الفصل الخامس :الرسالتان إلى أهل تسالونيكي

الفصل الخامس
الرسالتان إلى أهل تسالونيكي

مقدّمة
إذا قابلنا الرسالتين إلى تسالونيكي برسائل بولس الكبرى (1 كور، 2 كور، غل، روم) وبرسائل الأسْر (فل، كو، أف)، وجدنا أنهما أقلّ أهميّة لأنّ المواضيع البولسيّة العظيمة لا تبرز بعد بوضوح. ففي هاتين الرسالتين يستعيد بولس الرسول المواضيع الأساسيّة للكرازة الأولى ويشجعّ جماعة مسيحيّة لتعيش في رجاء مجيء يسوع القريب. والرسالة الأولى تشكّل أوّل وثيقة مسيحيّة وصلت إلينا، عشرين سنة بعد أحداث القيامة، وهي تساعدنا على اكتشاف آثار أوّل تعابير الإيمان بالمسيح، وعلى تحديد حيويّة البشارة في بدايتها. والرسالة الثانية التي أرسلها بولس بضعة أشهر بعد الرسالة الأولى تشكّل امتدادًا للتعليم الذي ورد في الأولى إلى تسالونيكي.

أ- تسالونيكي
تسالونيكي- سالونيك الحاليّة والمدينة الثانية في اليونان اليوم- كانت عاصمة مكدونية يوم صارت مقاطعة رومانيّة سنة 146 ق. م. أسّسها أحد قوّاد الإسكندر الكبير حوالي السنة 300 ق. م. وسمّاها باسم امرأته التي كانت أخت الإسكندر من أبيه. تقع هذه المدينة في خليج ترماييك وتستند إلى سلسلة من التلال. تصل إليها طرق رومانيّة من الدرجة الأولى: طريق أغناطيا التي تربطها بألبانيا الحاليّة، وطريق أبيّا الآتية من رومة والمتوجّهة إلى آسية الصغرى والبحر الأسود، تمرّ فيها وتتوجّه نحو الشمال، إلى نهر الدانوب.
بعد سنة 42 ق. م.، صارت تسالونيكي مركز قنصل وممثّل مباشر لمجلس الشيوخ وحصلت على لقب مدينة حرّة لأنها تشيّعت لأوكتافيوس وقد أصبح الإمبراطور أغوسطس سنة 27 ق. م.، وستستفيد المدينة من السلام الرومانيّ لتزيد في غناها. وحكت نفسها بنفسها بواسطة مجلس يختار حكّامه (أع 17: 5-8)، وتنوّع سكّانها فكانوا من اليونانيّين والإيطاليّين والشرقيّين من سوريّين ومصريّين ويهود. أمّا اليهود فلهم مجمعهم (عكس فيلبّي، رج أع 16: 13) وتأثيرهم في المدينة بحيث أصغى إليهم الحكّام ولبّوا مطالبهم. ولن يكتفوا بأن يثيروا بعض الرعاع على المبشّرين في تسالونيكي بل سيلاحقونهم إلى بيرية (أع 17: 13 ي).

ب- كنيسة تسالونيكي
وصل بولس إلى تسالونيكي مع سلوانس وتيموثاوس بعد أن طُرد من فيلبيّ على أثر اضطراب حدث في المدينة كلّفه هو وسلوانس الجَلد وليلةً في السجن (أع 16: 16 ي؛ 1 تس 2: 2). وبدأ كعادته فأعلن البشارة لليهود في المجمع يوم السبت. ويقول لوقا إنّه جادلهم ثلاثة سبوت وبيّن لهم كيف كان يجب على المسيح أن يتألّم ويقوم من بين الأموات (أع 17: 2-3). وبما أنّ قصد الله تحقق- فمن يبشّرهم به هو المسيح الذي يرجو اليهود مجيئه- قال: "يسوع الذي أبشّركم به هو المسيح". هذا الإعلان أعطى اليهود ذريعة ليشكُوا بولس والمسيحيّين أنّهم يتعدَّون أوامر القيصر ويزعمون أنّ هناك ملكًا آخر، غير الإمبراطور، اسمه يسوع (أع 7:17).
هذه الإشارة التي نقرأها في سفر الأعمال تقدّم لنا معلوماتٍ عن نتيجةِ هذه الرسالة التي قام بها بولس ورفاقه في صيف سنة 50: أسّسوا مجموعة من المسيحيّين فيهم اليهوديّ وغير اليهوديّ. وكان عدد اليهود قليلاً، وهذا ما نستنتجه من كلمة "بعضهم" (أع 17: 4)، ومن عدم إيراد نصوص العهد القديم، ومن هجوم بولس على اليهود الذين سَينزل عليهم في النهاية غضب الله (1 تس 2: 14-16)؛ وفيهم عباد الله وخائفوه وهم مؤمنون غير يهود يتعبّدون لإله إسرائيل ويحفظون بعض الشرائع الأخلاقيّة الخاصّة باليهوديّة؛ وفيهم كثير من اليونانيّين من أهل تسالونيكي؛ وفيهم أخيرًا عدد كبير من السيّدات الفاضلات وقد ذكرهنّ لوقا ليحارب الرأي القائل إنّ الجماعات المسيحيّة مكوّنة من أناس لا حسَب لهم ولا نسَب.
هذه اللوحة عن نتائج الرسالة تدفعنا إلى القول إنّ بولس لم يكتفِ بالتوجّه إلى اليهود والخائفي الله ثلاثة سبوت في المجمع، بل ظلّ وقتًا أطول، وعمل بيديه وتسلّم مساعدة من أهل فيليبيّ مرةً ومرّتين (فل 4: 16). وستنتهي إقامة المرسلين الثلاثة في تسالونيكي كما انتهت في فيلبيّ: هيّج اليهود الناس فأجبروا بولس وسلوانس على مغادرة المدينة والتوجّه إلى بيرية ليلاً (أع 17: 10).
وهكذا مارس بولس رسالته في كنيسة جاء أكثر أعضائها من الوثنيّة فربّاهم تربية مسيحيّة جديرة بهذا الاسم (1 تس 2: 7-12). ولمّا ترك الجماعة الجديدة كان إيمانها قويًّا بحيث انتصرت على المحنة (1 تسع6:3).

ج- مناسبة الرسالتين إلى تسالونيكي وهدفه
وصل بولس مع سيلا (أو سلوانس) وتيموثاوس إلى بيرية، ووجّه كلامه إلى اليهود في المجمع، وقد حالفه النجاح. إلاّ أنّ يهود تسالونيكي حرّضوا الجموع وهيّجوهم فترك بولس رفيقيه وهرب إلى أثينة بعد أن أعطى للمؤمنين تعليماته. ثمّ اجتمع بولس برفيقيه في أثينة (1 تس 3: 1)، ومن هناك ذهب تيموثاوس إلى تسالونيكي. وحاول بولس مرارًا أن يعود إلى تسالونيكي فما استطاع لأنّ الشيطان عاقه (1 تس 18:2)، فانتظر رجوع تيموثاوس: ولمّا اجتمع الثلاثة في كورنتوس كتبوا الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيكي في نهاية السنة 51 أو بداية السنة 52.
كتب بولس الرسالة الأولى في الفرح والارتياح فجعل منها فعل شكر للّه، قال: "فأيّ شكر نقدر أن نؤدِّيه إلى الله من أجلكم على كلّ هذا الفرح الذي نشعر به أمام إلهنا بفضلكم" (3: 9). وهذا الفرح سبّبته معلومات طيّبة تلقّاها بولس وسلوانس من تيموثاوس: "رجع تيموثاوس من عندكم وبشّرنا بما أنتم عليه من إيمان ومحبّة" (6:3).
جاءت بولسَ الأخبارُ فتنفّس الصعداء: "الآن عادت إلينا الحياة" (3: 8). بعد أن كاد يموت من الجزع، عادت إليه معنويّاته، وبعد القلق جاءه الفرح والارتياح. وهذا ما دفعه إلى الكتابة. ثمّ إنّ دخولهم في الإيمان الجديد لم يجلب عليهم بركاتِ الأرض بل فرض عليهم المحن القاسية فخاف بولس أن يترك أهلُ تسالونيكي الإيمان ويجحدوا.
ولكنّ بولس أخطأ في تحسّباته. فإيمان التسالونيكيّين ما زال حيًّا وفاعلاً وهم ثابتون في الربّ. فتحوّل الارتياح إلى إعجاب أمام معجزة عمل الله. وهذا ما يعطي هذه الرسالة نبرةً خاصّة: فلا مجادلة فيها ولا خيبة أمل في تحريضاتها، بل أسلوب ملؤه الهدوء والعطف والثقة والأمل في المستقبل.
أملى بولس رسالته وهو ممتلىء من العزاء والفرح اللذين سبّبتهما الأخبار التي حملها تيموثاوس. وقد استعلم منه عن حالة الكنيسة وعن التعليمات الواجب توجيهها إلى هؤلاء المؤمنين الجدد. ويمكن أن يكون قد تسلّم بولس رسالة منهم بواسطة تيموثاوس فحاول الإجابة على مضمونها نقطة نقطة. فالتوسيعات التي يبدأها الرسول بعبارة: "أمّا في ما يتعلّق" (9:4، 13؛ 5: 1) قد تشكّل أجوبة على أسئلة تتضمنّها رسالة من أهل تسالونيكي (رج 1 كور 7: 1، 25؛ 8: 1؛ 12: 1؛ 16: 1). ثمّ إنّ المقطع 5: 21-22 يتضمّن تعليمات موجّهة إمّا إلى الكنيسة كلّها وإمّا إلى المسؤولين.
فإذا أردنا ألاّ نحسبها تعليمًا أخلاقيًّا عامًّا، فهي لا تُفهم إلاّ إذا أخذنا بوجود توتّر بين الكنيسة والمسؤولين فيها. في هذه الظروف، يمكن أن يكون هؤلاء قد كتبوا رسالة إلى بولس يطلبون مساندتَه وتعليماتِه عن بعض المواضيع الملحّة في الكنيسة. ويقول قائل: لماذا لم يُشِرْ بولس إلى هذه الرسالة وكان بوسعه أن يفعل (1 تس 3: 6)، نجيب أنه كان من الحكمة ألاَّ يشير الى هذه الرسالة لئلاّ يزدادَ التوتّر بين الكنيسة والمسؤولين، ولهذا كتب إلى الجميع وطلب إلى حاملي الرسالة أن يقرأوها على الكنيسة جمعاء (27:5).
وجاءت الرسالة الثانية على غرار الأولى ولمّا يمضِ وقت طويل، فطرحت تقريبًا المسائل عينها ووضّحت بعض الأمور التي أشكلت على سامعي الرسالة الأولى. هذا يعني أنّ المراسلات كانت متواصلة بين بولس وأبناء تسالونيكي بانتظار أن يزورهم فيتعزّى بهم أفضل تعزية.
وكان بولس وسيلا وتيموثاوس ما زالوا معًا حين كتبوا هذه الرسالة الثانية، لا لأنّ إيمان الجماعة ضعف ورجاءها خفّ ومحبّتها بردت، بل لأنّ الاضطهاد أثار الأفكار وفتح الباب على معتقدات خطرة وفوضى لا بدّ من ضبطها (2 تس 1: 3- 10). فاعتبر بعضهم أنّ ساعة مجيء يسوع قد حلّت فنّبههم بولس أن ينتظروا علامتين: الكفر ورجل المعصية. لا شكّ أنّ الشيطان يعمل في العالم ولكنّ العائق يمنعه من ذلك. فعندما يزول العائق يظهر الدجّال فيأتي الربّ ويزيله. وهناك فوضى ثانية متأتيّة من الذين لا يريدون أن يعملوا بل يعيشون على حساب الآخرين. من أجل هذا كتب رسالته الثانية إلى تسالونيكي.

د- مضمون 1 تس
هناك قسمان متقابلان ينتهيان بصلاة يرفعها بولس. القسم الأوّل (1: 1-13:3) ينتهي بهذه الكلمات: "نرجو أن يمهّد الله أبونا وربّنا يسوع طريق المجيء إليكم... وأن يقوّيَ قلوبكم بقداسة لا لوم فيها". والقسم الثاني (4: 1-28:5) ينتهي بهذه الكلمات: "إله السلام نفسه يقدّسكم في كلّ شيء ويحفظكم منزّهين عن اللوم، سالمين روحًا ونفسًا وجسدًا".
بعد العنوان والتحيّة (1: 1) يذكّر القسم الأوّل (1: 2-3: 13) بالعلاقات بين المرسلين والتسالونيكيين في وقتين هامّين. الوقت الأوّل، حين أسّست الكنيسة (1: 2-2: 16)، وهنا يرسم بولس الرسول أمامنا لوحتين، لوحة أولى (1: 2- 10) تبدأ بفعل شكر (1: 2-3) وتشدّد على طابع الكرازة التي اتسّمت بقوّة الله (1: 4- 5) وتشير إلى قبول التسالونيكيّين للإنجيل بصورة عجيبة (1: 6-10)، ولوحة ثانية (2: 1-16) تعلن أنّ موقف بولس ورفيقه كان مقدّسًا عادلاً ولا لوم فيه (2: 1-12) وأنّ المؤمنين آمنوا واحتملوا الالام بشجاعة (2: 13-16). أمّا الوقت الثاني فبعد ذهاب المرسلين (17:2-3: 10)، وهنا يصوّر بولس شوق المرسلين إلى رؤية المؤمنين مرّة ثانية (2: 17-20) ويخبرهم كيف ذهب تيموثاوس إلى تسالونيكي (3: 1- 5) كيف عاد يحمل الأخبار الطيّبة (3: 6- 10). وينتهي هذا القسم بالصلاة (3: 11-13).
أمّا القسم الثاني فيشتمل على تعليمات وتحريضات (4: 1-5: 22). فبعد مقدّمة عامّة عن التقدّم المطلوب في الإيمان (4: 1-2) يذكّرهم الرسول بالعفّة والقداسة والزواج المسيحيّ (3:4-8) ثمّ بالمحبّة الأخويّة (9:4-12). ومن ثمّ يحدّثهم عن الذين ماتوا: سيقومون ويجتمعون مع الأحياء إلى الربّ (4: 13-18)؛ وبانتظار مجيء الربّ الذي لا نعرف متى يكون نجاهد الجهاد المسيحيّ (5: 1- 11). وبعد أن يُنبّهَهم إلى احترام المسؤولين (5: 11-13) يحرّض الجميع ليحيَوا حياة مسيحيّة (5: 14-22). وينتهي هذا القسم الثاني بصلاة ختاميّة (23:5) وبتمنيّات ودعاء (5: 24-28).
إنّا نلاحظ المركِز الرئيسيّ الذي تحتلّه الكرازة عن قيامة الموتى ويوم الربّ (4: 13-5: 11). ويرافق هذه الكرازةَ تحريضٌ رسوليّ يتعلّق بالحياة المسيحيّة.

هـ- مضمون 2 تس
يشكر بولس الربّ على تقدّم التسالونيكيّين في الإيمان. وسوف ينال ثباتهم في الاضطهاد جزاءه حين مجيء الربّ الذي يحمل العقاب إلى المضطهِدين. وبعد العنوان والسلام (1: 1-2) نعرف أنّ التقوى والتصبّر في الاضطهاد هما ضمانة خلاص في يوم الدينونة (3:1-12). ومن ثمّ يصحّح بولس نِظرة خاطئة عن قرب مجيء الربّ، بلبلت قرّاءه. فيوم الربّ لا يمكن أن يكون الآن هنا لأنّه سيسبقه الكفر وظهور رجل الهلاك، غير أنّ ظهور الكفر يتأخّر بسبب عائق يذكره الرسول ولا يقول اسمه وكأني بقرّائه يعرفونه. أمّا مجيء الربّ المجيد فيضع حدًّا لانتصار رجل الهلاك ويحكم بطريقة نهاثيّة على كلّ الذين خُدعوا به وقبلوا خداعه. أجل هناك علامات لمجيء يوم الربّ (2: 1- 5) وهناك ما يفسّر تأخيره (6:2-8). لكن حين يجيء الدجّال يجيء الربّ ويتغلّب عليه بل يخضعه للدينونة (9:2-12). وبعد كلام الشكر والصلاة والتشجيع (2: 13-3: 5) نسمع الرسول يحذّر المؤمنين من ترك أشغالهم عن كسل فيذكّرهم بمثله وتعليمه ويقدّم لهم قواعد تطبّقها الكنيسة على الذين يعيشون في الفوضى. وتنتهي الرسالة الثانية إلى تسالونيكي بصلاة وسلام، ثم توقيع يؤكّد فيه بولس أنّ الرسالة رسالته (3: 16-18) فلا يخاف المؤمنون من الضلال والمضلّين.

و- هل كتب بولس 1 تس وهل كتبها كلّها؟
ما يلفت انتباه القارىء هو الفرق في النبرة بين 1 تس وسائر الرسائل البولسيّة. فالرسول لا يتوقّف عند مشكلة تعليميّة، بل يريد أن يبيّن عمق العواطف التي تربطه بجماعة أسّسها وأُجبر على تركها حالاً. أحسّ بالقلق ثمّ بالفرح حين رأى إيمان هذه الكنيسة الفتيّة، فما احتاج إلى تقويم ضلال، وهو العارف أنّ الإخوة في تسالونيكي يسيرون في الطريق القويم. والشيء الوحيد الذي يطلبه منهم هو أن يثابروا في هذه الطريق وأن يتقدّموا فيها.
هذه الرسالة المفعمة بالفرح والثقة والورع والتي تشكّل أوّل نصوص العهد الجديد، هل كتبها بولس بيده وهل كتبها كلّها؟
شهد على وجود 1 تس مرقيون منذ سنة 140. ويورد نصوصًا منها كتاب الديداكه (بداية القرن الثاني) وإكلمنضوس الرومانيّ (93-97) ورسالة برنابا (115- 130) وأغناطيوس الأنطاكيّ (حوالي 110) وراعي هرماس (140-155) ويوستينوس (150-160). إذًا، 1 تس هي رسالة من رسائل بولس ولم يناقش أحد صحّة نسبتها إليه في الكنيسة القديمة. غير أنّ بعض العلماء الألمان (القرن 19) رفضوا هذا الأمر لأنهم لم يجدوا المواضيع التي توسعّ فيها بولس وهي: الحرب على المتهوّدين، إبطال الشريعة، التبرير بالإيمان... ولكنّهم نسُوا الطابع الخاصّ لكلّ رسالة. فرسالة بولس ليست بحثًا مجرّدًا في العقائد، بل جواب على أسئلة تُطرح على هذه الجماعة أو تلك، وكلّ جماعة يمكن أن تختلف عن أختها. أمّا اليوم فالنقّاد متّفقون على أنّ 1 تس تندرج بين رسائل بولس وفيها نجد بداية تفكيره الذي سيتوسعّ فيه في الرسائل الكبرى.
ولكنّ بعض العلماء الذين قبلوا صحّة نسًبة 1 تس إلى بولس، اكتشفوا وجود نصّ مدسوس فيها ألا وهو 2: 14-16. اشتبهوا بهذا النصّ بسبب العنف الذي فيه على اليهود. يقول بولس إنّهم "قتلوا ربّنا يسوع والأنبياء واضطهدونا، ولا يُرضُون الله ويعادون جميع الناس فيمنعونا من تبشير سائر الأمم بما فيه خلاصهم، فهم في كلّ مرّة يجاوزون الحدّ بخطاياهم، فينزل عليهم في النهاية غضب الله". ولكنّا نفهم سبب وجود هذا النصّ ممّا قاساه بولس من اليهود الذين لاحقوه في فيلبّي وبيرية وتسالونيكي، هذا عدا ما قاساه منهم في مدن آسية الصغرى.
واعتبر بعض العلماء أنّ المقطع الإسكاتولوجيّ (4: 13-5: 11) درس لاهوتيّ لم يكتبه بولس بل زاده أحد تلاميذه وأقحمه وسط تعليم أخلاقيّ فقطع سياق الحديث. ولكنّ القائلين هذا الكلام ينسَون أنّ التعاليم الاسكاتولوجيّة جواب على حاجات خاصّة في كنيسة اعتبرت أنّ النهاية قريبة وتساءلت ما يكون حظّ الأموات عند مجيء ربّنا الثاني.
إذًا نقول مع أكبر عدد من الشرّاح إنّ بولس كتب 1 تس وكتبها كلّها، أو بالأحرى أملاها على أحد الكتبة المختصّين بفنّ الكتابة على البرديّ أو على الرقّ. ثم زاد في النهاية بخطّ يده عبارة تكون علامة بينه وبين قرّائه.

ز- صحّة نسبة 2 تس إلى بولس
نقول هنا ما قلناه عن 1 تس: إنّ التقليد القديم يُجمع على نسبة 2 تس إلى بولس: بوليكربوس (حوالي 115)، ويوستينوس، والديداكه، ومرقيون، وقانون موراتوري (حوالي 180)، وترتليانس، وإيريناوس، وأوريجانس، وغيرهم.
إلاّ أنّ النقد الأدبيّ بدأ في نهاية القرن الثامن عشر وانتهى في القرن التاسع عشر إلى رفض نسبة 2 تس إلى بولس انطلاقًا من المفردات والأسلوب، من المقاطع الإسكاتولوجيّة ومن التشابهات بين 1 تس و 2 تس.
كُتبت 2 تس بعد 1 تس بوقت قليل باسم بولس وسلوانس وتيموثاوس (1:1) الذين سنجدهم مجتمعين بعد لقائهم الأخير في كورنتوس (أع 18: 5، 18). هناك تقارب في المفردات والأسلوب، ولكن كيف نفسّر الاختلاف في النبرة عندما ننتقل من 1 تس إلى 2 تس؟ فبعد صفحات كلّها عاطفة وحماس في 1 تس، نجد نبرةً احتفاليّة باردة. ولكنّ المنتقدين ينسَون أيضًا صفحاتٍ لا تقلّ عاطفة عمّا نقرأه في 1 تس (مثلاً 1: 3؛ 2: 1، 3، 15؛ 3:3-4، 13-14).
وينطلق النقّاد من المفردات والأسلوب. فهناك عشر كلمات من 2 تس نجدها في سائر الرسائل، ولكنّنا لا نجد إلاّ 17 كلمة من 1 تس. إذًا لسنا أمام برهان حاسم. ثمّ إنّ كلمة "دعوة" تعني هنا الدعوة إلى المجد بينما تعني في رسائل أخرى الدعوة إلى الإيمان (1: 11؛ رج فل 4:3). وفي 13:2 كلمة "اختار" ليست كما في 1 كور 1: 27 ي وأف 1: 4. وهناك عبارات تجعلنا نتردّد. ففي 1: 3 نقرأ "يجبُ أن نحمدَ الله" بدل "نحمدُ الله"... أمّا الجواب بحسب أحد العلماء فهو أنّه عندما ينزل النقد المعادي إلى هذه التفاصيل التي تجد سندًا في معطيات غير ثابتة، فهو إقرار بضعف ما يريدون أن يبرهنوا عنه.
أمّا البرهان الذي يحسبونه حاسمًا ضدّ صحّة نسبة 2 تس إلى بولس فهو التعليم الاسكاتولوجيّ في 2: 1-12 الذي لا يمكن أن يجد مكانًا في رسائل بولس. ونجيب أوّلاً أنّ مجموعة العناصر الموجودة في 2: 1-12 ترتبط بالتقليد الكتابيّ عن معارضة المسيح في نهاية الزمن. فالعهد القديم (أشعيا، حزقيال، ولا سيّما دانيال) يقدّم مراجعَ لتفكير بولس. وهكذا نقول بالنسبة إلى العهد الجديد ولا سيّمَا متّى ومرقس: الكفر والجحود وتدنيس الهيكل وتكاثر الإثم وقوّة الشيطان. كلّ هذه مواضيعُ معروفةٌ تَدْخُلُ في لاهوت الرسول وتجد مكانها في إطار تفكيره دون أيّ تعارض. ثمّ إنّنا نقول إنّ بولس لم يستنفد مرّة الموضوع الذي يطرقه فيذكر في هذه الرسالة ما قاله في رسالة أخرى. ففي 1 تس 4: 11 يقول إنّ يوم الربّ يأتي فجأة كاللصّ في الليل وفي 2 تس 2: 1-12 يعلن عن هذا اليوم بعلامات. فأيّ ضير في ذلك؟ فكلّ التقليد الجليانيّ اليهوديّ والمسيحيّ يعرف تقاربًا بين فجاءَة اليوم الأخير والعلامات المهيّئة له. ويكفي أن نذكر يسوع الذي قال في مرقس 6:13: "سيجيء كثيرون من الناس منتحلين اسمي فيقولون: أنا هو المسيح ويخدعون أناسًا كثيرين". وقال أيضًا في مرقس 13: 33- 34: "وأمّا ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعرفهما أحد... فكونوا على حذر واسهروا لأنكم لا تعرفون متى يجيء الوقت". في النصّ الأوّل نجد علامة مجيء الربّ، وفي النصّ الثاني دعوة إلى السهر لأنّنا لا نعرف متى يجيء.
وينطلق النقّاد أخيرًا من المشابهات بين 1 تس و 2 تس ويوردون المقاطع المتقابلة: 2 تس 1: 3= 1 تس 1: 2-3؛ 2 تس 1: 5= 1 تس 2: 12؛ 2 تس 1: 7= 1 تس 13:3؛ 2 تس 2: 16-17= 1 تس 3: 11-13؛ 2 تس 8:3= 1 تس 9:2؛ 2 تس 3: 16= 1 تس 23:5؛ 2 تس 18:3= 1 تس 28:5. وبعد ذلك يعلنون أنّ كاتبًا انتحل شخصيّة الرسول فاستقى من الرسالة الأولى إلى تسالونيكي ليؤلّف الرسالة الثانية. ولكن ما الذي يبرّر هذا الافتراض، ولماذا رجع الكاتب المزعوم إلى 1 تس ولم يرجع إلى 1 كور أو 2 كور مثلاً؟
بعد كلّ هذا نقول مع أحد كبار الشرّاح: لا نجد في هذه الرسالة ما يفرض علينا أو يسمح لنا أن ننكر صحّة نسبتها إلى بولس. وهذا الكلام كلّه حكمة ويستند إلى تقليد الكنيسة القديمة وإلى النقد الحديث البعيد عن كلّ فكر مسبّق.

ح- التعليم اللاهوتيّ في الرسالتين إلى أهل تسالونيكي
1- التعليم الرسوليّ
لا نقدر أن نتناسى أهمّيّة هاتين الرسالتين اللتين هما أقدم ما كتبه بولس الرسول، بل أقدم ما كُتب في المسيحيّة. لا شكّ أنّ الأناجيل وأعمال الرسل عادت إلى مراجعَ قديمةٍ، ولكنّها كُتبت بعد رسائل بولس.
ماذا نكتشف من التعليم الرسوليّ حوالي السنة 50 ب. م.؟ الديانة المسيحيّة تُقدَّم إلى العالم الوثنيّ بشكل مجموعة من الحقائق والفرائض تتميّز عمّا في اليهوديّة وتتركّز على شخص يسوع الذي مات عن الخطايا وقام وصعد إلى السماء ومن هناك سيأتي ليقود إليه الذين آمنوا به.
ويذكّرنا بولسُ انطلاقًا من خبرته بأصلِ الرسالة. فهي تنبع من الله وترتبط بمخطّط الله. إنّ الله هو من يدعو البشر إلى الملكوت (1 تس 2: 12؛ 5: 24)، ولكنّ هذه الدعوة تصلهم بواسطة الإنجيل الذي يكرز به الرسل (2 تس 2: 14). فالله سلّم إنجيله إلى الرسل لأنّه اعتبرهم أهلاً لذلك (1 تس 2: 4). فلا غرابة إذًا أن يقوموا بعملهم هذا (1 تس 3:2- 5) وأن تكون كلمتُهم كلمةَ الله التي تفعل في المؤمنين (1 تس 13:2). والمعجزات وفيض الروح ترافق هذه الكلمة فتدلّ المؤمنين على أنّهم موضوع اختيار الله (1 تس 1: 4- 5). والربّ يوفد رسوله (1 تس 1: 5) ويعمل في الوقت نفسه في قلوب المؤمنين فيمنحهم الثبات في المصاعب (1 تس 2: 14؛ 8:3) ويحميهم من الشّرير (2 تس 3:3) ويُنْمي إيمانهم (1 تس 6:3- 10) ويرى محبّتهم (1 تس 12:3؛ 4: 9). لقد زرع الرسول هذه الحياة الجديدة (1 تس 2: 8-11) ولكنّه ظلّ مسؤولاً عنها فعمل على تجذيرها بطريقة أعمق. أخذه القلق من كلّ نقص (1 تس 3: 2، 10) واهتمّ بتثبيت المسيحيّين في الإيمان إمّا بطريقة مباشرة وإمّا بواسطة موفدين له (1 تس 3: 2)، وهو واع أنّه بذلك يمارس سلطات جاءته من الربّ. فإن عارضه المعارضون، فالمجرّب (1 تس 2: 18؛ 3: 5) وأعوانه ينتظرهم العقاب الرهيب (1 تس 2: 16؛ 2 تس 1: 6-10) لأنّهم فيمَا يعارضونه إنّما يعارضون الله نفسه (1 تس 8:4).
أمّا موضوع هذه الرسالة فهو البشرى التي حمّله الله إيّاها (1 تس 2: 4)، هو الإنجيل الذي يكرز به (1 تس 1: 5؛ 2 تس 2: 14)، إنجيل الله (1 تس 2: 2، 8، 9) والربّ المسيح (1 تس 3: 2؛ 2 تس 8:1)، وهو الكلمة (1 تس 1: 6)، كلمة الله (1 تس 13:2) والربّ (1 تس 1 :8) التي يعلنها الرسول (1 تس 2: 9) ويبشّر بها (1 تس 4:2، 16) ويشهد لها (2 تس 1: 10).
يرجع بنا بولس في كرازته إلى تعليم عامّ يبدو بشكل قانون إيمان. وهناك بعض مقاطع تعطينا عناصرَ من هذا التعليم فتشدّد على حقيقتين جوهريّتين: الله الحقّ والحيّ، والمسيح الذي مات وقام: نكتشف هنا سرّ الله وسرّ الفصح.
يَرِدُ اسمُ الله الآب ما يقارب الأربعينَ مرّةً في 1 تس و 2 تس. وهو في أصل الرسالة بل في أصل كلّ شيء، والخلاص يأتينا بمبادرة من حبّه (1 تس 1: 4؛ 2 تس 2: 13). فهو أراد أن يخلّص من يؤمنون بابنه، المسيح يسوع، فضمّهم إلى كنائسه (1 تس 14:2؛ 2 تس 1: 4) وكوَّن شعبًا جديدًا منحه عطيّة الروح القدس (2 تس 8:4).
غير أنّ عمل الله هو عمل المسيح. فبالمسيح يؤثّر حضور الله في البشريّة، وفي شخص المسيح تلتقي التعاليم والأوامر والتشجيعات في كلّ حياة الكنيسة والمسيحيّين. فالكنائس هي في المسيح كما هي في الله (1 تس 1: 1؛ 2 تس 1: 1؛ 2: 14)، والمؤمنون يعملون كلّ شيء في الربّ وحياتهم إيمان ورجاء ومحبّة في الربّ يسوع المسيح (1 تس 1: 3)، واقتداء بالربّ (1 تس 1: 6)، وانتظار للربّ (1 تس 1: 10)، قبل أن تكون موتًا في الربّ (1 تس 4: 14) واجتماعًا أبديًّا معه (1 تس 4: 14-17؛ 5: 10؛ 2 تس 2: 1).
ويتوجّه الرسول والمؤمنون إلى يسوع الذي صار ربًّا بقيامته ودخوله في مجده، ويجعلونه مساويًا لله الآب، بحيث يكون عمل الاثنين وبركتهما وعونهما أمرًا واحدًا (1 تس 3: 11). فربّنا يسوع أحبّنا كالله الآب وأنعم علينا بعزاء أبديّ (2 تس 2: 16)، ومنه نطلب كلّ خيركما نطلب من الله الآب (2 تس 3: 1- 5).
قال التقليد القديم إنّ الله أقام من الموت ابنه الذي سيجيء (1 تس 1: 10)، وقال أيضًا: واضطُهد يسوع (1 تس 1: 6) وقُتل على يد اليهود (1 تس 15:2) ولكنّه قام وأقام أخصّاءه (1 تس 4: 14 ي) وسيأتي في يومه (1 تس 2:5، 4) فيحاسب كلّ واحد بحسب العدالة، فيعاقب الذين قاوموه ويُدخل المؤمنين في مجده. إنّ الحياة المسيحيّة وقداسة المؤمنين متشرّبتان من هذا اليقين أنّ المسيح آت في مجده. فالفرائض الأخلاقيّة تصلنا باسم يسوع، وإرادة الله عبّرت عن ذاتها بيسوع (1 تس 18:5)، وأوامر بولس لا قيمة لها إلاّ لأنّها ترتبط بسلطة الربّ (1 تس 4: 1-3، 15؛ 2 تس 3: 6-12). بل إنّ اندفاع بولس نحو المرتدّين (1 تس 7:2- 11) يتغذّى من الحبّ ليسوع والإيمان به والعطاء الكامل لقضيّة الإنجيل.

2- نهاية الزمن
تعليم بولس عن مجيء المسيح ونهاية الزمن يرتبط بتعليم الأنبياء، فهو يقسم العالم زمنين، الحاضر والمستقبل، ويعلن أنّ يوم الربّ يسوع آت. يرى بولس مثل الأنبياء نهاية الأزمنة المليئة بالغضب والشرّ والاضطهاد والجحود، ويستفيد من الصور الكتابيّة ليرسم مجيء يسوع الأخير: تُسمعَ الأوامر وصوت رئيس الملائكة وبوق الله، وتُرَى السحبُ تُعيدُ المسيحَ والقدّيسين من أجل دينونة الذين دفعتهم شرورهم إلى الهلاك الأبديّ، وعلى طريقة دانيال (دا 36:11) يُصوَّر المقاوِم يرتفع فوق كلّ إله ويجلس في الهيكل.
في هذه الصور يلتقي بولس والأناجيل الإزائيّة. وهو يوجّه أنظارنا إلى بعض حقائق لا بدّ من ذكرها:
- يسوع الممجّد بقيامته وإقامته في السماء هو الربّ وابن الله. جاء في السابق وسيأتي ثانية فيكون للأشرار دينونة بالهلاك الأبديّ (2 تس 1: 6، 9؛ 2: 10) وللمؤمنين خلاصًا (1 تس 1: 9؛ 9:5) ومشاركة في مجد الله (2 تس 10:1).
- كلّ المسيحيين، سواء أكانوا أحياء أو أمواتًا سوف يشاركون المسيح في مجده. ينضمّون إليه (2 تس 2: 1) فيكونون دومًا معه (2 تس 17:4) ويعيشون معه (1 تس 5: 10). وبانتظار ذلك ستكون الحياة الحاضرة رجاء يتحمّل الألم بفرح (1 تس 1: 3؛ 2 تس 1: 4- 5) وانتظارًا يحفظنا من الغضب الآتي (1 تس 1: 10) وتقديسًا لا عيب فيه ليوم المجيء (1 تس 13:3؛ 23:5؛ 2 تس 1: 7، 10) وسهرًا كسهر أبناء النور والنهار في العفّة "لابسين درع الإيمان والمحبّة وخوذة رجاء الخلاص" (1 تس 8:5).
- كان المؤمنون في تسالونيكي يحسبون أنّ يوم الربّ قريب جدًّا بل هو حاضر هنا (2 تس 2: 2)، ولهذا رَبَطَ البعضُ منهم هذه الفكرة الخاطئة بحياة من الكسل والفسق. أمّا بولس فقال لهم: احرصوا على العيش عيشة هادئة وانشغلوا بما يعنيكم واكسبوا رزقكم بعرق جبينكم (1 تس 4: 11)، وأوصاهم أن يتجنّبوا كلّ أخ بطّال. وحذّرهم بقوله: من لا يريد أن يعمل لا يحقّ له أن يأكل (2 تس 6:3-12).
- ماذا قال بولس عن مجيء الربّ؟ إنطلق من كلام الربّ أنّ ذلك اليوم وتلك الساعة لا يعرفهما أحد (مر 32:13) فتكلّم وكأنّه يرجو لجيله رجوع يسوع. عاش في الانتظار مثل الكنيسة الأولى وأكّد أنّ يوم الربّ لم يأتِ بعد. صبغ تعليمه بألوان الرجاء وأحيا عمله بالشوق الذي يتضمنّه هذا الانتظار. فهو حين يرى عظمة الله وحبّه في ابنِه الربِّ المنبعثِ ووالممجَّدِ لا يرى تأخيرًا في تحقيق الخطّط الإلهيّ، ولهذا انتظره واعتبر أنه سيتم قريبًا.
- أمّا الإسكاتولوجيّا الفرديّة فهي واضحة. المسيحيّون الذين ماتوا سيقومون ويشاهدون رجوع الربّ الذي يعود مع قدّيسيه وملائكته. سيعود الربّ مخلّصًا وديّانًا فيمنح المختارين حصّة في مجده ويعاتب بالهلاك الأبديّ الذين رفضوا الإنجيل واضطهدوا المسيحيّين (2 تس 1: 6-9؛ 2: 12). فالذين حفظوا نفوسهم بلا عيب إلى مجيء ربّنا (1 تس 13:3) سيخلصون، والأحياء في يوم مجيئه يتحوّلون (1 تس 4: 13-18).
- وينبّه بولس المؤمنين في 2 تس مزيلاً الخطأ من أذهانهم لأنّهم تركوا الخوف يسيطر عليهم حين سمعوا أقوالاً كاذبة تقول إنّ يوم الربّ قد حلّ. يهدّىء من روعهم ويبيّن لهم أن يوم الربّ لم يأت بعد ويذكّرهم تعليمًا سابقًا يقول بأنّ الربّ سيجيء بعد علامتين: الجحود، ورجل الإثم. ولكنّ العائق يمنع ظهورهما وهو يعمل في السرّ. وعندما يزول العائق يُمنح الشيطانُ الدجَّالُ أن يجترح آياتٍ للذين رفضوا قبول الحقيقة. في ذلك الوقت يظهر الربّ ويتغلّب على خصمه.
- الجحود الذي تتحدّث عنه 2 تس لا يرتبط لا بالديانة اليهوديّة ولا بالديانة المسيحيّة. فالهالكون والمحكوم عليهم هم الذين قُدِّم لهم الإنجيل والخلاص بالإيمان ففضّلوا الظلم والشرّ والكذب. فبالنسبة إلى بولس يشكّل الإنجيل والبِرّ والحقّ والخلاص مصيرًا ساميًا دعي إليه الناس بواسطة الكرازة الرسوليّة. فمن مال عنها كان جاحدًا. أمّا الجحود، بمعنى الابتعاد عن الدين المسيحيّ، فسيحدّثنا عنه بولس فيما بعد بقوله: بعض الناس يرتدّون عن الإيمان في الأزمنة الأخيرة، فهم مراؤون وكذّابون اكتوت ضمائرهم فماتت (1 تم 4: 1-2؛ رج2 تم 3: 1- 5).
- الدجّال أو المعارض للمسيح كلمة ترجع إلى يوحنّا (1 يو 18:2؛ 3:4؛ 2 يو 7) لا إلى بولس. ولكنّ بولس يعني الدجّال حين يكلّمنا عن مجيء ربّنا (2 تس 2: 1-12). إنّ العهد الجديد يستعيد تقاليد العهد القديم عن معارضة للمملكة المسيحانيّة فيتعمّق فيها ويوسّعها ويقدّمها في قالب جديد دون أن يعطيَنا الكلمة الفصل في هذا الموضوع.
- لا نستطيع أن نخفيَ عُمْقَ تعليم بولس رغم الغموض الذي يلفّه. فيسوع المسيح هو ربّ السماء والأرض وسيأتي ليدين الأحياء والأموات فيعطي لمؤمنيه حياة أبديّة مجيدة بصحبته. أمّا العالم الحاضر، عالم الصراعات والاضطهادات، فسيَحِلُّ محلَّه عالمٌ من السلام والبركات الإلهيّة. مثل هذا الكلام يحمل إلينا الرجاء والقوّة والشجاعة.
وهكذا تكون 1 تس و 2 تس شهادة عن الكنيسة الأولى وعن رجائها. ليس فيهما توسيع لاهوتيّ ولكنّ هذا لا يعني أنّهما من الدرجة الثانية. فهـما توردان ببساطة إيمانَ المسيحيّين الأوّلين واختبار أوّل الذاهبين إلى الرسالة لدى الوثنيّين أعني حبَّ الله الذي يدعو، وسيادةَ المسيح الذي ننتظر رجوعه بشغف، وعملَ الروح الفيّاض في إعلان الكلمة وفي حياة الجماعات، ويقينَ القيامة، والثباتَ في الاضطهاد، والمحبّةَ الأخويّة والتضامن. وكيف لا يتحّرك فينا الإيمان أمام هذه المواضيع فنجد فيها نداء لنعيش اليوم الرجاء عينه الذي عاشه المسيحيّون الأوّلون؟


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM