كان الأقدمون يقولون. والمياه دخلت في السحب. ونحن نقول بشكل بخار، لا شاعرنا الذي يعتبرها صعدت كما ستنزل، وكلّ هذا بأمر الله. غير أنّه سيعود إلى البخار فيما بعد.

[8] عا 9: 6: "هو الذي يدعو (ق ر ا) مياه البحر، ويصبُّها (أش و. ل ه ي ن) على وجه الأرض". هو توافق مع السريانيّة البسيطة.

[9] يتوجّه السروجيّ إلى السامع أو إلى القارئ: إن ابتعدت نفسه عن الشرّ، واشتعلت معرفته بالحبّ، وفرغ قلبه من الأفكار الجسديّة، وصفا عقله، يستطيع أن يقف على جبل سيناء فيشاهد عمل الله وما فيه من عجب.

[10] ماذا فعل "رم زا"؟ ماذا فعل الله حين رمز، حين أشار بيده. فصل الليل عن النهار، والظلمة عن النور، وجعل لكلّ شيء مكانه.

[11] اختار الله المياه التي يريد أن يجمع، فمضت لا يقف حاجز أمامها، لا مرتفع ولا هوّة أو عمق. سبق وأجمعت المياه العليا في اليوم الثاني. وها هي المياه التحتيّة تجتمع في اليوم الثالث.

[12] ماذا يستطيع الرمل الرخو (ر ف ي ا) أن يفعل بوجه المياه المرتفعة؟ صار بقدرة الله، سدًّا منيعًا أوقف البحر في حدوده.

[13] ليس الرمل هو القوّة الفاعلة، بل الأمر الإلهيّ الذي يطيعه البحر ولا كان جامحًا مثل جواد برّيّ. "اليمُّ عبدٌ سامع".

[14] أو: كم قدرته الصانعة مخيفة.

[15] هما أخوان. يسود السلام بينهما، كما بين الليل والنهار. وفي ذلك اليوم (الثالث)، نال كلُّ واحد منهما اسمه.

[16] "القوّة" (ح ي ل ا). أو الله القويّ، القدير. صارت شخصًا حيًّا. وكذا نقول عن "الرمز" (رم زا). به يشير الله فيتمّ ما يريد.

[17] أي 26: 7: "مدّ الشمال على الفراغ (ت و ه). وعلّق (ت ل ي ا) الأرض على لا شيء" (ل ا. م و م).

[18] م ي ا. د. ت ح ت. ا ر ع ا. رج في العبريّة العبارة نفسها (تث 4: 18): ب. م ي م. م ت ح ت. ل. ا ر ص. اعتبر الأقدمون أنّ الأرض بُنيت على أربعة عواميد مفروزة في المياه. هذا يعني أنّ المياه تحت الأرض وفوق الرقيع. من فوق ينزل المطر، ومن تحت تخرج الينابيع والعيون.

[19] الأرض التي علّقها على لا شيء، كانت حسنة، والبحار أيضًا التي حبسها كما في سلاسل. ما كان شيء تسكن (تستقرّ) فيه الخليقة، لا تحت الأرض، ولا تحت المياه التي تحت الأرض. قوّة الله وحدها هي التي أسندت، وإن غابت هذه القوّة، لا يبقى منها شيء.

[20] الله الذي شيّد العالم وجعله على لا شيء يضمّه في نعمته، مثل أمّ تضمّ ابنها الذي ولدته في محبّتها. في المقطع السابق، بدا الله الجبّار لا يقف في وجهه عائق. وهنا يبدو مثل أمّ تعامل العالم بالحبّ والحنان.

[21] ما يُدهش هو أنّ الأرض القائمة في وسط المياه، صارت جافّة، في يوم واحد، بفعل "ر و ح ا" (الروح أو الريح التي يرسلها الله). فلو لم تكن الأرض جافّة، يابسة، لما دُعيت "يابسة" (ي ب ي ش ت ا).

[22] "ب ع ل ه" في السريانيّة، صار بعلها، زوجها. هذا يعني الاتّحاد.

[23] تتواصل الصورة. الأرض هي عروس (ك ل ت ا) مخطوبة (م ك ر ه)، وابنُها العالم. رج سي 40: 1 الذي يتحدّث عن "الأرض أمّ الجميع".

[24] ما إن جفّت الأرض ووضع لها حدًّا، حتّى أمرها بأن تُنمي كلّ أنواع الشجر (تك 1: 11). هذا الأمر الإلهيّ جعلها تعطي العشب والنبات والأشجار التي بلغت إلى ملء االنموّ في يوم واحد. وهكذا آدم، ما مرّ في كلّ مراحل نموّه بل وُلد بالغًا حين ولد.

[25] كما تدخل العروس إلى بيت زوجها. وهكذا تتواصل صورة الزواج مع "شريكة" في 1065 (ا ش ت و ت ف) الحياة.

[26] حملت الأشجار أثمارها واستعدّت لمن يريد قطافها، دون الحاجة إلى الاعتناء المسبَق لها. فتزيّنت الأرض مثل عروس بأجمل الأزهار. ويوم دُعيت بامس ولدت أولادًا أخذوا اسمهم منها. في شهر نيسان حيث يبدأ تاريخ العالم، دعا الربّ الأرض إلى وليمة، ثمّ دخلت خدر عريسها.

[27] صنع السقف أوّلاً بشكل مظلّة (ط ل ل). ثمّ بنى البيت، لأنّ الرقيع سبق الأرض، وهو سقف لها.

[28] هذا يعني أنّها أنشئت، ثم لبست لباسًا. بدت في الأصل عريانة. لم يكن فيها أشجار وأزهار قبل أن يعطيها الله.

[29] حين يرى الإنسان أعمال الله العجيبة يندهش ويندفع في التسبيح. البارحة صنع الرقيع، واليوم الأرض بسقفها وأرضيّتها. في هذا "البيت" هيّأ الكثير من أجل الآتين للسكن من إنسان وحيوان. الخضار والزهور هي هنا. الكرم والزيتون والآس والأرز تعطي الظلّ.

[30] وفي نهاية اليوم الثالث، هربت المياه التي غطّت الأرض، وبان وجهها المضيء. وفي إطار الأمر الأوّل، صارت الأرض خصبة وظهر النبات الذي يؤمّن الطعام للساكنين. جفّت الماء على الأرض، كما بعد الطوفان (تك 8: 1ي).

[31] جذوع من شجرة تُطعَّم في شجرة أخرى فتزيدها غنى على غنى.

[32] يعود الشاعر إلى الأمر الإلهيّ. هذا الأمر لم يكن في الماضي، بل هو حاضر الآن وهو ما زال يعمل في الخليقة.

[33] هذا الأمر طلب من الأرض أن تقدّم عطاياها الثمينة للعائشين على سطحها وهكذا وضع الخالق وصانع كلّ شيء، مؤونة من الطعام للأجيال الآتية، غصن يطعّم، غصن جفنة يُزرَع، زيتونة تُفلَح وتزرع في موضع آخر، ثمّ هناك الزيتون بزيته (مز 104: 15) والتفّاح برائحته، والخمر الذي يفرح القلب، كلّ هذه تُنشد مجد الله.

[34] حين يُذكر اليوم الثالث، يتذكّر المؤمن ذاك اليوم الذي فيه تمّت قيامة يسوع من بين الأموات (يو 2: 1). في هذا اليوم الثالث من الخلق تجدّدت الطبيعة، وفي اليوم الثالث، يوم القيامة، انطلقت البشريّة في حياة جديدة.

[35] عجلة الزمن أتت بثلاثة أيّام وجعلتها تمضي. هذه الأيّام تختلف عن غيرها، لأنّ النور كان جامدًا، لا متحرّكًا، لأنّ الشمس ما كانت وُجدَت ولا القمر، ولا الساعات كانت تحسب. والصباح والظهر والمساء لها لون واحد. وكان النور ينتشر على الخليقة بأمر الخالق.

[36] الظلّ يأتي من الشمس ومن القمر. وبما أنّهما ما وُجدا في الأيّام الثلاثة الأولى، لم يكن ظلّ، بل كان النور في كلّ مكان.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM