الفصل العاشر: الرسائل الرعاوية الثلاث

الفصل العاشر
الرسائل الرعاوية الثلاث

المقدّمة
إنّ الرسائل إلى تيموتاوس وتيطس التي تبدو كملحق بالنسبة إلى مجموعة رسائل القدّيس بولس، تشكّل هي أيضاً مجموعة متناسقة مثل روم وغل، مثل أف وكو. وإن شدّدت 1 تم على تنظيم الكنيسة، وقي على الحياة المسيحيّة، و 2 تم على التعليم الصحيح، فالرسائل الثلاث تتمتعّ بالأسلوب الواحد، وتتضمّن التعليم الواحد، وتتوجّه ضدّ الميول المهرطقة الواحدة، وتفترض ظروف الزمان والمكان الواحدة. إذًا لا يمكنها أن تَصْدُرَ إلاّ عن قلم واحد فتشكّلَ وحدةً أدبيّةً وتاريخيّةً ودينيّةً.
سمّيت الرسائل الرعاويّة فدلّت على طابعها الخاصّ والمبتكر. فهي وحدها بين رسائل العهد الجديد تحدِّد شروط اختيار الخدّام في الكنيسة، وطبيعة وظيفتهم ومداها، والفضائل التي يمارسونها. بالإضافة إلى ذلك فهذه التوصيات (1 تم 1: 3؛ 4: 11؛ 5: 7؛ 6: 13، 17) تهدف إلى تعليم تيموتارس وتيطس الواجباتِ المطلوبةَ من الرؤساء المسؤولين عن الكنيسة المحلّيّة، وإلى تربية ضميرهم الرعاويّ. "أكتب إليك بهذه الأشياء لتعرف كيف تتصرّف ببيت الله" (1 تم 3: 15).
كتب بولس إلى اثنين من معاونيه الأمناء، فذكّرهم بالنصائح والتحريضات التي طالما قالها لهما بصوته خلال رحلاته الرسوليّة (2 تم 1: 13؛ 2: 2؛ 3: 10- 11). من هنا نجد أسلوبًا حيًّا وبديهيًّا. ولكنّنا لسنا أمام رسالة خاصّة من صديق إلى صديق مع ما في هذه الرسالة من مناجاة وبوح بأسرار القلب. فبولس يكتب كرسول، كشخص رسمّي له سلطة إلهيّة وهو يمارس وظيفة عامّة في التعليم والتدبير وحتّى في التوبيخ. هذا من جهة، ومن جهة ثانية يتوجّه من خلال تيموتاوس وتيطس إلى جماعة المؤمنين الموجودين في وضع يعرفه تمامًا. قُرئت تعليماته على الأساقفة والكهنة والشمامسة والرجال والنساء المتزوّجين والشيوخ والشبّان والعذارى والأرامل والعبيد وأسيادهم وفيها تحريض على ممارسات الواجبات والفضائل المرتبطة بوضعهم. وهكذا تستنير الكنيسة المحلّيّة بمبادئ الإيمان الأساسيّة. فتعي ذاتها كأسرة الله الحيّ" (1 تم 3: 15) المنتظرة "الرجاء السعيد" (تي 2: 13). من هذا القبيل تُعتبر هذه الرسائل الرعيّة والشخصيّة رسائلَ توجيه تَجمع بين الواقع والمناسبة، وهي تشبه بأسلوبها إلى حدّ بعيد رسائل عديدة من العالم اليونانيّ أو رسائل جماعة قمران.

أ- إلى من وُجّهت الرسائل الرعاويّة
وُجّهت إلى تيموتاوس وتيطس. فمن هما هذان الشخصان؟
تيموتاوس (ومعنى اسمه من يخاف الله) ولد في لسترة من أب يونانيّ (أي وثنيّ) ولهذا اعتُبر كذلك، ولم يُختن في اليوم الثامن رغم أنّ أمّه أونكة وجدّته لوئيس كانتا يهوديّتين (2 تم 1: 5). تربّى تيموتاوس تربية دينيّة (تم 3: 15). ولمّا ارتدّت أمّه وجدّته إلى الإيمان المسيحيّ أدخلتا الفتى في جوّ هذا الإيمان. وحين مرّ الرسول مرّة ثانية في لسترة حوالي السنة 50، قبل تيموتاوس أن يرافقه في رسالته (أع 16: 3) فيحلّ محلّ مرقس. ختنه بولس (أع 16: 3) ليسهّل له رسالته وَسْطَ أهل فريجية المتعلّقين بالأمور اليهوديّة. ويمكن أن يكون الرسول والكهنة قد وضعوا عليه الأيدي (1 تم 4: 14؛ 2 تم 1: 6) فجهر تيموتاوس بإيمانه أمام شهود كثيرين (1 تم 6: 12).
وسار تيموتاوس مع بولس وسيلا عبر آسية الصغرى ووصلوا إلى مكدونية. هل شارك تيموتاوس بولس في سجنه مثل سيلا (أع 16: 13- 40)؟ الأمر معقول، وسيرافق تيموتاوس بولس في هذه الرحلة الثانية ثمّ في الرحلة الرسوليّة الثالثة.
إذا عدنا إلى 1 تم 1: 3 نعرف أن تيموتاوس كان على رأس كنيسة أفسس وأنّه سيأتي إلى لقاء بولس السجين في رومة (2 تم 4: 19- 1 2). هل حضر استشهاد بولس سنة 67؟ هذا ممكن.
لا تُحدّثنا أعمال الرسل عن تيطس كما تُحَدِّثُنا عن تيموتاوس. يبدو أنّ تيطس ارتدّ إلى المسيحيّة على يد الرسول الذي يسمّيه ابنَه (تي 1: 4). وُلد في أنطاكية من أبوين وثنيّين (غل 2: 3)، لهذا رفض بولس أن يختنه كما ختن تيموتاوس ومع هذا أخذه معه إلى أورشليم حوالي السنة 50. فشل تيموتاوس في حل أزمة كورنتوس فبعث بولس الرسولُ تيطسَ ليهدّئ الأمور وقد يكون حمَّله الرسالة الضائعة (2 كور 2: 13؛ 7: 6). نجح تيطس في عمله (2 كور 13:7) ثمّ انضمّ إلى بولس في مكدونية، فأرسله الرسول مرّة ثانية إلى كورنتوس لينظّم الجماعة (2 كور 8: 6، 16).
بعد أن تحرّر بولسُ من الأسر الرومانيّ الأوّل، مرّ في كريت فوجد جمَاعاتٍ مسيحيّةً مُنَظَّمَة يَنهَشُها معلّمون كذبة. فترك فيها تيطس ليقوم بإصلاح الأمور، وكتب له رسالة تذكره كتابةً بما قاله له شفهيًّا.
كان العمل الرئيسيّ لتيموتاوس وتيطس أن يجعلا النظام في أفكار المسيحيّين وعاداتهم وفي حياة الجماعات الدينيّة. وسيقومان بهذا العمل بأقوالهما وأعمالهما ويظهران أنهمـا مثال المسؤولين عن الكنائس بالتعليم والفضيلة التي يعلّمان. وأوّل واجب لهما على مستوى التعليم أن يبقيا ثابِتَيْنِ في الإيمان، وأن يحفظا التعليم الذي تسلّماه. ثمّ عليهما أن يعلّما المؤمنين بالكرازة فيتوجّها إلى الجميع حسب أعمارهم وظروف حياتهم، ويكونا مثالاً للرعيّة بفضائلهما وأعمالهما الصالحة. فسلوكهمـا في بيت الله سيكون بلا عيب لئلاّ يصيرا عرضة للانتقاد: الكرامة والوقار والعفّة والوداعة والتجرّد تلك هي المزايا التي يتحلَّيان بها.

ب- تحليل الرسائل الرعاويّة
1- تيموتاوس الأولى
أوّلاً: التوجيه (1: 1- 2)
يقدّم بولس نفسه على أنّه رسول يسوع المسيح بأمر الله مخلّصنا. وهو يكتب إلى تيموتاوس ابنه الذي ولده في الإيمان. "عليك النعمة والرحمة والسلام".

ثانيًا: توصيات لدرء خطر المعلّمين الكذّابين (1: 3- 20)
طلب بولس من تيموتاوس أن يظلّ في أفسس ليقف بوجه التعاليم الضالّة التي يجهر بها من سَمَّوا نفوسَهم معلّمي الإيمان فتعلّقوا بأساطيرَ وأنسابٍ على حساب الإيمان الصحيح. وعلى تيموتاوس أن يسهر على المحبّة ونقاوة الضمائر والمحافظة على الإيمان الحقيقيّ (آ 3- 7). فالشريعة اليهوديّة صالحة ومفيدة لتُقدّم لنا لائحة بالخطايا، ولكنّها صارت في خدمة التعليم المقدّس الذي سلِّم إلى بولس (آ 8- 11). ويستفيد بولس من الفرصة ليتحدّثَ عن نفسه ويؤكّدَ سلطته. كان مضطهِدًا فصار خادمَ الإنجيل بعد أن حصل على رحمة الله لأنّه كان يتصرّف بجهل. إنّه أوّلُ الخاطئين الذين خلّصهم المسيح ومثالُ كلّ الذين سيَخْلُصُون. ويعلن بولس: "لملكِ الدهور، الإلهِ الواحدِ الخالدِ الذي لا يُرى، الإكرامُ والمجدُ أبدَ الدهور. آمين" (آ 12- 17) ويوصي بولسُ تيموتاوسَ الذي نال عطايا روحيّةً خاصّة، بأن يجاهد الجهاد الحسن. فهناك كثيرون انكسرت بهم سفينة الإيمان فغرقوا مثل هيمينايس والإسكندر اللذين أسلمهما إلى الشيطان ليتأدّبا ويكفّا عن التجديف (آ 18- 20). ما هو هذا العقاب وما هي نتائجه؟ هذه أمور نجهلها، ولكنّنا نعرف أنّ غاية العقاب هو التأديب من أجل التوبة والرجوع إلى الرب.

ثالثًا: توصيات من أجل تدبير الجماعة (2: 1- 3: 16)
يتحدّث بولس أوّلاً عن الصلاة. يصلّي المؤمنون من أجل الملوك والذين يملكون السلطة ليستطيع المسيحيّون أن يَحْيَوا حياتهم بالتقوى، وليصلَ جميعُ الناسِ إلى معرفة الحقّ (آ 1- 4). هنا نقرأ اعترافًا بالإيمان المسيحيّ: الله، المسيح الوسيط، الشهادة التي يحملها بولس، معلّم الأمم، والتي ينادي بها كرسول (آ 5- 7). يجب على الرجال أن يُصَلُّوا في كلّ مكان فَيَحْيَوا حياة هادئة من غير غضب ولا خصام، وعلى النساء أن لا يُعَلِّمْنَ بل يَبْقَيَنَ متواضعاتٍ وخاضعاتٍ لرجالهنّ (آ 8- 15).
ويتحدّث بولس ثانيًا عن الأساقفة والشمامسة. فمهمّة الأسقف عمل جليل يتطلّب صفاتٍ بشريّةً ومسيحيّةً عظيمةً. وكذا نقول عن مهمّة الشمامسة. تكون حياتهم العائليّةُ بلا عيب (3: 1- 13). ويأمل بولس أن يأتيَ إلى أفسس قريبا. وإن تأخّر فليتابعْ تيموتاوس إدارةَ الكنيسة التي تحفظ سرّ المسيح (آ 14- 16). قال بولس: سرّ التقوى عظيم: قد ظهر بَشَرًا وُبرّر في الروح وتراءى للملائكة وبشِّر به عند الوثنيّين وأؤمن به في العالم ورفع في المجد. بعد المجدلة (1: 17) واعتراف الإيمان المسيحيّ (2: 5- 7) نجد هنا نشيدًا يُنشد سرّ المسيح (3: 16).

رابعًا: دور تيموتاوس أمام صعوبات نهاية الأزمنة (4: 1- 16)
ويعلن الروح القدس أنّ بعضَهم يرتدّون عن الإيمان الحقيقيّ في الأزمنة الأخيرة: تدفعهم الشياطين فيتعلّقون بتعاليمَ تَرذُلُ استعمالَ خيراتِ هذا العالم (الزواج، الأطعمة). وماذا يقول الإيمان الحقيقيّ؟ كلّ خليقة هي من الله وهي صالحة، وكلام الله والصلاة تقدّسانها (آ 1- 5). هذا ما يكون عليه تعليم تيموتاوس التلميذ الأمين. يحفظ نفسه من الخرافات الباطلة (آ 6- 10) ويعطي في نفسه الفضائل المسيحيّة (آ 11). ينتظر بولس فيقرأ الكتب المقدّسة ويحرّض ويعلّم لأنّه أُعِدّ لهذه المهمّة بالمواهب التي نالها بالصلوات الليتورجيّة ووضع يد الكهنة (آ 12- 16).

خامسًا: نصائح توجّه سلوك تيموتاوس (5: 1- 6: 2)
ويحدّد بولس السلوك الفطن الذي يسلكه تيموتاوس تجاه الشيوخ والشبّان والشابّات، ويقدّم نصائحَ خاصّة بالأرامل (5: 3- 16) وتوصياتٍ تتعلّق بالكهنة (آ 17- 22). ويقدّم إلى تيموتاويس نصيحة عمليّة عابرة: لا تقتصر بعد اليوم على شرب الماء، بل اشرب قليلاً من الخمر من أجل معدتك وأمراضك الملازمة (5: 23). وأخيرًا يقدّم نصائحَ للعبيد والسادة (6: 1- 2).

سادسًا: خاتمة الرسالة (6: 3- 19)
ويصوّر بولس التقوى الحقيقيّة: نتعلّق بتعليم الإنجيل، نتجنّب المجادلات العقيمة، ونكتفي بالقليل فلا نتشبّه بالذين يطلبون الغنى. ويحرّض تيموتاوس ليمارس الفضائل المسيحيّة ويجاهد جهاد الإيمان ويمتلك الحياة الأبديّة التي إليها دعي بالمعموديّة وشهادة الإيمان، وينتظر مجيء المسيح الذي يعلنه الربّ في وقته. وهنا نقرأ مجدلة: "ذلك السعيد القدير، ملك الملوك وربّ الأرباب، له وحده الخلود ومسكنه نور لا يقترب منه وهو الذي لم يره إنسان ولا يستطيع أن يراه، له الإكرام والعزّة الأبديّة. آمين". وأخيرًا يقول لتيموتاوس: "وصِّ أغنياءَ هذه الدنيا أن لا يتعجرفوا ويتّكلموا على غنى العالم الزائل".

سابعًا: خلاصة الرسالة والوصيّة الأخيرة (6: 20- 21)
يا تيموتاوس، احفظ الوديعة وتجنّب المعرفة الكاذبة.

2- تيطس
أوّلاً: توجيه وسلام (1: 1- 4)
من بولس عبد الله ورسول المسيح يسوع... إلى تيطس ابني الذي ولدته في إيماننا المشترك. ويسترسل بولس في الحديث عن صفته كرسول يسوع المسيح الذي أرسل من أجل إيمان المختارين ومعرفة الحقّ. وتتمدّد هذه المعرفة بالنسبة إلى الحياة الأبديّة التي وُعد بها قبل الدهور وتجلّت في الإنجيل الذي عُهد به إلى بولس.

ثانيًا: ظروف الرسالة (1: 5- 16)
ترك بولس تيطس في اكريت ليُتمّ تنظيم الكنيسة فيقيم كهنة في كلّ مدينة. ويتوقّف بولس عند مهمّة هؤلاء الكهنة (أو الأساقفة): من كان بريئًا من اللوم، من لم يتزوّج غير مرّة واحدة، من كان أولاده مؤمنين. هؤلاء يكرَّسون للتعليم الصحيح ويَردّون على المخالفين.
هنا يهاجم بولس المعلّمين الكذبة الآتين من عالم الختان: يهمّهم الربح السريع، يعلّمون الخرافات، وسلوكهم نجس.

ثالثًا: تحريضات متنوّعة (2: 1- 3: 11)
يتوجّه بولس إلى تيطس الذي سيعلم التعليم الصحيح. وهذا التعليم يرسم خطّ سلوك ينطبق على الشيوخ والعجائز والشبّان والشابّات والعبيد (2: 1- 10). أمّا أساس تلك الفرائض: نقاوة حياة هي ثمرة تعليم ربّنا الذي أبعدنا عن العالم وجعلنا ننتظر ظهور مجده العتيد، والذي أسلم من أجل خطايانا (آ 11- 15). ويتوجّه التحريض التالي إلى كلّ المسيحيّين: خضوع للسلطات، تجنّب الرذائل، ممارسة الفضيلة (3: 1- 3). أمّا أساس هذا التحريض فهو: ظهور الله مخلّصنا الذي خلّصنا لا بأعمالنا بل بموهبة المعموديّة والتجديد في الروح القدس (آ 4- 7). وينهي كلامه إلى تيطس: ليعلّمهم أن يمارسوا الأعمال الصالحة، أن يتجنّبوا المجادلات العقيمة، كالمجادلات حول الشريعة (آ 8-11).

رابعًا: وصايا عمليّة وسلامات (3: 12- 15)
حين يصل أرتيماس وتيخيكس، يلتحق تيطس ببولس في نيكوبوليس، ويستعدّ للسفر زيناسُ، معلّمُ الشريعة، وأبلّوس. وينهي بولس كلامَه: يسلّم عليكم جميع الذين معي، سلِّموا على الذين يحبّوننا في الإيمان. عليكم النعمة أجمعين.

3- تيموتاوس الثانية
أوّلاً: العنوان (1: 1- 2)
يشبه هذا العنوان ما نقرأ في 1 تم؛ من بولس رسول المسيح يسوع... إلى ابني الحبيب تيموتاوس. عليك النعمة والرحمة والسلام.

ثانيًا: هل الشكر (1: 3- 18)
يمتزج فعل الشكر بذكريات عديدة. يتذكّر بولس إيمان جدّة (لوئيس) تيموتاوس وأمّه (اونيكة)، والموهبة التي وضعها فيه بوضع يديه ليبشّر بالإنجيل وليشارك في الآلام المرتبطة بالرسالة (آ 3- 8). بعد هذا يَرِدُ تحديد للإنجيل: ودعانا الله لا بسبب أعمالنا بل بعطيّته التي انكشفت في ظهور ربّنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأوحى بالحياة والخلود (آ 9- 10). ويتحدّث بولس عن نفسه: إنّه سجين من أجل المسيح. أقيم مناديًا ورسولاً ومعلّمًا وتقبّل وديعة تبقى سليمة حتّى اليوم الأخير. فليحافظ تيموتاوس على هذه الوديعة بمعونة الروح القدس (آ 11- 14). ويقدّم بولس أخبارًا عن الرسالة: تركه الجميع وما بقي معه إلاّ اونيسيفورس.

ثالثا: تحريضات إلى تيموتاوس (2: 1- 26)
* تحريضات عامّة: على تيموتاوس أن يسلّم وديعة الإيمان إلى أناس أمناء يعلّمون غيرهم، وأن يكون جنديّاً لا صالحًا للمسيح يسوع، أن يفهم الإنجيل الذي لأجله يَلقى بولس الآلام ويتحمّل القيود كمجرم (آ 1- 13). ويقول بولس: "إذا متنا معه حيينا معه، وإذا صبرنا ملكنا معه، وإذا أنكرناه أنكرنا هو أيضاً. وإذا كنّا خائنين ظلّ هو وفيّاً لأنّه لا يمكن أن ينكر نفسه".
* تحريضات خاصّة بوجه التعاليم الضالّة: على تيموتاوس أن يقف بوجه المعلّمين الكذبة أمثال هيمينايس وفيليتس اللذَيْنِ قالا بأنّ القيامة قد أتت. وهكذا هدما إيمان بعض الناس. فعلى تيموتارس أن يبقى أمينًا للتعاليم والمواقف المسيحيّة (آ 14-26): "أُهرب من أهواء الشباب واطلب البرّ والإيمان والمحبّة والسلام... تجنّب المباحثات السخيفة... ".

رابعًا: تحذير من أخطار الأيّام الأخيرة (3: 1- 17)
ويصور بولس هذه الأيّام الأخيرة بما فيها من خطايا الكفر ومن المعلّمين والأنبياء الكذبة. أمّا دور تيموتاوس: كان في البداية تلميذًا أمينًا لبولس في أنطاكية وايقونية ولسترة. فعليه أن يحتملَ الاضطهاد ويحفظ بأمانة ما تعلّمه ويواظب على قراءة الكتب المقدّسة.

خامسًا: وصايا بولس في أواخر حياته (4: 1- 23)
أناشدك يا تيموتاوس: أعلِنِ الإنجيل في وقته وفي غير وقته، أعلِنِ إنجيل رجوع ربّنا رغم شر البشر (آ 1- 5). أمّا أنا فقد اقترب وقت رحيلي. جاهدتُ جهادًا حسنًا وأتممتُ شوطي وحافظتُ على الإيمان، وقد اعِدَّ لي إكليلُ البرّ (آ 6- 8). وصار بولس وحده وما بتي معه إلاّ لوقا. البعض تركوه، والبعض الآخر أَرسلهم في مهنات خاصّة (كرسكس إلى غلاطية، وتيطس إلى دلماطية). فليأتِ تيموتاوس مع مرض (9: 15). ويذكر بولس شيئًا ممّا حصل في المحكمة: في دفاعي الأوّل لم يناصر في أحد، بل خذلوني كلّهم. صفح الله عنهم ولكنّ الربّ أعانني وأيّدني (آ 16- 18). ويرسل سلامًا ويعطي أخبارًا ويطلب إلى تيموتاوس أن يجيء إليه قبل الشتاء وتنتهي الرسالة: "ليكن الربّ مع روحك، ولتكن النعمة معكم " (آ 19- 23).

د- صحّة الرسائل الرعاويّة
قرأ الشرّاح الرسائل الرعاويّة فوجدوها مختلفة عن سائر رسائل بولس أسلوبًا ومضمونًا وبرزت ثلاثة مواقف. موقف أوّل يربط هذه الرسائل بالقدّيس بولس، وموقف ثان يعتبر أن لا علاقة لبولس الرسول بهذه الرسائل، وموقف ثالث يعتبر أنّنا نجد مقاطع ترتبط بالقدّيس بولس وأخرى زادها تلاميذه فيما بعد.

1- الموقف الأوّل
هو الموقف التقليديّ الذي لم يعارضه أحد قبل القرن التاسع عشر. فهو يستند أوّلاً إلى التقليد القديم الذي لا نسمع فيه صوتًا ناشزًا. إن 2 بط 3: 5، تورد نصُّا من 1 تم 1: 16. نجد تلميحًا إلى الرسائل الرعاويّة عند إكلمنضوس الروماني وأغناطيوس الأنطاكيّ وبوليكربوس وراعي هرماس. نقرأ ني قانون موراتوري: رسالة إلى تيطس ورسالتان إلى تيموتاوس. ويبدأ إيرينارس دفاعه ضدّ الهراطقة بنصّ 1 تم 1: 4. والترجمة السريانيّة البسيطة واللاتينيّة العتيقة اللتان تعودان إلى نصف القرن الثاني تشتملان على الرسائل الرعاويّة وكذلك نقول عن البرديّة 46 الى تعود إلى بداية القرن الثالث.
يَعتبر هذا الموقف أنّ المعطيات التاريخيّة الواردة في الرسائل الرعاويّة هي ذات قيمة، فينطلق منها ليرسم أمامنا نهاية حياة بولس بعد خروجه من السجن الأوّل (61- 63). ويلاحظ أنّ المعلّمين الكذبة ما زالوا داخل الجماعة. هم لم يُرذلوا إلاّ في الظروف القصوى وبعد تنبيه أوّل وتنبيه ثان (تي 2: 10). ولكن لم تكن الحالة كذلك في القرن الثاني حيث كان تمييز تامّ بين الكنائس وشيع الهراطقة. ويقول قائل: نرى في الرسائل الرعاويّة تقدّمًا في تنظيم الكنائس لا نجده في سائر الرسائل (رج أف 3: 11). فيجيب أصحاب هذا الموقف: بدأ هذا التطوّر في نهاية رحلات بولس الكبرى وتابعه بولس بعد سجنه الأوّل. لقد فرضت عليه الظروف أن يثبّت دعائم عمله في الجماعات المحلّيّة. وهذا ما فعل. وينطلق المنتقدون من المضمون والأسلوب واللغة ليدلّوا على أنّ لا علاقة للرسائل الرعاويّة بالقدّيس بولس، فيجيب المدافعون بأنّ هذا التطوّر يرتبط بالأسفار وتنوّع الظروف ومواجهة المواضيع الجديدة.
ونجد فوارق داخل هذا الموقف. إذا عادت الرسائل الرعاويّة إلى بولس فهي لا تشبه بعضها بعضًا. هناك نقاط مشتركة بين 1 تم وتي. أمّا 2 تم فهي بمثابة وصيّة أخيرة يوجّهها بولس إلى أحد تلاميذه. وتتضمّن 1 تم وتي و 2 تم ملاحظاتٍ شخصيّةً لا بدّ أن تكون دوِّنت قبل موت بولس. أمّا أن يكون كاتبٌ (لوقا أو غيره) كتب إحدى هذه الرسائل أو كلّها فالأمر معقول.

2- الموقف الثاني
هو موقف النقاد الذين يلفت نظرهم كلّ الصعوبات لقبول الموقف الأوّل. فالرسائل الرعاويّة لم يكتبها بولس بل وضعت تحت اسمه. وأوّل من قال هذا القول كان الألمانيّ شميت سنة 1804 وتبعه شرّاح كثيرون. فهناك من يعتبر أنّ التعاليم الضالّة الموجودة في الرسائل الرعاويّة قريبة من الغنوصيّة (ولاسيّما المرقيونيّة) التي ازدهرت في القرن الثاني (1 تم 6: 20). فهل يعقل أن يعيش بولس حتّى القرن الثاني؟ ولكن يجيب أصحاب الموقف الأوّل أنّنا أمام فكر سابق للغنوصيّة وقريب ممّا نجده في كو. وهناك من يستند إلى اللغة التي تختلف عن لغة سائر رسائل مار بولس. وهناك من يبرز تنظيم الجماعات المسيحيّة، وهذا أمر لم يشدّد عليه بولس بقدر ما شدّد على المواهب المتعدّدة في الكنيسة.
وهناك من يقول إنّ لاهوت الرسائل الرعاويّة يختلف عن لاهوت بولس في سائر الرسائل وبالأخصّ التعليم عن الله والمسيح والكنيسة. ويرى آخرون أنّ الذي كتب الرسائل الرعاويّة يعرف جيّدًا سفر الأعمال ويستوحي أفكاره. وهناك برهان يبيّن إشارة التأليف الثانويّ: التقليد، العمل اللاهوتيّ المرتبط بسائر الرسائل البولسيّة، نفسيّة بولس ولاهوته وظروف نشاطه. ولكنّ كلّ هذا لا يقنعنا.

3- الموقف الثالث
وهو بين الموقفين الأوّل والثاني، هو موقف وسط. فهناك من يعتبر أنّ الرسائل الرعاويّة غيرُ صحيحة ولكنّها تتضمّن مقاطع صحيحة استُعملت في إطار أوسع وقُدّمت لنا في هذه الرسائل كما نقرأها اليوم. فقال أحد النقّاد: هناك ثلاثة مقاطع في أساس هذه الرسائل: قي 3: 12- 15 وقد كتب من مكدونية، 2 تم 4: 9- 15، 20- 22 وقد كتب في نيكوبوليس؛ 2 تم 16:1-18+3: 10- 11+4: 1-2، 5- 8، 16- 19، 21- 22، وهو رسالة وداع كُتبت من رومة. ولكنّ هذا التقسيم لا يُقنعنا كما لا يُقنعنا تقسيم يختار الأناشيد الدينيّة (1 تم 1: 17؛ 3: 16؛ 6: 5 ي؛ 2 تم 2: 11 ي) أو المقالات اللاهوتيّة الصغيرة دون غيرها. ولكن نتساءل: إن كانت هذه المقاطع صحيحة فكيف قبل القرّاء بتأليف أوسع يضمّ هذه المقاطع؟ وأعلن ناقد فرنسيّ أنّ بولس كتب ثلاث رسائل قصيرة وجاء أحد تلاميذه من كنيسة رومة فأعطى نسخة موسّعة تتجاوب وحاجات عصره. ولكنّ هذا يعارض التناسق الذي نجده في هذه الرسائل.
ويعود نقّاد كثيرون إلى افتراض قدّمه شوت الألمانيّ سنة 1830 ويقول فيه إنّ بولس لجأ إلى سكرتير فأعطاه الأفكار الرئيسيّة وتركه يوسّعها حسب تفكيره اللاهوتيّ. فبولس هو مقيّد في السجن (2 تم 1: 8، 16، 2: 9). هل يستطيع أن يكتب؟ هل يحقّ له أن يُمْليَ؟ بل ترك سكرتيره يكتب باسمه.
فما يكون موقفنا؟ ترتبط الرسائل الرعاويّة ببولس مع دور كبير لسكرتيره. هذا ما يحفظ لها قيمتها الخاصّة في النقاط التي تقدّم عناصرَ حديثةً في العهد الجديد.

هـ- متى كتبت الرسائل الرعاويّة وأين كتبت؟
دوّنت هذه الرسائل بين السنوات 63 و 67 (سنة موت بولس). لقد توسّع نشاط بولس في تلك الفترة، ويبدو أنه عاد بعد خروجه من السجن إلى آسية الصغرى (رج فلم 19) ومرّ في كريت قبل أن يصل إلى إسبانية. هل كان في إسبانية حين بدأ نيرون اضطهاده سنة 64؟ وسنجده فيما بعد في أفسس ثمّ في مكدونية (1 تم 1: 3). ومن هناك كتب 1 تم وتي سنة 65، أو 66. وإذا عدنا إلى تي 3: 12 نجد أنّه عزم على قضاء الشتاء في نيكوبوليس. لا نعرف متى أُوقف ولكنّنا نجده سجينًا في رومة حيث كتب 2 تم كرسالة وداعيّة: اقترب وقت رحيلي (2 تم 4: 6).
وهكذا لا تكون الفترة كبيرة بين رسالة ورسالة، ونحن نعرف أنّ بولس حين يكتشف موضوعًا جديدًا ينشره في رسالتين أو أكثر. ففي 1 تس و 2 تس تحدّث عن الأزمنة الأخيرة، وفي غل وروم عن الإيمان والحرّيّة، وفي أف وكو عن تفوّق المسيح وسمّوه. وهو في الرسائل الرعاويّة يتوسعّ في الموضوع عينه: نقل التعليم المسيحيّ نقيًّا من كلّ بدعة وضلال.

و- المعطيات التاريخيّة
المعطياتُ السيرويّة والتاريخيّةُ قليلة في 1 تم. نقرأ في 1 تم 1: 3 أنّ بولس كان ذاهبًا إلى مكدونية فترك تيموتاوس في أفسس ليدبّر الكنيسة هناك. وهو يرجو أن يعود إليه بعد قليل (1 تم 3: 14). أمّا وضع الكنيسة (التنظيم، التعاليم الضالّة) فهو بعيد عمّا نقرأه في أع 19: 1ي؛ 17:20 ي.
وإذا عدنا إلى تي 1: 5 رأينا أنّ بولس أوكل إلى تيطس مهمّة تنظيم الكنيسة التي أسّسها في كريت. وحين يأتي أرتيمَاس وتيخيكس ليحلاّ محلّ تيطس، يذهب تيطس إلى نيكوبوليس ( تي 3: 12).
أمّا 2 تم فتقدّم لنا معطيات أكثر غزارة. بولس هو سجين في رومة (2 تم 1: 8- 16)، في ظروف أقسى من الظروف التي تشير إليها أع 28: 30. أنه مقيّد كمجرم (2 تم 1: 16؛ 9:2) ولا تمكن زيارته بسهولة (2 تم 1: 17). يعرف أنّ نهايته قريبة (2 تم 4: 6) ولهذا يقدر أن يكتب: "أتممت شوطي" (2 تم 4: 7). طلب من تيموتاوس أن يأتيَه عاجلاً (2 تم 4: 9) لأنّه وحده. تركه ديماس، وذهب كرسكوس وتيطس (2 تم 4: 10) وبتي بقربه لوقا وحده (2 تم 4: 11). وخلال المحاكمة دافع بولس عن نفسه ولكن لم يناصره أحد بل خذلوه كلّهم (2 تم 4: 16). فعلى تيموتاوس أن يأتيَ إليه قبل الشتاء. إذا أردنا أن نقحم هذه المعطيات في نسيج التاريخ البولسيّ لا بدّ أن نفترض أنّه أُخلي سبيلُه بعد سجن رومة (سنة 61-63) (أع 28: 30) وأنه استعاد نشاطه الرسوليّ. ويقول أوسابيوسُ في تاريخه الكنسيّ إنّ بولس عاد ثانية إلى رومة حيث أنهى حياته شهيدًا من أجل المسيح. وهكذا يكون بولس قد مات حوالي السنة 67. في هذا المعنى نفسّر ما كتبه إكلمنضوس الروماني: "بعد أن علّم الكونَ كلَّه بالبرّ ووصل إلى أواخر الغرب، بعد أن قدّم شهادةَ أمام الرؤساء (2 تم 4: 7)، أُخذ من هذا العالم".
فإذا اعتبرنا هذه المعطيات تاريخيّة، نستطيع أن نتصوّر نشاط بولس من سنة 63 إلى سنة 67 على الشكل التالي: أخلي سبيله سنة 63 فذهب إلى إسبانية (رج روم 23:15-28). ثمّ عاد إلى كريت وترك فيها تيطس (تي 1: 5)، ومضى إلى نيكوبوليس ليقضيَ فصل الشتاء هناك (تي 3: 12). بعد هذا جاء إلى أفسس وأوْكَلَ الكنيسةَ إلى تيموتاوس (1 تم 1: 3) قبل أن يذهب إلى مكدونية. هناك كتب 1 تم وتي وهما رسالتان متشابهتان جدًّا. ولمّا أُجبر على ترك أفسس بطريقة نهائيّة، أرسل تيخيكس (2 تم 4: 12). وحين مرّ في ترواس وأقام عند كربس نسي رداءه والكتب وخصوصاً صحفَ الرقّ (2 تم 4: 13). فأبحر إلى ميليتس (2 تم 4: 20) ولم يستطع تروفيمس أن يرافقه بسبب مرضه. ولمّا كان بولس في آسية الصغرى أوقف (في ترواس أو في أفسس؟) ونُقل إلى رومة، ومن هناك أَرسل 2 تم. تركه كلّ مؤمني آسية فمات وحيدًا لا يكاد يكون أحد بقربه.
هذا البناء يفترض أنّ لوقا لم يرافق في سفر الأعمال بولسَ حتّى نهاية حياته، وأنّنا نتحدّث عن المحاكمة الثانية لبولس مستندين إلى 2 تم.

ز- المعطيات النظميّة: التنظيم الكنسيّ
ليست الألقاب المعطاة للذين يتسلّمون وظيفة في الكنائس في الرسائل الرعاويّة كما هي في رسائل بولس الكبرى (روم، 1 و 2 كور، غل). فالمفردات المستعملة تمزج بين ثلاثة أنواع: مفردات بولس: الأسقف والشمّاس (فل 1: 1)؛ مفردات المسيحيّة المتهوّدة الأولى: القسس أو الشيوخ (أع 11: 30؛ 14: 23؛ 15: 22؛ يع 5: 14)؛ مفردات نقرأها في أعمال الرسل (20: 17، 28): القسس والأساقفة أو البشير والإنجيليّ (أع 8:21). وهكذا نكون أمام نموذج معقّد نُجْمِلُهُ كما يلي: هناك قُسُسٌ أو أساقفة بمهمّتهم المثلّثة: يترأسون الجماعات، يعلّمون كلمة الله، يسهرون على الإيمان فيردّون على أصحاب التعاليم الضالّة. وفوق هؤلاء المسؤولين المحلّيّين نجد معاوني بولس المباشرين (مثل تيموتاوس وتيطس) المُوكَّلين بالسهر على التبشير وتنظيم الكنائس في منطقة معيّنة. البشير أو الإنجيليّ مسؤول عن المركِز الرسوليّ يعاونه الشمامسة. أمّا العلاقة بين القسس والأساقفة فغير واضحة. فكلمة أسقف تستعمل دومًا في صيغة المفرد (1 تم 3: 2؛ تي 1: 7). فهل يعني هذا أنّنا أمام نظام يشبه النظام الملكيّ حيث السلطة في يد شخص واحد، أم أنّ الأسقف هو قسّيس يتولّى سلطة أعلى؟
هل نجد في الكنائس هيئةَ قُسُسٍ كما سيكون الأمر في أيّام أغناطيوس الأنطاكيّ؟ يرتبط الجواب بترجمة 1 تم 4: 14. نستطيع أن نفهم أنّنا أمام وضع أيدي حلقةِ القُسُسِ، أو وضع الأيدي من أجل حياة القسّيس. يبدو أنّ العبارة اليونانيّة هي ترجمة للعبريّة "سمكت زقنيم" المستعملة للرسامة لوظيفة رابّي. ويكون تيموتاوس قد نال من بولس ما يساوي الرسامة الرابّانيّة أي الحقّ في أن يعلّم بطريقة رسميّة التعليم المسيحيّ. ولكنّ تيموتاوس لا يدعى أبدًا قسّيسًا. ومهما يكن من أمر، هناك طقس وضع الأيدي (1 تم 4: 14؛ 5: 22؛ 2 تم 1: 6) المستعمل للقسس بشكل عامّ (1 تم 5: 22)، إنّه يمنحهم موهبة روحيّة من أجل الخدمة (1 تم 4: 14؛ 2 تم 1: 6). وعلى مستوى التنظيم الكنسيّ نجد إشارات واضحة عن الخلافة الرسوليّة (2 تم 4: 14؛ 2: 2) وعن تقليد منظّم يتّخذ اسم "الوديعة" (2 تم 1: 6؛ 1 تم 6: 20). وهكذا نجد في القواعد المعطاة لتيطس وتيموتاوس نظامًا كنسيًّا متطوّرًا لا نجده في سائر أسفار العهد الجديد.

ح- المعطيات اللاهوتيّة
تشدّد الرسائل الرعاويّة على مقاومة المعلّمين المضلّين وهي تعود إلى أطر يستعملها الفلاسفة المجادلون وسيفيد منها المدافعون المسيحيّون أمثال أتيناغوراس وإكلمنضوس الإسكندرانيّ. يدعو الكاتب قارِئَه إلى أن يعتبر تعليمه الحكمة الحقّة والتعليم السليم والإيمان الحقيقيّ والوديعة الصالحة التي نميّزها عن تعليم الخصوم الذين هم الهراطقة والمتشيّعون والمتعصّبون لآرائهم (تي 3: 1). هؤلاء المعارضون هم مسيحيّون متهوّدون يعلّمون الشريعة (1 تم 1:7؛ تي 9:3) وأساطير اليهود وخرافاتهم (1 تم 1: 4؛ 4: 7؛ تي 1: 14؛ 2 تم 4: 4)، والأنساب التي لا تنتهي (1 تم 1: 4؛ تي 3: 9)، ويمنعون الناس من الزواج (1 تم 4: 3) ويوجبون عليهم فرائض تختصّ بالأطعمة (1 تم 3:4- 5). ويزعم هؤلاء أنّ القيامة قد أتت (2 تم 2: 18).
ولكنّ ما هو التعليم الحق؟ عندما ندرس العلاقة بين الإيمان والإنجيل في الرسائل الرعاويّة نستطيع أن نستخلص ثلاثة استنتاجات. الأوّل: لم توجَّه هذه الرسائل إلى الرعاة فحسب، بل إلى الجماعات أيضًا. الثاني: وعى الكاتب أنّ الإنجيل حاضر الآن وفاعل، ووعى شخص يسوع فذكر مجيئه على الأرض، والشهادة الحسنة التي شهدها أمام بونسيوس بيلاطس (1 تم 6: 13)، وظهوره في اليوم الأخير (1 تم 13:6؛ تي 2: 13؛ 2 تم 4: 1، 8). والنقطة الهامّة هي علاقة الإنجيل بالكرازة والكارزين. الثالث: نفهم هذه الإشاراتِ في وقت لا نستطيع أن نتّخذ اللاهوت البولسيّ على حرفيّته وفي وقت يجب أن يصبح الإنجيل إيمانًا وعملاً.
ويشير بعض الشرّاح إلى النقاط التي تختلف فيها الرسائل الرعاويّة عن رسائل بولس الكبرى. أوّلاً: صار الإيمان تعليمًا بعد أن كان رباطاً حيًّا بين الإنسان والمسيح. ثانيًا: شدّد الكاتب على ضرورة الأعمال الحسنة بعد أن شدّد على الحياة بحسب الروح. ثالثًا: استعادت الحياة المسيحيّة أخلاقيّة متوازنة مركزها التقوى. رابعًا: يُحدِثُ الروح في الإنسان ميلادًا جديدًا مرتبطاً بالمعموديّة (غسل الميلاد الثاني، رج تي 3: 5) والروح هو أيضاً كافل الوديعة المُوْكَلَه إلينا. خامسًا: لم تعد المحبّة الفضيلة السميا، بل فضيلة بين الفضائل. سادسًا: تتدخّل النعمة لتسند المجهود البشريّ. فلا تَعارض بين الرسائل الرعاويّة وسائر الرسائل البولسيّة بل تشديد على أمور على حساب أمور أخرى. ويمكننا أن نزيدَ على هذه العبارة الخاصّة "الله الخلّص" (تي 2: 10، 10؛ 2 تم 1: 9) المستعملة مرّة للآب، ومرّة للمسيح يسوع (تي 2: 13). ولقب الله المُعْطى للمسيح (روم 9: 5) قليل الاستعمال في العهد الجديد (عب 1: 8 ي؛ يو 1: 1، 18؛ 20: 28؛ 1 يو 5: 20؛ 2 بط 1: 1) ولكنّه سيصبح متواترًا بعد أغناطيوس الأنطاكيّ. وهكذا تكون الرسائل الرعاويّة محطّة هامّة تربط العهد الجديد بتقليد آباء الكنيسة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM