الفصل العشرون: الكتابات الحثّية

الفصل العشرون
الكتابات الحثّية

أ - المقدّمة
1- الشعب الحثّي
قبل اكتشاف الحضارة الحثّية عبر البقايا الأركيولوجية، عُرف هذا الشعبُ بواسطة مراجع غير مباشرة وهي نصوص من بلدان مجاورة: العهد القديم، وثائق مصرية وأكادية، رسائل تلّ المعارنة.
أوّل فكرة عن الحثّيين وصلت إلينا من مقاطع في التوراة (حثّي في العبرية). يُذكرون مع الشعوب التي أقامت في كنعان (فلسطين)، حين وصل إليها إبراهيم وعشيرته: "في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام عهدًا قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض: من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات: القينيين، والقنزيين والقدمونيين والحثيين والفرزيين والأموربين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين" (تك 18:15- 21). ويحدّد مقطع آخر مساكن هذه الشعوب ومنهم الحثيون: "العماليقي يقيم في أرض النقب، والحثي والبيوسي والأموري يقيمون في الجبل، والكنعاني يقيم عند البحر وعلى ضفة الأردن" (عد 13: 29).
وفي زمن الملوك، بدا الحثيّون قوة عسكرية هامة، فاستطاعت أن تلعب دورًا مماثلاً لدور مصر ونقرأ 2 مل 6:7- 7: "كان الرب قد عفي معسكر الأراميين صوت مركبات وصوت خيل وصوت جيش عظيم. فقال بعضهم لبعض: هوذا ملك إسرائيل قد استأجر علينا ملوك الحثيين وملوك المصريين ليزحفوا علينا". ويظهر الطابع الحربي للحثيين (وهذا ما ستؤكده الاكتشافات اللاحقة) من خلال حادث أوريا الحثي. فنحن نقرأ في 2 صم 11: 1 -13 أن أوريا تصرّف ككل جندي شجاع ففضّل أن يقضي ليلته مع الحرس على باب القصر الملكي، ولا يستفيد من راحة بيته. قال الكتاب: "قال داود لأوريا: أما جثت من السفر؟ فما بالك لا تنزل إلى بيتك؟ فقال أوريا لداود: إنّ تابوت العهد وإسرائيل ويهوذا يقيمون تحت الخيام، ويوآب سيّدي وضبّاطه يعسكرون في الحقول، وأنا أدخل إلى بيتي واكل وأشرب وأنام مع امرأتي "؟

2- اكتشاف موقع بوغازكوي- حتوسا
خلال القرن التاسع عشر، بدأ العلماء يذهبون إلى آسية الصغرى بحثًا عن آثار قديمة، فوصلوا إلى الأناضول الأوسط. وفي تمّوز 1839 اكتشف عالم فرنسي (شاول تاكسيه) قرب قرية بوغازكوي (تبعد 150 كلم إلى الشرق من أنقره) آثار مدينة كبيرة ومحصّنة، ومبنى محفورًا في الصخر، ومعبدًا بهذه المدينة. وبدأت التنقيبات، فاكتشف الباحثون عددًا من اللويحات الطينية على تلّة بيوك كالي حيث كان القصر الملكي. كان هناك مخزن أرشيف ومكتبة غنيّة جدًّا. وبين هذه الوثائق، رسائل مكتوبة في الأكادية (اللغة الدبلوماسية في ذلك الوقت) دلّت العلماء على أنّ المدينة هي حتوسا (حا أت توسا آس) عاصمة الدولة الحثّية.
كان موقع هذه المدينة على تلّة عالية، فنعمت بموقع استراتيجي. ثمّ صارت العاصمة حوالي سنة 1650 وعرفت ازدهارًا حتى دمارها المُفاجئ في القرن 12. واكتُشفت أبنية ضخمة (قصور، هياكل بسيطة وبيوت عادية) وأوانٍ عديدة دلّت على تقاليد الحثيين وعاداتهم وفنونهم.
بعد أن سقطت المملكة الحثية في ظروف غامضة، ارتبطت ولا شكّ باضطرابات القرن 12، تخلّى السكان عن حتوسا بصورة مؤقّتة. ولكن بعد القرن التاسع، وُجدت آثار سكن لجماعة إثنية لم تحدّد بعد، على تلة بيوك كايا. ودلّت كتابات وفخاريات من القرنين السابع والسادس ق. م. على أنّ الفريجيين أقاموا في هذا المكان. ولمّا كان العهد الهلّنستي والروماني، انطفأ بريق حتوسا فصارت مدينة ذات أهمية ضئيلة جدًّا.

3- الكتابة المسمارية لدى الحثّيين
ظلّ موقع بوغازكوي حتى سنة 1973 النبع الوحيد للوثائق المسمارية. ولكن تمّت اكتشافات في تابيغا وهي مدينة على حدود المملكة، في تلّ مساط الذي يبعد 116 كلم إلى الشمال الشرقي من بوغازكوي، وهكذا اغتنت الوثائق التي بين أيدينا والتي تعود إلى حقبة تمتدّ بين 1650 و 1200 ق م.
دوّنت هذه النصوص في المسمارية حسب مبدأ المقاطع الصوتية، وهو نظام كتابي اتّخذه الحثّيون عن طريق سورية الشمالية.
لغة جديدة غير سامية، وقد أخذت كلمات سومرية وأكادية عديدة. إذا تحدّثوا عن شخص وضعوا أمام اسمه: رجل أو امرأة. وإذا تحدثوا عن إله وضعوا كلمة الله قبل اسمه. وكذا يفعلون إن تحدّثوا عن مدينة أو بلاد أو جبل.
دوّن الحثّيون كتاباتهم على لويحات من الطين أو الخشب، ولكن لم يبق لنا إلاّ اللويحات الطينية التي كُتب على وجهها وقفاها. واعتاد الكتبة على استعمال الكولوفون ليدلّوا على نهاية النص. وإليك مثلاً عن ذلك: "لويحة توتحليا (الملك الكبير) الثانية، لوحة القسم. النهاية. وانكسرت هذه اللوحة فجدّدتها أنا دودا بحضور محوزي وحلفازيتي ".

4- حل رموز اللغة الحثّية
منذ أوّل اكتشاف للويحات بوغازكوي سنة 1906، اهتمّ فريق ألماني بالولوج إلى سرّ هذه اللغة غير المفهومة التي دوّنت على معظم هذه الوثائق وكانت، على ما يبدو، لغة الحثيين. عنصران سهّلا عمل الفريق الباحث: كتابات مقروءة ووجود معرّفات سورية وأكادية تشير إلى المعنى العام للنص. وسوف ننتظر سنة 1914 وما بعدها ليتوصّل حروزني العالم التشيكي، إلى اكتشاف تصريف الأسماء والأفعال. وكانت أوّل جملة قرأها: تأكلون خبزًا (نيندا في السومريّة) وتشربون ماء. وكان تقدّم سريع أظهر أنّ اللغة الحثّية لغة هندو أوروبية.
اللغة الحثّية أو اللغة الناسية (إرتباطاً بمدينة ناسة) لغة متطوّرة. هناك الحثيّة القديمة (القرن 18 إلى منتصف قرن 15)، والحثّية الوسيطة (القرنان 15- 14)، والحثّية الملكيّة أو المُتأخرة التي تعود مجمل وثائقها إلى القرن الثالث عشر وقد تكلّم هذه اللغات مناطق واقعة بين أنقرة، صاروم، صيواس، قيصري.

ب- أدب الحثّيين
1- النصوص التاريخية
نذكر حوليات الملوك أو كتاباتهم، كرونيكات المملكة أو القصر، مقالات متنوّعة، رسائل دبلوماسية. وإنّنا لنستطيع بفضل هذه الوثائق، أن نتتبعّ التاريخ السياسي في الأناضول منذ البداية: تكوين الدولة الحثّية، نموّ قوتها وانتشارها، بناها ونظمها، علاقاتها مع البلدان المجاورة. ولقد أعلمتنا أعمال الملوك أوّل ما أعلمتنا، بالحملات العسكرية في الأناضول أو في شرقيه. وقالت لنا فكرة هذا الشعب عن دور الملك الحثّي (حاسوس أي رجل من نسل طيب) الذي يعتبر نفسه كيل إله العاصفة والذي يمارس سلطة مُطلقة في المجال السياسي والحربي والديني.
أقدم نموذج لهذا النوع من النصوص يعود إلى أنيتا، ملك كوسارا، وهو يورد أحداثًا تعود إلى نهاية القرن الثامن عشر أو بداية القرن السابع عشر نجد فيه إشارات إلى مساكن الحثيين الأولى في منطقة قيصري، وعن وضعهم السياسي والعسكري قبل تكوين دولتهم. وقد وُجدت نسخات عديدة لهذه الوثائق في أرشيف بوغازكوي، وتعود أقدمها إلى الحقبة الأولى: "تحلّم انيتا بن فتحانا ملك كوسارا: كان عزيزًا على قلب إله عاصفة السماء. وبما أنّه كان عزيزًا على قلب إله العاصفة، فملك ناسة كتب إلى ملك كوسارا... نزل ملك كوسارا بقوّة من المدينة، واستولى بعزم على ناسة خلال الليل. أمسك ملك ناسة ولم يُسئ إلى أحد من أبناء ناسة... بل جعلهم أمّهات وآباء. ولكن بعد أبي فتحانا، وفي السنة عينها، قاومت تمرّدًا. مهما كان وضع البلاد ثائرًا، فقد قاتلتهم بمعونة الإله شمش ".
ويعود الفضل إلى الملك حتوسيلي في تأسيس المملكة الحثّية وجعل عاصمتها حتوسا حوالي سنة 1650: "هكذا تكلّم حتوسيلي الملك العظيم، ملك أرض حتي ورجل كوسار: حكم في أرض حتي الملك وهو ابن شقيق توانانا. هجم على مدينة سنويتا. لم يدمّرها ولم يخرب أرضها. وتركت الفرق العسكرية ترتاح في موضعين وأعطيتها كل القطعان الموجودة هناك. ثمّ زحفت على مدينة زلفا فدمّرتها واستوليت على آلهتها وأعطيت ثلاث مركبات لارينة إلاهة الشمس. وفي السنة الثالية زحفت على مدينة ألالخ فدمّرتها ثم على مدينة ورسوا... "
وتظهر شخصيّة هذا الملك المُميّز الذي وضع الأسس لنموّ القوّة الحثّية، عبر وصيّته السياسية. فهذه الوثيقة هي فريدة من نوعها في الأناضول بل في الشرق الأوسط. مرض الملك الشيخ، وأحسّ بدنوّ أجله، فاهتمّ بمسألة خلافته. لم يكن له ابن، فتبنّى ابن أخته الذي خيّب أمله: "تكلّم الملك العظيم أمام المجلس كلّه، أمام الجيش والعظماء: ها أنا مريض، وقد أعلنت هذا الشاب ملكًا، وهو سيجلس على العرش. أنا الملك دعوته ابني، وقبّلته ورفعته واهتممت به. أما هو فظلّ صبيًا، ولم يبدُ أنّه كان أهلاً لأن يقدَّم لكم: لم تدمع عيناه، لم يتصرّف بمحبّة، بل كان باردًا وجافّ القلب. أنا الملك أمسكته وجئت به قرب سريري. أما يرفع أحد ابن أخته؟ هو لم يهتمّ بكلمة الملك، بل اهتمّ بكلمة أمّه الحيّة. وجّه إليه الإخوة والأخوات كلمات باردة، فاستمع دومًا إلى كلماتهم. أمّا أنا الملك فسمعت... وبدأت أخاصم... ولكنّ هذا يكفي. إنّه ليس ابني... وأنا الملك هل أسأت إليه؟ أما جعلته كاهنًا؟ وجّهته دومًا شطر الخير، ولكنّه لم يتصرّف تصرّفًا مرضيًا تجاه إرادة الملك. كيف تستطيع إرادته أن تحتفظ بموقف صداقة من أجل خير حتوسا. أمّه هي حيّة. وهذا ما سيحدث: سيسمع كلمات أمّه وإخوته وأخواته ويتقرّب منهم. وحين يقترب منهم سوف ينتقم. والآن فمورسيلي هو ابني. أقرّوا به، وأجلسوه على العرش، وليجعلِ الإلهُ في قلبه العديد من المواهب. فالإله سيضع أسدًا محلّ أسد".
وستدلّ مسيرة التاريخ على أنّ الملك الشيخ كان على حق. فمورسيلي كان خير خلف لخير سلف. فاتّبع سياسة حتوسيلي بأمانة وقوّة.

2- النصوص القانونية
هناك نوعان من النصوص: الشرائع وتفاصيل الدعاوى. والنوعان يعطياننا فكرة عن المجتمع الحثّي في حياته اليومية وفي عاداته.
اكتشفت لويحات عديدة في بوغازكوي تتضمّن مقاطع عن الشرائع. نحن لا نملك شرعة حثّية حقيقية، إذ ينقصنا ما يتعلّق بالتبنّي والإرث والقتل عمدًا... إلاّ أنّ باستطاعتنا أن نكوّن فكرة عن تشريع الحثيين وتطوّر هذا التشريع عبر الزمن. فماذا نظرنا إلى الشكل، وجدنا أنّ الشرائع الحثية تشبه سائر شرائع الشرق الأوسط (جمل شرطية: إذا اقترف ذنبًا يستحقّ العقوبة التالية). أمّا إذا رحنا إلى العمق، فالإجراءات تجاه المذنبين تُتَّخذ بروح مختلفة. ولقد ورع الأخصّائيون مجمل الشرائع الحثّية في سلسلتين وجعلوا في كل سلسلة مئة مقطع. تبدأ السلسة الأولى بالعبارة: إذا رجل. والسلسلة الثانية بعبارة: إذا كرمة.
إذا عمي رجل خلال مُشاجرة، فعلى الفاعل أن يقدّم وزنة فضّة. أمّا إذا كانت يده وحدها هي التي فعلت، فيقدّم عشر شواقل من الفضّة.
إذا عمي عبد خلال مُشاجرة، فعلى الفاعل أن يقدّم 20 شاقلاً من الفضّة. وإذا كانت يده وحدها هي التي فعلت، فيقدّم عشرة شواقل من الفضة.
إذا عضّ أحد أنف عبد أو أمة، وجب عليه أن يعطي 15 شاقلاً من الفضّة.
إن أخرج الرجل الجنين من بطن امرأة حرّة، وجب عليه أن يدفع 20 شاقلاً من الفضّة.
إن أخرج رجل الجنين من بطن أمّه، وجب عليه أن يدفع 10 شواقل من الفضّة.
إن قطع أحد كرمة، وأخذ الكرمة المقطوعة، فإن أزدهرت الكرمة وجب عليه أن يعطيها لسيّد الكرمة، ويواصل تشذيبها لنفسه حتّى تزدهر كرمته.
إذا اتّخذ رجل امرأة في الجبل فهو مخطئ ويجب أن يموت. أمّا إن أخذها في البيت، فالمرأة مخطئة ويجب أن تموت. فإن وجدهما الزوج وقتلهما فهو لم يقترف ذنبًا.
أمّا الوثائق التي تورد تفاصيل الدعاوى فهي قليلة، وتتضمّن أقوال المتهمّين والشهود في المحكمة.

3- النصوص الميتولوجية
تبدو النصوص الميتولوجية التي اكتشفت في بوغازكوي معقّدة جدًّا. وما نسمّيه "ميتولوجيا حثّية" هو نتيجة عناصر انتمت إلى إتنيات مختلفة استعادها الكتبة وجمعوها في نسخات جديدة وحوّروها وزادوا عليها عناصر أصيلة. لهذا، يبدو من الصعب أن نميّز ما حملته كل إتنيّة من الاتنيات. إلاّ أنّ النصوص تبرز مركّبين أساسيين: الأوّل أناضولي أو سابق للعالم الحثّي، والثاني غريب.
لم تتكوّن الميتولوجيا الحثّية تكوينًا تاما على مثال رفيقاتها في الشرق الأوسط، فارتبطت بكتب الروس والعبادات، ولم تبرز كفنّ أدبي حقيقي. يمثّل إله العاصفة الصورة الرئيسية في هذه السطر، ولكنّه يحمل أيضاً المطر والازدهار والفقر. من أجل هذا، فراحة هذا الإله أو غضبه يشكّلان موضوعا محبوبًا في هذه الأخبار. وهكذا تتفسّر ظواهر الطبيعة. فحادثة إله العاصفة أو ابنه تلابينو الذي ضاع ووُجد، تشكّل موضوعًا رائجًا، وقد عرف نسخات عديدة وانطق على آلهة أخرى:
"هيّا الإله العظيم شمش وليمة ودعى آلاف الآلهة. أكلوا ولكنهم لم يشبعوا. وشربوا ولكنّهم لم يطفئوا عطشهم. فقال والد إله العاصفة للآلهة: ليس ابني هنا. غضب وحمل الغلّة، وحمل معه كلّ خير. وشرع الآلهة الكبار والآلهة الصغار يبحثون عن إله العاصفة. أرسل الإله شمش النسر السريع وقال له: اذهب، فتّش الجبال العالية، فتّش الوديان العميقة، فتّش الأمواج الزرقاء. عاد النسر ولم يجد شيئًا... فقال والد إله العاصفة: غضب إله العاصفة فيبس كل شيء وهلك الزرع... وعاد إله العاصفة إلى البيت واهتمّ بأرضه. ترك الضبابُ الشبّاك، ترك الدخان البيت، انتصب الآلهة على قاعدتهم، وانتصب الحطب في المدفأة، وانتصب الغنم في الحظيرة، وانتصب البقر في المذاود. قادت الأمّ ابنها، وقادت النعجة حملها، وقادت البقرة عجلها، وقاد إله العاصفة الملك والملكة واهتمّ بما للحياة والسعادة حتّى نهاية الأيّام ".
يرتدي تدوين سطر الشرق الأوسط شكلاً أدبيًا. فنحن أمام قصائد ملحمية انتقلت للحوريين. نميز فيها نصوصاً من أصل أكادي مثل ملحة جلجامش، أو كنعاني مثل خبر تاريخ الإله الكونيرسا وزوجته أسارتو، أو حوري مثل أناشيد أوليكومي وكومربي.

4- النصوص الدينية
إنّ الطابع المتشعّب للنصوص الدينية الحثية يعكس مزيج الحضارات التي التقت في أرض الأناضول، ولاسيّمَا ما حمله الحوريون من تقاليد ومعتقدات. ونميّز هنا ثلاث فئات: تسابيح وصلوات، كتب طقوس، تصوير الأعياد وشعائر العبادة.

* تسابيح وصلوات
نكتشف هنا علاقات الحثّيين بآلهتهم وهي علاقات تتميّز بوجهها الواقعي: عبد يكلّم سيده فيطب الحماية أو نعمة أو عونا أو خدمة. ونميّز أنواعًا من الصلوات: المرافعة: "حين حل الولاء قدم مورشيلي مرافعة". المذكّرة: تتوجّه إلى إله غاب أو غضب، فيحاول المؤمن أن يهدّئه أو يجعله يتحرّك ويفعل. المرثاة، المديح، النذور، الاستدعاء.

* كتب الطقوس
وجدت كتب الطقوس عديدة في المجتمع الحثّي. قد يكون المحتفل رجلاً أو ساحرًا، أو امرأة تسمى "العجوز"، أو "الحكيمة". فكان يتمّ كل احتفال سحري من أجل هدف محدّد: التطهير من الشر، وضع حدّ لحالة بائسة. أمّا أشهر الطقوس فهي طقوس الاستبدال: ينقل الشر والنجاسة من المتألّم إلى حيوان أو صورة. وهناك طقوس ضدّ الولاء في الجيش، ضدّ الخلافات العائلية، ضدّ الحرم، ضدّ الأرق، ضدّ العجز الجنسي، ضدّ السحر والوباء... وهناك طقوس تأسيس (بناء) وشفاء ووضع طفل وتكفير عن زنى داخل العائلة.

* الأعياد وشعائر العبادة
تتضمّن لويحات عديدة من بوغازكوي تصويرًا للأعياد والاحتفالات في مناسبات خاصّة إكرامًا لهذا الإله أو ذاك. إنّ للأعياد طابعًا رعيًا، وهي تتمّ في تاريخ مُعيّن وحسب برنامج محدّد. نصّ هذه الكتب طويل، لأنّ العيد يمتدّ أيّامًا عديدة بل عشرات الأيّام. ومن أهمّ الأعياد عيد الربيع، عيد الشهر، عيد الخريف، عيد الشتاء...
وتد حدّد لكل عيد احتفال خاصّ. وإليك ما قيل في عيد الربيع: اليوم الأوّل: إذا ذهب الملك إلى فوق، إلى حتوسا، وحين ينطق الملك من حتوسا، يذهب الملك والملكة من حتوسا إلى تاحوربا. ويدخل الملك إلى تاحوربا على مركبة... اليوم الثاني: في الغد، يدخل الملك والملكة إلى حتوسا، ويركض الحرس الشخصي ورجال الحاشية إلى جبل تيبوا، ويستحمّ الملك والملكة في بيت "ترنو". ثمّ يصعد الملك في مركبة خفيفة إلى حتوسا، ويلتئم المجلس الكبير في "حالنتو". اليوم الثالث: في الغد، تصل جزّة أربنا. طقوس بيت حالنتو. المجلس الكبير.
إنّ النصوص التي تتطرّق إلى شعائر العبادة، تترجم نظرة الحثّيين وممارساتهم الدينية وطريقة شكرهم للإله الذي يحميهم في حياتهم اليومية. وهناك نمطان من الممارسات الدينية: شعائر العبادة المحلّية مع تقاليد قديمة جدًّا، وشعائر عبادة الدولة التي يقوم بها الملك. وإذا تحدّثنا عن أدوات العبادة نجد موازاة بين الحجارة "حواسي" أو الأنصاب الحثّية، ومصبه التوراتية. فكلاهما ينتصبان في الهيكل أو المعابد الريفية ويرتبطان بالأشجار المقدّسة.

* نصوص التنجيم
مارس الحثّيون التنجيم، شأنهم شأن شعوب الشرق الأوسط القديم حسب التقنيات الشائعة: التكهّن، القرعة، تفحّص الأكباد. وقد دوّنت النصوص التنجيمية بصورة مقتضبة وبشكل سؤال وجواب: هل سيحصل هذا الحادث، نعم أولا، وفي أي ظرف؟
وكانوا يسألون وسيط الوحي بطرق ثلاث: ملاحظة طيران الطيور، القرعة ترميها "العجوز"، وأحشاء الحيوانات يفسّرها العرّاف.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM