اليوم الأوّل - وجود الله الخالق 53-520

في اليوم الأوّل، يقرأ السروجيّ تك 1: 1-5. وها نحن نقرأه كما في البسيطة.

1. في البدء برأ (ب ر ا) الله ذات (ي ت) السماء وذات الأرض.

2. والأرضَ كانت خالية (ت وه، تائهة) خاوية (ب و ه). والظلمة على وجه الغمر (ت ه و م). وروحُ الله مرفرف (م ر ح ف ا) على وجه المياه.

3. فقال الله: "ليكن نور"، فكان نور (ن و ه ر ا)

4. ورأى الله النور أنّه حسن (ش ف را). وفصل الله بين النور والظلمة

5. ودعا الله النور نهارًا (ا ي م ما)، والظلمة دعا ليلاً (ل ل ي ا). وكان مساء، وكان صباح يوم أوّل (ح د).

جاء نصّ البسيطة قريبًا قرابة حرفيّة من العبريّ، فماشى "إت" التي تدلّ على صيغة المفعول بها، والتي صارت في السريانيّة "ي ت"، ذات.

في هذا الميمر (المقال)، يتحدّث السروجيّ عن وجود الله الذي هو الكائن الواجب الوجود، وعن الثالوث الذي خلق العالم وحمله. وأخيرًا عن خلق الملائكة وخلق النور. نتذكّر أنّ الكتاب المقدّس لا يتكلّم عن خلق الملائكة، بل التقليد اليهوديّ وبعده المسيحيّ.


المقدّمة

تحرّك فيّ المقال المملوء عجبًا، عن الخلائق كلّها[1]،

وها هو يُشير عليَّ بأن يجلو نفسه للسامعين.

55 ها المعرفة ركبت المرتفعات وتعامت،

لتمضي فترى، وتأتي فتتكلّم عن البرايا،

من قراءة موسى، الكاتب الحقيقيّ،

اغتنى الفهم[2] فتكلَّم عجبًا عن عمل الخلق.

سمعت صوتًا: "في البدء برأ (خلق) الله

60 السماء والأرض"[3]، فتحرّكت نحوه من أجل الكلام.

وإذ أنا أتكلّم عن البرايا وعن محاسنها،

وعلى زينتها وجمال إتقانها،

جذبني العقل وهو ينتقل بسرعته،

فتجرّأتُ وخرجت بعيدًا عن دائرة العالم.

 

لا شيء قبل الخلق

65 وأخذتُ أفكّر: قبل هذا العمل الذي صار،

ماذا وُجد؟ فما كُتب أنّ شيئًا وُجد[4]

قبل هذا الرمز (ر م ز ا، إشارة) الذي أقام العوالم من لا شيء.

ماذا شابه المكان الفارغ الذي لا خلائق فيه؟

قبل أن يكون نور وظلام،

70 أيّ لون كان لنور الكيان[5] هذا؟

ماذا شابه موضع العالم حين لم يكن موجودًا؟

والآن وقد صار، هو هو يمسك مكانًا ليس له.

قبل "توه وبوه" (خاليًا، خاويًا) وقبل القفر والفراغ العظيم.

ماذا شابه اللاشيء إن هو شابه،

75 ما كانت السماوات، ولا الأرض، ولا البحار،

ولا الرقيع (الفلك، ر ق ي ع ا) كان، ولا النيّرات، ولا العناصر،

ولا النور، ولا الظلمة، ولا الظلال.

وما أشرق (د ن ح، ظهر) شيء ولا غرُبَ شيء،

ولا كان النار، ولا الريح، ولا الملائكة.

80 ولا الجوقات، ولا من يُخفون ولا من يُكدَنون[6]،

لا المركبة ولا عجلاتها الناطقة،

ولا الكروبون، ولا الأجنحة، ولا التبدّلات[7]،

ولا المقدّسون ولا المسبّحون ولا الخدّام،

ولا السرافون ولا أجواق القوّات.

 

85 في هذا المكان، قبل أن يتحرّك شيء ما[8]،

نظرتُ فتهتُ، تعجّبتُ فانتهيت، ارتجفتُ، قمتُ

وتجرّأ عقلي وقام من هناك متواقحًا،

فطافت عليه أمواجُ شعاع الألوهة.

حلَّ الرقيعُ في مقصورة نور كيانه،

90 فهو ممجَّد ومهيب، قدّوس ومخيف، ومملوء خيرات،

لا يصلح له الخدّام ولا الخدمة،

ولا الحاملون. فهو لا يحتاج أن يركب على المكدونين (بيت 80)

صُنع له مكانٌ عظيم فحلَّ هناك،

وتجاهى، وكان عذبًا في ذاته.

95 حين يتقدّس من رفرفة قداسته،

ساعة طبيعته مملوءة بالبركات الطبيعيّة،

حين يُوقَّر في عجلات مجد لاهوته،

لا يحتاج أن يخلق شيئًا من الخلائق،

وعظم الكائن العظيم من كيانه،

100 وحلّ فيه ولا مكان إلاّ وامتلأ منه.

 

لماذا خلق الله

وجدت فيه المراحم التي فيه جريًا طبيعيًا،

ليخلق خليقة وهو لا يحتاج إلى البرايا[9].

ما طلبتْ حاجتُه أن يملأ العالم الذي خلق،

بل لأنّه صالح (طيّب) خلق الخلائق،

105 ونزل يخلق خلائق خلائق بأشكالها.

وانجلى أنّه لو لم يتنازل لما خلق،

لماذا خلق وهو لا يحتاج؟ من أجل

هذه النعمة التي يفوق خبرُها الناطقين.

فبالنعمة بُنيَ العالم ليكون موجودًا،

110 مع الكيان (الإلهيّ)، فيكون شيء من لا شيء.

حين خُلقت، القوّات خلطها،

معه في المجد، فاستعذبت خدمته،

ولأنّه وُجد وحده، أتى بجموع

المسبِّحين ليخلطهم معه في مجد عظيم،

115 ويُقيم أجواق الخدّام على خدمته،

ويلبسهم من عظمته بهاء وجلالاً،

فلا يتنعّم الكائنُ وحده من كيانه،

رمز إلى القوّات لتقوم على خدمته،

وإذ يُسبَّح يعظم معه مسبّحوه،

120 وإذ يوقَّر تكثر الخيرات على الذين يوقّرونه.

وفي عذوبة (نعيم) كيانه ترعى (كالخراف)[10]

القوّاتُ في مروج كلّ الطيّبات (الخيرات).

ويكون آدم صورة عظيمة، مثل الله

وكلّ الخلائق خادمات تسمع له.

125 هكذا كثرت نعمةُ الألوهة:

من لا شيء صار شيء، مثل الله،

ولو سهُلَ أن يكون الشيء المصنوعُ إلهًا،

لما غار بأن يكون رفاقٌ معه.

من أجل هذا خلق خلائق وهو لا يحتاج،

130 وعظّمها معه بمحاسن طبائعها.

 

وكتب موسى عن الخلق

على قمّة النبوءة هذه، وضع (الله) موسى

فرآه (= موسى) ينزل فيخلق خلقًا لم يكن خُلق[11].

وكان تحرّك أوّل من الكيان (الإلهيّ)،

فخرج الرمز وصنع اللاشيء فصار شيئًا.

135 ومن الآن شرع موسى يتكلّم:

"في البدء، خلق الله السماء والأرض".

من هذا الرمز وبعده شرع السافر (= الكاتب) يكتب،

ما كان في ستّة أيّام الخلق.

في نبوءة رفيعة النظر، رأى الخفيّ (الله)

140 يدعو اللاشيء فيقوم ويصير شيئًا،

والرموز والأقوال التي خُدمت على البرايا،

سمعها موسى ورآها في نور النبوءة.

مثل ربّ بيت دخل إلى كنز الألوهة،

فما خفي عنه غنى الخلق،

145 وكما رأى وكما سمع في المكان الرفيع،

وضع السافرُ (الكاتبُ) في كتابه الكارزِ عن البرايا.

 

ردّ موسى على الوثنيّة: للعالم بداية ونهاية

قال: "في البدء خلق الله السماء والأرض"،

وبيّن أنّ للعالم بدءًا ونهاية.

تعليمًا مليئًا بالنور، من طور (جبل) سيناء،

150 أنزل موسى إلى العالم الذي أظلم بالوثنيّة،

حين صُنعت خلائق خلائق بأشكالها،

حُسبَتْ مثل آلهة في طبائعها.

فأظلم العالم بحبّ الأصنام الفارغة،

ونسيَت الخليقة الخالق وما تكلّمت عنه.

155 وسجد البشر، بعضهم للنار وبعضهم للمياه،

وللنيّرات وللحيوانات وللطيور.

 

وضلّ العالم وما عرف الإنسان من هو ربّه[12]،

لهذا وجب على موسى أن يكتب عن الخالق،

ليدرك العالم أنّ له بدًا ونهاية،

160 وأنّ له ربًّا تحقّ له كلّ السجودات،

ويتعرّى أولئك الذين خطفوا اسم الآلهة،

مع أنّهم خُلقوا من لا شيء وصُنعوا.

ولتؤخذ كلُّ السجودات من البرايا،

فيسجد العالم للباري الذي هو ربّه.

 

الدواء الشافي

165 هذا الدواء أنزله موسى من طور سيناء،

يشفي به جُرح العالم الذي أنتَنَ[13].

وبيّن أنّ العالم لم يكن موجودًا قبل أن يكون،

وكان حين لم يكن العالم موجودًا.

وللبرايا كلّها التي كانت، وُجدت بداية.

170 ووُجد صانع (خالق) خفيَ عن الكلّ في خفائه،

وتحرَّك كلُّ جسم عظيم في كلّ البرايا:

بقوّة الله حُرِّك وصار من لا شيء.

 

خلقُ الملائكة

كشف موسى للعالم السرَّ الذي خَفيَ[14]:

كيف ومتى قام من لا شيء إلى الوجود.

175 وشرع يكتب: "في البدء خلق الله

السماوات والأرض التي ما صُنعت، وصنعها (الآن).

رمز (أشار) الجبّار فكان شيء من لا شيء:

السماوات والأرض والقوّات الخفيّة التي في العلاء.

صنعَ له جموع المسبِّحين في مكانه الرفيع،

180 وبسط الصفوف لتكون قائمة على خدمته.

كدَن (ربط) المركبة فتحرّكت كلُّها لتبارك،

بأصوات الأجنحة، بتحرّك العجلات الناطقة.

صنع الملائكة وخدّام النار والروح[15]:

منظرٌ جديد في مكانٍ جافٍّ للمجد العظيم.

 

مراتب الملائكة

185 صاغ من النار سرافيم النار مع أجنحتهم،

ومع أصواتهم، مع رفرفة تقديساتهم،

رتّب الأجواق العليا والوُسطى

والسفلى، ووضع أركونًا (= رئيسًا) لمجده.

صنع له قوى، وصنع رؤساء قوّات.

190 وأقام الجموع في أماكنها للتسبيح،

صنع القائمين (لديه) والخدّام والمسبحِّين،

والمباركين والمقدّسين والمهلّلين،

صفوفًا صفوفًا، جموعًا جموعًا، قوًى قوًى،

آلافًا بلا حدود، مع ربوات لا عدَّ لها.

 

الكروبيم والسرافيم

195 كاروبين مخيفين، سرافين موحشين، رؤى مميّزة،

ريحًا تهبّ، نارًا تتّقد، حيرة كبرى.

وأقام رمزُه طغمات رفيعة ووضيعة،

وأيضًا العظمة السفلى، الأخرى، التي سقطت،

أقامها، رتّبها، حرَّكها،

200 للمباركة، للتقديس، للتهليل،

ملأ أفواهَهم بكلّ التهاليل، بكلّ التراتيل،

ليكونوا كلَّ يوم، منشدين بحسب طبيعتهم.

وضع في فم السراف (جمع سرافيم) تقديسًا حين خلقه،

فيفتح فمه ويخرج "قدّوس" حالما يطلب.

205 صنع له وجهًا وصنع جناحين يخفيه (بهما)،

فيكون في هذا الإخفاء موقِّرًا للألوهة.

صنعَ للكروب فمًا يُثمر كلَّ البركات،

لوعد مكانه، لمجد اسمه بصوت رفيع.

 

كيف صار الملائكة؟ لم يعرفوا

نظر بعضهم بعضًا، رأى بهضُهم بعضًا، تحرّكوا وتعجّبوا،

210 دُهشوا لأنّهم صاروا، وما أدركوا كيف صاروا.

ذاك الرمز الذي أقامهم، حرّكهم

ليباركوا غناه ويقدّسوه.

وها هم من ذلك الوقت، يُثمرون المباركات والتقاديس،

كمّا كوّنهم الرمز منه وأقامهم.

215 تعجّب واحد واحد منهم، بشخصه،

وتحرّك ليسبّح وما سكت من التسبيح،

وما استُعبدوا لكي يسألوا أو يتعقّبوا،

أو ليتحقّقوا، لئلاّ يَفرغوا من التسبيح.

"قدّوس، قدّوس، قدّوس"[16] صرخوا وهم خائفون،

220 وما أرادوا بعدُ أن يقولوا شيئًا آخر.

كلُّ القوّات تحرّكتْ، هذا إلى ذاك،

يسبّحوه في رعدة، ليقدّموه.

 

عمل الملائكة التسبيح

منذ الحركة الأولى التي أقامتهم،

حتّى يومنا، لا يشبعون من التسبيح، لا يسكتون.

225 عَرفوا أنّهم وُجدوا، ولأجل هذا وُجدوا،

تحرّكوا ليسبّحوا، فرعدَ صوتُ تراتيلهم.

تحرّكت في الحال كلّ الطغمات للتسبيح،

للمباركة، للتقديس، للتهليل.

ورعدت أصواتُ المسبِّحين

230 والمباركين كما كوِّنوا في شكل وشكل،

وإذ كان لهم مكان علّة ليسألوا،

كيف قاموا، ما انحدروا ليسألوا،

لكنّ الدهشةَ خطفتهم ليسبّحوا،

وهم اليوم يقومون في القداسة مدهوشين.

235 قام العلويّون في هيكل النور الذي خلقه الرمز،

وأنشدوا كلّ سبح جديد بصوت رفيع:

أُتقنت السماوات ومعها كلّ القوّات،

مقصورة الملك وعبيد الملك، بواسطة الرمز الخفيّ.

 

الخلق عملٌ ثانويّ

بكلمة الربّ صُنعت السماوات، كما كُتب[17]،

240 وبروح فمه قوّاتُها، كما قيل،

الربُّ (يهوه في العبريّة) وكلمته وروحه، الثالوث كلّه:

هذا جليّ بأنّ الربّ برأ البرايا بابنه.

الآب رمزَ، الابن خلقَ. الروح تمّمَ.

وقام العالم من لا شيء بفعل الثالوث،

245 إذ تجاهى الثالوث على المتقنات،

رمز، برأ، كمّل العالم بقوّة عظيمة.

قامت الأعالي وأبناء الأعالي في مساكنهم،

السماوات المبسوطة والسماويّون داخل أحضانها.

مسكنٌ كبيرٌ وصفوفُ الملك محدودةٌ فيه،

250 جنانُ النور وأبناء النور فيه مبتهجون.

بهذا الرمز عينه الذي خرج بلاهوت إلى الأعمال،

أتى الملاكة إلى الوجود والقوّات.

وكلّ البرايا التي ما طلب موسى أن يسمّيها،

أقامها ذلك الرمز في طبائعها.

 

من موسى إلى الأنبياء

255 وضع موسى الكاتبُ في كتابه الأجساد والأجسام[18]،

وما أراد أن يكتب على البرايا التي لا ترى.

ما تكلّم عن الملائكة الخفيّين في العلاء،

ولا وضع خبر النار والروح في كتاباته.

كتب اللاويّ كيف تجلّى العالم،

260 ليتعلّم العالم، في هذه التجلّيات، أنّ له ربًّا.

 

وما تركه موسى في الخبر وما كتبه،

ملأه داود[19] في سفر أشير[20]، في مزاميره،

"صنع ملائكته وخدّامه نارًا وروحًا"،

كتب داود في مزاميره الحلوة،

265 ليعلّم العالم أنّ الملائكة أيضًا صُنعوا،

وأتوا إلى الوجود، بيد الخالق (الصانع) مع البرايا.

ما كتب موسى العظيم عن الملائكة،

فكتب داود، وواحد هو الروح الذي يكشف لهما.

وتعلّم العالم من موسى كما من داود،

270 أنّ واحدًا هو الكائن الذي برأ البرايا برمزه.

 

وبيَّن داود في أيّ يوم وُجد الملائكة[21]،

ليكون جليًّا للعالم متى خُلقوا وكيف

بهذا الرمز الذي به خُلقت السماوات والأرض،

قامتْ كلُّ القوّات السماويّة.

275 بكلمة الربّ صُنعت السماوات[22]، كما بيّن داود،

ومعها، في الحال، القوّات، بروح فمه.

بيّن موسى أنّ الربّ خلق السماوات والأرض،

وداود بيّن كيف وُجدت القوّات.

 

وأشعيا[23] أيضًا في تجلّي نبوءته،

280 أتى إلى العالم بخبر مخيف حول السرافيم.

معلّمنا أيضًا حول أجنحتهم وتقديساتهم،

وحول أصواتهم، وحول تغطية وجوههم.

وكيف أنّ هذا يدعو هذا بارتجاف عظيم،

ويقدّسون الربّ الذي امتلأت السماء من مجده.

285 يُكرَز بالثالوث في أقوالهم،

وكيف ترتجف العتبات برفرفاتهم،

ويخدمون سرّ الجسد والدم،

ويزيّحونه بملقط ناريّ وهم خائفون.

عن هؤلاء ما كتب موسى العظيم[24]،

290 لأنّ القرعة بلغت إلى أشعيا فتكلّم عنهم.

 

لأنّه واحدٌ كلّ روح نبوءة[25]،

وهبه الربُّ حصصًا لمن هم أهل له.

فصار الأنبياء أبناء سرّ الألوهة،

فقسم لهم كلَّ التجلّيات حول أعماله.

295 إلى واحدٍ واحد منهم وُهبت له موهبة،

أن يكشف للعالم حول الباري وحول البرايا.

فالواحد منهم أصغر من أن يتكلّم عن أخبار الألوهة،

فرمز الروح فيهم كلّهم وبيَّن الخفايا.

موسى كتب عن البرايا الصامتة،

300 وأنشد داود الأجواق الناطقة.

وأمّا أشعيا (فتكلّم) عن شكل السرافيم،

فبيّن للعالم كيف يقومون من أجل التقديس.

 

إلى حزقيال[26] وصلت القرعة فتكلّم هو أيضًا،

عن مركبة الكروبيم التي امتلأت عجبًا.

305 فلا موسى ولا أشعيا تكلّما عنها،

فأورد خبرها هذا النبيّ العجب في ما تجلّى له.

أكل درْجًا مليئًا بأسرار الخلق،

ولفظ ميمرًا (مقالاً) تعجزُ العقول عن فهمه.

 

أخبر عن المركبة والتبدّلات فيها[27]،

310 وعمّا يشبهها وعن الوجوه التي كدُنت (رُبطت) بها،

عن الوجوه والأجنحة والعجلات الناطقة،

والروح الحيّ الذي يدور داخل العجلات،

وعن تحرّك الكروبيم وخدمتهم،

وعن الكرسيّ الرفيع الذي أنشئ على ظهورهم،

315 وعن رؤية شبه ابن الله،

الذي يُزيَّح على المركبة بدهشة عظيمة،

وعن صوت خدمة الكروبيم،

الذين يباركون الرفيع في مكانه بارتجاف عظيم.

 

هذه كلّها من حزقيال ابن الجلاء[28]،

320 فيتعلّم العالم عن المركبة بمنظره المخيف.

ما كشف موسى خبرها ولا داود،

ولا نبيّ آخر تكلّم عنها مثل حزقيال،

له وُهبت موهبة ذاك الكشف،

يتحدّث بإعجاب عن مركبة الكروبيم.

 

325 لدانيال[29] أعلن حول جماعات،

السماويّين وجوقاتهم وخدمتهم.

ألف ألوف يخدمون الكائن في مكانه،

ويقوم قدّامه ربوة ربوات وهم خائفون.

وحول جبرائيل وحول ميخائيل باسميهما،

330 بيّن دانيال أيضًا لنا في نبوءته:

ممّا يتسلّطان على الملوك[30] وولاياتهم،

وبأمر ربِّهم يصنعون القوّات.

 

أخفى موسى كلَّ خبر القوّات[31]،

وما أراد أن يقول شيئًا عن الملائكة.

335 وما قال إنّهم كانوا أو وُجدوا،

لأنّه حفظ لرفاقه أن يتكلّموا عن الباقي،

ما توجّب على موسى أن يتكلّم عن الخلائق،

بل أن يبيِّن للعالم كلّه بوجود خالق.

صرف في نبوّاته أنّ له شركاء،

340 وما تركه قاله رفاقُه.

 

ليشوع بن نون، تلميذه العظيم، الزاهي[32]،

كُشف وجود رئيس القوّات.

رأى على التلّة الملاك ماسكًا سيفَه بيده،

وقائلاً له: "أنا عظيم القوّات".

345 وخبرُ رؤساء الجيوش والقوّات،

ما كان كلامٌ عنه في قصّة الأيّام الستّة.

 

المخلوقات المنظورة واللامنظورة

عن هذه الأجسام الكثيفة والمنظورة[33]،

كتب موسى كيف كانت من لا شيء.

لمّا عزم موسى أن يكتب عن البرايا،

350 كان البشرُ لكلّ البرايا يسجدون[34].

ما عرف العالم أنّ له ربًّا خفيًّا،

فبيّن موسى وجود خالق لكلّ (الخلائق) الخفيّة.

وإذ قال: "خلق الربُّ السماوات والأرض".

حبس[35] كلَّ ما في السماوات وما على الأرض:

355 الريح والنار. والملائكة أيضًا والقوّات،

وكلّ البرايا التي لا تُرى في طبائعها،

إذ قال: "في البدء خلق الله السماوات والأرض"،

سيَّج[36] موسى كلّ أخبار الخلق.

وأتى بعدَه الأنبياء فكشفوا وتكلّموا،

360 كشفوا للخليقة ما أضفاه موسى حول الخلائق.

وبما أنّ جميع الرائين شربوا روحًا واحدًا،

حقيقة واحدة كان في كشفهم حين تكلّموا.

 

العناصر الأربعة

خرج رمزُ[37] الألوهة على اللاشيء،

وصنعه شيئًا عظيمًا قام فكان ووُجد:

365 السماوات والأرض، والملائكة أيضًا والقوّات،

الغمر (ت ه و م)، البحر الواسع والعظيم والظلمة التي فوقه.

النار والمياه، والأرض (التراب) والهواء، أتقن الرمزُ،

الأربعة (عناصر) التي وُجدت ليكون منها العالم كلّه.

كانت العناصر متقابلة ومختلطة:

370 هذا بذاك قبل أن ينفصلا بحدودهما.

لهذا ما كانت أنشئت ولا سُكنت

الأرضُ، بل كلّها كانت مُقفرة، فارغة.

اختلطت النار بالريح، والأرض في المياه وُضعت،

فقُطع العالمُ ورُميَ وما كان نشأ بعد.

 

الله في إبداعه

375 كما الصانع يقطع الخشب من العابة[38]،

ومنه يصنع ما يريد من جمال،

والمصوِّر يُرتِّب الألوان والأصباغ.

وبعد ذلك يشرع فيصوّر صورة جميلة،

الله أيضًا قطع العالم من لا شيء،

380 ومنه شرع يُقيم البرايا بلا تعب.

 

برمزٍ[39] واحد خلق الله وما أتقنه،

وفي ستّة أيّام، أقام ورتّب وأتقن.

ما احتاجت قدرة الله إلى أن يُطيل روحه،

بحيث تكمل كلُّ البرايا في ستّة أيّام.

385 إلاّ أنّ الخليقة احتاجت إلى ترتيب،

حين خُلقت، بأيّ ترتيب وأي ترتيب تقوم.

طُلبت إطالة الروح من أجل الاثنان،

لتعطي مجالاً للرفاق حين يُصنَعون.

 

احتاج الليل إلى النهار من أجل الترتيب،

390 ليمسك واحدٌ واحدٌ الطَور (المدّة المحدّدة) الذي بلغه.

وصل إلى الأخوين (الليل والنهار) أربعٌ وعشرون ساعة،

فوجبت اثنتا عشرة ساعة للواحد منهما،

لهذا أطال روحَه حين خلق،

ليمسك واحدٌ واحد ما يخصّه، ثمّ يُعبره.

395 لهذا وجب أن يكون عملُه لستّة أيّام،

من أجل ترتيب النهارات كلِّها والليالي[40].

 

برمز واحد يسهل على الباري أن يقيم

ربوةً من العوالم لو طلب أن يخلقها.

هو ما خلق الخلائق كما استطاع أن يخلق،

400 بل كما استطاعت هي أن تتقبَّل،

ليعطي هذا المصنوعُ مجالاً لهذا،

ولا ينتظر المصنوعُ رفيقه حين يكون.

 

الليل والنهار

لو أطلّ المساء فجأة ساعة كان الصباح،

لما ترك مجالاً للنيّر (الشمس) ولا للنهار.

405 ولو قام الليل ليكون مع النهار،

لتعرقلت تدابيرُ القوّات.

لهذا وجب على عمل الخلق أن يُطيل روحه،

لجل سعي هذه العجلة المليئة بالأزمنة.

هكذا تأتي كلُّ الأوقات الواحدُ بعد الواحد،

410 في سعي منظَّم، مرتَّب. وتأتي بلا بلبلة،

وإلاّ طرد النهارُ الليل وهزئ به،

أو خطف الليلُ من النهار ألوانه.

وتكون فسحةٌ بين المساء والصباح الآتي،

ويقوم النهار بنوره من دون أذى.

415 ويُمسك الليل كلَّ ساعات الظلمة،

ولا يدخل إليه شعاع من النهار ولا ضياء.

وتكون كلُّ النهارات والليالي ساعيةً

في سبُلها، في حدودها مع أزمانها.

ولا يختلط لونُ هذا بلون ذاك،

420 وتفسد مسيرة العجلة بسبب التبدّلات.

من أجل هذا، يومٌ أوّل ويومٌ ثانٍ،

وثالثٌ أيضًا ورابع وخامس.

يومٌ سادس فيه تمَّت كلُّ المتقنات،

وكان يوم سابع، للراحة من (خلق) الخلائق.

 

ستّة أيّام

425 بالرمز فاقت كلُّ الخلائق حين خُلقت[41]،

وفي ستّة أيّام لبست كلَّ المحاسن المتقنة.

بعناصر أتت بذلك الرمز، إلى الوجود،

تزيَّن المعالم بالمحاسن والصوَر.

الغمرُ الكبرى، والأرض ما أتقنت معه بعد،

430 والظلمة أيضًا في موضع الليل من الضلال.

تحرّك الغمرُ وأصعد منه غيومًا فظلَّلت،

وحفظت موضعًا لليل ليكون على البرايا.

هكذا تكلّم داودُ في مزاميره:

وضع الظلامَ لغروبه وأحاطه بالظلال[42]،

435 ظلام المياه الذي صار (ظلام) السحب،

صار مظلّة وتحتها الظلال.

 

الريح والروح

كانت ظلمة فهبَّت الريحُ[43] فوق المياه.

هو "روح" مخلوق، لا (الروح) القدس، كما ظنّوا

روحَ الربّ دعاه موسى، فكأنّه قال:

440 خليقة الربّ التي ترفّ على خلائقه.

كان الغمر العظيم فصعدت منه سحبُ الهواء،

وكان منها ذاك الظلام الذي صار ماء.

وهبّت ريحٌ بأمر الألوهة،

لتفصل وتُتقن الصنائع التي كانت.

 

445 كما خلَق بحر سوف[44] بيدي موسى،

دبَّر الليل كلّه بالريح، كما هو مكتوب.

وجعل الريح تهبّ فأنزل المنَّ[45] للشعب،

وكثَّر الخبزَ اللذيذ، في البرّيّة، للقوّات.

وإذ طلب أن تصعد السلوى، هبَّت الريحُ،

450 ومنها أمطر لحمًا طريئًا للشعب العظيم.

وهكذا هناك. إذ سطع على الخلائق،

لكي يخلقها، خرجت ريحٌ على المُتقنات[46].

كما اليومُ أيضًا تهبّ على الزروع وعلى الأشجار،

فتُنميها بأمرٍ من الألوهة،

455 وترمي الطلّ (الندى)، وإن أمرها تنفخ الحرّ،

وتسمِّن السنابل والمزروعات.

لهذا أمر بأن ترفّ على البرايا،

لتفصل المصنوعات التي كانت عن رفاقها،

الغمرُ والأرض، الظلمة أيضًا والريح التي تهبّ.

460 والرمز الذي قام يُنشئ العالم بعجب عظيم.

وامتلأت القوّات عجبًا ودهشة وحيرة،

وما وُجد في جموعها من تجرأ وسأل.

فربُّها خفيٌّ. أين موضعه؟ هي لا تدري.

فامتلأت فزعًا لكي تباركه أينما يكون.

 

ليكن نور

465 حينئذٍ قال الربُّ الخفيّ: "ليكن نور"[47]!

فكان نور. فتحرّكت القوّات من أجل الترتيل.

سمعوا الأمر ورأوا معه الصُنعَ الذي كان،

فخرج العطر من جماعاتهم مجدًا للربّ الخفيّ.

خلقُ النور جعل القولَ يقوم، فأدهشهم،

470 وفي العجائب حرّكوا صوتهم للتسبيح.

خرج الأمرُ من عند الإله الخفيّ،

فطرد ظلمة المياه وأتى بالنور.

 

بيّن الطريق لليل ليخرج فاقتاده وخرج،

ودخل النهار وقام ليملك هو أيضًا في موضعه.

475 قام ذاك الظلام وثبت فوق المياه،

على مدّ الليل، ثمّ قيل فكان نور.

فكان الليلُ الأوّل من ظلام،

تلك السحب التي غطّت الغمر (البحر العظيم).

وإذ لبث مدُّ الساعات اثنتي عشرة،

480 ظهر النهار خليقة جديدة ومتقنة.

قال الله: "ليكن نور"، فكان نور،

وقام النهار العظيم، فرتّلت القوّات،

ما عرفت كيف كانت من لا شيء،

ورأت أن كان نورٌ فتعلّمت عن الخالق:

485 هو أمرَ فكانت، كما أمر فكان النور.

فطبيعتُه خفيّة، وصفه جليٌّ، رفيع.

كان النهارُ يومًا يومًا مليئًا بكلّ الأفراح،

بكر إخوته والمحبوب الأوّل بين رفاقه،

كان (هذا النهار) الأحدَ، والمليءَ بالأسرار، وحاملَ الرموز،

490 فاقتيد وأتى إلى العالم ليكون، لأنّه ما كان[48].

 

قوّةُ الخلق جبلت فولدت أخوَين:

الليل المظلم والنهار المليء بالنور،

اثنان حسنان، لا يُشبه الواحد الآخر،

وجليّ أنّ كلّ ما عمل الربّ كان حسنًا،

495 اليومُ الأوّل، رأى العالم، جمال عظيم.

بدايةُ العجلة التي أدارتْها قوّة الخلق بزخمها،

بكرُ الليل، وماسكُ المكان قبل النهار.

فأتى النور وطرده ودخل فقام ليكون البكر،

لإسحق ولدت رفقة، كما النهار والليل:

500 عيسو ويعقوب. وهذا ما يُشبه هذا،

عيسو البكر. لون حالك مثل الليل.

وأتى يعقوب فأمسك عقبه، كما النهار.

خرج النهار وأمسك عقب الليل أخيه،

وقام يومٌ واحد يكون أساسًا للعالم[49].

 

النهار الأوّل والنور الأوّل

505 عجبًا كان اليومُ الأوّل، الذي كان،

من ذاك النور الذي قال عنه الربُّ الخفيّ فكان.

ذاك النهار لم تكن له ساعاتُ يومٍ،

ولا تواصل على ستٍّ وعشر فيكون مساء.

ما جرى نور ذاك النهار البهيّ،

510 فتجمَّع تجمّعًا على البرايا ينيرها.

ما ظهر (أشرق) من المشرق كالشمس وشرع يسير،

صار صيرورة كما قيل: ليكن نور.

ما مشى هنا وهناك يَعدّ ساعاته،

ولم يكن له شروق ولا غروب.

515 قال الله: "ليكن نور"، فكان نور،

وصار صيرورة كما كُتب، وما أشرق.

فدخل النور الذي صار وخدم الطَور الذي بلغه،

بقدر ما يلزم لذاك النهار مكان يمسكه.

وقام يوم واحد من ذاك الليل ومن النهار،

520 فحثّ المساء والصباح سيرهما، الواحد بعد الآخر.



[1] ارتفع عقل الشارع إلى الأعالي، فاجتمعت فيه كلمات يجب أن تنجلي للسامعين. واغتنى بنصّ موسى: "في البدء..." (تك 1: 1). نشير هنا إلى أنّ هذه الآية، هي فعل إيمان بالله الخالق وبما خلق. أمّا الفكر اللامؤمن، فيعتبر العالم أزليًّا مثل الله، فوُجد كما وُجد الله. ونشير أيضًا إلى أنّ الأقدمين اعتبروا أنّ موسى كتب البنتاتوكس (الأدراج الخمسة) أو أسفار موسى التي هي: التكوين، الخروج، اللاويّين، العدد، التثنية.

[2] ب و ي ن ا. رج في العربيّة: بيّن، تبيّن، تبيان.

[3] تك 1: 1: "ب ر ي ش ي ت. ب ر ا. ا ل ه ا".

[4] أوّل سؤال طرحه السروجيّ: ماذا نجد في المدى الفارغ قبل أن يخلق الله شيئًا من لا شيء؟ وجاءه الجواب من النور الإلهيّ. الله يقيم في "نار ملتهبة" بحيث لا يجسر أحدٌ أن يقترب منه. فهو لا يحتاج إلى شيء خارج عن ذاته. بما أنّه ثالوث، أي عيلة في ثلاثة أقانيم، فهو يكفي ذاته بذاته.

[5] ا ي ت و ت ا. رج "ا ي ت ي ا: الكائن وحده الله "ا ي ت ي ا". وإذ نتحدّث عن الكيان: (ا ي ت و ت ا) فنحن نتحدّث عن الله الذي كان في الأزل ويدوم إلى الأبد.

[6] السرافون هم الذي يُخفون وجوههم (أش 6: 2). والكروبون "يُكدنون" أي يُجعلون في المركبة الإلهيّة (حز 1: 1ي).

[7] ما زلنا في إطار الكروبين والسرافين. في أش 6: 1ي، نرى جوقتين تتناوبان وتتبدّلان، فتحلّ جوقةٌ محلّ جوقة. في مخطوط آخر نقرأ: "ش ل ه ب ي ت ا"، اللهيب. فيصبح الشعر: ولا الأجنحة، ولا اللهيب.

[8] ننطلق فنكتشف عظمة هذا الإله الغنيّ في ذاته، والذي لا يحتاج إلى شيء أن يخلق ليملأ حاجة في قلبه، وكأنّه ناقص.

[9] أمّا لماذا خلق؟ ليدلّ على مراحمه وصلاحه وتنازله ونعمته، وفي النهاية، يُشرك الخلائق في سعادته من ملائكة وبشر. بهذه العواطف، خلق من لا شيء ما جاء شبيهًا به.

[10] رج مز 23: أي: الربّ راعيّ... يقودني إلى المروج.

[11] استنار موسى بروح النبوءة، فدوّن الأحداث التي حصلت في ستّة أيّام، بعد أن أمر الله فخلق كلّ شيء من لا شيء. غرق العالم في الضلال وعبد الخلائق (النار، الماء، الطيور) كأنّها آلهة. من أجل هذا، حمل موسى من سيناء وحيًا يتحدّث عن عالم بدأ فارتبط بسيّد يحقّ له كلّ سجود وإكرام.

[12] أضاع الإنسان الربّ، فوجبَ على موسى أن يكتب عن الخالق ويذكّر الإنسان بالسجود لله، بدل الحيوان وسائر الخلائق.

[13] عبادة الأوثان جرح بليغ. فحمل إليه موسى الدواء حين حدّثه عن الخالق، الذي خلق كلّ شي من لا شيء، بحيث لم يكن موجود واحد قبل أن يخلق الله السماء والأرض.

[14] أوّل الخلق مع السماء والأرض، الملائكة بوظائفها. دُهشوا كيف وُجدوا، ولكنّهم لم يحاولوا الدخول في سرّ الله. هم يسبّحون الله وهذا يكفيهم. أمّا البحث الباطل فلا يهمّهم.

[15] مز 104: 4: "صنعت الرياح رسلك، ولهيب النيران خدّامك".

[16] أش 6: 3. ق د ي ش. ذاك كان نشيد السرافيم في الهيكل.

[17] مز 33: 6: "بكلمة الله صُنعت السماوات، وبنسمة من فمه كلّ أفلاكها". الخلق هو عمل الثالوث، لا الآب وحده. فالربّ يخلق بكلمته (قال الله). وروحه يرفّ على المياه: الربّ يأمر، الابن يخلق، الروح يتمّم.

[18] البداية مع موسى، أوّل الأنبياء. ما تحدّث عن الملائكة، عن الكائنات اللامنظورة، بل عن الأجساد والأجسام، ليبرهن للعالم أنّ له ربًّا، فلا يسجد لسواه.

[19] بعد موسى داود، الذي اعتبره النقليد نبيًّا. هو تحدّث عن الملائكة في سفر المزامير (مز 104: 4).

[20] "أ ش ي ر". بهذا اللفظ يبدأ سفر المزامير في العبريّة: ا ش ري. ه. ايش: طوبى للرجل. وهكذا دعا يعقوب سفر المزامير (ز م ي ر ت ا) بالكلمة الأولى من المزمور الأوّل.

[21] روح واحد ألهم موسى كما ألهم داود، الذي تحدّث عن خلق الملائكة في اليوم الأوّل، يوم الأحد.

[22] مز 63: 6؛ قابل تك 1: 1.

[23] أشعيا هو النبيّ المسيحانيّ الذي "تحدّث" عن الثالوث، ولا سيّما في الرؤية التي رآها في الهيكل (6: 1ي): تقديسات ثلاثة. ثمّ الجمرة المتّقدة التي ترسم مسبقًا سرّ جسد المسيح.

[24] نلاحظ كيف أنّ السروجيّ وزّع الأدوار. تحدّث موسى عن المنظورات وترك اللامنظورات. وكان دور داود الكلام عن الملائكة. أمّا أشعيا فتكلّم عن السرافيم، هؤلاء الكائنات الناريّة. مع حزقيال، نرى الكروبيم مع المركبة التي جعلت النبيّ يتعجّب ويندهش.

[25] الروح واحد، وهويُعطي كلّ نبيّ حصّة بها يكشف وجهة من وجهات الخلق. فالنبيّ الواحد لا يقدر، لهذا كان دور لكلّ نبيّ من الأنبياء.

[26] توالت اللائحة فوصلت إلى حزقيال ورؤية المركبة التي لم يذكرها أحدٌ قبله. نلاحظ كم يهتمّ السروجيّ بالصور. وإلاّ كيف يكون كلامه شعرًا؟

[27] صوّر حزقيال في ف 2-3، المركبة، فجعل السروجيّ كلامه شعرًا.

[28] نتذكّر أنّ حزقيال أجليَ (هجِّر) عن أرضه في السبي الأوّل، سنة 597 ق.م. وكان رؤاه على أحد روافد نهر الفرات في أرض بابل.

[29] مع دانيال عرفنا اسم جبرائيل (دا 8: 16: يا جبرائيل، فهمّ الرجل هذه الرؤية. معنى اسمه: جبروت الله وقدرته) واسم ميخائيل (من مثل الله. رج دا 10: 13: جاء لنصرتي ميخائيل، رئيس رؤساء الملائكة) مع سلطتهما على الملوك والممالك.

[30] في نسخة لندن 12162، نقرأ: الملائكة.

[31] ما قال موسى كلّ شيء عن الملائكة، بل ترك الكثير لشركائه في النبوءة.

[32] كان ليشوع، تلميذ موسى، أن ينال وحيًا حول رؤساء الطغمات السماويّة. رج يش 5: 14: "ها أنا رئيس جند الربّ، وها أنا الآن جئتُ لخدمتك".

[33] رأى السروجيّ في عبارة "في البدء خلق الله"، أنّ الله خلق كلّ شيء ما على الأرض وفي السماء: النار، الريح، الملائكة. وجاء أنبياء بعده، ففضّلوا ما قاله في شكل ضمنيّ. من لا شيء، صنع الله شيئًا عظيمًا: السماء والأرض والملائكة، والبحر والظلمة.

[34] عمّم السروجيّ ما وُجد لدى بعض الشعوب: البشريّة كلّها سجدت للمخلوقات، للشمس والقمر والكواكب، للبحر والنهر (النيل مثلاً)...

[35] جعل في مجموعة واحدة، صنّف.

[36] س ي ج: جعل سياجًا، حدًّا.

[37] ر م ز ا. أكثر من مرّة ورد هذا اللفظ وارتبط بالله، لئلاّ يذكر الله بشكل مباشر. يقول: الرمز صنع، لا: الله صنع. هنا نكون قريبين من لهجة الترجوم الذي صع "م م را" كلمة أمام الله. لا يقول: خلق الله، بل: خلقت كلمةُ الله. ويبدأ كلامه عن العناصر ذات الطبائع المتعارضة. اختلطت (خ ل ط) في الأصل تمّ تميّزت: النار مع الهواء، والأرض مع المياه.

[38] تشبيهان: صاحب الصفة الذي يقطع الخشب، والمصوِّر الذي يمزج الألوان. هكذا الله، وجاء الفصل عينه "قطع" (ف س ق).

[39] أو: بإشارة واحدة، ما احتاج أن يكدّ ويتعب، ويكرّر الكلام أكثر من مرّة. هذا ما يجعل السروجيّ في خطّ التراث السريانيّ، ولا سيّما القدّيس أفرام. ويأتي فعل" رتّب" (س و ر) مع كلام عن "ستّة أيّام".

[40] خلق بإشارة (ر م ز ا) ورتّب بستّة أيّام. هذا لا يعني أنه احتاج إلى كلّ هذا الوقت. فهو يستطيع أن يخلق ربوات العوالم في طرفة عين، بحيث لا يخرّب الواحد عمل الآخر. هكذا تدور عجلة الزمان.

[41] من العناصر الأربعة خُلق العالم وما فيه من محاسن. خُلق البحر والأرض، والظلمة والليل، وأصعد البحر غيومًا.

[42] مز 18: 12: "جعل الظلمة (ح ش و ك ا) سترًا حوله (أحاطه بظلاله: ك ر ك ه. م. ط ل ل ه). والغيوم الداكنة الممطرة مظلّته.

 

[43] ر و ح ا. اللفظ السريانيّ الواحد يعني "الريح" و"الروح" (القدس). فالذين قرأوا النصّ الكتابيّ في المناخ الأنطاكيّ، توقّفوا عند "الريح" حين قرأوا تك 1: 2: وكان روح (ريح) الله يرفُّ على المياه. أمّا لفظ "ر ي ح" السريانيّ، فيعني الرائحة.

[44] خر 14: 21. في السبعينيّة: "د ب ره. م ر ي ا. ل ي م ا". دبّر، قاد الربّ الريح، بحر سوف أو البحر الأحمر.

[45] خر 16: 31-35: في عد 11: 31-32 نقرأ: "وهبّت ريحٌ من عند الربّ. فساقت طير السلوى من البحر".

[46] قابل عمل الريح في الخلق، كما في "فلق" البحر الأحمر، وإصعاد السلوى من البحر. وها هو يقابل بما تعمل اليوم في المزروعات وفي الأشجار.

[47] تك 1: 3. كلمة تكفي لكي يكون ما أمر به الربّ. حينئذٍ تعجّب الملائكة الذين ما تجاسروا أن يسألوا. ولكن فهموا أنّهم خُلقوا من لا شيء، شأنهم شأن النور.

[48] اليوم الأوّل هو يوم الأحد، حامل الأسرار والرموز. خلق الله توأمين لا يتشابهان: الليل المظلم والنهار المضيء. كان الليل البكر، فطرده الثاني، الذي هو النهار، وحلّ محلّه، كما فعل يعقوب بعيسو (تك 25: 26).

[49] لبث السروجيّ قريبًا من النصّ الكتابيّ مع تلاعب على اسم "يعقوب" وفعل "تعقّب" (ع ق ب). رج تك 27: 36: "لأنّ اسمه يعقوب، تعقّبني مرّتين".

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM