الفصل الثاني عشر: زمن القبائل

الفصل الثاني عشر
زمن القبائل

نحن هنا في زمن القبائل وقبل ملكية داود.
نتوقّف على أربعة مقاطع: القبائل، تجمّع القبائل، في طريق الاستقلال، حياة القبائل.
الدولة المَلَكية في الشرق القديم هي نقطة ارتكاز تساعدنا على تدوين التاريخ وتثبيت التقاليد الدينية. فإذا أردنا أن نكتب تاريخ إسرائيل السياسي، وجب علينا أن ننطلق من ملكية يهوذا لا من إبراهيم وموسى. إنّ تأسيس الملكية طرح أسئلة على مختلف القبائل الموحّدة، بل على البلاط الملكي نفسه. ولكنّ هذه الأسئلة لا تُطرح إلاّ إذا حدّدنا موقع هذه الملكية في تقاليد الماضي وحياته. فالدولة الموحّدة جاءت بعد طريق طويلة انعكست في تدوين أسفار التوراة. فالأرض التي دخلتها قبائل إسرائيل كانت أرض كنعان قبل أن تصير أرض إسرائيل.
حين جاءت القبائل وجدت مدنًا (عد 35: 11). عاشت في وفاق مع أهل هذه المدن قبل أن تحتلّها وتحاول أن تفرض عليها تفكيرها. انغرس شعب إسرائيل في كنعان، ولكنّه ليس كنعان. والبنى السياسية المتعاقبة التي مرّ فيها قبل أن يصبح جماعة ما بعد الجلاء، هي من كنعان ولكنّها ليست فقط من كنعان. ونحن سنتتبعّ هذا النمو الأصيل وسط حالات وعوائد مشتركة بين شعب إسرائيل وجيرانه.

أ- القبائل
1- القبيلة
أقدم واقع سوسيولوجي هو القبيلة، ولكنّ هذا لا ينفي النواة العائلية. فالكتاب لا يتكلّم عن "أبناء إبراهيم " ولا عن "أبناء إسحق "، بل عن "زرع " (أو نسل) إبراهيم (تك 13: 16) وبيت إسحق (عا 7: 16). ولهذا، نحن لا نبدأ تاريخ إسرائيل السياسي مع إبراهيم الذي ليس جد قبيلة تحمل اسمه. فالتوراة تتحدّث عن بني إسرائيل الذين يتألّفون من 12 قبيلة ترتبط بشكل أو بآخر باسم إسرائيل. ويتّفق المؤرّخون على القول باستقلالية القبائل. وتظهر هذه الاستقلالية في قبائل الشرق الأوسط نصف البدوية كما في مراسلات ملوك ماري في القرن الثامن عشر ق. م. وفي النصوص البيبلية (قض 1). توسعت الدراسات الحديثة في القول بأنّ القبيلة في أصلها إتنيّة، وإن كانت على علاقات مع قبائل أخرى ومدن. يهمّها أن تحتفظ بحرّية تحرّكاتها، ولهذا فهي تأخذ حذرها من حكّام هؤلاء المدن.
تألّفت القبيلة العبرية من بيوت (بيت في العبرية والعربية، بيتو في أكادية ماري) أو عائلات (مشفحة، رج تك 38:24 ؛ 1 صم 20: 29). حين تتحرّك القبيلة، يسير كل واحد مع بيته (1 صم 3:27؛ 2 صم 3:2) الذي هو"بيت الاب " (بيت أب في العبرية). وتختلف القبيلة الإسرائيلية عن القبيلة البدوية المركّزة على الجمل. فهي تعيش من قطعان الغنم التي تسير على مهل (تك 13:33) وتحتاج إلى الماء (تك 21: 25؛ 26: 16 - 33). والقبيلة تستطيع أن تمتلك أرضاً (تك 26: 12) وترعى البقر مثل الحانيين والبنيامينيّين في ماري. وقد يكون لها حظائر وقرى تقيم فيها النساء والأولاد. وتنتقل القبائل وسط المدن والحقول المزروعة، فينهبون ويسلبون ويتركون المكان (تك 27:34 ي).
2- الرئيس
رئيس العيلة هو الآب وقد يكون الجدّ. يأمر وينجب. ويقوم بالذبائح العائلية حين ينصب الخيام أو يوسعها حين يجز الغنم أو يختتن ابنه أو ربمَا يطّلق امرأته. يقود أبناءه إلى الحرب ويفاوض في زواج بنيه وبناته، وينذر النذور ويبارك. حين يموت ينضمّ إلى جماعته (عم في العبرية. في السريانية عمو في العربية العم يعني الجماعة الكثيرة) في القبر المشترك. ولكنّ كلمة "عم" تدلّ أيضاً على شقيق الوالد. فإن غاب العم مارس أقرب الأقرباء حقّ الولي (جائل في العبرية) الذي ينتقم للدم ويكفل قريبه اذا دعت الحاجة في المحكمة. له الأفضلية في حال بيع الأرض، وهو كوارثٍ يتزوّج امرأة الميت ويجمع خيراته.
تروّج الفتاة فتأتي إلى بيت الزوج ويميل الزوج إلى اختيار زوجته بين أقرب الأقارب، في بيت عمّه. وقد سُمح للرجل بأن يتزوّج أخته من أبيه لا من أمّه (تك 20: 12 ؛ 2 صم 13:13). وإنّ لابن العم حقًا مميزًا على ابنة عمّه، وهذا ما لاحظه العلماء عند عرب موآب في بداية هذا القرن. ولكن قد يحصل أن يتمّ الزواج بطريقة مغايرة، فلا قاعدة في قبائل تحاول أن تحافظ على استقلالها.
القبيلة هي تجمّع عائلات (في العبرية: مطه ثم شبط. في العربية سبط. وفي السريانية: شبطو). الصورة هي صورة فرع يخرج من جذع مشترك (شجرة العائلة). تتقارب العائلات في الواقع او بالخدعة. وتبدو سلطة الرئيس ضعيفة. سيجد يعقوب صعوبات مع أبنائه، وهو بهذا يختلف عن إبراهيم وإسحق. والسلطة ترتبط بشجاعة الآب أو بإمكاناته لفضّ النزاعات. إنّ هؤلاء الرؤساء يقابلون الشيوخ عند العرب، والسوغاغو عند الحانيين والبنيامينيين في ماري. وقد يكون النفوذ كبيرًا فيحتفظ الإنسان بلقب الرئيس وينقل سلطته إلى ابنه البكر أو الثاني. وهنا تنشأ مشاكل الخلافة. قد تقبل عائلة بالرئيس الجديد (أو القديم)، ولكنّ قد ترفضه أخرى فتنتقل إلى قبيلة أخرى. كان كرمي من قبيلة رأوبين في 1 أخ 3:5 فصار من قبيلة يهوذا في 1 أخ 4: 1 ويش 7: 1. وزارح هو من أدوم في تك 36 :13 فصار من يهوذا في تك 03:38 ارتبط حُفيم وشُفيم بمنسّى في 1 أخ 7: 15، فصاروا من قبيلة بنيامين في عد 26: 39، وهذا ما يفسر العلاقات الوثيقة بين يابيش جلعاد وبنيامين (قض 21: 14؛ 1 صم 11: 1ي). واحدة من عشائر بنيامين في ماري (يارعو) تحمل اسم أريحا البنياميني. ولكن سائر الأسماء لا تتشابه. بمَا أنّ هناك خمسة قرون من الزمن بين هؤلاء وأولئك، فقد تحفّظ المؤرّخون عن القول بارتباط بنيامين ماري ببنيامين إسرائيل.

3- الأجداد
بين أسماء أجداد العائلات الإسرائيلية القديمة، يبرز إسم أبرام الذي صار أبراهام بعد انتقاله إلى الغرب (حسب نواميس علم الأصوات في الغرب السامى). أبي رام (تحذف الياء فيصير أبرام) هو اسم من بلاد الرافدين في النصف الأوّل من الألف الثاني. يشير إلى عبادة الاله- الآب، ويترجم: الآب يحب. ولكن حين انتقل إلى الغرب في المنطقة الأمورية (ماري ثمّ اوغاريت) عنى: الآب هو رفيع. واسم أوّل إله في لائحة الآلهة في أوغاريت هو"إيل أبي" أي الله أب (لا الله أبي). وقد عرّفتنا نصوص ماري إلى أسماء أمكنة نجد فيها أسماء أقرباء إبراهيم (ناحور، سروج). وبمَا أنّ حاران هي موضع عبادة القمر (أسماء أقارب إبراهيم: تارح، لابان)، قال الاختصاصيون إنّ ابرام هاجر من حاران إلى كنعان. قد تكون تمَّت هجرة أولى من أور إلى حاران، ولكن لا يزال القول موضوع جدال. وحسب سفر التكوين، مرّ أبرام في معابد شكيم والعي وبيت إيل، ولكنّه أقام في منطقة حبرون ثمّ بئر سبع. وهنا تختلط التقاليد عن أبرام بالتقاليد عن إسحق (ق تك 26: 1 ي و 9:12 ؛ تك 20: 1 ي؛ و21 : 22، 34). هناك أسباب معقولة تجعلنا نقول إنّ إبراهيم هو "ابرهن"، أمير شمعون، الذي تذكره نصوص اللعنات المصرية. فاسم شمعون ارتبط بمنطقة بئر سبع حيث أقام إبراهيم (تك 21: 22- 34). ولكنّ الاعتراضات ما زالت عديدة.
إنّ نصوص ماري ونصوص اللعنات المصرية تنتمي إلى القرن الثامن عشر ق. م. الذي يصل بنا إلى نهاية عهد الأموريين. فالأموريون ساميون من الغرب. وأمورو في نظر البابليين هي منطقة في الغرب، هي منحة البدو الخطرين في جبل بِشري. وستكون أمورو في نظر المصريين منطقة لبنان الجبلية. وتأسست دولة امورو. الشعب هو من البدو ومن الحضر، وهذا ما نكتشفه في نصوص التوراة.
هناك براهين تساعدنا على تحديد عصر إبراهيم وهجرته في العهد الأموري: نتعرّف إلى اسم أبرام واسم يعقوب، والانتشار الثقافي في مدينة بلاد الرافدين في منطقة سورية ولبنان وفلسطين في أيّام السلالة الامورية، واكتشاف طرق التجارة في عهد البرونز. ولكنّ تك 14 الذي ساعدنا على تحديد هذا الزمن هو اليوم موضوع جدال وهولا يساعدنا على اسناد كرونولوجيا. لهذا، إنطلق بعض العلماء من تنقيب في النقب فعادوا بإبراهيم إلى حوالي السنة 2000 (القسم الأوّل من البرونز الوسيط، أو بين البرونز القديم والبرونز الوسيط). وهناك فئة ثالثة لفت نظرها قلّة الأسماء بين إبراهيم وموسى في التوراة، فجعلت إبراهيم يعيش في القرن الرابع عشر أو الثالث عشر وهم يستندون إلى الطابع المتأخّر للموجة الأرامية، إلى القياس بين عادات الآباء وعادات الحوريين التي تخبرنا عنهم نصوص نوزو، إلى عمل عبيرو في زمن تل العمارنة (القرن الرابع عشر)، إلى المقابلات مع أوغاريت. هذه المعطيات أكيدة، وهي تمنعنا من أن نؤرّخ بعض المشاهد من حياة الآباء في زمن الأموربين، كما أنّها تساعدنا على فهم إسرائيل، ذلك الأرامي التائه (تث 26: 12) اكثر ممّا كان إبراهيم وإسحق ويعقوب.
إنّ يعقوب (الذي سيصير إسرائيل) يرتبط بإبراهيم، ولكنّه لم يكن وحده. فالتقليد التوراتي يجعل الإسماعيليين (العرب) في جنوب يهوذا يتحدّرون من إبراهيم بواسطة هاجر التي توجّهت إلى لحي روئي (تك 16: 14) كما توجّه إسحق (تك 24: 62) إلى قادش. وارتبط بإبراهيم أيضاً بواسطة قطورة (تك 25: 1- 4) المديانيون وسائر قبائل شمالي شبه الجزيرة العربية مثل ددان. وحين كان إبراهيم قرب حبرون سُمي "العبراني" (تك 14: 13) وقيل إنّ ممرا هي أمورية. ولكنّ تك 25:10، 28 يربط عابر، جدّ العبرانيين بعرب الجنوب (حضرموت، اوفير، سبأ) ويجعله ابن أخي فالج. ثمّ هناك تقليد يربط تأسيس حبرون بتأسيس صوعن (أو تانيس) حين دخل الهكسوس إلى مصر في نهاية القرن السابع عشر (عد 13: 22). فمن المعقول إذًا أن نرى في إبراهيم رئيسًا قويًّا تسلّط على مجموعة من القبائل في جنوبي فلسطين في ذلك الزمان. يبقى أن نعرف كيف ارتبطت به المجموعات اللاحقة عبر زمن الهكسوس (1750- 1580) حين سيطر أمراء ساميّون على الدلتا.

ب- تجمّع القبائل
إذا كانت القبيلة تشمل "بيوتًا" أو "عائلات" تتحدّر من جدّ واحد بالدم أو بخدعة قانونية، فالامر يصحّ حين نتكلّم عن تجمّع القبائل.

1- اتّحاد القبائل
قد تتّحد قبيلتان قريبتان، من البدو أو من أنصاف البدو، بطريقة احتفالية برباط الأعمام (بني عمي) حول سيف مغروز في الأرض. حينئذ تعتبر المجموعة نفسها "أبناء عم" المجموعة الأخرى، وهذا يفترض جدًّا مشتركا. إذًا علينا أن نتعامل بروية مع رسمات الأنساب. فهي تعني رباطًا، ولكن قد يكون رباط الدم أو رباط الأعمام. فرباط الأعمام متين ولا يقطعه إلاّ القتل أو السرقة. إذا سُرق غنم دفع السارق لصاحبه أربعة أضعاف (خر 37:21). وابن العم الذي وجد بهيمة ضائعة يردّها إلى صاحبها ولا يطلب تعويضًا (خر 23: 4- 5). والبهيمة المسروقة التي يتعرف اليها صاحبها عند بني عمه تعاد إليه ولا يدفع تعويضًا (خر 22: 11). إنّ هذه القرابة "العمّية" تخلق بين القبيلتين عهدًا حقيقيًا وقت الهجوم ووقت الدفاع. ومن المعقول أن تكون بعض القبائل الإسرائيلية (دان ونفتالي، أو منسى وافرائيم) قد اتّحدت لتدافع عن نفسها ضدّ مملكة حاصور القوية، أو لتدخل أرض كنعان.

2- التبنّي
تعرّفنا نصوصُ سفر التكوين بطريقة اتّحاد أخرى هي التبني. ونحن نستشفها في وضع منسى في تك 23:50: "ولد بنو ماكير بن منسى على ركبة يوسف". أمّا يوسف فرأى الجيل الثالث من أبناء إفرائيم. من وُلد على ركبة إنسان يعني أنّه تبنّاه. هكذا تبنّت راحيل ابني بلهة (تدُ 3:30) ويعقوب ابني يوسف (تك 12:48). فإن كان التشريع الموسوي يجهل التبني، فالحوريون في نوزو، شرقي الفرات، يمارسونه على نطاق واسع. فالشارون يتبنّون الاشخاص الذين اشتروهم. وليس هذا هو الاثر الوحيد لتأثير الحوريين في تقليد الآباء. فقد فسّر أحد الشّراح الخبر المثلث الذي فيه قدّم إبراهيم وإسحق زوجتيهما وكأنّهما اختاهما، على أنّه مأخوذ من العادة الحورية التي تؤمّن وضع الزوجة فتعطيها وضع الأخت. وأحد امتيازات الوارث هو أن يمتلك الأصنام البيتية الصغيرة، أي آلهة البيت (ترافيم في المحبرية). هذا ما فعلته راحيل (تك 31: 34). ودور لابان في زواج رفقة في حاران ابر من دور بتوئيل الآب. فدور الأخ البكر مهمّ جدًّا في نوزو. إنّ بقايا هذه العادات الحورية تُلقي ضوءًا على تقاليد ستبدو غريبة لمؤلّفي سفر التكوين.

3- كنعان والحوريون
عرف الكتبة المصريون منذ عهد تحوتمس الثالث (حوالي 1468- 1436) بوجود "حورو" في آسية: إنّهم أسرى في جازر. وفي عهد السلالة التاسعة عشرة سيكون حورو أحد أسماء كنعان. ومنذ امينوفيس الثاني (1438- 1412)، دل كنعان على اسم مكان في النصوص المصرية. سيطر الحوريون على سورية الشمالية إلى الفرات. ولكنّ الأمير الحوري ادريمي (من ألالخ) هرب إلى عميّه، في أرض كنعان، منذ بداية القرن الخامس عشر ونجد لمحة عن سكّان كنعان في نُصب لأمينوفيس الثاني: أسر فرعون 36390 من حورو، و 15200 من شوشو، و 3600 من عبيرو، و 179 من إخوة الملوك، و 127 ملكًا.
وتُعطينا مراسلة تل العمارنة فكرة أوضح عن كنعان في القرن الرابع عشر فحين حكم المصريون البلاد، وُجدت أسماء ملوك سامية وحورية وهندو أوربية. ملك أورشليم هو حوري. وقد يكون أرونا ايبوسي (2 صم 18:24 ي) حوريًا. وبعد زمان العمارنة، عاد الساميّون بقوة، فكان منهم ملوك مثل ملكيصادق وادونيصادق (يش 10: 1). وحين دوِّنت نصوص التكوين اليهوهية، بدا الحوريون وكأنّهم ينتمون إلى الماضي. حلّت محلِّهم مملكة ادوم التي سبقت مملكة إسرائيل (تك 36: 20- 31). وقد تدلّ قبيلة حور المديانية (عد 8:31 ؛ يش 13: 21) وحور إفرائيم (1 مل 8:4) وحور يهوذا (خر 31 : 2) على آثار للحضور الحوري في أرض كنعان.

4- عمرو أو العبرانيون
ما هي مكانة المجموعات الإسرائيلية في زمن تلّ العمارنة (حوالى 1370- 1350 ق. م.)؟ هل هم خصوم القوة الفرعونية، هل هم عبيرو رسائل أورشليم؟ من الاكيد أنّ عبيرو- عبريم (أوغاريت) هو "عبرو" (مصري) وهو "عبري" (التوراة). فهؤلاء العبرانيون هم مجموعات رهيبة تحتلّ المدن الكنعانية. فعملُ كعون ولاوي في تك 34، يُشبه أعمال عبيرو ضدّ مدن كنعان. ولكنّ عبيرو أوسع من قبائل إسرائيل. أمّا طبيعة هذه المجموعات فتبقى سرًّا من الأسرار. قد نفكّر بالارستقراطية الهندو أوروبية التي عاشت في مملكة ميطاني مع الحوريين وأعطت ملوكًا في كنعان في أيّام العمارنة. كير أنّ هذه المجموعات قريبة من الحوريين وإن تميّزت عنهم. ففي أيّام سيتي الأوّل (السلالة التاسعة عشرة، حوالي سنة 1300) ما زال وجودهم يهدّد منطقة بيت شان. ولقد لعبوا دورًا مهما في زمن شاول ثمّ اختفوا. وقد اعتبر المصريون والفلسطيون بعض الإسرائيلين من "عبريم- عبيريم". قد تكون تمت عمليّات اندماج وتزاوج بين الإسرائيليين وعبيرو. ولقد تركت الغادات الحورية تأثيرها في قبائل إسرائيل ولاسيّمَا في مجموعة راحيل.

5- أراميون وإسرائيليون
إرتبط دخول بني إسرائيل إلى أرض كنعان بدخول الأراميين. فقبل تجلت فلاسر الأوّل (حوالي سنة 1100 ق. م.)، لم يُعرَف الأراميون إلاّ باسم مدينة من المدن دوّن اسمها في اللوائح المصرية أو ببعض أصماء أشخاص معزولين. هذا يكفي لنقول بأنّه حوالي القرن الثالث عشر ق. م.، وقبل ظهور المجموعة الأرامية في التاريخ، كان ضغط أرامي على سوية. هذا الضغط وضع حدًّا لمملكة أمورو التي ظلّت قويَّة حتّى زمن الملك مُوَاتالو والفرعون المصري رعمسيس الثاني (1300- 1235). اتّفق هذان الملكان بدل أن يتقاتلا، والتهديد بأتيهما من أشور. فزحف الأموريون على موآب وتسلّطوا عليها بقيادة سيحون (عد 8:21)، كما زحفوا على كنعان عند جنوبي حرمون.
كان اسم إسرائيل اسم شخص في نصوص أوغاريت (القرن الرابع عشر، الثالث عشر) فصار اسم مجموعة في التوراة. عاش قرب يبوق (تك 29:32) على حدود جاد ومنسى (ماكير) قبل أن يصل إلى شكيم (تك 33: 20) حيث تقيم عشيرة ايعازر المنسّاوية (عد 26: 30). واسم إسرائيل هو اسم عائلة "إسرائيل المنسّاوية" (عد 26: 31). من الممكن أنّه بفضل موجة أرامية في جلعاد (تك 47:31- 49)، اتّحدت قبيلة من قبائل راحيل (جدّها إسرائيل) بقبيلة من قبائل ليئة أو زلفة (جدّها يعقوب). وبعد هذا صار الجدّان، أي اسرائيل ويعقوب، شخصًا واحدًا. ومهما يكن من أمر، فإن نُصب الفرعون منفتاح (حوالي 1230) يشهد على دخول إسرائيل إلى ما وراء الأردن. وإسرائيل مجموعة من البدو لم تتحضّر بعد، وهي تقيم بين بيت شان وجازر.

6- الآباء
يتجادل المؤرّخون في العلاقات الدقيقة بين إبراهيم وإسحق ويعقوب وإسرائيل. كثيرون منهم يرون قرابات قانونية (خدعة) بين عشائر متمايزة. "فآلهة الآب" لهذه العشائر المختلفة هي مختلفة: "إله (أو ترس: تك 15: 1) أبرام، "فحد" (مهابة أو قرابة) إسحق (تك 42:31)، "أبير" (تخفيف أبّير: رج تك 24:49؛ أش 1 :24، عزيز) يعقوب.
والمعطيات أكثر تشعّبًا. ففي أشعيا نحن أمام "أبير" إسرائيل، لا "أبير" يعقوب. ثمّ إنّ إله (إيل) إبراهيم يدلّ على إله يعقوب الشخصي (تك 28: 13). وسنجد عبارة "فحد أبي اسحق" (تك 53:31) في فم يعقوب حين قطع عهدًا مع لابان في منطقة غاب عنها تقليدُ إسحق (ولكن رج عا 16:7) وارتبطت بيعقوب قريب إسحق. وفي الجنوب، امتزجت تقاليد إبراهيم وإسحق بحيث إنّ التقاليد عن البئر والمعاهدة مع أبيمالك تنتقل من الواحد إلى الآخر. وإذا سرنا إلى الجنوب، وجدنا أنّ إبراهيم "نصَب خيامه" في ممرا ثمّ تركها. إذًا نستطيع أن نتكلّم عن قرابة بين إبراهيم وإسحق ويعقوب شرط أن نقول إنّ مجموعات إسرائيل انضمّت إلى مجموعات يعقوب المتفرِّعة من إبراهيم، وذلك بفضل تحرّك الهكسوس ودخول الحوريين وضغط الأراميين.
قارب العلماء بين ليئة والاكادي "ليتو" التي تعني البقرة. وقالوا إنّ راحيل (النعجة) تشير إلى المواشي والقبائل التي تمتلك قطعان الغنم. ويمكننا أن نقدّم الفرضية التالية: إنّ القبائل التي وُلدت أولاً حسب التقليد البيبلي (تك 29: 32 ي) كانت أولى القبائل المتحضرة، كما هو الأمر بالنسبة إلى إسحق في أرض كعون (تك 26: 12). إنّ هذه القبائل الأولى (رأوبين، شمعون، لاوي) ستنتقل إلى الجنوب والجنوب الشرقي بعد الذي حدث في شكيم (تك 34)، وستتصل ببئر سبع وحبرون اللذين هما مركزا تقاليد إبراهيم وإسحق. أمّا سائر قبائل ليئة (يسّاكر، زبولون) فهي تظهر في تك 31 بعد تدخّل راحيل وبروز دان ونفتالي ومجموعة جاد وأشير.
ومع أنّ العلاقات كانت وثيقة بين هذه القبائل، فقد ظلّت كل منها تعيش حياتها بصورة مستقلة. عاش شمعون قرب بئر سبع وتعرّض لمضايقة المصريين. ووجد لاوي نفسه كقبيلة محاربة قرب أدوم (خر 32: 25- 29). وستعرف حوليات الفرعون شيشانق في القرن العاشر"نقب لاوي". وستلتقي الجيوش المصرية بأشير على الشاطئ وتذكره بردية أنستاسي الأوّل على أنّه بين مجدو وشارون. ثمّ نجده على الشاطئ في يش 13: 2، وعد 24: 24 (تختلف الكتابة. أشورو في 2 صم 2: 9 ؛ اشور، عد 24: 24). ترك اشير أثرًا في جبل إفرائيم (1 أخ 7: 30 ي) وارتبط يحاد المقيم في شرقي الأردن.
إنّ القبائل تتحرك في كنعان المقسّمة وغير المستقرّة، والتي تجول فيها جيوش رعمسيس الثاني ورعمسيس الثالث (1197- 1165) قبل أن تتفكّك الإدارة المصرية في المنطقة.

ج- نحو الاستقلال
1- وتراجعت مصر
حافظ رعمسيس الثاني ومنفتاح على سيطرة مصر على كنعان وجنوبي لبنان. واجتاحت جيوش رعمسيس الثالث فلسطين، بعد أن قهر هذا الفرعون شعوب البحر عند مصبّ النيل وأقام أحد شعوب البحر، وهم الفلسطيون، على شاطئ غزة في عقرون حوالي سنة 1180. وانطلقت الجيوش المصرية إلى الصحراء، فاصطدمت بشوشو عند هيكل المنية (تمنة) في عربة، وعلى حدود أدوم. ونجد أيضاً آثارًا لرعمسيس الرابع في تمنة، ولرعمسيس الثامن ورعمسيس التاسع في جازر. وفي النصف الثاني من القرن الثاني عشر، أي بعد سنة 1150، زال الوجود المصري. وبرزت ممالك أدوم وموآب وعمون قبل أن تتكوّن مملكة إسرائيل (تك 36: 31). وتذكّرت القبائل انّها حاربت الجيوش المصرية بين الأردن والبحر المتوسّط قبل ان تصطدم بالمدن الكنعانية (المحصّنة، اسمها مجدل) وملوكها. وحين نقرأ سفر القضاة لن نجد أثرًا للوجود المصري.
وأحسّت قبائل البدو أو أنصاف البدو أنّها حرة تجاه السلطات المنظّمة في المدن (الحانيون والبنيامينيون في ماري). ولكنّ هذه القبائل لا تملك الأرض التي ترعى فيها قطعانها. فالآباء هم ضيوف وغرباء (جريم في العبرية رج كلمة جار في العربية). وعلى إسحق ان يترك المكان لأبيمالك في جرار (تك 26: 16- 17)، وعلى يعقوب أن يهرب بعد حادثة شكيم (تك 35: 1). فماذا أرادت هذه القبائل الاستقلال، فلتمتلك الأرض والمدن. وهذا لن يكون لها قبل متاهات طويلة احتفظت بها القبائل في ذاكرتها.

2- وصعدوا من أرض مصر
وظلّ التحرّر من الوصاية المصرية عالقًا في ذاكرة شعب إسرائيل. سمّي الخروج (اكسودوس)، بالنظر إلى ما حصل للمجموعة التي أقامت في الدلتا وهربت في يوم من الأيّام. ولكن لا ننسى أنّ العبارة البيبلية القديمة ليست "خرجوا من أرض مصر" بل "صعدوا من أرض مصر". فقوّة مصر كانت في كل مكان، ولكنّها لم تتسلّط بطريقة دائمة إلاّ في السهول والوديان. ولقد اهتمّ شعب إسرائيل باحتلال مرتفعات البلاد. انطقوا من مصر أو جاسان، من العربة أو وادي الأردن. هذه هي العبارة التي يحتفظ بها النبي هوشع (12: 14)، وهذا هو إطار رؤيا حوريب (خر 3: 8، 17). وفي نظر ميخا المورشتيّ (الذي عاش على تلال يهوذا)، أُرسل ثلاثة رؤساء أمام اسرائيل ليُصعدوه من بيت العبودية: موسى، هارون، مريم. وحسب التقليد، مات الثلاثة خارج الأرض الموعود بها: ماتت مريم في قادش (عد 20: 1 ) جنوبي بئر سبع ولحي رؤي (تك 16: 14). ومات هارون على حدود أدوم (عد 20: 23)، في جبل هور أو في موسير قرب منطقة الآبار وسبل المياه (تث 6:10- 7). ومات موسى في نابو في موآب (عد 34).

3- موسى
المشكلة التاريخية هي في ان نعلم كيف ولماذا سيطر موسى على سائر الرؤساء الذين اتّسموا هم أيضاً بالطابع المقدّس. لماذا أعطى اليهوهي بشميلته الملكية واليهودية مكانةً كبيرة لموسى الذي ظلّ ذكره حيًّا في قبائل الشمال (هو 12: 14)؟ وتقليد مريم في قادش! فمريم هي من النمط النبوي وقد ارتبط ذكرها بذكر عبادة فيها الرقص (خر 15: 21) والشفاء (خر 15: 26 ؛ عد 12: 11- 16)، وتذكّر انتصار الإله على البحر كما في عبادة بعل صفون (خر 15: 21). واعتبر بعض العلماء انّ ذكر مريم ارتبط بذكر هارون (خر 15: 20 ؛ عد 12: 1) قبل أن يرتبط بذكر موسى. أمّا اتصالات بني إسرائيل بقادش فقد نقلتها المجموعات الكالبية (عد 13) والقينية (عد 10: 29- 32). سيقيم كالب في حبرون. أمّا المجموعات القينية فطُردت من عشّها (قن، رج عد 24: 21) ولم تعرف الاستقرار فظلّت على حال البداوة تتجوّل من جنوب يهوذا (1 صم 15: 6؛ 27: 10؛ 29:30) حتّى سهل يزرعيل (قض 11:4).
وارتبط ذكر هارون "اللاوي" (خر 4: 14) بقبيلة لاوي. كانت تلك القبيلة مقاتلة في تك 34 وخر 25:32- 29، فتشتّتت. ولكنّها انغرست فيما بعد في جنوبي شرقي يهوذا على حدود أدوم (يش 13:21- 16) وحتّى حبرون. يبقى أن نعرف: هل جاء ابناء هذه القبيلة إلى أورشليم حيث سنجد الكاهن صادوق في زمن داود (1 أخ 5: 29- 38؛ عز 7: 1- 5)؟ وهل هم أولئك الذين حملوا عبادة العجل الذهبي إلى بيت إيل؟ وإنّنا نجد أيضاً في دان عائلة موسى، لأنّ يوناتان بن جرشوم (قض 18: 30) هو موكّل على حراسة المعبد.
لقد حملت التقليدَ الموسوي قبيلةُ افرائيم القويّة التي إليها ينتمي يشوع الذي يُسمَّى خادم موسى (خر 13:24؛ 33: 11؛ عد 11 : 28) في النصوص الألوهيمية... أمّا في نظر هوشع، فموسى هو نبي. وفي عد 12: 7، هو الحارس الأمين لمعبد يهوه. وعلاقاته مع رأوبين في أرض موآب هي ثابتة. فهناك ثورة الرأوبينيين وأتان وأبيرام (عد 16)، وهناك زواج المديانية أو الكوشية (خر 2؛ وعد 12: 1) مع العلم أنّ العلاقات كانت وثيقة بين المديانيين والموآبيين في ذلك الزمان (عد 22: 4 ،7). ونجد أخيرًا نصوصًا متأخّرة تجعل هارون في مصر، بينما يبدو اسم موسى مصريًا وكذلك اسم فنحاس (عد 7:25؛ 1 صم 1 :3) ومراري (عد 57:26) الذي ولد في مصر ثمّ تركها برفقة اليوسفيين. أمّا قصّة يوسف في التوراة، فتعود إلى فنّ أدبي واضح، بل إلى عدة فنون. ولكن ليس من الفطنة أن نقول إنّ لا اساس تاريخيا لها البتّة. فوجود الساميين في مصر أمر أكيد. لقد جاؤوا بشكل أسرى (لائحة في القرن السادس عشر)، أو بشكل مجموعات عائلية طالبين اللجوء (بني حسن، انستاسي الرابع)، أو بشكل مهاجمين أقوياء في زمن الهكسوس. ونفهم مجيء وذهاب الجماعات اليوسفية بعملية أسر تمّت في أيّام السلالة الثامنة عشرة أو السلالة التاسعة عشرة، مع سمات تعود إلى التقاليد في زمن الهكسوس. لقد توصّل هؤلاء الساميون إلى تسلّم وظائف عالية (أبيشامو) وإلى ان يتبوأوا العرش المصري (ارسو) بالاغتصاب في نهاية القرن الثالث عشر ق. م. وفي مصر سيُولد إفرائيم بن يوسف (تك 41: 52).

4- الخروج
هناك ولا شكّ خروجان في التوراة. خروج يمر في المعبد السامي في بعل صفون، بين مستنقع سربونيس والبحر المتوسط (خر 14: 2، 9). هذه طريق الفلسطيين بمحاذاة البحر وخروج يتجنّب طريق الفلسطيين (خر 13: 17) فيحاذي البحر الأحمر نحو مارة (يتحدّث المؤرخ سترابون عن المارانيين في هذه المنطقة)، ويتوغّل في شبه جزيرة سيناء، كما كان يفعل المصريون حين يذهبون إلى مناجم الفيروز في وادي المغارة أو سرابيت الخادم. ففي سرابيت، كان هيكل لتكريم الالهة حاثور والإله صفد بِسماته الساميّة. وتشهد الكتابات على وجود عمّال ساميّين.
طريقان لا تتوافقان. لهذا اقترح العلماء فرضية أكثر من خروج. هذه الفرضية نافلة إن قلنا إنّ "الخروج الهرب " هو خروج مجموعة محصورة من العائلات اليوسفية بقيادة موسى، و"الخروج الطرد" هو تذكّر لطرد الهكسوس كما دوّنه التقليد الأدبي الذي نقلته قبائل سامية مثل بني شمعون الذين خضعوا لسلطة مصر في كنعان من القرن السادس عشر إلى القرن الثاني عشر يقع الخروج الهرب في السنوات الأولى لرعمسيس الثاني. حين أقامت السلالة التاسعة عشرة في الدلتا لتراقب الحثيين الذين يهدّدون كنعان، شيَّد سيتي الأوّل سلسلة من الحصون بين الدلتا وغزة، وهذا ما جعل الخروج الهرب غير ممكن بطريق الفلسطيين. أمّا ابنه رعمسيس الثاني فجعل عاصمته في رعمسيس، وكانت فيتوم (خر 1: 11) في وادي توميلات مدينة الحامية والمؤن. واستعان الفراعنة لهذه الغاية بعمّال لم يتعوّدوا مثل هذه الأعمال فتألّموا من وضعهم (خر 5). ولقد اختفوا في يوم من الأيّام ليحتفلوا بعيد الربيع في الصحراء.
من الصعب أن نكتشف الطريق التي اتّخذوها، والهاربون أنفسهم لا يحتفظون إلاّ بذكريات غامضة. امّا جبل كاترين وجبل موسى فلم تدسهما قدَم قبل القرن الثالث ق. م. حيث ترك العرب الأنباط بعض الكتابات. إذًا نعود إلى الشمال الغربي من جزيرة سيناء حيث يمر المصريون ليجلبوا حجر الفيروز أو ليعاقبوا المهاجمين الأسيويين. وقد عرف كاتب مثل موسى محطة سرابيت التي يأتيها ساميّون يمكنه أن يعتمد عليهم. فقد وُجد بين الصحراء الكلسية الشمالية المحرومة من الماء وبين جبل الغرانيت الجنوبي الذي يجهله المصريون، منطقة متوسطة فيها الوديان وسبل الماء. لا ماء في هضبة سرابيت، ولكن بئر نسْب لا تنضب. وقد تجمّعت تقاليد عن القبائل المختلفة وصراعاتها وجبالها المقدّسة في مجموعة معقّدة، فيصعب على المؤرخ أن يجد طريقه فيها. فعلينا أن نطّلع على كلّ نصّ لنكتشف هذا التاريخ.

5- صدامات واحتجاجات
ونلاحظ صدامات بين المجموعة الموسوية وهذه أو تلك من سائر المجموعات. لا يُعقَل أن يكون العماليقيون نزلوا إلى منطقة فاران. إنّها أجمل واحات المنطقة ولكنّها ليست الواحة الوحيدة. وهناك نجد المكان المقدّس في مُنيَجة التي يرتفع فوقها جبل فاران (تث 2:33). ولكن لا نقدر أن نتبيّن موقع جبل فاران وحوريب وسيناء، "جبل الله" (خر 18: 5) وكأنّ كل هذه الأماكن مكان واحد. وحصل لجماعة موسى أن قطعت عهدًا مع قبائل الصحراء، معِ القينيين الذين لم يندمجوا بالإسرائيليين، مع لاوييّ هارون الذي مات على حدود موآب (عد 20 : 23)، مع الكالبيين في قادش (عد 13- 14). ولقد حصل لهم أن اصطدموا بمجموعات أخرى (خر 32- 25). اصطدموا بالأدوميين الذين أقاموا على جبل سعير في جنوبي يهوذا، وبالرأوبيينين مثل داتان وابيرام (عد 16: 1)، وبالعماليقيين الذين سيطروا بعض الوقت على وادي الأردن. ولكنّ أقوى صدام كان مع الأموريين في حشبون، في الشمال الشرقي من البحر الميت. وكانت نتيجة ذلك إقامة إفرائيم في "غابة إفرائيم " (2 صم 18: 6) حيث اتّصلت القبيلة اليوسفية بماكير بكر منسّى الذي تبنّاه يوسف (تك 23:50).
ويجعل التقليد موسى يموت في نابو (تث 34 ؛ عد 3:32)، ولكنّه لا يعرف بالتحديد موضع دفنه. وبالقرب من نابو، في الجهة المقابلة للأردن، يقع الجلجال وهو مكان مقدّس تجمّعت فيه القبائل. من هنا، اخترق يشوع الافرائيمي خطّ العدوّ في منطقة ستُقسم بين بنيامين وإفرائيم (معركة جبعون في يش 10: 10)، وقطع عهدًا في شكيم مع مجموعات أخرى. ولكن لم يكن صدام ولا اتصال مع المصريين أو مع الفلسطيين الذين اقاموا على الشاطئ بعد سنة 1180. وحوالي القرن الثاني عشر ترك الكالبيون قادش وقبر مريم وذهبوا إلى منطقة حبرون (يش 13:14). انضمّوا فيما بعد إلى يهوذا واستولوا مع الشمعونيين على صفات التي سُميت حرمة (عد 3:21؛ قض 1 :17)، أمّا القينيون (يرتبطون بقايين) فطُردوا من عشهم (عد 22:24) فصاروا بدوًا (تك 13:4) وتاهوا في النقب حيث التقوا بشاول (1 صم 6:15) وداود (1 صم 29:30) قرب حرمة (1 صم 30 : 30).

د- حياة القبائل
1- يساكر، زلولون، نفتالي، جاد، رأوبين
يساكر هو في سهل يزرعيل "حمار ضخم " (تك 49: 14) ينقل أحمال الكنعانيين والفلسطيين. زبولون يُبحر مع الفينقيين (تك 13:49). نفتالي قبيلة تعيش من الصيد (تك 49: 31)، مثل أجداد أهل أوغاريت الذين مرّوا عبر بحيرة الحولة قبل أن ينطقوا إلى سورية الشمالية. تنقّل جاد ورأوبين شرقي موآب (عد 21: 11) قبل أن يجدا في بلاد اليعزير وجلعاد الماء الضروري لتربية المواشي (عد 3:32- 4).
في هذا الوقت تكاثر بناء القرى في منطقة غربي الأردن الجبلية. كانت 23 قرية في نهاية البرونز الحديث، فصارت في بداية عهد الحديد (القرن الثاني عشر)، 123 قرية. وصعدت عشائر يوسفية من السهول فاستثمرت التلال الحرجية لأغراض مختلفة (يش 15:17- 18 ؛ قض 1 :27). صنعوا الجلال وزرعوا التلال وبنوا بيوتًا (مؤلّفة من أربع غرف حول دار داخلية)، فتكيّفت وطرَيقة الانتاج الزراعي في ذلك الزمان.

2- منسى وإفرائيم
رافق منسى إفرائيم في عملية استثمار تلال افرائيم الحرجية. فإذا وضعنا شكيم جانبًا، كانت المدن الكنعانية هناك قليلة. ولكنّ العلاقات بين إفرائيم ومنسّى قديمة. ففي تك 23:50، نقرأ عن تبني يوسف (على ركبتيه) نسل منسّى بواسطة ماكير بكره (تك 41: 51). أقام ماكير منذ بداية تاريخ إسرائيل في وادي يبوق وفي مكان لا يبعد كثيرًا عن الأردن (محنائيم، فنوئيل، سكوت). وإنّ تقاليد سفر التكوين تربط جذور هذه المدن بمجيء بني إسرائيل إلى المنطقة الأرامية (تك 3:32، 8: محنائيم؛ 32: 32، فنوئيل ؛ 17:33، سكوت). كانت كالب عشيرة نشيطة وأولى عشائر منسّى في عد 29:26- 34: نحن هنا أمام أسماء مدن ومستوطنات في غربي الأردن. وارتبط ماكير بجلعاد الذي هو أبوه أو ابنه. لا يذكر تك 46: 20، أية عشيرة منسّاوية (أو إفرائيمية) في مصر، وهكذا يختلف الوضع عن سائر القبائل. إذًا، ارتبط ماكير بيوسف (كما سبقه إلى ذلك إفرائيم) بواسطة عهد بين إفرائيم ومنسّى المقيم شرقيّ الأردن.

3- القبائل وشعوب البلاد
كانت لماكير علاقات متشعّبة مع مجموعات أخرى في جلعاد (1 أخ 7: 14- 19). وقد انتقلت عشيرتان من عشائره إلى بنيامين. ولكنّ الاستقرار غلب على العلاقات داخل القبيلة الواحدة. أمّا العلاقات بين القبائل فكانت مؤقّتة: بمناسبة خطر يحدق بهم أو من أجل حملة يقومون بها. وقد وجدت القبائل الإسرائيلية نفسها أمام مدن تسير إلى الانحطاط ومجموعات بشرية متنوّعة. وها نحن نذكر بعضها.
أوّلاً: الكنعانيون. عرفتهم نصوص إبله، ونصوص ماري وكتَّاب مصر انطلاقًا من القرن الخامس عشر أقاموا في المدن وعملوا في التجارة.
ثانيًا: أمورو، أمور. عنت الكلمة لدى البابليين منحة جغرافية: بلاد الغرب الجبلي. وتحدّث كتبة مصر عن الجبل بالنسبة إلى الساحل. أمّا في التوراة، فالكلمة تعني جماعة بشرية سابقة لبني إسرائيل. وقد يكون الأموريون بقايا ساميين بنوا دولة أمورو في القرن الثالث عشر ولكن تفكّكت الدولة وهاجر سكانها إلى شرقيّ الأردن (سيحون) أو إلى تلال غربيّ الأردن (تك 10: 16).
ثالثًا: دلّت كلمة "حثيين " في الألف الأوّل على مجموعة من السكّان الساميين أقاموا في سورية وفلسطين. ولكنّ الكلمةَ دلّت أيضاً على بعض مجموعات المملكة الحثية القديمة الذين انتقلوا نحو الجنوب بعد سنة 1200. إنّهم الجرجاشيون (كركيشا).
رابعًا: الحويون هم جماعة حورية أقامت قرب شكيم (تك 34: 21) قبل أن يُطرد حور من هناك إلى سعير (تك 36: 20).
خامسًا: الفرزيون. جماعة ريفية عرفتها النصوص المصرية، وقد أقامت في الأرض التي سيسكنها بنيامين.
سادسًا: العويون. أقاموا إلى الغرب وارتبطوا بأرض الفلسطين العتيدة.
سابعًا: اليبوسيون. أقاموا في أورشليم وجوارها. أرضهم منحة قاحلة، ولكنّها تمتلك بعض الينابيع (جيحون، عين روجل، عين شمس) على حدود صحراء يهوذا. اليبوسيون هم ساميون وسيملك عليهم ملك حوري (عبدي- هبة) في القرن الرابع عشر.
ثامنًا: الرفائيم. شعب أرامي قديم زال، ولكنّه ترك آثارا قرب أورشليم (وادي رفائيم)، في شرقيّ الأردن (عوج ملك باشان)، وقرب أرض الفلسطيين (2 صم 18:21). انضمّ إليهم عناقيم حبرون (تذكرهم نصوص اللعنات المصرية حوالي سنة 1800).
هؤلاء هم الشعوب الذين سيندمج بهم بنو إسرائيل شيئا فشيئًا.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM