الفصل السابع عشر: الإنجيل بحسب لوقا

لفصل السابع عشر
الإنجيل بحسب لوقا

مقدّمة
إنّ ما كتبه لوقا مبتكر في العهد الجديد.
ركّز كلّ من متّى ومرقس ويوحنّا كتبهم على حياة يسوع. أمّا لوقا فقسم كتابه جزءين: الإنجيل والأعمال. فميّز هكذا بوضوح زمن يسوع عن زمن بدايات الكنيسة.
أعلن مرقس مقصده: أن يقدّم إنجيلاً. أمّا لوقا فأعلن ببساطة: أن يقدّم خبرًا عمّا حصل. ولكنّ الخبر الذي يقدّمه لا ينفي النظرة اللاهوتيّة.
شدّد الجميع منذ القديم على رقّة ولطف لوقا. فسمّى الشاعر الإيطاليّ دانتي إنجيله إنجيل لطف المسيح، ووجد الرسّامون فيه ينابيع لإلهامهم. من لا يتذكّر صورة الابن الشاطر أو تلميذَيِ عمّاوس.
إلى هذا الإنجيليّ سنتعرّف. فنتوقّف في فصلٍ أوّل على إنجيله. ثمّ نعود إلى سفر الأعمال فنفرد له فصلاً خاصًّا.

أ- من هو كاتب الإنجيل الثالث؟
بعد أن مرّ قرن كامل على تدوين الإنجيل الثالث، نسب شهود التقليد هذا الإنجيل وأعمال الرسل إلى لوقا الطبيب ورفيق القدّيس بولس. ماذا نعرف عن هذا الشخص وما قيمة نسبة الإنجيل الثالث إليه؟

1- اسم لوقا
لا يظهر اسم لوقا إلاّ قليلاً في العالم اليونانيّ، في بعض النقوش.
أمّا في العهد الجديد فنقرأ اسم لوقا ثلاث مرات: في الرسالة إلى كولسّي التي دوّنت حوالي السنة 60، يوجّه بولسُ السجين إلى قرّائه تحيّاتِ رفاقه. فيورد أوّلاً أسماء الذين هم من أهل الختان: أرسترخس، مرقس، يسوع الملقَّب بيسطس. والآخرون لم يكونوا مختونين- على ما يبدو- وهم أبفراس ولوقا الطبيب الحبيب وديماس (كو 4: 10- 14).
وفي الرسالة إلى فيلمون التي أرسلت إلى كولسّي، وفي الوقت ذاته الذي فيه أرسلت الرسالة إلى كولسّي (رج كو 4: 9 وفلم 2؛ كو 4: 7 وفلم 2). رفاق بولس هم هم: أبفراس، مرقس، أرسترخس، ديماس، لوقا (فلم 23- 24). سمَّى بولس جميع هؤلاء "المشاركين لي" (العاملين معي) في العمل، فلم يميّز بين اليهود وغير اليهود.
وتنتمي الرسالة الثانية إلى تيموثاوس إلى مجموعة الرسائل الرعائيّة ولكنّ الشرّاح يتّفقون على القول إنّها تتضمّن عناصر قديمة ومنها ذكر رفاق بولس في 4: 10- 11. لم تتبدّل أسماء عديدة ولكنْ تبدّلت الحالات. "ديماس تركني حبًّا بهذه الدنيا وسافر إلى تسالونيكي. وسافر كريسكيس إلى غلاطية وتيطس إلى دلماطية، وبقي لوقا وحده معي. خذ مرقس وجئ به لأنّه يفيدني كثيرًا في خدمة الربّ".
نستنتج من هذه النصوص الثلاثة بعض المعطيات: لم يكن لوقا مختونًا. كان طبيبًا. نظر إليه بولس كأحد معاونيه. التقى مرقس مرّات كثيرة عند بولس الرسول.
ويرد اسم لوقيوس مرتين، مرّة في روم 16: 21 (لوقيوس، ياسون، سوسيباترس) على أنّه قريب بولس، ومرّة في أع 13: 1، على أنّه أحد اليهود القبارصة والقيروانيّين الذين طردهم الاضطهاد الذي تلا مقتل إسطفانس (أع 11: 19- 20). رغم رأي أوريجانس بالنسبة إلى النصّ الأوّل ورأي بعض النصوص الأرمنيّة واللاتينيّة بالنسبة إلى النصّ الثاني، نقول إنّ لوقيوس هو غير لوقا.

2- معطيات التقليد
إيريناوس. يتوقّف مرّتين في كتابه الثالث ضدّ الهراطقة عند إنجيل لوقا. فيقول في المرّة الأولى: "دوّن لوقا، رفيق بولس، في كتاب الإنجيل الذي كرز به بولس". ويتوسّع في المرّة الثانية فيورد شهادة لوقا على أسفاره مع بولس (المقاطع بلغة المتكلّم الجمع في الأعمال)، ثمّ يقدّم شهادة بولس على لوقا في 2 تم 4: 10- 11 وكو 4: 14. وفي النهاية يدافع عن وحدة عمل لوقا التامّ الكامل ضدّ المرقيونيّين (يعارضون بين إله العهد القديم، الإله العادل وبين إله العهد الجديد، الإله المحبّ) والغنوصيّين (يشدّدون على ثنائية الخير والشرّ، الروح والمادّة) الذين يشوّهونه. هذه شهادة قديمة اتّخذها أسقف ليون (بفرنسا) من آسية الصغرى.
قانون موراتوري. دوّن في نهاية القرن الثاني فأعطانا رأي كنيسة رومة في أسفار العهد الجديد. قال عن الإنجيل الثالث: "ثالثًا، كتاب الإنجيل حسب لوقا. فلوقا هذا كان طبيبًا بعد صعود المسيح إلى السماء. أخذه بولس كمعاون له بسبب معرفته بالحقوق، فدوّن برضاه ما رآه مناسبًا. هو لم يرَ الربّ بالجسد. ولهذا انطلق ممّا سمع فبدأ بقوله ابتداء من مولد يوحنّا". ثمّ يقول عن أعمال الرسل: "وقد دُوِّنت في كتاب واحد أعمالُ كلّ الرسل". أفهم لوقا تاوفيلوس الطبيب أنّ كلّ شيء حدث في أيّامه وبيّن ذلك تاركًا جانبًا آلام بطرس وذهاب بولس من المدينة (رومة) إلى إسبانية.
ترتليانس. منذ بداية القرن الثالث كتب ضدّ مرقيون وداء عن إنجيل لوقا. قال: "تعلّق مرقيون بلوقا، دون سائر الكتّاب الكنسيّين، ليمزّقه تمزيقًا. لم يكن لوقا رسولاً، بل رجلاً رسوليًّا. لم يكن معلّمًا، بل تلميذًا أدنى من معلّمه". ثمّ يقول ترتليانس: "فَبْرَكَ مرقيون إنجيله الخاصّ ونسبه إلى بولس، أمّا بولس فجعل إنجيله يتوافق وإنجيل الرسل الذين سبقوه". واختتم قوله: "الذي كان مشعل لوقا أراد أن يقوّي إيمانه وكرازته على سلطة سابقيه. فَلِم أطلب من إنجيل التلميذ أن يستند إلى سلطة المعلّم... أن يكون قد نزل من بولس إلى لوقا، فلا شيء أفضل من ذلك. فلإنجيل لوقا شهادة تُوَصّي به". وهكذا يستند ترتليانس إلى أعمال الرسل ليربط لوقا ببولس ويعلن أنّه كاتب الإنجيل الثالث وأنّ سلطتَه من الرسل.
أوريجانس. ينسب الإنجيل الثالث إلى لوقا تلميذ بولس فيقول:" الإنجيل الثالث هو الإنجيل حسب لوقا الذي امتدحه بولس. دوّن من أجل المؤمنين الآتين من الوثنيّة".
أوسابيوس القيصريّ. منذ بداية القرن الرابع نجد معلومات إضافيّة. قال أوسابيوس في كتابه التاريخ الكنسيّ: "أمّا لوقا الذي كان أنطاكيّ الأصل وطبيبًا، فقد انضمّ إلى بولس وعاش مع الرسل مدّة طويلة فتعلّم منه مداواة النفوس، كما ترك براهين في كتابين ملهمين من الله: الإنجيل الذي يشهد أنّه كتبه انطلاقًا من تقاليد الذين كانوا منذ البدء شهودًا للكلمة وخدّامًا لها، ويؤكّد أنّه اتّبعهم منذ البداية. وسفر أعمال الرسل الذي دوّنه، لا بعد أن سمعهم (أي الرسل) بأذنيه، بل بعد أن رآهم بعينيه". إنّ أصل لوقا الأنطاكيّ توافق علمه رواية مختلفة من نصّ الأعمال الغربيّ تسمع في أع 11: 38 كيف أنّ لوقا يخطب بصيغة المتكلّم في جماعة أنطاكية.
مدخل إلى إنجيل لوقا. دوّن في اللاتينيّة وهو يعود إلى القرن الرابع. يقول: "لوقا هو من أنطاكية سورية وكان طبيبًا. بعد هذا تبع بولس حتّى استشهاده. خدم الربّ بلا عيب فلم يكن له امرأة ولا أولاد. مات في عمر 84 سنة في بيوتيَة (اليونان) وهو مملوء من الروح القدس. بما أنّ إنجيلاً كتب على يد متّى في اليهوديّة، وإنجيلاً كتب على يد مرقس في أنطاكية، كتب لوقا بوحي من الروح القدس هذا الإنجيل في مناطق أخائية (في اليونان). أعلن في البداية أنّ أناجيلَ كتبت قبل إنجيله، ولكنّه وجد من الضروريّ أن يعرض بكلّ اهتمام للمؤمنين في اليونان، التدبير الإلهيّ... ثمّ كتب لوقا أعمال الرسل".
وسيحاول التقليدُ اللاحق أن يعطيَنا شيئًا عن سيرة حياة لوقا. قال غريغوريوس النازيانزيّ إنّه استشهد. وقال إبيفانيوس أنّه أحد التلامذة السبعين. وقال غريغوريوس الكبير إنّه كان رفيق كلاوبّا على طريق عمّاوس...

ب- التأليف الأدبيّ في إنجيل لوقا
1- المراجع
يبدو تصميم الإنجيل الثالث واضحًا في خطوطه الكبرى. فبعد المقدّمة (1: 1- 2: 52) نعيش مع يسوع في الجليل (3: 1- 9: 50)، ثمّ نسير على طريق أورشليم (9: 51- 19: 27) قبل أن نشهد في أورشليم موت يسوع وقيامته (19: 28- 24: 53).
نجد مقابلة بين نصوص مرقس ونصوص لوقا. فما نقرأه في مر 1: 1- 3: 19+ 3: 20- 35 نجده في لوقا 3: 1- 6: 19. وما نقرأه في مر 4: 1- 9: 50 (ما عدا 6: 45- 8: 26) نجده في لو 8: 4- 9: 50. وما نقرأه في مر 10: 13- 52 نجده في لو 18: 15- 19: 27. وما نقرأه في مر 11: 1- 16: 20 نجده في لو 19: 28- 24: 53.
يقدّم لوقا متتالية مماثلة لمتتالية مرقس ثمّ متتالية خاصّة به. فالفاصل الصغير (6: 20- 8: 3) والفاصل الكبير (9: 51- 18: 14) يقطعان حبل الخبر عند مرقس. فيبدو أنّ لوقا يأخذ بعين الاعتبار مرجعًا يشبه مرقس فيضمّ إليه تقاليد خاصّة جمعها هنا وهناك. وسندرس هذه النظرة حين نتوقّف عند المسألة الإزائيّة.
فالتقليد المشترك يقدّم لحمة الإنجيل. ثمّ أقحمت تقاليد إضافيّة كانت قد ضمّت بعضُها إلى بعضٍ وتُشبه إلى حدّ بعيد ما جمعه متّى. واستقى لوقا بعض المعلومات من التلاميذ: كلاوبّا، فيلبّس، رسول السامرة (أع 21: 8)، مناين، صديق هيرودس منذ الطفولة (أع 13: 1؛ رج لو 23: 7- 12)، النساء القدّيسات (8: 1- 3؛ 10: 38؛ 23: 27- 28، 49؛ 24: 10)، ومريم أمّ يسوع (ف 1- 2). أمّا التشابه بين الإنجيل الثالث والإنجيل الرابع فيجب أن نعتبره وليد تأثير المدرسة اليوحنّاويّة على لوقا.
يتّفق الشارحون على القول إنّ الإنجيل الثاني هو المرجع الرئيسيّ للإنجيل الثالث. ولكنّهم يختلفون عندما يحاولون أن يحدّدوا سائر المراجع. فالبعض يعتقد أنّه وجد "إنجيل التلاميذ" في أساس الفاصل الكبير (9: 51- 18: 14). ويحاول آخرون أن يبنوا لوقا الأصليّ انطلاقًا من خبر الالام ومن المقاطع المستقلّة بمرقس والتي ترتبط برسالة يسوع في الجليل (3: 1- 4: 30) أو بصعوده إلى أورشليم (19: 1- 27، 37، 44). ولكنّ محاولتهم ظلّت افتراضًا وهميًّا. وتخلّى آخرون عن محاولة اكتشاف إنجيل واقع تحت تقاليد لوقا الخاصّة، فتعرّفوا إلى وثائق عديدة مكتوبة وإلى تقاليد شفهيّة.
فشلت النظريّات الكبرى في اكتشاف مراجع لوقا الأدبيّة. ولكنّ هذا لا يمنعنا من البحث عن مبدأ تنسيق لوقا. فالثنائيّة التي أشار إليها في المقدّم ستظهر عبر اهتمامات الكاتب الذي أراد أن يكون خادم الكلمة. فنحن نكتشف المؤرّخ في تحديده لوضع الأحداث في الزمن، وفي تنسيق الخبر الإنجيليّ.

2- وضع الأحداث
أوّلاً: إشارات إلى اهتمامات تاريخيّة
إليك أوّلاً تزامنيّات لافتة للنظر وهي تشكّل أروقة مبنيّة أمام خبر مولد يسوع، وأمام خبر رسالة يوحنا. نقرأ في النصّ الأول (2: 1- 2): "وفي تلك الأيّام أمر القيصر أوغسطس بإحصاء سكّان الإمبراطورية. وجرى هذا الإحصاء الأوّل عندما كان كيرينيوس حاكمًا على سورية". ونقرأ في النصّ الثاني (3: 1- 2): "وفي السنة الخامسة عشرة من حكم القيصر طيباريوس، حين كان بيلاطس البنطيّ حاكمًا على اليهوديّة، وهيرودس واليًا على الجليل، وأخوه فيلبّس واليًا على إيطورية وتراخونيتس، وليسانيوس واليًا على أبيلينة، وحنّان وقيافا رئيس الكهنة، كانت كلمة الله إلى يوحنّا بن زكريّا في البرّيّة". يذكر لوقا هنا سبعة حكّام عاشوا في زمن واحد.
وهنا تحديدات زمنيّة نسبيّة يزيدها لوقا على ما وجد في سائر الأناجيل. فمجلس شيوخ الشعب اجتمع حين طلع الصبح، لا في الليل (22: 26). قال متّى (17: 1) ومرقس (9: 2) إنّ يسوع تجلّى على الجبل بعد ستة أيّام من اعتراف بطرس بيسوع. أمّا لوقا فقال (9: 28): بعد ثمانية أيّام. ويضع المؤرّخ بتواضع كلمة "نحو" أمام أرقام مدوَّرة (أي لا تحسب حساب التفاصيل). قال: "أقامت مريم عند أليصابات نحو ثلاثة أشهر" (1: 56). وقال عن يسوع: "كان في نحو الثلاثين من العمر" (3: 23). وحين تكلّم عن عدد الآكلين بعد تكثير الخبز قال: "وكانوا نحو خمسة آلاف رجل" (9: 14؛ رج 22: 59؛ 23: 44).
ويغفل لوقا ما يحسبه تكرارًا. تحدّث مر 1: 16- 20 عن دعوة الرسل الأوّلين، أمّا لوقا فوجد تقليدًا أفضل وأقرب إلى المعقول فتحدّث عن دعوة الرسل فيما بعد (5: 1- 11). وما يرويه مرقس في إطار، يرويه لوقا في إطار آخر. مثلاً يسوع وبعل زبول: مر 3: 22- 30؛ لو 11: 14- 23. مر 4: 30- 32؛ لو 13: 18- 19. مر 6: 1- 6؛ لو 4: 16- 30... ولا يحبّ لوقا الأخبار القريبة من بعضها. تحدّث كلّ من متّى (14: 13- 21؛ 15: 32- 39) ومرقس (6: 30- 44؛ 8: 1- 10) عن معجزتين لتكثير الخبز، أمّا لوقا فاحتفظ بمعجزة واحدة وأغفل الثانية. وترك لعنة التينة (مر 11: 12- 14، 20- 25) وأبقى على مثل التينة التي لا تثمر (13: 6- 9). أغفل خبر سير يسوع على المياه (مر 6: 45- 52؛ مت 14: 22- 33؛ يو 6: 16- 21) وأبقى على معجزة العاصفة المهدّأة (8: 22- 25؛ رج مت 8: 23- 27؛ مر 4: 35- 41). ترك خبر المرأة التي تسكب الطيب على يسوع (مت 26: 6- 13؛ يو 12: 1- 8) واكتفى بخبر الخاطئة التي غفر لها يسوع (7: 36- 50). تحدّث مرقس (15: 23) عن الخمر الممزوج بمرّ، أمّا لوقا (23: 36) فتحدّث عن الخلّ.
يمتنع لوقا عن الإيضاح بأنّ العاصفة هدأت ليلة يوم الأمثال (مر 4: 35؛ لو 8: 22). وألمح إلى أنّ التجلّي تمّ في الليل. يقول: "فالنعاس غلب بطرس ورفيقيه" (9: 32)، ثمّ يذكر "الغد" (9: 37) حين نزلوا من الجبل. أما كان يسوع يصعد مرارًا إلى الجبل للصلاة، أما كان يصلّي غالبًا في الليل (9: 22، 37؛ رج 6: 12؛ 22: 39 ي)؟ يذكر لوقا أنّ يسوع صعد إلى أورشليم ثلاث مرّات (9: 51؛ 13: 34؛ 19: 28) لا مرّة واحدة، كما يقول متّى (21: 1- 11) ومرقس (11: 1- 11) فيتبع تقليد يوحنّا.
وأخيرًا يعطي لوقا قارئه معلومات جغرافيّة. فكفرناحوم هي مدينة في الجليل مثل الناصرة (1: 26، 4: 31). وبحر الجليل (مر 1: 16؛ مت 4: 18) صار بحيرة جنيسارت (5: 1؛ 8: 23). وهناك إيضاحات أخرى عن "ناحية الجراسيّين، مقابل شاطئ الجليل" (8: 26)، عن "بيت فاجي وبيت عنيا، عند الجبل المسمّى جبل الزيتون" (19: 29)، وعن الرامة التي "هي مدينة يهوديّة" (23: 51).

ثانيًا: إشارات سلبيّة
هناك تصحيحات وتحديدات وتلميحات جديرة بمؤرّخ مثل لوقا. ولكنّ هناك تفاصيلَ تبيّن أنّ لوقا جهل فلسطين وطرق بناء البيوت فيها وعاداتها ومناخها وطبيعة أرضها. حين شفى المسيح الكسيح يقول لوقا إنّ حامليه "صعدوا إلى السطح ونقبوا مكانًا فيه ودلّوه مع سريره إلى وسط المجلس قدّام يسوع" (5: 19). تخيّل لوقا أنّنا أمام بيت من القرميد ولم يدر أنّه كانت كوّة في السطح تدخل منها الشمس إلى البيوت التي كانت مظلمة. من هذه الكوّة كانت تنزل الحبوب التي جفّت على السطح، أو تحت هذه الكوّة كان يجلس ضيف الشرف. كانت تُغطّى الكوّة في الشتاء وتفتح في الصيف. ويتحدّث لوقا عن الرجل الذي "حفر وعمّق وجعل الأساس على الصخر" (لو 6: 48) فيتذكّر العالم اليونانيّ حيث تفيض الأنهار فيُجبَر البنَّاء على تعميق الأساس. أمّا متى (7: 24- 25) فتحدّث عن سيل يضرب بيتًا بني على الصخر أو على الرمل.
وفي حادث قيامة ابن أرملة نائين يقول لوقا عن يسوع إنّه "دنا من النعش ولمسه" (7: 14). ولكنّ الميت لا يوضع في نعش كما في بلاد اليونان، بل على المحمل كما في مناطق عديدة من الشرق اليوم. في مثل الزارع يتحدّث كلّ من مرقس (4: 5) ومتّى (13: 5) عن أرض صخريّة كثيرة الحجارة قليلة التربة، وهذا ما يتوافق مع أرض فلسطين. أمّا لوقا (8: 6) فيقول إنّ الحبّ "وقع على الصخرة". فكيف يمكنه أن ينبت؟
بعد خطبة يسوع في أهل الناصرة قال لوقا: "أخرَجوه إلى خارج المدينة وجاؤوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنيّة عليه ليلقوه عنه" (4: 29). ولكنّ هذا القول لا يوافق جغرافية الناصرة. ولكنّ لوقا ضخّم الأمور ليعطيَ صورةً مسبقةً عن اليهود الذين سيقتلون يسوع. وقبل تكثير الخبز يقول لوقا عن يسوع إنّه "أخذهم واعتزل بهم عند مدينة اسمها بيت صيدا" (9: 10) أمّا مرقس (6: 45) فيقول إنّه بعد تكثير الخبز، "أمر يسوع تلاميذه أن يركبوا القارب ويسبقوه إلى بيت صيدا، عند الشاطئ المقابل". وكذا نقول عن الغيم والريح (12: 54- 55) والفصول (21: 29).
ولماذا سمح لوقا لنفسه أن ينقل بعض الأحداث من مواضعها؟ مثلاً حادثة الناصرة (4: 16- 30)، دعوة التلاميذ الأوّلين (5: 3- 11)، المقدّمة إلى الخطبة الأولى (6: 12- 19)، حادثة عائلة يسوع الحقيقيّة (8: 19- 21)، حادثة ابن طيما (35:18- 43)، خبر العشاء الأخير وإعلان الخيانة (22: 15- 20، 21- 23).
ولكنّ المؤرّخ لم يكن يهتمّ في القديم بالتسلسل الزمنيّ للأحداث ولا بالجغرافيا وطبيعة الأرض. ونحن لن نحاسب لوقا عمّا نعتبره أخطاءً، بل نسأله عن السبب.

ثالثًا: تأليف دراماتيكي
السبب الأوّل هو أنّ لوقا أراد أن يقدّم لنا تأليفًا دراماتيكيًّا. فيبدو من الأفضل أن نجمع كلّ ما يتعلّق بشخصٍ ما قبل أن ننتقل إلى موضوع آخر. يتحدّث لوقا (19:1- 20) عن سَجن يوحنّا المعمدان قبل معموديّة يسوع. أمّا متّى (14: 3- 4) ومرقس (6: 17- 18) فيتحدّثان عن هذا الموضوع فيما بعد. والسبب هو أنّ لوقا يريد أن يبيّن أنّ رسالتَيْ يوحنّا ويسوع تمثّلان فترتين متميّزتين في تاريخ الخلاص (رج 1: 56؛ 1: 80 حيث ينهي الحديث عن يوحنّا قبل أن يعود إلى ميلاد يسوع). أمّا مشهد تدشين الإنجيل في الناصرة (4: 16- 30) فهو يلخّص كلّ رسالة يسوع والمسيحيّة الأولى فيما بعد، لا بين اليهود بل بين الوثنيّين على مثال إيليّا واليشاع. وفي أمكنة أخرى يرتّب لوقا الأحداث من أجل المعقوليّة التاريخيّة. كيف نفهم جواب التلاميذ إلى نداء الخلّص إن لم يسبق هذا النداء خبر بعض المعجزات (5: 1- 11)؟ يقدّم لنا لوقا أعداء يسوع كلّهم دفعة واحدة (5: 17) ويحدّثنا عن يسوع الذي يطرد الباعة من الهيكل حالَ دخوله إلى أورشليم (19: 45 ي). ونقول إنّ خبر العشاء الأخير مبنيّ بطريقة منطقيّة (22: 14- 38)، وكذا نقول عن خبر إنكار بطرس ليسوع (22: 54- 62).

رابعًا: بناء لاهوتيّ
والسبب الثاني هو أنّ لوقا أراد أن يبني بناء لاهوتيًّا انطلاقًا من المراجع التي بين يديه. فهل نبحث بعد ذلك عن البناء التاريخيّ؟
فالفاصل الكبير يقدّم لنا مثلاً معبّرًا. إنّه يرسم لنا بدقّة سَفَرًا ويكرّر ثلاث مرّات أنّ يسوع يصعد إلى أورشليم (9: 51- 53؛ 13: 22؛ 17: 11). ولقد حاول بعض الشرّاح أن ينطلقوا من هذه الآيات ليبنُوا الحلقاتِ التاريخيّةَ لحياة يسوع، مقابلين هذه الإشارات الثلاث بما نقرأ في إنجيل يوحنّا (7: 1- 13؛ 10: 22؛ 11: 54). ولكنّهم تخلَّوا عن هذه التوافقيّة، واكتفوا بالقول إنّهم أمام رباط مصطنع ذات بُعد أدبيّ فقط.
نوى لوقا أن يقدّم لنا بناء لاهوتيًّا وبانت نيّته في إهمالات معطيات جغرافيّة وردت عند مرقس. ذكر مرقس (2: 1؛ 9: 33) كفرناحوم، أمّا لوقا فلا (5: 17، 9: 46). ذكر مرقس (2: 13؛ 3: 7؛ 4: 1) بحر الجليل أمّا لوقا (5: 27؛ 6: 17؛ 8: 4) فلم يذكره. أغفل لوقا ذكرَ الجليلِ فلم يتبع مرقس (9: 30) كما أغفل ذكر المدن العشر (8: 39؛ رج مر 5: 20). لم يهتمَّ لوقا بتحديد أمكنة الأخبار: هل هي في قيصريّة فيلبّس (مر 8: 27) أو في الطريق (مر 10: 17) أو في الهيكل (مر 12: 35) أو أمام الخزانة (مر 12: 41) أو على جبل الزيتون (مر 13: 3) أو في الجسمانيّة (14: 32). انطلق بعض الشرّاح ممّا قرأوه في أع 14: 28 وما وجدوه من أسماء فأكّدوا أنّ لوقا يجهل أسماء هذه المواقع في فلسطين. ولكنّهم نَسُوا أهمّيّة التأليف اللاهوتيّ الذي لا يريد أن ينجذب القارئ بشيء إلاّ بيسوع وبحضوره وبالطريقة التي ينطلق فيها ليصل إلى أورشليم حيث سيموت ويقوم.
ولقد تحدّث بعض المسؤولين عن حلقات من الأحاديث حول المائدة. ففي 5: 29- 39، نجد نفوسنا في وليمة كبيرة أقامها لاوي ليسوع. ويأتي السؤال الأوّل: لماذا تأكلون وتشربون مع الخاطئين والعشّارين؟ ثمّ السؤال الثاني: لماذا لا تصومون؟ ويجيب يسوع على السؤال الأوّل بمثل الطبيب ومرضاه، وعلى السؤال الثاني بأمثال العرس والثوب الجديد والخمرة الجديدة.
وفي 11: 37- 54 نرى يسوع مدعوًّا إلى الغداء عند أحد الفرّيسيّين. وهناك يقول للفرّيسيّين ومعلّمي الشريعة الحقيقةَ القاسية. ونلاحظ أيضاً تبادلَ الأحاديث على المائدة في 14: 1- 24. دخل يسوع بيت أحد كبار الفرّيسيّين ليتناول الطعام. جاء رجل مريض فشفاه وأعطى الأمثولة الملائمة. رأى المدعوّين يختارون المقاعد الأولى فأعطاهم مثلاً. ثمّ توجّه إلى صاحب الدعوة يحثّه على إقامة وليمة للفقراء الذين لا يقدرون أن يكافئوه. ولمّا قال أحد المدعوّين: هنيئًا لمن يجلس إلى المائدة في ملكوت الله، أعطى يسوع مثل الوليمة (رج 22: 14- 30)

3- تنسيق الخبر الإنجيليّ
أوّلاً: سرد متواصل للأحداث
عرف لوقا أن يقدّم إلى تاوفيلوس سردًا متتابعًا للأحداث بواسطة أدوات الانتقال من مقطع إلى آخر، وهو بذلك يتفوّق على مرقس. انتقد الفرّيسيّون يسوع لأنّه يأكل مع الخطأة، وطرحوا سؤالاً حول صوم التلاميذ، فجاء الخبران متجاورين عند مرقس ولا رباط بينهما. أمّا لوقا فجعل الخبرين في إطار واحد (خلال وليمة)، وجعل الفرّيسيّين يسألون في المرة الأولى (5: 30) وفي المرّة الثانية (5: 33) دون سواهم (في مر 2: 18 نحسّ أنّ السائلين هم تلاميذ يوحنّا والفرّيسيّون). ونلاحظ أيضاً أدوات الانتقال في 8: 11 (رج مر 4: 13) و8: 16 (رج مر 9: 2). وهناك أوقات يُهَيِّئُ فيها لوقا الطريق لهذه الانتقالات. فهو يُهَيِّئُ كرازة يوحنّا المسيحانيّة بالإشارة إلى النتيجة التي أحدثتها في الجموع كرازة التوبة هذه. فتساءلوا: أليس هو المسيح (3: 15)؟
وفي 4: 1 بدأ بذكر اسم يسوع حالاً بعد آدم ليدلّ على أنّ حرب يسوع مع الشيطان هي امتداد لحرب الحيّة مع آدم. في 5: 1 يحدّثنا لوقا عن الجموع المستعدّة لسماع كلمة الله، وفي 5: 36 يفصل بين المشهد السابق والأمثلة اللاحقة (رج 9: 34- 37؛ 19: 28، 36؛ 47؛ 20: 1). ولكنّ هناك حالات تبقى فيها هذه الانتقالات غامضة، ولاسيّما في الفاصل الكبير. نقرأ في 6: 12: "وفي تلك الأيّام". وفي 7: 11: "وفي الغد". وفي 8: 1: "بعد ذلك" (رج 20: 17). ويوجّه لوقا خبره بفضل إشارات تهيِّئ لأحداث لاحقة. يقول مثلاً إنّ الشيطان ترك يسوع "إلى حين" (4: 13). وسيرجع إليه في 22: 3 (دخل الشيطان في يهوذا)، 53 (هذا سلطان الظلام). ويمكننا أن نرى كيف أنّ 1: 80 (أقام في البرّية إلى أن ظهر لبني إسرائيل) قد هيّأت الدرب أمام 9: 9 (يوحنّا، أنا قطعت رأسه). وكيف أنّ 9: 1- 6 (يسوع يرسل الاثني عشر) هيّأت الدرب أمام 10: 1 (يسوع يرسل السبعين). وكيف أنّ 5: 33 (تلاميذ يوحنّا يصومون) هيّأت الدرب أمام 11: 1 (ق أيضاً 20: 19 مع 22: 2؛ 21: 37 مع 22: 39؛ 20: 25، مع 23: 2؛ 9: 9 مع 23: 8؛ 8: 1- 3 مع 23: 49، 55).

ثانيًا: خبرٌ مركزُه أورشليم
لقد ركّز لوقا إنجيله كلّه على أورشليم. فمسيرة يسوع سهّلت له الأمر. أغفل لوقا سَفَر يسوع على حدود الجليل (رج 6: 45- 8: 26)، ولم يذكر قيصريّة فيلبّس (مر 8: 27) والجليل (مر 9: 30). وموضع اللقاء الذي حدّده يسوع في الجليل (مر 14: 28) وأشار إليه الملاك (مر 16: 7) قد صار في لو 24: 6: "تذكّروا ما قال لكم يوم كان في الجليل".
إذن نحن أمام خبر دُوّن من أجل هدف محدّد. إنّه يبدأ في أورشليم (1: 5) وينتهي في أورشليم (24: 52 ي). يبدأ مع زكريّا في الهيكل. وينتهي حين يبارك يسوع التلاميذ وينفصل عنهم. "سجدوا له ورجعوا إلى أورشليم وهم في فرح عظيم. وكانوا كلّ حين في الهيكل يسبّحون الله ويباركونَهُ". يذكّرنا لوقا في المقدّمة بصعودين نموذجيّين إلى أورشليم. الأوّل لمّا كان الطفل ابن 40 يومًا (2: 22- 38)، والثاني يوم كان يسوع ابن اثنتي عشرة سنة (2: 41- 50). وقبل أن يبدأ يسوع حياته العلنيّة جُرِّب وكانت قمّة التجارب لا على الجبل كما في متّى (4: 8) بل في أورشليم وعلى شرفة الهيكل (4: 9- 12).

ثالثًا: الصعود إلى أورشليم
يبدو الفاصل الكبير بشكل صعود احتفاليّ إلى أورشليم. وجد لوقا موادّه هنا وهناك وجمعها أخبارًا وأقوالاً بطريقة مصطنعة. فهناك خطب هجوميّة من 11: 14 إلى 14: 24 يوحّدها الموضوع. وهناك أقوال ضمّت بطريقة مصطنعة أو ربطت بوصلات لفظيّة (12: 1- 12؛ 14: 25- 35؛ 16: 16- 18). وسنجدكما عند متّى الرقم 3. هناك ثلاثة أخبار دعوات (9: 57- 62)، هناك ثلاث كلمات عن امتياز التلاميذ (10: 18- 24)، هناك ثلاثة أمثلة عن رحمة الله (15: 1- 32)، هناك ثلاثة تعليمات عن الصلاة (11: 1- 13)، هناك ثلاثة أقوال عن الشريعة (16: 16- 18) وثلاثة آراء متفرقّة (17: 1- 6).
ويميّز لوقا الأزمنة التي فيها تلفّظ يسوع بأقواله. فنجد مثلاً فعل قال في الآيات التالية: 9: 59 (وقال لآخر)؛ 11: 5 (ثمّ قال لهم يسوع)؛ 13: 18 (وقال يسوع)، 20 (وقال أيضاً)؛ 15: 11 (وقال يسوع). ولكنّ هناك مقاطع مربوطة برباط سقيم، كما عند متّى. مثلاً: بعد هذا، في تلك الساعة، أو غير مربوطة البتّة كما في 10: 1، 21، 25؛ 12: 1، 35، 47؛ 13: 21؛ 16: 1؛ 17: 1، 3، 4، 7).
جمع لوقا موادّه واشتغل عليها حسب هدف واضح: أن يلغيَ كلّ الإشارتِ الجغرافيّةِ ولا يبقيَ إلاّ على أورشليم. فجاءت النتيجة رائعة. ففي 9: 51 نجد عبد الله الذي ذهب لمواجهة الصراع (أش 50: 6 ي) أو بالأحرى الذي يعود إلى الله (رج يو 13: 1). وفي 9: 53 يقول لنا لوقا إنّ أهل إحدى قرى السامرة رفضوا أن يستقبلوا يسوع "لأنّه كان متوجّهًا إلى أورشليم".
ثمّ ينطلق يسوع وتلاميذه "إلى قرية أخرى" (9: 56). ما اسمها؟ لا ندري. وجاءت إشارة "وبينما هم سائرون" (9: 57) فحملت معها ثلاثة أخبار تربطها كلمة "تبع". في 10: 1 نحن أمام "كلّ مدينة أو موضع عزم أن يذهب إليه". وبعد أن يقدّم لنا لوقا بعض الخطب، يحدّثنا عن رجوع التلاميذ (10: 17 ي)، ويروي لنا مثل السامريّ الصالح (10: 25 ي)، ثمّ يعود إلى خبر المسيرة في 10: 38: "وبينما هم سائرون دخل يسوع قرية". اسمها بيت عنيا. إنّ لوقا يعرفها، ولكنَّه لا يذكرها. فأنظاره متّجهة إلى أورشليم.
وتأتي عبارات غامضة: "وكان يسوع يصلّي في أحد الأماكن" (11: 11)، "وسار في المدن والقرى، يعلّم وهو في طريقه إلى أورشليم" (13: 22). وبعد هذا نصحوا يسوع أن ينصرف من هنا (13: 31). ولكن من أين؟ أمّا هو فأجاب: "يجب أن أسير في طريقي اليوم وغدًا وبعد غد، لأنّه لا يجوز أن يهلك نبيّ في خارج أورشليم" (13: 33). وبعد هذا وجّه يسوع كلامه إلى أورشليم معاتبًا: "يا أورشليم، يا أورشليم"، ولكنّنا لم نصل بعد إلى أورشليم. فبعد بعض التعاليم المعطاة خلال الوليمة (14: 1- 24)، "كانت جموع كبيرة ترافق يسوع" (14: 25). أجل، كلّ الناس يسيرون معه. وبعد تعاليم وأمثال، وبينما هو في طريقة إلى أورشليم، مرّ بالسامرة والجليل (17: 11. نحن هنا في خبر آخر من السفر يبدأ هنا وينتهي في 19: 28). ودخل "إحدى القرى" (17: 12).
ويعود لوقا فيلتقي بمرقس: "ها نحن صاعدون إلى أورشليم فيتمّ كلّ ما كتبه الأنبياء في ابن الإنسان" (18: 31؛ رج مر 10: 33). ويقدّم لنا تحديدًا جغرافيًّا أخذه من التقليد المشترك: ودخل يسوع أريحا (19: 1؛ رج 18: 35). ولكنّ لوقا يشدّد على طريقته الخاصّة فيكتب: "فأضاف هذا المثل، لأنّه كان قريبًا من أورشليم، ولأنّ الناس كانوا يظنّون أنّ ملكوت الله سيظهر في الحال" (19: 11)
ثمّ يصوّر لوقا دخوله يسوع الاحتفاليّ. "قال هذا الكلام وسار في المقدّمة صاعدًا إلى أورشليم. ولمّا اقترب من بيت فاجي وبيت عنيا" (19: 28 ي)... "ولما اقترب من منحدر الزيتون" (19: 37)، "ولمّا اقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها" (19: 41)، "ثمّ دخل الهيكل وأخذ يطرد الباعة" (19: 45)
قد تبدو كلّ هذه الملاحظات مصطنعة ولكنّها تؤثّر في القارئ. ثمّ إنّ هذا الفاصل الكبير ليس غريبًا عن الإنجيل. فهو قد بدأ في أورشليم. وإلى أورشليم عاد يسوع ظافرًا. أقام الليلة في بستان الزيتون ثمّ أعيد أسيرًا فَدِين وُحكم عليه وصلب. قام في أورشليم وظهر هناك للتلاميذ ثمّ ودّعهم في بيت عنيا وصعد إلى السماء. عاد التلاميذ وهم يسبّحون الله. وجاء سفر الأعمال فأعلن انتشار الإنجيل من أورشليم إلى أقاصي الأرض (أع 1: 8)
كلّ هذا يبيّن لنا أنّنا لسنا أمام سيرة يسوع. فقبل أن يكون لوقا مؤرّخًا، هو خادم الكلمة. إنّه الإنجيليّ الثالث الذي رتّب المعطيات التقليديّة وأبرزها ليكون كتابه بشارة وخبرًا مفرحًا.

ج- تصميم إنجيل لوقا
وبدأ لوقا كتابة إنجيله. لكنّ القارئ يلاحظ وقفة بين ف 2 (نهاية إنجيل الطفولة) وف 3 (تعليم يوحنّا المعمدان ثمّ تعليم يسوع). قبل لوقا، كانت أخبار يسوع تبدأ بالحديث عن يوحنّا المعمدان. هذا ما نكتشفه في خطب أعمال الرسل (10: 26- 43؛ 13: 24- 31)، وفي الموادّ التقليديّة التي نجدها في يو 1- 3، وفي إنجيل مرقس. أيكون لوقا قد بدأ إنجيله بالفصل الثالث فأورد تزامنيّات احتفاليّة (3: 1- 2) كتلك التي نجدها في بداية بعض الأسفار النبوّية (عا 1: 1)؟ بدأ لوقا فحدّثنا عن رسالة يسوع ثمّ عن طفولته، وجعل في البداية مقدّمة قصيرة (1: 1- 4) تحدّد هدفه.

1- طفولة يسوع (ف 1- 2)
بعد العبارة التمهيديّة (1: 1- 4)، يخصّص لوقا فصلاً طويلاً لولادة يوحنّا المعمدان: بشارة زكريّا في اليهوديّة تقابلها بشارة مريم العذراء في الجليل. وتلاقت الأُمَّان. تحرّكت مريم بسرعة (1: 39)، وهذا ما يدلّ على أنّ الله يعمل. وأنشدت مريم نشيدها (وهناك مخطوطات تقول إنّه نشيد أليصابات). وتأتي ولادة وختانة يوحنّا فتحلّ عقدة لسان زكريّا. هذا الذي لم يؤمن شرع يؤمن وأطلق نشيده: "مبارك الربّ". وينتهي الفصل بأوّل ملخّص لدى لوقا: وكان الطفل ينمو ويتقوّى في الروح (1: 80).
توازت البشارتان وتوازت الولادتان. استعمل لوقا من أجل ولادة يسوع (2: 1- 20) خبرًا تقليديًّا هو خبر الرعاة. وأسبقه بحدث الإحصاء. لقد جعل العائلة المقدّسة تنتقل من الناصرة إلى بيت لحم، من موطن يسوع التاريخيّ إلى موطن المسيح المفروض حسب الكتب المقدّسة (مي 5: 1). تحدّث لوقا عن خضوع يوسف للسلطة الرومانيّة فمنع أيّة قراءة سياسيّة للإنجيل على طريقة جماعة الغيورين. حَرَمَ الثوريّين اليهودَ من منفعة كان باستطاعتهم أن يستغلّوها. اليوم هو ينبوع فرح ومولد كيريوس (أي الربّ والسيّد)، لا لأنّه عيد الإمبراطور أوغسطس، بل لأنّ المسيح المتواضع قد ولد. ووجهتا خبر الرعاة (الوعد بعلامة، اكتشاف العلامة التي هي طفل ملفوف بالقماطات) تتمحوران حول جوقة الملائكة الذين يقدّمون للبشر معنى تاريخ يمكن حدوثه:" المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام للناس أحبّائه" (2: 14). والجرأة الإنجيليّة ليست في إعلان مجد الله في السماء، بل في إعلان هجوم السلام على الأرض. سيكون للسلام المسيحانيّ بُعدٌ مسكوني، أمّا الآن فهو يصل إلى "الناس الذين يرضى عنهم الله".
هؤلاء الناس الذين رمز إليهم الرعاة، هؤلاء الشهود لعلامة أيّ لحدث حمَّلته الكلمةُ معنى، يشكّلون في زمن لوقا الكنيسة أو بالأحرى حزمة الجماعات المحلّيّة. إنّهم أوّل المؤمنين مثل مريم التي رأت وآمنت، إنّهم يخبرون، مثل الرسل، بما قيل لهم عن هذا الصبيّ (2: 17).
هناك اهتمامات في قلب لوقا الإنجيليّ: أن يدلّ على انتماء يسوع بالختان إلى العالم اليهوديّ (2: 21) بل إلى سلالة بني إسرائيل المكرّسين لله بالتقدمة في الهيكل (2: 22- 24)، وأن يشدّد على العبور من التدبير القديم إلى التدبير الجديد، على غرار ما قالت الرسالة إلى العبرانيّين (8: 13) التي تتحدّث عن شيخوخة العهد القديم. فليس من الصدف أن يكون سمعان الشيخ وحنّة النبيّة شيخين. إنّهما يشبهان موسى حين وصل إلى عتبة أرض الموعد، فيعلنان "نور الوحي للأمم والمجد لشعب إسرائيل" (2: 32).
يهوى لوقا أن يرسم أو يروي ما يقوله الآخرون في عبارات عقائديّة. فالعبور من العهد القديم إلى العهد الجديد يرسمه حضور هذين الشيخين اللذين ينتظران هذا الطفل ويريان فيه عربون عزاء إسرائيل (2: 2 5) وتَحَرُّرِ أورشليم (2: 38). تمّ العبور بدون اصطدام. قالوا إنّ لوقا هو لاهوتيّ مراحل تاريخ الخلاص. هو لاهوتيّ العتبات ويهتمّ بالانتقال من مرحلة إلى مرحلة. وهذان الفصلان يشكّلان إحدى المحطّات: أغلق على النبوءة لأنّها تحققت. فشعائر العبادة التي شارك فيها زكريّا والنبوءة التي حمل سمعان وحنّة موهبتها، ما زالت تنتمي إلى العهد القديم. ويوحنّا المعمدان هو على العتبة: إنّه نبيّ وهو يشارك في العهد القديم العائش في الرجاء، وهو المعمدان ومعاصر يسوع، وفاتح الطريق أمام المسيح، وفاعل في ما يتحقّق من تاريخ خلاص.
وتنتهي مقدّمة القدّيس لوقا بملخّص، وبحادثة يسوع في الهيكل وهو ابن اثنتي عشرة سنة. يقدم الملخّص عنصرًا آخرَ من التوازي. فيسوع يشبه يوحنّا وهو ينمو في الحكمة. ولكن إذا كانت يدّ الله على يوحنّا (1: 66) فنعمة الله (رج 3: 22) تحلّ على يسوع (2: 40).
يشكّل خبر يسوع وهو ابن اثنتي عشرة سنة شواذًّا. فكما أنّ لوقا انطلق من مُثنّى الصلب والقيامة ليؤكّد تجسّد الابن الموجود منذ الأزل، هكذا تجرّأ بعد أن تحدّث عن الولادة، أن يقدّم صورة مثاليّة عمّا بين الطفولة والشباب، أن يقدّم خبرًا يُخرج يسوع من فلك الطفولة والصبا. وإذ فعل هذا بدّل المحور التعليميّ. كان قد جعل نفسه إلى الآن في مسيرة التاريخ بين الوعد والتحقيق، فجعل نفسه الآن على محور الأرضيّ والسماويّ. إنّ ما يجعل من يسوع محقِّق المواعيد الإلهيّة، هو انتماؤه إلى عالم الله أر بالأحرى علاقته البنوّية بالآب.
وتساءل الشرّاح عن أصل الموادّ التي أدخلها لوقا في بداية كتابه. هناك من قال إنّ هذه الأخبار تجذّرت في ذاكرة عائلة يسوع، بل في قلب مريم، ولكنّ لا شيء يسند هذا الافتراض. أنستطيع أن نلجأ إلى تلامذة يوحنّا المعمدان الذين حافظوا على إكرام السابق بعد موته؟ وقد أبقى المسيحيّون الأوّلون على العلاقة مع هؤلاء التلامذة. كانوا يكرّمون يوحنّا، ولكنّهم كانوا يُخضعون وظيفة المعمّد لشخص المعتمد أي للمسيح الذي دلّ عليه روح الله. قَبْلَ لوقا أخذ المسيحيّون تقاليد المعمدان وربطوها بتقاليدهم الخاصّة. من هنا كانت التوازيات المختلّة التوازن من أجل ذلك الذي جاء بعد موت يوحنّا ولكنّه كان أكبر منه.
من تقاليد جماعة يوحنّا وصل إلينا نشيد المباركة الذي أنشده زكريا وربّما نشيد التعظيم الذي أطلقته مريم. ولكن تبقى التقاليد المتعلّقة بيسوع. هنا نعود إلى محيط المتهوّدين أي هؤلاء المسيحيّين الذين عاشوا في اليهوديّة والجليل وتكلموا اللغة الآراميّة واهتمّوا باللاهوت الإخباريّ أكثر من الجماعات البولسيّة التي تعلّقت بالأناشيد واعترافات الإيمان.

2- رسالة يسوع في الجليل (3: 1- 9: 50)
بعد المقدّمة (ف 1- 2)، يبدأ لوقا قسمًا أوّل كبيرًا يتحدّث فيه عن رسالة يسوع في الجليل. وينتهي هذا القسم في 9: 50، إذ في 9: 51 تبدأ رحلة يسوع الطويلة (ق مر 10) من الجليل إلى أورشليم. قد دوِّنت 3: 1 مثل 9: 51 في أسلوب احتفاليّ لتدلّ على انطلاقة جديدة.
من الصعب أن نجد تقسيمات ثانية داخل هذا القسم الأكبر، ولكنّنا سنتوقّف عند الوثائق التي استعملها لوقا ونقرأ مثلاً واحدًا هو زيارة يسوع إلى الناصرة، وننهي بكلمة عن التعليم الذي نستنتجه من هذه المجموعة الأولى.

أوّلاً: الوثائق التي استعملها لوقا
إذا أردنا أن نكتشف ترتيب العرض عند لوقا، فمن المستحسن أن ننطلق من الوثائق التي عاد إليها وهي اثنتان: إنجيل مرقس ومرجع خاصّ عرفه كلّ من متّى ولوقا. لم نجد هذا المرجع بعد، ولكنّ الشرّاح يقولون بوجوده ليبرّروا القرابة بين متّى ولوقا في مقاطع عديدة لا يرتبطان فيها بمرقس. أمّا مرجع الأقوال فمجموعة كلمات يسوع التي نقلت من الآراميّة إلى اليونانيّة. حافظ متّى على طريقة التعبير في هذه الأقوال، أمَّا لوقا فكان أمينًا لترتيبها. وإنجيل توما المنحول الذي هو مجموعة أقوال يسوع، يشهد بوجود فنّ أدبيّ داخل التقليد المسيحيّ الأوّل، ويقدّم برهانًا على وجود هذا المعين الخاصّ.
يبدو أنّ لوقا انطلق من المعين لا من مرقس حتّى 4: 30. في هذا الموضع ترك المعين وسار وراء مرقس بطريقة لا شكّ فيها من 4: 31 إلى 6: 20 أ. ثمّ عاد إلى المعين فاتّخذ منه عظة السهل (6: 20 ب- 49) وبعض المقاطع حتّى 7: 50. وبعد ملخّص قصير (8: 1- 3) انضمّ لوقا إلى مرقس الشاهد على أمثلة يسوع وعجائبه المتعدّدة (8: 4- 9: 17). أهمل لوقا مر 6: 45- 8: 26 ثمّ تابع قراءة الإنجيل الثاني حتّى 9: 50. وهكذا يكون انتقل من المعين (3: 1- 4: 30) إلى مرقس (4: 31- 6: 20 أ)، ثمّ عاد إلى المعين (6: 20 ب- 7: 50) قبل أن يعود إلى مرقس (8: 1- 9: 50).
ولا بدّ من أن نقول هنا إنّ لوقا يُقحم هنا أوهناك في هذه الوثائق موادَّ أخذها من موضع آخر أو موادَّ ألَّفها انطلاقًا من معلوماتٍ وصلت إليه. مثلاً: كرازة يوحنّا الأخلاقيّة (3: 10- 14)، أوّل كرازة في الناصرة (4: 16- 30)، الصيد العجيب ودعوة التلاميذ (5: 1- 11)، قيامة ابن أرملة نائين (7: 11- 17)، يسوع والخاطئة عند سمعان الفرّيسيّ (7: 36- 50). من المفيد أن نلاحظ، أنّه إن وضعنا جانبًا قيامةَ ابنِ أرملةِ نائين، فإنّنا نجد تقاليد تقابل هذه المقاطع. فمتّى 10: 1- 17 ينقل إلينا نسب يسوع وإن اختلف عمّا في لوقا. ومرقس 6: 1- 6 يذكر زيارة يسوع إلى الناصرة ولكن دون الخطبة البرنامج. ويروي كلّ من متّى ومرقس ويوحنّا خبر الطيب في إطار الالام وهو يقابل ما فعلته المرأة الخاطئة في بيت سمعان الفرّيسيّ.
نحن نجهل مضمون مرجع كلمات المسيح، ولكنّ إنجيل مرقس هو أمامنا. فنجد أنّ لوقا ضمّ إليه تقريبًا كلّ مر 1- 9. وإن أهمل بعض الأمور فمن أجل اعتبارات أدبيّة ولاهوتيّة. فمرقس 1: 1- 20 يشبه ما في المعين. ومرقس 6: 1- 6 قد دخل عند لوقا في حادثة الناصرة، وموت يوحنّا المعمدان (6: 17- 29) قد لخّصه لوقا واعتبره استطرادًا. ولكن لماذا أغفل لوقا كلّ مر 6: 45- 8: 26؟ لماذا تنازل عن السير على المياه؟ عن ملخّص الأشفية، عن المجادلات حول تقاليد الآباء والعادات الطقسيّة؟ لماذا تخلّى عن طلب السوريّة الفينيقيّة وعن شفاء الأخرس والأصمّ، عن معجزة تكثير الخبز الثانية، عن رفض الآية (رج لو 11: 16)، عن الخطبة عن الخبز وعن شفاء الأعمى؟ أجاب الشرّاح: إنّ لوقا هو لاهوتيّ مراحل تاريخ الخلاص. وبما أنّ الإنجيل سيصل إلى الوثنيّين بعد العنصرة فلا يليق بأن تصل البشرى إلى أرض وثنيّة قبل هذا الوقت. إذن، لا مكان في مخطّط لوقا لمتتالية مرقس التي تقود يسوع إلى خارج الحدود. ولكنّ هذا البرهان لا يعني إلاّ حادثة المرأة السوريّة الفينيقيّة (مر 7: 24- 30) التي تحصل في منطقة صور، وشفاء الأخرس والأصمّ الذي تمّ، على ما يبدو، في أرض وثنيّة (مر 7: 31- 37). فما رفضه لوقا هو الأسلوب العجائبيّ (شفاء بالبصاق). لهذا ترك خبر شفاء الأصمّ وشفاء الأعمى (مر 8: 22- 26). فالتقليد الخطوط لأعمال فيلبّس الذي لم ينشر، يدلّ على ردّة فعل مشابهة حين يشفي فيلبّس أعمى ببصاق أخته مريانا. ولماذا ترك لوقا مر 7: 1- 24؟ هل رأى أنّه دخل في مناخ يهوديّ؟ أم تراه رأى في الكلام انتقادًا لممارسة الشريعة من خلال الهجوم على التقاليد البشريّة؟ أمّا لماذا ألغى السير على المياه، فهذا ما لا نجد له جوابًا؟

ثانيًا: زيارة يسوع إلى الناصرة (4: 16- 30)
ونتوقّف عند مثل معبِّر: أبدل يسوع محلّ زيارة يسوع إلى الناصرة وأعاد تفسيرها. إذا عدنا إلى لوقا وجدنا أنّ الخبر يدشّن رسالة يسوع العلنيّة. ثمّ تأتي خطبة طويلة فتعطي الحدث معناه: روح الله يحلّ الآن على مسيح إسرائيل. لقد تحقّقت النبوءة. فالذي وُلد مسيحًا وربًّا، وجاءه تثبيت سماويّ على هُوِيَّته، يَظهرُ لشعبه لا بشكل كائن سماويّ وعجيب، بل كموفد من الله من أجل أمور هذا العالم، كرسل الأخبار الطيّبة، كسفير لسنة الرضى التي ينتظرها كلّ الشعب من أجل نهاية الأزمنة وإقامة إسرائيل من جديد. إلاَّ أنّ يسوع أكثرُ من رسول. إنّه يحمل الأخبار السارّة. هو يظهر كنبيّ قويّ بالأعمال وقادر أن يحقّق هذا البرنامج الذي أنبأ به وأعلنه بلسان أشعيا.
ويتضمّن هذا الخبر مدلولاً آخر. كان ملاك البشارةِ والكاهنِ زكريّا وملاك الميلادِ قد شدّدوا فقط على مُلك يسوع العتيد. أعلن يوحنّا المعمدان أنّه ليس المسيح، وأعلن مجيء المسيح الذي يوزّع الروح (الخلاص) والنار (الدينونة). وربط لوقا نسب يسوع (بطريقة مباشرة أو غير مباشرة) بالله أبيه في البشريّة عبر آدم، وأبيه في اللاهوت عبر مريم. ولكنّ سمعان النبيّ كان قد أعلن أنّ إقامة هذا السلطان الجديد وهذا المُلك المسيحانيّ لا تتمّ من دون معارضة: "إنّه هنا لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل وليكون علامة مقاومة" (2: 34). ففشل كرازة يسوع في الناصرة يثبت إحساس سمعان ويسبّق على المعارضة التي ستقود يسوع إلى الجمعة العظيمة... فعبارة "لا يُقبل نبيّ في وطنه" التي أخذها لوقا (4: 24) من مرقس تتّخذ في كلامه بُعدًا تاريخيًّا وكونيًّا. نحن نجد فيها بذار الخلاف بين المجمع (أي العالم اليهوديّ) والكنيسة التي هي بقيّة إسرائيل الأمينة والتي ستنهض. ومن خلال المثلين عن الأرملة الغريبة في صرفت صيدا ونعمان السوري، يبدأ وقت اختيار الوثنيّين. أوّن لوقا تقليدًا نبويًّا فتيقّن (وسيكرّر هذا اليقين في فم إسطفانس) أنّ مرسلي الله لن يلقوا الاستقبال الحسن المميَّز من قِبَلِ المرسلين إليهم. فاستنتج أنّهم أُرسلوا إلى الكثيرين (اي الى العالم كله).

ثالثًا: التعليم الذي نستنتجه
إذا تأمّلنا في هذا الفصول، وجدنا أنّ تعليم لوقا يتّخذ وجهتين تسيران في اتّجاهين: وجهة كرستولوجيّة (تنظر إلى يسوع المسيح)، ووجهة أنطربولوجيّة (تنظر إلى الإنسان) أو كنسيّة.
الاتّجاه الكرستولوجيّ. يقدّم لنا لوقا يسوع كرسول ملكوت الله القريب. لهذا جاءت أخبار المعجزات مكمّلة لعمل الكلمة (هذا ما فعله مرقس أيضاً). جاء تعليم يسوع الذي يحدّد بواسطة التطويبات الأشخاص الذين أرسل إليهم الإنجيل. فخطبة السهل يجب أن تقرأ على مستويين: مستوى المجيء إلى الإيمان، ومستوى النموّ في القداسة. وهذان المستويان يدخلان في إطار مبادرة الله النموذجيّة (رج 6: 35- 36).
ولكنّ وجود المؤمن يتأوّن في العالم الأخلاقيّ. فالخلاص الذي يقدّمه الله ليس مضمونًا. لهذا ينبّه لوقا قرّاءه إلى خطر المال، ويعود إلى هذا التنبيه، ولاسيّما وإنّ قرّاءه يبدون من الطبقة الميسورة. لهذا يتّخذ تعليم لوقا بُعدًا أنطربولوجيًّا وكنسيًّا. ويشهد خبرا الدعوة أنّ يسوع يريد أن يربط بشخصه مجموعة من التلاميذ.
الخبر الأوّل (5: 1- 11). تنازل لوقا عن النداء المقتضب للتلاميذ الأربعة (مر 1: 16- 20) ليبنيَ مشهدًا احتفاليًّا وحيًّا يكون فيه بطرس بقرب يسوع الوجه الأوّل. فالصيد العجائبيّ الذي يربطه يو 21 بظهور القائم من الموت، يصبح هنا مناسبة لدعوة رسوليّة. هنا نستشفّ الطابع الرمزيّ الذي اكتشفه القدّيس أمبروسيوس مثلاً. فالقاربان اللذان يحيطان بالسمك يمثّلان تقبّل اليهود ثمّ الوثنيّين في الكنيسة. ويحوّل لوقا الكلمة التي أخذها من مرقس (صيّادي الناس 1: 17): سيصبح بطرس صياد بشر يأخذ الناس أحياء في شباكه (هذا هو معنى الفعل اليونانيّ المستعمل في لوقا).
الخبر الثاني: دعوة لاوي (5: 27- 32). لا يقول لنا لوقا إنّ كلّ الذين يسمّيهم "تلاميذ" (5: 33، 6: 1) تلقَّوا نداءً خاصًّا من يسوع. إنّهم عديدون على ما يبدو، ومنهم اختار يسوع الاثني عشر الذين أعطانا لوقا لائحة بهم في 6: 12- 16. في 6: 17- 19 نجد يسوع والاثني عشر تحيط بهم جموع الشعب. تتوجّه التطويبات والويلات إلى التلاميذ (6: 20)، أمّا ما تبقّى من خطبة السهل فيتوجّه إلى كلّ من يسمع (6: 27). هذه العبارة غامضة ويمكنها أن تدلّ على التلاميذ وحدهم (آ 20) أو على التلاميذ والجمع (آ 17- 19). في ف 9 يسلّم يسوع إلى الاثني عشر مهمّة أولى بعد أن أعطاهم من قدرته وسلطانه (9: 1- 6، 10).
وهناك حدثان في نهاية هذا القسم الأوّل يُعِدّان الطريق لما يلي: اعتراف بطرس الذي يرى في يسوع مسيح الله، وبعده الإعلان الأوّل للالام (9: 18- 27) والتجلّي (9: 28- 36). يدلّ هذا الحدث في نظر مرقس على مجد الابن وهو وعد بحياة جديدة يجب أن ننتظرها. أمّا لوقا فيعتبر أن مجده لا ينفصل عن عبوره (أي موته) الذي سيتمّ في أورشليم.

3- من الجليل إلى أورشليم (9: 51- 19: 28)
أوّلاً: المصادر التي استقى منها لوقا
لا يروي القسم الأوسط من الإنجيل الثالث (9: 51- 19: 28) إلاَّ أحداثًا قليلة تتعلّق بالسَفَر، ولكنّه ينقل يسوع من الجليل إلى أورشليم. فالذي أعطى هذا الاتّجاه للخبر هو لوقا لا التقاليد التي استعملها. رج 9: 51، 53، 57؛ 10: 38؛ 13: 22- 23؛ 14: 25؛ 17: 11. في 18: 35 و19: 1 يقترب يسوع من أريحا ثمّ يدخلها. في 19: 11 يقترب من أورشليم. في 19: 28 يهمّ بالدخول إلى أورشليم. في 19: 29 ي نشهد الدخول إلى أورشليم من على جبل الزيتون، والدموع التي ذَرَّفَها على المدينة وأوّل عمل قام به في المدينة حين طهّر الهيكل.
نلاحظ أنّ لوقا لا يتصوّر الأمكنة بطريقة فضوليّة. في 4: 44 وخلال الفترة الجليليّة تصوّر نشاط يسوع "في مجامع اليهوديّة". أمّا هنا، وخلال السفر فهو يستعمل عبارة غريبة: "إذ كان يسير نحو أورشليم مرّ عبر السامرة والجليل" (17: 11).
استعمل مرقس في ف 10 بعضَ موادَّ ليرسم سَفَر يسوع. أخذها لوقا (ما عدا شواذّين) وجعلها تتوالى في هذا القسم الأوسط في ف 18: يسوع والاطفال (18: 15- 17)، نداء الرجل الغنيّ (18: 18- 30)، الإنباء الثالث بالالام (18: 31- 34)، شفاء ابن طيما الأعمى (18: 35- 43). واستبعد لوقا المقطع عن الطلاق، وقد أشار إليه في 16: 18، كما استبعد طلب يعقوب ويوحنّا بأن يجلسا في الملكوت عن يمين يسوع وشماله، لأنّه اعتبره تكرارًا لما سيحدث في إطار العشاء الأخير (22: 24- 47) وهو أمر خاصّ بلوقا.
ولكن من أين جاء لوقا بموادِّ ما تبقّى من فصول؟ قسمٌ جاءه من المعين. وهنا يعود لوقا فيتنقّل بين المعين ومرقس. من 9: 57 إلى 13: 35 عاد إلى المعين ولكنّه أدخل بعض العناصر المأخوذة من مرقس والموجودة في وحدات خاصّة بالمعين: أكبر الوصايا (10: 25- 28)، مثَل النور (11: 33)، المجادلة حول بعل زبول (11: 14- 23)، الخطيئة ضدّ الروح القدس وسند الروح (12: 1- 12)، مثل حبّة الخردل (13: 18- 19). وأقحم لوقا هنا أمثالاً أخذها من ينبوع آخر فساعدته على التوسّع في بعض الأقوال الواردة في المعين: الاستقبال الرديء في السامرة (9: 52- 56)، ثمّ السامريّ الصالح (10: 25- 37)، مرتا ومريم (10: 38- 42). وهذان الحدثان يتوسّعان بوصيّة المحبّة في وجهيها (10: 22- 42). مثل الصديق الذي يلين، يُلمّح إلى الصلاة (11: 5- 8)، ثمّ حادثة الأخوين (11: 13- 15) ومثل الغنيّ الجاهل (11: 16- 21) والنداء إلى التوبة لدى رؤية الشقاوات (13: 1- 5) ومثل التينة العقيمة (13: 6- 9) وأخيرًا شفاء المرأة المريضة يوم السبت (13: 10- 17).
منذ ف 14 خفّ تأثر المعين. فرجع لوقا إلى وثيقة أخرى خاصّة به، فاحتوت وحداتٍ أدبيّةً واسعةً مكتوبةً بلغة أنيقة، وتألّفت خاصّة من أخبار وأمثال وجّهها يسوع أمام جمهور الفرّيسيّين. نلاحظ بصورة خاصّة شفاء المريض بداء الاستسقاء يوم السبت (14: 1- 6)، وأمثلة الابن الضالّ (15: 11- 32) والوكيل الخائن (16: 1- 13) والغنيّ ولعازر الفقير (16: 19- 31)... ومثلا المدعوّين الذين حلّ المساكين محلَّهم (14: 15- 24) والنعجة الضالّة (15: 3- 7) يجدان ما يقابلهما عند متّى (22: 1- 10؛ 18: 12- 14) ويعودان إلى لوقا، هذا إذا لم يكونا من خاصيّات لوقا وقد انتشرت في قنوات مختلفة. ويلفت نظرَ القارئ وحدات قصيرة: القول على الملح (14: 34)، على السيّدين (16: 13)، على الشريعة والملكوت (16: 14- 18)، على النصائح للتلاميذ (17: 1- 6). قد ترجع هذه الأقوال إلى المعين لأنّ بعضها وُجد في متّى، وقد تكون خاصّة بلوقا.
ما هو مبدأ تنظيم هذه الفصول (9: 51- 19: 28)؟ سنجد خلال السفر إلى أورشليم ملخّصين يساعداننا على توزيع هذا القسم الأوسط على ثلاث حصص. الأوّل نقرأه في 13: 22: "سار في المدن والقرى، يعلّم وهو في طريقه إلى أورشليم". الثاني نقرأه في 17: 11: "وبينما هو في طريقه إلى أورشليم مرّ بالسامرة والجليل".

ثانيًا: حياة المؤمن 9: 51- 13: 21
هنا يوجّه الإنجيليّ انتباه القارئين نحو حياة المؤمن. ما معنى أن يكون الواحد تلميذًا؟ كيف يعيش حالته كتلميذ؟ أيّ سلوك يسير فيه لكي يبقى في هذه الحالة؟ وتبرز مواضيع أساسيّة عن الإيمان والأخلاق عند القدّيس لوقا: الانتماء إلى الله ومسيحه كفعل انفصال (يترك العائلة والخيرات والامتيازات الاجتماعيّة)، حياة المؤمن المطبوعة بالصلاة وفعل الإيمان. طاعة تتعارض وطاعة الفرّيسيّين. تتميّز هذه الطاعة بالتوكّل على الله وبالسهر. لسنا فقط أمام حياة تكون أكثر أو أقلّ أخلاقيّة، بل أمام انتصار الشيطان أو الله (10: 18)، بل أمام حياة أسيرة الشيطان (13: 16) أو خاضعة لله، لإله ليس القاضي الصارم بل الإله الذي كشف حنانه للصغار. إذًا، هناك معارضة بين الذين يتقبّلون التعليم وبين الذين يرفضونه: "أتظنّون أنّي جئت لألقيَ السلام على الأرض؟ أقول لكم: لا، بل الخلاف" (12: 51). يسوع هو العلامة الفاعلة لحبّ الله. أراد لوقا أن يرسم لنا وجه الآب فأرانا الابن. أمّا التلاميذ والفرّيسيّون فيمثّلون الذين يؤمنون والذين لا يؤمنون.
ولكن لكي يصل ظهور هذا الملكوت إلى البشر لا بدّ من وسطاء. هناك يسوع أوّلاً، ثمّ الاثنا عشر، ثمّ السبعون الذين يفتح نداؤهم وإرسالهم هذا القسم من الإنجيل (10: 1- 11). نلاحظ أنّ لوقا يخصّ هذا الإرسال بمكانة مميّزة: فخطبة الإرسال التي يربطها المرجع بإرسال الاثني عشر (مت 10: 7- 15) يربطها لوقا بإرسال السبعين. إنّ إرسال الاثني عشر يشير إلى تبشير شعب إسرائيل (الذي فشل بعض الفشل)، أمّا إرسال السبعين (راجع لائحة الأمم في السبعينيّة: تك 10: 1 ي) فيشير إلى دعوة أمم العالم التي سارت مسيرتها الناجحة في أيّام القدّيس لوقا: هو يهتمّ بالإرسال الأوّل ولكنّه يخصّ الإرسال الثاني بأهمّيّة حاسمة.

ثالثًا: حبّ الله وشخص يسوع 13: 22- 17: 10
إذا قلنا إنّ 13: 22- 17: 10 تشكّل الحصّة الثانية في القسم الأوسط نلاحظ أنّ المواضيع المطروقة تستعيد وتكمّل ما قيل بعد ف 9. ومن هذه المواضيع: المحبّة التي أظهرها الله في يسوع المسيح تجاه الضالّين (مثل الابن الضالّ: 15: 11- 32) والجواب على هذه المحبّة: حسد الابن الأكبر. إنّ اتّساع حنان الله قسّى قلب أوّل المستفيدين. نتذكّر هنا مثل المدعوّين إلى الوليمة (14: 15- 24) حيث الفَوْجانِ من المساكين يمثّلان المسيحيّين الآتين من العالم اليهوديّ وأولئك الآتين من العالم الوثنيّ. ويتطلّع لوقا إلى قرّائه المسيحيّين فيبيّن لنا خطر القلب القاسي الذي يتّخذ شكل محبّة المال.
وهناك توسّعات تحدّثنا عن شخص يسوع وتوضح لنا الطابع النهائيّ للزمن الحاضر. كان لوقا في 1: 1- 9: 50 قد قدّم لنا الطابع المسيحانيّ لشخص يسوع وتدخّله. ولكنّه في نهاية هذا القسم أعلن على خطى مرقس آلام يسوع وقيامته على التلاميذ غير المؤمنين (9: 22، 44). أمّا في 9: 51- 19: 28 فقد استعاد هذا الإعلان وأدخل يسوع في سلسلة الأنبياء المتألّمين (13: 31- 35). وأنبأ أنّ سيادة المسيح سيسبقها موته الذي هو نتيجة المعارضة العدوانيّة لرسالته والطريق السرّيّ الذي هيّأه قصد الله. وخلاصة القول الذي لا يني القائم من الموت (24: 44- 48) والرسل يردّدونه (أع 26: 22- 23)، أنّ يسوع هو المسيح، ولكنّه مسيح متألّم. فقبل نهاية الأزمنة سنجد الألم ورذل ابن الإنسان (17: 25). كان الإنباء الثالث بالالام عند مرقس الإنباء الخامس عند لوقا (18: 31- 34). لم يفهم الاثنا عشر. لا بدّ من الفصح ليَقبلَ الرسل بما حدث يوم الجمعة العظيمة ويفهموه.
يربط 13: 23- 30 وجهة نهاية الأزمنة بمصير إسرائيل. فالقبول بالتعليم الإنجيليّ أو رفضُه له طابع نهائيّ وحاسم. إن فتحنا قلبنا أو أغلقناه، فُتح لنا باب الملكوت أو أغلق. وهنا يشير لوقا إلى أنّ الوثنيّين يتفوّقون على اليهود في قبول الإنجيل بإرادة طيّبة.

رابعًا: نهاية الأزمنة 17: 11- 19: 28
الحصّة الثالثة في هذا القسم الأوسط (17: 11- 19: 28) توجّه انتباهنا إلى عالم نهاية الأزمنة.
وجّه يسوع حديثه إلى الفرّيسيّين الذين يهتمّون بالملكوت وبعلامات مجيئه، فأكّد لهم أن ملكوت الله جاء إليهم في شخصه (17: 20- 21). ثمّ توجّه إلى الرسل وحدّد موقع المجيء بالنسبة إلى المستقبل: في البداية سيكون إلى ابن الإنسان (17: 25)، ثمّ الزمن من الصعود إلى المجيء (17: 22) الذي يسبق يوم ابن الإنسان (17؛ 24). هذا التعليم يصحّح التعاليم عن الآمال الكاذبة. يعارض لوقا حسابات القلقين وعدم صبر المتعصّبين وشكوك اليائسين الذين خاب رجاؤهم. وهذا التعليم ليس عقيدة، إنّه برنامج حياة: "قال لهم يسوع مثلاً في أنّه يجب أن يصلّوا دائمًا ولا يملّوا" (18: 1). وهناك خبران خاصّان بلوقا يقدّمان لنا صورة عن الحياة البارّة في نظر الله: حياة نبدأ فيها الاعتراف بشقائنا ويتقبّل الله: العشّار (18: 9- 15) وزكّا (19: 1- 10). وساعدت لوقا ثلاث وحدات وجدها عند مرقس فأفاد منها ليحدّثنا عن التوبة والخلاص: يسوع يتقبّل الأطفال (18: 15- 17)، الرجل الغنيّ صار عند لوقا أحد الوجهاء (18: 18- 30)، أعمى أريحا (18: 35- 42). لا يهتمّ لوقا في أن يحدّد الموقف الصالح تجاه الحياة الخاطئة، بل أن يعارض برارة في نظر الله بع برارة في نظر البشر. قدّم لوقا صورة عن الفرّيسيّين في زمن يسوع فوبّخ المسيحيّين في زمانه بسبب عجرفتهم واكتفائهم بنفوسهم. ولكنّه اهتمَّ أيضاً بمصير إسرائيل ومسألة المجيء. فأعاد تفسير مثل الوزنات مطبّقًا تفاصليه على الحالة الحاضرة: لن يظهر ملكوت الله في الحال (19: 11). أمّا مواطنو الملك الذين عارضوا سلطانه فهم شعب إسرائيل وقد نالوا أقسى عقاب (19: 27). إنّ المؤمنين الذين استثمروا حصّتهم يُجازون خير جزاء، أمّا العبد الجبان الذي تصوّر الله على غير ما هو فسينال قصاصه (19: 15- 26).

4- في أورشليم (19: 29- 24: 53)
يجري القسم الثالث من إنجيل لوقا (19: 29- 24: 53) في أورشليم. يحدّثنا لوقا عن نشاط يسوع في الهيكل ثمّ يروي لنا آلامه ويقدّم أخيرًا يوم الفصح.

أوّلاً: في الهيكل 19: 29- 21: 38
هنا يعود لوقا إلى مرقس حتّى نهاية ف 21. يجعل يسوع الهيكل مركز نشاطه. فحادث الشعانين الذي قرأه متّى في منظور نبويّ، فسّره لوقا بمعنى ملكيّ: إنّ ذلك الآتي باسم الآب هو الملك. أورد لوقا آية مز 118: 26 (مبارك الآتي باسم الربّ) وزاد كلمة "الملك" (19: 38). فتكريس الملك سليمان (1 مل 1: 33) ساعده على جذب الخبر التقليديّ إلى فكرته. ولكن لا التباس على طريقة جماعة الغيورين: فنشيد الشعب الذي يطابق ما تقوله جوقة الملائكة يوم الميلاد، لا ينشد السلام على الأرض (2: 14)، بل في السماء. أمّا على الأرض فالعاصفة ترعد وعقاب المسؤولين يُعلن، هذا ما نفهمه من النبوءة على سقوط أورشليم (19: 41- 44).
بماذا يقوم هذا التعليم وهو آخر تعليم يسوع؟ إذا عرفنا الجبهة التي يحارب فيها نوضح مضمون هذا التعليم في الهيكل. إنّه لا يتوجّه أوّلاً إلى الفرّيسيّين، بل إلى عظماء الكهنة والصادوقيّين. ويشهد تطهير الهيكل نيّة يسوع في إعادة البناء والإصلاح، كما يثير غضب الخصوم الذين يَعِقدونَ العَزْمَ على تصفية يسوع (19: 47). ثمّ إنّ يسوع يرفض أن يكشف عن يَنبوع سلطته. (20: 1- 8)، فلا يبقى له إلاَّ الشعب الذي يريد أن يحيا من كلمته. فإلى الشعب يوجّه لوقا "مثل الكرّامين القتلة" (20: 9- 19): موت الوارث وتسليم الكرم إلى كرّامين آخرين. هذا ما يرويه لوقا فيدلّ على مصير يسوع (ف 22- 24) وعلى إعادة بناء شعب الله انطلاقًا من كلّ الأمم، كما يقول سفر الأعمال. فَهِم رؤساء الكهنة والكتبة كلام يسوع. ولكنّ لوقا جعلهم يقولون: "لا سمح الله" (20: 16). ونهاية ف 20 هي حوارات لا تصل إلى نتيجة لأنّ خصوم يسوع يوجّهون إليه كلامهم ليُفحِموه لا ليَفهَموه. ولكنّ يسوع ردّ على أسئلتهم الماكرة بأسئلة منبّهة ومثيرة. غير أنّ محاوري يسوع تشدّدوا في معارضتهم.
يستعيد ف 21 خطبة مرقس الجليانيّة كما استعاد ف 17 المعين. توجّهت الخطبة إلى الشعب أمّا ف 17 فتوجّه إلى التلاميذ. واهتمّ لوقا بأن يفصل سقوط أورشليم عمّا سيحدث في النهاية (21: 8- 11). هذا لا يعني أنّ مصير المدينة المقدّسة صار أمرًا عاديًّا، إنّه عقاب من الله. ولكنّ لوقا لا يقول إنّ هذه المحنة ستكون الأخيرة (21: 20- 24). فالعلامة التي تسبق النهاية ستكون الاضطهاد الذي يضرب الكنيسة، والعون الذي يقدّمه المسيح للشهداء (21: 12- 19). سيأتي ابنُ الإنسانِ في شعلة من العلامات الكونيّة (21: 25- 27). انتظر لوقا قرب مجيء ملكوت الله بقوة (21: 28- 33) ولكنّه دعا الراجين إلى السهر. تلك هي آخر كلمة قالها يسوع وهو يعلّم في الهيكل (21: 34- 37). ها إنّ زمن الأمم قد جاء (21: 24) زمن القمع الرومانيّ وارتداد الوثنيّين.

ثانيًا: الالام ف 22- 23
يشكّل خبر الالام (ف 22- 23) الحصّة الوسطى في القسم الأخير من إنجيل لوقا. نحسّ أنّ لوقا ترك مرقس وتبع يوحنّا. وقد كثرت الأبحاث في هذا الموضوع ولم تلق جوابًا.

المؤامرة 22: 1- 6
تبدأ الالام بالمؤامرة (22: 1- 6). ويوضح لوقا أنّ الشيطان دخل في يهوذا (22: 3). كان قد أشار بعد خبر التجارب: "وبعد ما استنفد الشيطان كلّ تجربة ممكنة فارقه إلى الوقت المحدّد" (4: 13). فهل نستنتج أن زمن يسوع كان زمنًا سعيدًا وواحة سلام؟ كلاّ. فلوقا قريب من الأسفار الجليانيّة. فبعد أن قُهر الشيطان في السماء طُرد إلى الأرض (10: 18). وهو يفعل هنا ولاسيّما في حياة يسوع (13: 16). قاتله يسوع لينتزع منه ضحاياه (أع 10: 38). يوم انتصر يسوع عليه بعد التجارب الثلاث أفلت من قبضته وما عاد يغويه. ولكن الشيطان يقدر بعد أن يجرّبه. وهذا ما يحدث الآن.
أغفل لوقا دهن الطيب في بيت عنيا لأنّه أعطى خبرًا موازيًا لهذا الخبر في 7: 36- 50 (الخاطئة في بيت سمعان الفرّيسيّ).

الفصح 22: 7- 38
اتّخذ يسوع موقفًا تجاه مبادرة خصومه (22: 7- 14) فأرسل بطرس ويوحنّا ليعدّا الفصح. تفرّد لوقا بإيراد اسمي هذين التلميذين، ليدلّ على أهمّية هذين الشاهدين. وتظهر هنا معرفة يسوع المسبقة. فقبل الشعانين وقبل الفصح أرسل يسوع تلميذين ليُهِّيئا ما يعرف أنّه معَدّ سلفًا. وهذا يدلّ على أنّ يسوع يسيطر على مصيره ساعة تبدأ القوى المعادية تنقضّ عليه.
اختلف لوقا عن مرقس فجعل تأسيس الإفخارستيّا (22: 15- 20) سابقًا للإعلان عن الخائن (22: 21- 23). يتضمّن خبر التأسيس ثلاث مراحل: أوّلاً يربط يسوع بين الفصح وفصح الملكوت (22: 15- 16). ثانيًا: هذه الآيات تهيِّئ وتفسّر القول التقليديّ الذي تلفّظ به يسوع بعد أن قدّم الكأس (22: 17- 18). نلاحظ في آ 15 استعمال كلمة "تألّم" في المعنى المطلق لتدلّ على آلام يسوع وموته (رج 24: 26، 46؛ أع 1: 3؛ 3: 18؛ 17: 3). ففي نظر لوقا، لم يمت يسوع فقط، ولكنّه تألّم على مثال كلّ شهيد. ثالثًا: تذكر آ 19- 20 كسر الخبز وتقديم الكأس. هنا يلتقي لوقا لا مع مرقس بل مع 1 كور 24: 25: زاد على كلمة "جسدي" الكلمات "الذي يبذل من أجلكم". وقال "اعملوا هذا لذكري". ثمّ أخذ الكأس "بعد العشاء" وسمّاها "العهد الجديد بدمي" (أمّا العبارة "الذي يسفك لأجلكم" فلا نجدها في نصّ القدّيس بولس). لا ينفصل العشاء عند متّى ومرقس عمّا يُقال عن الخبز والكأس. لا يجعل متّى ومرقس قوّة خلاصيّة للجسد ويسمّيان الكأس دم العهد. ثمّ هما لا يوجّهان كلمات التأسيس إلى الحاضرين (يسفك الدم من أجل الكثيرين لمغفرة الخطايا، كما قال متّى، ومن أجل الكثيرين، كما يقول مرقس). إذًا تعكس آ 19- 20 ممارسة خاصّة بلوقا وبولس، ومختلفة عن ممارسة متّى ومرقس.
إنّ آ 19 ب- 20 (كلّ المخطوطات تتوقّف عند "هذا هو جسدي") غير موجودة في بعض المخطوطات الغربيّة. ثمّ إنّ المخطوطات السريانيّة تقلب ترتيب الآيات. فهناك مخطوطة تجعل آ 19 قبل آ 17- 18. وهناك مخطوطة أخرى تعمل الشيء عينه ولكنّها تقحم "بعد العشاء" بعد آ 19، وتقحم" هذا الدم هو العهد الجديد" بعد آ 17. وهناك مخطوطة ثالثة تهمل آ 17- 18. إذًا هناك اختلاف لا بسبب إهمال الخطّاطين، بل لأنّهم حاولوا أن يُوفِّقوا بين النصّ الكتابيّ وممارستهم للإفخارستيّا. أمّا النقّاد فيعتبرون اليوم أنّ الترتيب اليونانيّ هو الأصليّ وأنّ آ 19 ب- 20 هما من صلب الكتاب وترجعان إلى لوقا.
وتميّز لوقا عن سائر الإنجيليّين في آ 24- 38. يلقي يسوع خطبة وداعيّة (فنّ أدبيّ عرفه العالم اليهوديّ. رج أع 20 وخطبة بولس في شيوخ أفسس). حدّد يسوع نموذج السلطة في الكنيسة، لا السلطة المتسلّطة كما عند أسياد هذا العالم، بل السلطة الخادمة على مثال ما فعل يسوع (رج مر 10: 41- 45). ووعد يسوع تلاميذه الذين ثبتوا معه في محنته (هل ثبتوا معه حقًّا؟ ولكن بعد العنصرة...) بمشاركة في وليمة الملكوت ودور في دينونة إسرائيل (أي في الحكم الملكيّ في نهاية الأزمنة. رج مت 19: 28). ثمّ يتوجّه إلى بطرس (رج مت 16: 18: أنت الصخر، يو 21: 15: أتحبّني). ونبّه يسوع سمعان أنّ الشيطان سيغربل التلاميذ ويمتحنهم ليتحقّق من قيمتهم (يحرّك القمح فيتخلّص من البقايا التي جاء بها عن البيدر) إذا كان الشيطان حصل على هذا الامتياز من الله (كما كان مع أيّوب)، فيسوع وَسَطَ محنته، تدخّل مع الآب متشفّعًا "لئلاّ يزول الإيمان" (ينظر لوقا إلى فشل المسيحيّة. رج 18: 8). وأخيرًا يسلِّم يسوع إلى بطرس وظيفة رعائيّة (ثبّت إخوانك). ولا يقدر أن يقوم بهذه الوظيفة إلاّ بعد التوبة (يفكّر لوقا بنكران بطرس ليسوع لا بجحود لا رجوع عنه).
بعد إعلان إنكار بطرس (22: 34) نقرأ حادثة السيفين الخاصّة بلوقا (22: 35- 38): الرجوع إلى الإرسال يميّز الزمن الذي فيه كان يسوع يحمي تلاميذه، من زمن آلام يسوع وزمن الكنيسة. فلا حاجة للمؤمنين بأن يتسلّحوا. ونقرأ إنباء جديدًا عن الالام يجعلنا نكتشف المعنى الذي ينسبه لوقا إلى موت يسوع. فهذا الموت سيكون تتمّة لنبوءة أش 53: 12: "أُحصي مع المجرمين". هذا يعني أنّ البارّ سيُحصى مع الأشرار ليستطيعَ الخطأةُ أن ينضمّوا إلى أفواج المؤمنين. ليست آلام يسوع حدثًا عابرًا ستصلحه القيامة. إنّ الالام هي عمل جهل الإنسان ولكنّها أيضاً تعبير عن قصد الله (أع 2: 23). فإن كان للآلام بعدٌ سلوكيّ (يدعى المؤمنون ليسيروا على خُطى يسوع، 1 بط 2: 21)، فلها أيضاً منظور فدائيّ.

النزاع 22: 39- 46
لا يتكلّم لوقا في خبر النزاع (22: 39- 46) عن جتسيماني، هذا الاسم العبريّ، بل يحدّد موقع المشهد في هذا البستان الواقع على جبل الزيتون، وإلى هذا الجبل ينسب أهمّيّة لاهوتيّة. حسب الأنبياء سيُظهر الربّ مجده وقدرته على هذا الجبل (حز 23؛ زك 14: 4). وحسب لوقا، من هناك يصل يسوع إلى أورشليم (19: 29، 37)، وعن هذا الجبل سيصعد إلى السماء (أع 1: 9- 12). هذا الجبل هو الوجهة الإيجابيّة نجاه أورشليم الخاطئة. إنّه نقطة اتّصال بين السماء والأرض وهو يتميّز عن الهيكل.
ونجد خصائصَ واضحةً في الخبر: ظلّ التلاميذ معًا (ولم يفترق عنهم بطرس ويعقوب ويوحنّا). وجّه يسوع صلاته إلى أبيه مرّة واحدة (لا ثلاث مرّات). جزع يسوع فعزِّاه ملاك. يفترض متّى ومرقس أنّ يسوع استعاد شجاعته ولا يقولون كيف استعادها. يشير يوحنّا إلى صوت سماويّ (يو 12: 28). أمّا لوقا فيقدّم هذا العزاء بشكل منظور من أجل تربية قارئيه. ويتجاهل لوقا قولين ليسوع (مر 38:14: "الروح قويّ أمّا الجسد فضعيف". مر 14: 41- 42: "جاءت الساعة: ها إنّ ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطأة. قوموا، لنذهب، ها قد وصل الذي يسلمني"). ولكنّه يورد لنا دعوتين لئلا ندخل في تجربة (22: 40، 46). وهذا ما ما يعطي بُعدًا سلوكيًّا لحدث يتّخذ عند متّى ومرقس بعدًا كرستولوجيًّا. ولكن لماذا بدّل لوقا نصّ مرقس؟ لا شكّ في أنّه اتّبع تقليدًا خاصًّا.

من التوقيف إلى الموت 22: 47- 23: 56
إنّ الخبر الذي يقود من التوقيف إلى الصلب يبتعد عمّا نقرأ عند الإزائيّين الآخرَين. خلال التوقيف، يحدّثنا لوقا بطريقته الخاصّة عن قبلة يهوذا، ويشير إلى شفاء الأذن المجروحة، وينقل إلينا كلام المسيح (هذه ساعتكم الآن، هذا سلطان الظلمة: 22: 53)، ولا يقول كلمة عن هرب التلاميذ (رج مر 14: 50- 52).
لا اجتماعَ في الليل للمجلس. يدخل يسوع إلى بيت عظيم الكهنة (22: 54؛ رج يو 18: 13). أنكر بطرس المعلّم، ولكنّ نظر يسوع جعل التوبة (التي أعلنت في 22: 32) تبدأ عند الرسول (22: 61- 62).
ويتبع لوقا مرقس أو مصدرًا خاصًّا فيقدّم لنا مشهد الهزء: طُلب إلى يسوع أن يبيّن أنّه نبيّ (22: 63- 65).
يدور المثول أمام المجلس (جلسة الصباح) حول مسيحانيّة يسوع (22: 66- 71). لا يورد لوقا كلمة يسوع عن الهيكل ولكنّه يقسم سؤال رئيس الكهنة إلى قسمين: إن كنت المسيح فقل لنا، هذا هو السؤال الأوّل. "إذن، أنت ابن الله"، هذه هي صرخة الدهشة. نجد هنا في أساس هذه القسمة طريقة خاصّة بفهم التعليم المسيحيّ في أيّام لوقا: يقابل المسيح تساؤل شعب إسرائيل ويقابل ابن الله انتظار الأمم الوثنيّة. رفض يسوع أن يجيب تحت الضغط (كما عند متّى لا كما عند مرقس) أو هو أجاب بطريقة مُلَغَّزة. ولكنّه أعلن: "إنّ ابن الإنسان سيجلس بعد اليومٍ عن يمين الله القدير" (22: 69). اتّفق الإزائيّون على هذا القول فشكّلت آياتهم ملخّصا للتعليم عن المسيح.
ويأتي بعد هذا، المثولُ أمام بيلاطس (23: 1- 5). اهتمّ لوقا بأن يشرح لماذا استطاع بيلاطس أن يطرح على يسوع السؤال "هل أنت ملك اليهود" فبدأ الدعوى بشكوى من السلطات اليهوديّة: اتّهموا يسوع بمسيحانيّة سياسيّة ومزاحمة للإمبراطور، ولكنّ هذا افتراء في نظر لوقا. أمّا جواب يسوع "أنت قلت" فهو هو عند كلّ من متّى ومرقس ولوقا. لم يظهر لوقا دهشة في ذلك الوقت بل أعلن براءة يسوع. وسيبيّض الوالي ثلاث مرّات "سجلّ" يسوع (23: 22: وقال لهم للمرة الثالثة). لقد اقتنع لوقا ببراءة يسوع كما اقتنع بأنّ المسيحيّة لا يمكنها أن تحمل ضررًا لأحد. فلا يجب على السلطة الرومانيّة أن تخاف من الرسالة المسيحيّة. هذا ما أراد لوقا أن يبيّنه في دعوى يسوع كما في أعمال الرسل.
وأدخل لوقا مشهدًا خاصًّا به هو مثول يسوع أمام هيرودس أنتيباس (23: 6- 12). هل نحن أمام توسّع ثانويّ يحقّق المزمور الثاني (قام ملوك الأرض والعظماء ائتمروا معًا على الربّ وعلى مسيحه)؟ هل نحن أمام حدث تاريخيّ؟ بعد هذا الحادث يضع لوقا مشهد الهزء الثاني ولا يذكر إلاَّ الثوب البرّاق (23: 11).
يشدّد لوقا في خبر الالام على استعدادات الشعب الطيّبة. فهو ما زال يسمع ليسوع منذ دخوله إلى أورشليم. ولكنّ معظم المخطوطات تجعل الشعب يقف هنا بجانب الكهنة. والرؤساء كخصم ليسوع (23: 13). لهذا لا نقرأ "زعماء الشعب" بل "الزعماء والشعب" بحيث يكون الشعب مسؤولاً عن موت يسوع مع زعمائه. طلب بيلاطس إلى الشعب أن يختار ففضّل برأبّا على يسوع. هذا ما يقوله مرقس. وسيذكر سفر الأعمال مسؤوليّة شعب أورشليم في موت يسوع.
لا يشير لوقا إلى امتياز فصحيّ (مر 15: 6- 8)، ولكنّه يلاحظ مع مرقس عمى الشعب الذي يطلب التحرير لثائر، لا لهذا المتّهم (23: 18- 23).
لا يحكم بيلاطس صراحة على يسوع، ولكنّه يسلمه إلى عقاب الشعب. ينفرد لوقا فيقول: "أسلم يسوع إلى مشيئتهم" (23: 25).
عرف الإزائيّون الثلاثة سمعان القيريني (23: 26) (أو القيرواني)، ولكنّ لوقا انفرد بذكر شفقة يسوع على نساء أورشليم (23: 27- 32)، وكلام اللصّين (23: 39- 43). انفرد بنقل كلمتين ليسوع، الأولى: "اغفر لهم يا أبتِ، لأنهم لا يدرون ماذا يعملون" (23: 34). الثانية: "يا أبتِ، في يديك أستودع روحي" (23: 46). وينفرد لوقا في الكلام عن توبة الجموع. قال: "والجموع التي حضرت ذلك المشهد... رجعت وهي تلطم الصدور" (23: 48).
ويشير لوقا مع الإزائيّين الآخرين إلى الاقتراع على الثياب (23: 34)، إلى حضور الشعب الذي ينظر إلى كلّ شيء (يتحدّث متّى ومرقس عن العابرين الذين يهزأون بيسوع)، إلى الدعوة التي أطلقها الرؤساء والجند إلى يسوع لكي يخلّص نفسه (23: 35 ب- 37. يقول مرقس: الكهنة والكتبة. يقول متّى: الكهنة والكتبة والشيوخ)، إلى الكتابة التي تدلّ على التهمة المحفوظة ضدّ يسوع (23: 38)، إلى الظلمة من الساعة السادسة (أي الظهر) إلى الساعة التاسعة (أي الثالثة بعد الظهر: 23: 44)، إلى انشقاق حجاب الهيكل (23: 45)، إلى اعتراف الضابط. في متّى ومرقس يعلن الضابط أنّ يسوع هو ابن الله. في لوقا يعلن "أنّ هذا الرجل كان بارًّا". لماذا هذا التبديل؟ لأنّ الإيمان الحقيقيّ غير ممكن قبل الفصح والعنصرة. ثمّ إن كلمة "بارّ" تشير إلى موت يسوع لأجل الأشرار. وهناك حضور أقرباء يسوع ولاسيّما النسوة اللواتي رافقنه من الجليل (23: 49. هل تعني كلمة "أقرباء" التلاميذ؟)، والوضع في القبر (23: 50- 56). ويشير لوقا إلى صفات يوسف الذي من الرامة (رجل تقيّ وصالح)، وإلى صفات النسوة (يمارسن شريعة السبت).

ثالثًا: يوم الفصح (ف 24)
يروي آخر فصل في إنجيل لوقا يوم الفصح: حدث القبر الفارغ (24: 1- 12)، الظهور لتلميذَيْ عمّاوس (24: 13- 35) ثمّ للأحد عشر (24: 36- 49)، وأخيرًا الصعود (24: 50- 53).
أخذ لوقا من مرقس الخبر الأوّل، ولكنّه كمّله وحوَّره في نقاط عديدة ومهمّة. احتارت النسوة لغياب الجسد. ظهر لهن ملاكان لا ملاك واحد. دلّ الكلام الفصحيّ على يسوع أنّه الحيّ (صفة الله في العهد القديم)، وبدل أن يدعوَهم إلى الجليل ذكّرهم بإعلان الآلام والقيامة في الجليل. تجرّأ لوقا فرفض كلّ ظهور للقائم من الموت في الجليل، وركّز كلّ الظهورات في أورشليم، وهذا منظور مهمّ. اقترب لوقا في هذه النقطة من يو 20: 2- 10: أرسل لوقا بطرس، صاحب السلطة الكنسية العتيدة، إلى القبر الفارغ فشرَّع خبر النسوة. فكمّل يوحنا اللوحة فزاد على بطرس التلميذ الحبيب الذي هو سيّد جماعته. إذًا، لوقا ويوحنّا هما شاهدان لعادة كنسيّة عن خبر القبر الفارغ. هما لا يحصران اكتشاف القبر بالنسوة بل يربطانه بالسلطة الشرعيّة.
خبر تلميذيْ عمّاوس خاصّ بلوقا. لم يكن كلاوبّا وصديقه من مصافّ الاثني عشر، ولهذا نستنتج أنّ الخبر لم يصل إلى لوقا عبر عضو من كنيسة أورشليم. ثمّ إنّ لوقا أعطى الخبر بعدًا لاهوتيًّا فأقحم تعليمًا عن يسوع المسيح والكتب المقدّسة (آ 25- 27). لا نجد ما يوازي خبر عمّاوس إلاَّ في مقطع من مرقس (16: 12) يلخّص الحدث.
يشكّل خبر كلاوبّا وصاحبه مشهد تعارف مع يسوع. أمّا الظهور للأحد عشر فيجمع اللقاء إلى إعلان عن مهمّة ورسالة. قدّم لنا لوقا خطابًا هامًّا بلسان القائم من الموت: استعاد يسوع البرهان الكتابيّ المتعلّق بمصير يسوع المسيح (رج 24: 25- 27) وأنبأ بإعلان الإنجيل إلى كلّ الأمم، هذا الإعلان يقود إلى التوبة وغفران الخطايا. من هذه النبوءة نستشفّ سفر الأعمال. تخلّى يسوع عن إرسال تلاميذه (أو شهوده وهذا اللقب سينتشر في سفر الأعمال) فدعاهم إلى انتظار حلول الروح القدير في أورشليم.
ولم ينتظر المسيح الأربعين يومًا التي يذكرها أع 1: 4، بل أخذ تلاميذه في ذلك اليوم إلى بيت عنيا (أع 1: 12 يحدّد: جبل الزيتون). باركهمِ وتركهم بعد أن أُخِذ إلى السماء. يقوم هذا الخبر الأوّل عن الصعود، بوظيفتين. أوّلاً: يضع حدًّا لحياة يسوع، وهذا موضوع الخبر الأوّل. ثانيًا: أشار إلى أنّ التلاميذ لن يُتركوا وحدهم. فلمّا أحسّوا أنّهم في حماية الله، أحسّوا بفرح عظيم فعادوا إلى المدينة وأقاموا في الهيكل يسبّحون ويباركون الله.

د- الوجهات التعليميّة في إنجيل لوقا
دوّن لوقا كتابًا في جزءين فأراد أن يرسم تاريخ مخطّط الله منذ مجيء يسوع إلى امتداد الملكوت إلى أطراف الكون. في نظر الإنجيليَّين الأوّلَيْنِ، بدا وجود يسوع كنقطة مركزيّة تجمع وتفصل بين زمنين رئيسيّين من تاريخ الخلاص: زمن المواعيد، وزمن إكمال المواعيد. أمّا لوقا فيعتبر أنّ الإكمال يتمّ في زمنين: زمن يسوع، وزمن نزول الروح "الذي وعد به الآب" (أع 1: 4) على الرسل. فالتاريخ لا يتضمّن فقط زمنين، زمن إسرائيل وزمن يسوع (الذي يتضمّن زمن الكنيسة)، بل ثلاثة أزمنة: زمن إسرائيل، زمن يسوع، زمن الكنيسة.
لهذا قال بعضُ الشرّاح إنّ لوقا انفصل عن تقليد الإنجيل الصحيح وأعطى كثافة لزمن الكنيسة كما لزمن المسيح. إنّهم يعتبرون أنّ الإنجيل الحقيقيّ يفترض أنّنا ننتظر المجيء بعد فترة قريبة بحيث لم يعد مدى بين الفصح والمجيء الثاني. ويتابعون: عرف لوقا تأخُّرَ المجيء فرأى أنّ أمامَ الكنيسة مستقبلاً لا محدودًا. لهذا أخذ زمانها كثافة وبالتالي وضع حدًّا لزمن المسيح كزمن سابق لزمن الكنيسة.
ولكنّ لوقا لم يُحلَّ محلَّ الإسكاتولوجيا تاريخَ الخلاص، بل حافظ على منظور النهاية الآتية في النصوص الموازية لمتّى أو مرقس (لو 9: 27؛ 10: 9) أو الخاصّة به (10: 11؛ 18: 18). وقد أبرز حضور الروح القدس الذي يعمل في أزمنة التاريخ الثلاثة دون أن يشدّد على المؤسّسات والنظم.
اقتصر مرقس على تقديم سرّ الإنسان الإله كما هو. حاول متّى شرحًا كتابيًّا. أمّا لوقا الذي لا يجهل هذا ولا ذاك (إليك براهين كتابيّة في 4: 17؛ 18: 31؛ 21: 22، 37؛ 24: 25- 44، فقد وسّع وحاول أن يعطينا عرضًا تاريخيًّا لأحداث الخلاص، رسمًا أوّليًّا للتاريخ، وفهمًا للوقائع بواسطة أسبابها. هو لا يتحدّث فقط عن وجود، بل يفسّر هذا الوجود. لا شكّ في أنّه لم يكن شاهدًا عِيانًا فلم يستطع مِثْلَ يوحنّا أن يقدّم لنا "إنجيلاً روحيًّا". ولكنّه عرف مع الجماعة أنّ يسوع قام من الأموات فألقى على أحداث حياة يسوع أضواء سر الالام والقيامة، كما بيّن في سفر الأعمال كيف ينتصر الإيمان في الكنيسة عبر الاضطهادات.
لوقا هو إنجيليّ مخطّط الله. يمكننا أن نقول إنّ الفصح هو المقرّ، والروح القدس هو الفاعل، وجماعة المؤمنين هي الغاية.

1- سرّ الفصح
أوّلاً: إنباءات بالالام والقيامة
تنتمي الإنباءات بالالام والقيامة إلى التقليد الإنجيليّ المشترك: ثلاث نبوءات تتوزّع الصعود إلى أورشليم (9: 22؛ مت 16: 21؛ مر 8: 31- 33؛ لو 9: 43- 45؛ مت 17: 22- 23؛ مر 9: 30- 32؛ لو 18: 31- 34؛ مت 20: 17- 19؛ مر 10: 32- 34). ويزيد لوقا تنبيهًا قبل الإنباء الثاني: "إسمعوا أنتم جيّدًا ما أقوله لكم" (9: 44 أي ضعوه في رؤوسكم). ويرتبط الإنباء الثالث ببرهان كتابيّ (18: 31) ويزيد لوقا وحده: "فما فهم التلاميذ شيئًا من ذلك، وكان هذا الكلام مغلقًا عليهم، فما أدركوا معناه" (18: 34). وهكذا كرّر ما قاله مرقس بعد الإنباء الثاني (9: 45)، أمّا متّى فأشار إليه بالنسبة إلى بطرس فقط بمناسبة الإنباء الأوّل. إنّ الملاك يذكّر النسوة القدّيسات بهذه الإنباءات بعد المأساة (24: 7)، ويذكّر بها يسوعُ تلميذَيْ عمّاوس في الطريق (24: 25 ي)، والرسل في العلّية (24: 45 ي). ثمّ إنّ لوقا اعتبر أنّ يسوع يرغب في "معموديّة" الالام (12: 50)، فأنبأ بأنّه يجب على كلّ نبيّ أن يموت في أورشليم (13: 22 ي)، وأنّ على ابن الإنسان أن يتألّم كثيرًا ويُرذل قبل أن يظهر كالبرق (17: 24 ي).
هناك إشارة إلى موت يسوع في إنجيل لوقا: إنّ يسوع تحدّث عن النهاية التي سيعرفها في أورشليم خلال مشهد التجلّي (9: 31)، لا بعده كما فعل كلّ من متّى (17: 12) ومرقس (9: 12). إنّ لوقا لا يُزيل لاهوت الصليب، ولكنّه يشدّد على أنّ الخلاص يُعطى لنا بقيامة يسوع المجيدة، وليس فقط بذبيحته التكفيريّة.

ثانيًا: إشارات أخرى
يجد الصعود إلى أورشليم علاقات مع مت 20: 17؛ مر 10: 32، ولكنّ لوقا نظّمه بطريقة رائعة. فهناك إشارات خاصّة بلوقا تصل إلينا في أسلوب رمزيّ. نجدها في خبر الطفولة. فيسوع هو "علامة خلاف" (2: 24). ضاع يسوع ووُجد "بعد ثلاثة أيّام" (2: 46). وفي كرازة الناصرة (4: 16- 30) التي وضعها لوقا قصدًا في بداية حياته العلنيّة، نعرف أنّ الذي هو موضوع إعجاب (4: 22) هو علامة خلاف، بل موضوع بغض (4: 29). ولكنّه يسير طريقه (4: 30) وقد انتصر مسبقًا على الموت. هنا نلتقى بما قاله يو 7: 30: "فأرادوا أن يمسكوه، فما مدّ أحد يده إليه، لأنّ ساعته ما جاءت بعد". وفي يو 8: 20 نقرأ: "فما أمسكه أحد لأنّ ساعته ما جاءت بعد".

ثالثًا: لقب يسوع الربّ
ليس يسوع فقط ذلك الذي يعرف أفكار القلوب العميقة. قال مت 9: 4: وعرف يسوع أفكارهم، وتبعه مرقس (2: 8) ولوقا (5: 22). ولكنّ لوقا أعاد الكلام عينه بمناسبة شفاء الرجل الذي يده يابسة (6: 8) ومناسبة الجدال عمّن هو الأعظم (9: 47؛ رج مر 9: 33). إنّ يسوع يعرف أيضاً الآب معرفة الأبن لأبيه (10: 21- 22= مت 11: 25- 27). ولكنّ لوقا يتفرّد بأن يعطي يسوع لقبًا مسيحيًّا محضاً. إنّه كيريوس أي السيّد والربّ. وهذا اللقب يوازي لقب المسيح الممجّد. نقرأ عن يسوع في شفاء ابن أرملة نائين: "فلمّا رآها الربّ "كيريوس" (7: 13؛ رج 7: 19 حيث نجد "كيريوس" أو "يسوع"). ونقرأ في 10: 21: ابتهج الربّ "كيريوس". وفي 10: 39 إن مريم "جلست عند قدمي الربّ" (رج 10: 41؛ 11: 39؛ 12: 42؛ 13: 15...) كان هناك موضوع السرّ المسيحانيّ الذي أحسّ به التلاميذ (4: 35- 41؛ 5: 14؛ 8: 56؛ 9: 21)، ولكنّه اختفى أمام حضور الربّ.
ويبدو المسيح ملكًا حين يدخل إلى أورشليم (19: 38؛ رج يو 12: 13). واتّخذ مثل الدنانير (19: 12، 14- 15، 17، 27) طابعًا ملوكيًّا لم يكن له في مثل الوزنات عند متى (25: 14، 19، 21، 23).

2- ملكوت الله والروح القدس
أوّلاً: ملكوت الله
البشرى هي ملكوت الله. قال يسوع: "يجب عليّ أن أبشّر سائر المدن بملكوت الله" (4: 34). وقال عنه لوقا (8: 1): "سار... يعظ ويبشّر بملكوت الله". هذا هو موضوع الكرازة المسيحيّة. فيسوع أرسل الاثني عشر "ليبشّروا بملكوت الله" (9: 2؛ رج 9: 60- 62؛ 16: 16؛ 18: 29). لا يدلّ لوقا بهذه الكلمة على الواقع الإلهيّ العامل على الأرض (هذا هو المعنى عند متّى)، بل على الملكوت الإسكاتولوجيّ (أو السماوي) الذي يسيطر على عملنا هنا ويتطلّب إيماننا (13: 27- 29؛ 14: 15؛ 19: 11؛ 22: 16- 18). وهكذا فمثل الزارع لا يدلّ، كما عند متّى ومرقس، على حضور الملكوت السرّيّ، بل على ما يطلبه الإيمان (8: 12- 15). ويمكننا أيضاً أن نقابل ما يقوله مت 16: 28 عن مجيء الملكوت وما يقوله لو 9: 27 عن الذين لا يذوقون الموت حتّى "يشاهدوا" الملكوت.
إذا كان الملكوت حاضرًا على الأرض (17: 21)، فهو حاضر في شخص ابن الإنسان (17: 22). وهذا ما يفسّر أنّه وإن كان الملكوت سيأتي (11: 2: ليأت ملكوتك كما نقول في الصلاة الربّيّة) فإنّه قد صار قريبًا من الناس (10: 9- 11)، فإنّه قد أقبل إلينا (11: 20).

ثانيًا: الروح القدس
كان لملكوت الله في إنجيل متّى وجهة ديناميكيّة زالت في إنجيل لوقا، ولكنّ الروح القدس (وإن لم يذكر مرارًا في الإنجيل) يصبح هذا الواقع الإلهيّ العامل على الأرض. ليس ملكوتُ الله هو الذي ينزل، بل الروح القدس الذي ينقضّ من العلاء كموهبة. إنّ الذي يفعل الآن هو الروح الذي هو قوّة الله. وهذا ما أشار إليه لوقا بوضوح في أع 1: 7 ي: حين سأل الرسل إذا كان حان الوقت ليعيد الربّ الملك لإسرائيل، أجاب يسوع: "ستنالون قوّة، قوّة الروح القدس الذي ينزل عليكم". أبعد اهتمامهم عن هذا الملكوت وثبّته على الروح القدس.
الروح القدس هو العطيّة الفضلى. قال يسوع: "فإذا كنتم أنتم الأشرار تعرفون كيف تحسنون العطاء لأبنائكم، فما أولى أباكم السماويّ بأن يهب الروح القدس (قال مت 7: 11: "الأشياء الصالحة") للذين يسألونه" (11: 13)؟ ونلاحظ أيضاً في الإطار ذاته النصّ المختلف في 11: 2: "ليأت علينا روحك القدّوس وليطهّرنا".
إنّ الروح القدس يملأ بعض الأشخاص المُعَدّين لوظائفَ مميّزةٍ: يوحنّا (1: 15)، يسوع (1: 35). وهذا الحضور يرتبط عادة بالكلمة النبوّية التي نتلفّظ بها: أليصابات (1: 41)، زكريّا (1: 67)، سمعان الشيخ (2: 25- 27)، ويسوع (4: 18، 10: 21) والتلاميذ في الاضطهاد (12: 12= مت 10: 12؛ رج مر 13: 11). ويرتبط الروح بالقوّة التي بها تتمّ المعجزات (4: 14)، بل تحلّ محلّه القوّة التي بها يُشفى المرضى (4: 17؛ 5: 17؛ 6: 19؛ 9: 1). لقد قال بطرس عن يسوع: مسحه الله "بالروح القدس والقوّة" (أع 10: 38).
ثالثًا: مناخ المديح
عندما نقرأ إنجيل لوقا نسمع المديح وأفعال الشكر وتمجيد الله. تهتف مريم: "تعظّم نفسي الربّ" (1: 46 ي). ومجّد زكريّا الربّ (1: 64) بعد ولادة يوحنّا، أنشد: "تبارك الربّ إله إسرائيل" (1: 68). وسبَّح الملائكة وقالوا: "المجد لله في العلى" (2: 13) فتجاوب الرعاة معهم وأخذوا" يمجّدون الله ويسبّحونه" (2: 20). حمد سمعان الله (2: 28) ومثله فعلت حنّة النبيّة (2: 38). شُفي المخلّع فذهب إلى بيته "وهو يمجّد الله" (5: 25). حينئذ مجّد الناس كلّهم الله (5: 26) وقالوا: "رأينا اليوم عجائب". أحيا يسوع ابن أرملة نائين فمجّد الناس الله (7: 16)، وشفى المرأة المنحنية الظهر فمجّدت الله (13: 13). طهَّر الأبرص "فمجّد الله بأعلى صوته" (17: 15)، ورأىَ الأعمى "فتبع يسوع وهو يحمد الله" (18: 43). "و

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM