الفصل الثالث والعشرون: سقوط التنين العظيم

سقوط التنين العظيم
11: 15- 12: 18

1- نظرة إجمالية
في ف 4 بدا القسم الجلياني بحصر المعنى في رؤ. طرح السؤال: ما الذي يحصل فيما بعد (4: 2)؟ إلى أين يتوجّه العالم الذي تهزّه هذه المحن العديدة؟ كيف سيعيد الرب برّه (حياة بحسب وصاياه) على الأرض؟ كيف يقود الأزمنة إلى نهايتها؟ هل سيأتي فيزيل الشرّ ويملك في وسطنا؟ أتراه نسانا؟
أ- أدخلتنا اللوحة التدشينية (ف 4- 5) بشكل مباشر إلى سيد الكون المتعالي، إلى السماء، أمام العرش الذي يجلس عليه شخص سرّي (ف 4). في ذلك المقام الرفيع، ستكشف لنا مخطّطات رسمها الله. ما زالت سرية وخفية. وهي مختومة بسبعة ختوم. وها هو الحمل المذبوح يقف وسط العرش، ويدلّ على أنه يستطيع أن يفتح ختوم الكتاب (العهد القديم) بفضل الغلبة التي حازها بدمه. وهو يشارك ذاك الجالس على العرش في سلطانه (ف 5).
ب- في زمن أول (ف 6- 7) فضّت الختوم الستة الأولى (ف 6)، وأعطيت مهلة قبل فتح الختم السابع لكي تجتمع الكنيسة، لكي يجتمع عباد الله المختومون بختم الله (هم يخصّون الله). إنهم مقدّمة السماويين الذين يشاركون العالم المقبل كما تقول الليتورجيا التي نحتفل بها في الإيمان.
ج- في زمن ثانٍ (ف 8- 11)، فضّ الحمل غير المنظور الختم السابع. وأمام هذا الملك الآتي، نفخ الملائكة بالأبواق، فأعلنوا التأهب من أجل القتال الذي بدأ. أصابت النار (سلاح في يد الله مثل كل عناصر الطبيعة) الأرض والسماء والبحر والأنهار. وصعدت من الهاوية جيوش تسبق الشياطين. وتنامى الحريق وانطلق. وكانت نتائج المناوشات الأولى محدودة (الثلث)، كما توخّت إيقاظ الناس إلى التوبة (ف 8- 9).
وتُركت مهلة ثانية حتى البوق السابع. إنها ستتيح للكنيسة أن توجّه إلى الأمم شهادتها النبوية التي هي: إعلان مجيء الديان، والنداء الأخير إلى التوبة (10: 1- 1411). وقام الشاهدان (يعني الكنيسة) بمهمتهما خير قيام في أقسى ظروف. كرزا في وقت محدود وما كانت حماية الله لتغيب عنهما. صارت النهاية قريبة: وأعلنت الويلات الثلاثة (8: 13؛ 9: 12؛ 11: 14) فدوّت كثلاث ضربات تسبق إفتتاح المسرح ودوّى التنبيه بشكل إحتفالي. "ما إن يحين الوقت وينفخ الملاك السابع ببوقه حتى يتمّ سرّ الله" (10: 7).
د- ونصل إلى 11: 15: "ونفخ الملاك السابع في بوقه". فالكنيسة تكشف بشهادتها مجد ابن الله. وتجعل ملكوت الله يظهر واضحاً وضوح النهار. كل شيء سوف يتمّ. فبعد الاقتراب والتنبيهات والمواجهة الخفية والمغفّلة في السابق، سيرتفع الستار الآن. فسفر الرؤيا هو جليان، هو كشف تدريجي، هو تدرّج في نور الإيمان أكثر منه تدرّج في تسلسل الأحداث. إذا قابلنا رؤ بشروق النهار الأبدي بعد الليل الحاضر، تكون الختوم ذاك الضوء الخفيف الذي يسبق الضحى ويغيّب النجوم. والأبواق هي الزمن الذي فيه نرى بوضوح دون أن نعلم بعدُ من أين يأتي النهار. وكل ما يتبع البوق السابع يكون شروق الشمس منذ طلوعه في الأفق حتى إرتقائه وفي كبد السماء منتصراً على كل ظلّ وعتمة (21: 23- 25؛ 22: 5).
نحن الآن في وضح النهار، وإن لم ينشر هذا النهار كل إمكاناته. فنقرأ في 11: 15: "صار مُلك العالم لربنا ومسيحه، فيملك إلى أبد الدهور". سيعلن المقاتلون عن أسمائهم وتبدأ معركة أخيرة تصل بنا إلى النصر الذي حازه الله منذ موت ابنه وقيامته.

2- البوق السابع: ملك الله (11: 15- 19)
أ- أصوات عظيمة (آ 15)
كل عنصر من عناصر السباعيات يعيدنا إلى السماء في إطار رؤية تدشينية نشاهد فيها العرش والهيكل السماوي. والهدف هو إبراز الرباط الوثيق بين توسّعات تاريخ الخلاص وتسامي نشاط الله غير المنظور.
في 8: 2- 5، وبين الختم السابع والأبواق الأولى، قدّم الملائكة العطور (البخور) على مذبح الذهب مع صلوات القديسين. وهذا ما جعل النار تنطلق على الأرض.
هنا أيضاً نجد ليتورجيا نرى خلالها ثلاث آيات (12: 1؛ 12: 3؛ 15: 1). والآية الثالثة هي نفسها ليتورجيا سماوية تعلن سكب الكؤوس. نجد الظاهرة نفسها في 16: 17- 21 وسكب الكأس السابعة.
تقوم ليتورجية 11: 15- 18 بهتافين: من جهة، أحداث عظيمة لا اسم لها. من جهة ثانية، أصوات الشيوخ الساجدين. في 4: 8، أنشدت الكائنات الحية الأربعة "قدوس" قبل نشيد الشيوخ. ووجدنا المجموعتين معاً في 5: 8، 14؛ 19: 4. كل مرّة، في حقبة مميّزة من الكتاب: في البداية، في الوسط، في النهاية.
"إرتفعت أصوات" (آ 15). نحن هنا ولا شك أمام الأحياء الأربعة الذين يرمزون إلى الخليقة: فالخلائق كلها تعلن ملك الله على الكون. ادّعى الشيطان أنه سيّد العالم (رج مت 4: 8 أ) وأنه يمارس سلطانه بواسطة ملوك الأرض (ف 17- 19). في الواقع، الله هو السيّد. وهو يمارس سلطانه بواسطة المسيح (17: 14: الحمل يغلبهم؛ 19: 16: ملك الملوك وربّ الأرباب): "صار ملك العالم لربنا ولمسيحه". تلمّح هذه العبارة إلى مز 2: 2 حيث نرى الأمم تتمرّد على الرب وعلى مسيحه.
أي حدث أطلق هذا الإعلان، "هذا الإنجيل"؟ مصير الشاهدين اللذين تعرّفنا إليهما في 11: 3- 12. إبتهجت الأمم لموتهما (آ 10). ولكن الله أقامهما (آ 12). حينئذ بدا هذا الموت كانتصار، لأنه كان الطريق إلى القيامة. "إختنق" الناس وتمزّقوا من الغيظ. ولكن بعضاً منهم مجّدوا الله، أي أقروا بوجود إصبع الله (آ 13).
أجل، رأت الجماعة مسيحيين يموتون ويقومون، فاحتفلت بالواقع الحاضر لملك الله ومسيحه. إنه "يملك إلى أبد الدهور". مُلك واحد لاثنين. إنهما واحد. فالله والحمل واحد في اللاهوت، واحد في العلم، واحد في المجد. نقرأ في 5: 13: "للجالس على العرش وللحمل (معاً) الحمد والإكرام والمجد والجبروت إلى أبد الدهور". فما نقوله لله الجالس على العرش، نقوله للحمل يسوع المسيح؛ رج 6: 16: وجه الله وغضب الحمل. رج غضب الله؛ 7: 9- 10: وقفوا أمام العرش وأمام الحمل. وهتفوا: النصر لإلهنا الجالس على العرش وللحمل؛ 12: 10: "النصر والعزة والملك لإلهنا والسلطان لمسيحه"؛ 14: 4: باكورة لله وللحمل؛ 22: 1، 3: "ينبع من عرش الله والحمل" (العرش هو الآن للإثنين).
ب- نشيد الشيوخ (آ 16-18)
"فركع الشيوخ" (آ 16). وتجاوب فعل شكر الشيوخ مع إعلان الخلائق. في 4: 11 و 5: 18، كانوا قد قالوا بأن الله والحمل يحق لهما وحدهما بأن يمارسا السلطان الملكي. والآن يقرّون بأن "المختار" قد أمسك بزمام السلطان. وقد انطبع واقع هذه التتمة (10: 7) بلقب أعطي لله: الكائن والذي كان. ولا يزيد النص: الذي يأتي كما في 1: 4، 8؛ 4: 8. فالنبوءة قد تمّت: لقد جاء الله. إنه هنا. لقد عاش الشهود الموت والقيامة مع المسيح. ونستطيع القول بأن ملك الله هو حقيقي وواقعي وفاعل. هكذا نقرأ في الأناجيل الأربعة أيضاً: إن الآيات التي اجترحها يسوع، إن الآية التي هي يسوع، تكشف أن الملكوت هو هنا (رج مت 11: 2- 6؛ لو 11: 20، 29-30). والكنيسة هي علامته في رؤ. هذا يعني أن ما كتبه يوحنا ليس بالغريب الشاذ. بل هو كلام مسيحي في لغة تزعج عاداتنا ورتابتنا.
"غضبت الأمم" (آ 18). إن غضب الأمم الذي يردّ عليه غضب الله، يحيلنا إلى مز 2: 1، 5، الذي هو مزمور مسيحاني. إذن، نحن في الأزمنة الأخيرة، في الأزمنة المسيحانية (مز 46: 7؛ 99: 1). لم يبق إلاّ الدينونة الأخيرة حيث يُعامل كل واحد حسب أعماله. ذكر النصّ هنا زمناً لدينونة الأموات. ولكننا لا نقرأ تصوير هذه الدينونة إلاّ في ف 20.
ستكون الدينونة مكافأة للبعض: أولاً، للأنبياء. أي الأنبياء المسيحيون والشهود (11: 3، 6، 10). ثم القديسون والذين يتقون اسم الرب. لن نرى هنا فئات مميّزة: خدّام، مؤمنون من أصل يهودي، مؤمنون من أصل وثني: مثل هذه التمييزات لا تدخل في نظرة رؤ. كل هذه التسميات تقول شيئاً واحداً: إنهم المسيحيون.
وستكون الدينونة عقاباً للبعض الآخر. فالذين يدمّرون الأرض سوف يدمّرون، والذين يُهلكون الأرض يهلكون. إنه عقاب يتوافق مع أعمالهم الفاسدة. فالفساد والتدمير يميّزان في العهد القديم عمل الذين يميلون بإخوتهم عن طرق الطاعة لله، عن طريق العهد. ففي رؤ، الزنى (= عبادة الأوثان) الذي عرفته الزانية العظيمة يفسد الأرض، يدمّر الأرض (19: 2)، لأنها لا تراعي مخطّط الله، لأنها تحوّل العلاقات المتبادلة بين الكائنات والأشياء حين تجعل من نفسها إلهاً وترفض الدخول بتواضع في النظام الذي أراده الله.
ج- هيكل الله وتابوت العهد (آ 19)
لم نعد أمام الهيكل الأرضي كما في 11: 1- 2، بل أمام نموذجه السماوي الكامل كما في خر 25: 10، 40. هذا الهيكل السماوي ينفتح فيكشف ما في مضمونه من سرّ: تابوت العهد. في 15: 5 سوف نجد "خيمة الشهادة" التي تستر تابوت العهد في قدس الأقداس. هذا ما يراه خليقاً بأن يُذكر في الهيكل السماوي، وهو يعبّر أفضل تعبير عن غاية الهيكل: إنه تعبير عن إرادة الله بأن يعقد عهداً مع البشر، بأن يسكن في وسطهم، بأن يكون فيهم ليلتقوا به ويعطي ذاته لهم. وإن ملكوت الله هو التعبير التام لإرادة الله هذه في عهده.
وهكذا، حين يكشف الله عن نفسه ملكاً عبر شهادة أخصائه، حين يدين البشر (آ 17- 18)، حين يجعل أخصّاءه يشاركون المسيح في انتصاره، حين يصبّ على أعدائه كؤوس غضبه (15: 5)، فلأنه في النهاية يذهب إلى آخر حدود عهده (مز 74: 20).
حين دلّ الله على تابوت العهد، كشف عن كائنه الحميم: هو إله عهد ولقاء، وهذا الوحي الأخير ترافقه آيات تقليدية من التيوفانيات (خر 19: 16، 19) تترجم حيوية الله السرّية والرهيبة. وإن رؤ هو تيوفانيا تقوى شيئاً فشيئاً: بروق، أصوات، رعود، في 4: 5. وفى 8: 5 يُزاد الزلزال. ثم البرد القوي في 11: 9. وفي النهاية، ذروة كل هذا في 16: 18- 21، بحيث لن يقدر الأعداء على المقاومة، فلا يبقى إلاّ الله وحده والحمل في وسط أخصّائه في نور حضوره المتألّق كالشمس. وهكذا نصل إلى كمال العهد (21: 3، 22، 23؛ 22: 3، 5).
في هذه الخلفية التي تدشّن الملكوت وتدلّ على ملء العهد تظهر (11: 19؛ 12: 1؛ 12: 3) آيات ثلاث في السماء (12: 1؛ 12: 3؛ 15: 1). هذه الآيات تدلّ على ملكه، وعلى أمانته للعهد.

3- التنين العظيم (12: 1- 18)
مع ف 12- 14 إنتظرنا سباعية الكؤوس السبع (16: 1)، فإذا نحن مع الخبر. وفي الوقت عينه نكتشف أشخاصاً جدداً: المرأة، الطفل، التنين، الوحشان. ويتواصل كشف التاريخ. وإن صعود النور الإلهي ينزع القناع عن قوى الظلمة. وما سوف يظهر هو الأساس الأخير للواقع الحاضر، لمرمى المعركة العظيمة، لكل ما تحتاج إليه الكنيسة لكي تعرف ما تعيشه على هذه الأرض.
أ- قراءة النصّ
نبدأ فنقرأ النصّ ببساطة، وننسى ما نعرفه مسبقاً، ولا نتساءل عن الواقع الذي يختفي وراء الأشخاص. نتوقّف عند ثلاثة أمور. المنطق أو تسلسل النصّ. البنية والتصميم. مرمى النصّ والفكرة الموجّهة.
أولاً: تسلسل النصّ
نكتشف الوحدات الصغيرة التي تشكّل هذا النصّ، كما نكتشف الرباطات التي تجمع الوحدات بعضها إلى بعض.
* آ 1- 4 أ. نجد وحدتين متعارضتين.
- آ 1- 2: وحدة أولى تتركّز على شخص المرأة. تصوّر صورة تتسجّل في إطار سماوي. تبدو وكأنها في بيتها وهي تمتلك كل صفات المجد. ثم يقال لها ماذا تعمل. فنشاطها يتعارض مع ظاهرها المجيد. هي تستعد لأن يكون لها ولد، وهو حدث سعيد في حدّ ذاته. غير أنها تبكي: جُعل الفعل في الحاضر للدلالة على أن الألم يمتدّ طويلاً. هي إمرأة تعيش الآن الآلام.
- آ 3- 4 أ: نجد وحدة جديدة مركزة هذه المرة على "تنين عظيم". عبارة المقدمة هي هي: "وظهرت في السماء آية أخرى". ولكن صورة التنين تتعارض كلياً مع صورة المرأة.
ويصوّر التنين: أحمر كالنار. وأعطيت له صفات المعرفة المتعدّدة الأشكال والقدرة الهمجية والسلطة. كل هذا يؤكد عليه عمله. إنه يتصرّف في السماء كأنه لص ومقلق يهاجم أصدقاء الله. تبدو السماء صغيرة له فيتحرّك ويكنّس (في الحاضر، يجرّ) نجوم السماء ويلقيها على الأرض.
حتى الآن، لم يحدث شيء بين المرأة والتنين. أخذ كل من الشخصين موضعه في إطار السماء. وسيبدأ العمل. وسيبدأ القتال.
* آ 4 ب- 6: الهجوم الأول للتنين
إتّخذ التنين مبادرة المواجهة، وقف تجاه المرأة والطفل الذي سوف تضعه. إنه يريد أن يبتلع الطفل. اللفظة الأساسية: ولَدَ، ولد، ولادة. حارب التنين ولم يصل إلى نتيجة. فهناك "شخص خفيّ" ينظّم أمور المرأة والطفل.
وضعت المرأة طفلها، وهو ولد معدّ لأن يملك على العالم بعصا من حديد. ثم "اختطف" الولد إلى الله وإلى عرشه، فشارك الله نفسه في سلطانه: هل ستبقى المرأة تحت رحمة التنين؟ كلا. لقد هربت إلى الصحراء حيث هيأ الله لها موضعاً تُعال فيه. إذن، التنين ضعيف أمام الله، وهو لا يستطيع أن يواجهه مباشرة. سخر الله من التنين: لا طفل، لا امرأة. فظلّ التنين وحده في السماء. ماذا سوف يحدث؟
* آ 7- 9: وحدة ثالثة
نجد وحدة جديدة مع لفظة "قاتل، قتال" (3 مرات في آ 7- 8)، ولفظة "سقط" (3 مرات في آ 9). سقط التنين إلى الأرض، وسقطت ملائكته معه.
- آ 7- 8: وتوسّع القتال. وتواجه جيشان: جيش ميخائيل وجيش التنين الذي لم تكن له المبادرة هنا، فأجبر على الدفاع عن نفسه. ميخائيل هو قائم مقام الله (من مثل الله. مي- كا- ايل). قيل عنه وعن جيوشه: وجب عليهم أن يقاتلوا. جاءت الأوامر من الله اللامنظور ومن شريكه، الولد الذي اختطف إلى عرشه. فالله والطفل هزما التنين بواسطة "القائد" ميخائيل. لا مواجهة مباشرة: فالله والولد هما فوق المواجهة. وخسر التنين ولم يعد له مكان في السماء. صارت السماء كلها لحزب الله.
- آ 9: والنتيجة: ألقي التنين إلى الأرض وملائكته معه. ويقول لنا الكاتب من هو هذا التنين: الحية القديمة، إبليس، الشيطان، خادع الدنيا.
* آ 10- 12: نشيد النصر في السماء
وتبدّلت اللهجة. لم نعد أمام خبر بل أمام نشيد النصر بعد القتال. وحلّل صوت من السماء وضع الأمور بعد الحدث. نجد في آ 10 ب: ألقي (سقط). والتعارض بين "السماء" و"الأرض". والإشارة إلى إبليس. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، تبدو الاختلافات بين الألفاظ لافتة. في آ 7- 9، نجد ميخائيل وملائكته الذين قاتلوا التنين. أما هنا فالنصر (= الخلاص) يُنسب إلى الله وإلى مسيحه اللذين يمتلكان القدرة والملك (آ 10). وينسب أيضاً إلى الإخوة (آ 11) الذين غلبوا بواسطة دم الحمل، الذين ضحّوا بكل شيء على حساب حياتهم. لم نعد أمام لغة رمزية، بل لغة مسيحية واضحة: إلهنا، مسيحه، إخوتنا، الحمل، كلمة الشهادة. واجهوا الموت. ونلاحظ تقارباً مع النشيدين في 11: 15 و11: 17- 18. لا تتبدّل إلاّ هوية الذين ينشدون. في ف 11: الكائنات الحية والشيوخ. هنا: الإخوة والمسيحيون المؤمنون. فالضمير "نحن" (إخوتنا نحن) يدلّ على أنهم مسيحيون "سماويون" يتكلمون (رج 7: 9-10). ويسمّى التنين باسم لم يُستعمل بعد: متّهم اخوتنا.
بعد الاحتفال بانتصار المسيح وإخوتنا، كان تقاسم "مناطق النفوذ". فالساكنون في السماء لا يرتبطون إلاّ بالله ويقيمون في فرح لا ينتزعه منهم أحد. أما الأرض والبحر فسوف يتحمّلان غضب الشيطان، ولكن لمدة قصيرة سوف تنتهي قريباً. فبين الغلبة التي حُزناها، ونتائج هذه الغلبة، تبقى مهلة قصيرة، قصيرة في نظر الله الآتي. نحن أمام مهلة إقامة المرأة في البرية: 1260 يوماً (آ 6)، 42 شهراً (11: 2)، ثلاثة أزمنة ونصف زمن (آ 14) أي نصف 7، وهذه يدلّ على حقبة موقتة.
ذُكرت الأرض والبحر، فاستعددنا لولي الخبر الذي يحصل على الأرض (آ 13، 16)، ثم على شاطىء البحر (آ 18).
وفي الختام، يبدو النشيد تفسيراً وجودياً للرؤية، قراءة حاضرة، ترجمة الرموز الغامضة إلى لغة مسيحية. تأويل وتأوين لقتال التنين ضد المرأة والطفل. لقد حوّل النشيد النصّ إلى صلاة لليوم الحاضر.
* آ 13- 14: الهجوم الثاني
ويستعيد الخبر مسيرته، فنجد المرأة (تركناها في آ 6) والتنين (غاب في آ 10- 12). وترتبط هاتان الآيتان مع آ 9 (نستطيع أن نلغي آ 10- 12 دون أن يتبدّل المعنى): "سقط التنين على الأرض، وسقط معه ملائكته". وفي آ 13: "ولما رأى التنين أنه سقط على الأرض".
وهجم التنين. فأفلت الطفل بشكل نهائي. إتخذ التنين المبادرة في آ 4 ب، وهنا أيضاً ولكن ضدّ المرأة. إنطلق في أثرها، ولكنه في الواقع يلاحق طفلاً: "طارد المرأة التي وضعت الولد الذكر". ولكن مبادرة سبقت مبادرته. قبل أن يصل إلى المرأة، أعطى الله ومسيحه للمرأة جناحي نسر عظيم فهربت إلى الصحراء حيث تجد طعامها. نلاحظ التوازي بين آ 6 (هربت) وآ 14 (طارت). كانت آ 6 استباقاً. أما آ 14 فهي في مكانها. وحدث كما بعد آ 6: وجد التنين نفسه وحيداً على المسرح. وكما في المرة الأولى سيندلع قتال بعد المحاولة الفاشلة.
* آ 15- 16: قتال على الأرض
وعاد التنين إلى القتال: على الأرض هو في عقر داره. وقد بُني الخبر بشكل دائري: "قذفت الحية من فمها نهر ماء/لكي يحملها في أمواجه/ ولكن الأرض اسعفت المرأة/ إنفتحت الأرض وابتلعت/ التنين الذي قذفه النهر من فمه).
في آ 4 ب، أراد التنين أن يبتلع الطفل. والآن، هو بنفسه "يبتلع".
قاوم ميخائيل وقوى السماء التنين. وها هي الأرض بدورها تقاومه. فالأرض ليست موضعاً يخصّ التنين. هو عليها لوقت من الزمن (آ 12). موضعه هو الهاوية (20: 2، 3، 10، 14، 15). الأرض هي موضع القتال وموضوع النزاع: لمن ستكون؟ على كل حال، فالله سيملك عليها في يوم من الأيام (21: 10).
* آ 17- 18: الهجوم الثالث.
لم ييأس التنين. أفلت منه الهدف. أفلتت منه المرأة، فيبقى عليه أن يهاجم نسل المرأة، سائر أولادها بعد أن اختُطف الأول إلى السماء. قد يحاول أن يخدع المرأة ير لا تكون أماً. ولكن بما أنها هنا، فغضبه يتضاعف (آ 12 ب). ولكنه يطلب الأولاد.
باقي نسل المرأة هم المسيحيون الذين شاركوا المصلوب، فدفعتهم هذه المشاركة إلى إعلان إيمانهم، إلى عيش شهادة تقودهم إلى الاستشهاد. هم أولئك الذين أنشد النشيد إنتصارهم (آ 11). غير أن التنين، وهو من مقام سماوي، لا يستطيع أن يقاتل بنفسه المسيحيين. لهذا سيجد ممثلين له على الأرض ومن بين البشر. أناس تراهم عيوننا، ولكن قلوبنا تعرف من أين جاؤوا. إذن "وقف على رمل البحر" من حيث يخرج القائد الذي يقوم معه.
ويبقى الخبر معلّقاً. وهو ينتظر ف 13 لكي يكون كاملاً.
ثانياً: التصميم
بعد هذه القراءة نرسم تصميماً للنصّ ممكناً
آ 1- 4 أ: الأشخاص على المسرح.
- إمرأة مجيدة. هي في المخاض. هي تتألّم.
- تنين قوي. ولكنه يعادي أحبّاء الله. فيلقيه الله على الأرض.
* آ 4 ب- 9: في السماء. هجوم أول للتنين. لم يعد الطفل في متناوله.
- عداء: وقف التنين أمام المرأة ليبتلع إبنها (آ 4 ب).
- عجز: لم يفعل الطفل شيئاً. ولكنه نجا وتسلّم السلطة (آ 5). وهربت المرأة إلى الصحراء إلى مكان هيّأه الله لها لكي يعيدلها 1260 يوماً (آ 6).
- معركة خاسرة: بعد انتصار الطفل (آ 10): قتال في السماء بمبادرة من الله وهزيمة التنين: لا مكان له في السماء، فسقط بدوره على الأرض (آ 7-9).
* آ 10- 12: في السماء. نشيد الظفر. الخلاص (= النصر) لله ولمسيحه لأن متهم اخوتنا قد سقط (رج 4 ب- 9). وانتصر إخوتنا أيضاً حين شاركوا الحمل في موته (إرتباط بما يلي: 13 ي). وهكذا تقسّم الكون: السماء لله. والأرض والبحر للشيطان الغاضب الذي نزل عليهما.
* آ 13- 16: على الأرض. هجوم ثانٍ للتنين الذي سقط على الأرض. لم تعد المرأة في متناوله.
- عداء: طارد التنين المرأة التي ولدت الطفل (آ 13).
- عجز: لم يصل التنين إلى المرأة التي طارت إلى الصحراء حيث تُعال: زمن، زمنان، نصف زمن، أي ثلاثة أزمنة ونصف زمن (آ 14).
- معركة خاسرة. لم يستطع التنين أن يصل إلى المرأة. فقام بحرب ولكنه فشل. أسعفت الأرض المرأة فلم ينلها أذى (آ 16).
* آ 17- 18: على الأرض. هجوم ثالث للتنين.
- عداء: غضبَ التنين على المرأة، فذهب يقاتل باقي نسلها. وسنعرف فيما بعد كيف وبأية وسيلة قاتلهم.

ثالثاً: الفكرة الموجّهة
وهكذا نرى أن مرمى هذا الفصل ليس مصير المرأة، بل إنتصار الله على التنين الذي ألقي من السماء على الأرض: يُصوّر النصر في آ 4 ب- 9، 13- 16. يحُتفل بالنصر في آ 10- 12.
في الظاهر، كانت المبادرة للتنين، وهو يبدو متفوّقاً. فهو الذي يهاجم دوماً (آ 4 ب، 13، 17). ولكن عمله في الواقع ذاهب إلى التفتت. أفلت منه الطفل، ثم المرأة، وأخيراً نسل المرأة. أخذ مجال عمله يتقلّص: في السماء أولاً. ثم على الأرض فقط ولمدة محدودة.
ب- المواضيع البيبلية
التلميحات البيبلية عديدة في ف 12. فالكتاب يتحدّث في لغة مصطلحة ورموز لاهوتية صاغها العهد القديم. لهذا، لا بدّ من العودة إلى الينبوع البيبلي لكي نفهم معنى النص ولا نطلق لمخيلّتنا العنان.
لم نذكر الاستشهادات في مسيرة ورودها في النصّ، بل جمعنا التلميحات البيبلية حول مواضيع ثلاثة تشكل خلفية ف 12: الخلق والسقطة، حواء والحية. الخروج من مصر والإقامة في البرية. ولادة الشعب الجديد لا التقليد النبوي والجلياني.

أولاً: الخلق والسقطة، حواء والحية
يرى ف 12 في المواجهة بين المرأة والتنين صورة عن المواجهة بين حواء والحية. في آ 9 يُقال لنا أن التنين يتماهى مع "حية البدايات وخادع العالم كله" (رج آ 15: قذفت الحية من فمها). وحرب التنين ضد باقي نسل المرأة (آ 17) يحيلنا إلى تك 3: 15: "أجعل عداوة بينك (أيتها الحية) وبين المرأة، بين نسلك ونسلها".
إن ف 12 هو توسّع مسيحاني على ضوء يسوع المسيح في تك 3: 15. فالمسيح المولود من المرأة ينهي القتال بين الناس والشيطان حين يتغلّب على الشيطان. وحيث خُدعت حواء وصارت إلى العري (تك 3: 10- 11: أنك عريان)، هربت إمرأة رؤ وهي ملتحفة بالمجد، وكانت الغلبة لنسلها. كيف ذلك؟ بممارسة شريعة الله ممارسة صارت ممكنة بواسطة المسيح. يعلّمنا ترجوم (النسخة الأرامية) تك 3: 15 كيف كان المؤمنون يفهمون هذا النصّ في ذلك الوقت. "حين يحفظ أبناء المرأة فرائض الشريعة، يصيبونك ويضربونك على الرأس. ولكن حين يتخلّون عن فرائض الشريعة تصيبينهم وتعضّينهم في العقب. غير أنه سيكون لهم دواء، وأنتِ لن يكون لك دواء: فهم معدّون للسلام في النهاية، في أيام الملك المسيح".
كل شيء يدور حول قبول أو رفض الشريعة التي تعتبر طعام الشعب الأسمى، على ما في تث 8: 3: "لا يحيا الإنسان بالخبز فقط، بل بكل كلمة تخرج من فم الله".
غير أن حواء أرادت أن تتغذّى من ثمرة شجرة المعرفة. اعتبرت أنها "إلهاً" يعرف ويقرّر ما هو خير وما هو شّر. أكلت من ثمار الكذاب وأبي الكذب. فخسرت لباس المجد. أما في أيام المسيح المنتصر، فقد قبلت المرأة أن يعولها الله (في ممارسة الشريعة، طعامي أن أعمل مشيئة من أرسلني، يو 4: 34) بعيداً عن الحية (رؤ 12: 6- 14). وفي آ 17 سوف نرى نسلها يعملون بوصايا الله ويحفظون شهادة يسوع، أي: يكونون شهوداً (وشهداء) مثله. كانوا أمناء للشريعة واقتدوا بيسوع، فدلّ موقفهم مسبقاً على نتائج القتال: سوف ينتصرون.
وهكذا يصطلح في أيام الولد- المسيح ما تفكّك في زمن البدايات. ولكن يبقى أن تك 3: 15 لا يفسّر مجمل ف 12: إنه الموضوع المركزي الذي حوله تُبنى الصور.
ثانياً: الخروج والإقامة في البرية
في سُطر الشرق القديم، يكون التنين الوحش الرئيسي الذي يحارب إلهاً ينظّم الكون ويرتّبه. إنه جملة كل العداوات ضد الله. هكذا كان لويتان أو الحية الملتوية، وبهيموت أو البهيمة بكل وحشيّتها.
ولكن هذه السطرة قد صارت في العهد القديم "مدلولاً تاريخياً". فصورة التنين تعود بنا إلى سفر الخروج. فمصر وفرعون هما تجسيد نموذجي للتنين. نقرأ في مز 74: 13: "شققت (سيطرت على) البحر بقدرتك، وكسرّت (وحطمت) رؤوس التنانين على المياه". وفي حز 29: 3 نقرأ كلام الرب: "أنا خصمك يا فرعون ملك مصر، يا تنيناً عظيماً رابضاً وسط النيل" (رج 32: 2: تشبه، يا فرعون، أسدَ الأمم، والتنين في المياه). يستلهم حزقيال صورة التمساح الذي عُرف في مصر القديمة (رج أي 7: 12: أبحر أنا أو تنين، يقول أيوب). ويرى إر 51: 34 صورة عن التنين في شخص نبوكدنصّر: "أكلني نبوكدنصر، أفناني وجعلني إناء فارغاً، إبتلعني كالتنين". والتنين سيكون آخر عدوّ يقتله الله في الأزمنة الأخيرة (أش 27: 1).
المرأة هي صورة تقليدية عن شعب الله. هربت إلى الصحراء حيث تُعال بطريقة عجائبية (آ 6، 14). هذا يذكّرنا بخروج العبرانيين بعد تهديد فرعون، ومعجزتَيْ المنّ والسلوى (خر 16، عد: 11). في آ 14، "أعطيت المرأة جناحَي نسر عظيم"، على مثال ما أعطي لشعب الله في الخروج (19: 4: حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إليّ) والتثنية (32: 11: كالنسر الذي يغار على عشه) لينجو من الخطر.
والنهر الذي قذفته الحية لكي يبتلع المرأة (الماء علامة الشّر) يذكرنا بملاحقة الجيوش المصرية للعبرانيين كما في خر 14: 8- 9 (تبع بني إسرائيل) أو 15: 9 مع عقاب المطاردين في خر 15: 12: "مددت يمينك فابتلعتهم الأرض" (كما ابتلعت النهر)؛ رج عد 16: 30- 32؛ 26: 10؛ مز 106: 17. وسوف نقرأ في رؤ 15: 1- 2 نشيد الغالبين أمام بحر البلّور. فنتذكّر نشيد العبرانيين بعد عبور البحر الأحمر (خر 15).
كل هذه العناصر (أي المرأة والتنين والنشيد) تسمّى آية (12: 1؛ 12: 3؛ 15: 1). فهي كآيات ومعجزات سفر الخروج، براهين تدلّ على عطيّة الخلاص التي يمنحها الله. وهكذا نفهم أن الله سيكون إلى الأبد مخلّص الكنيسة كما كان مخلّص العبرانيين في مصر. وسيصنع الشيطان نفسه "آيات" (سامايون) ليدلّ على "حقيقة" قدرته (11: 13- 14؛ 19: 20). لقد كان سفر الخروج النموذج الأول للخلاص وانتصار الله. وخلاص نهاية الأزمنة سيقود النموذج إلى كماله. فيقول نشيد 10: 11: "هذا هو زمن الخلاص وهو يتم الآن"، وظهر العهد في ملء ظهوره (11: 19).
ثالثاً: ولادة المسيح والعالم الجديد
إن الانتظار المسيحاني يرى الأزمنة الأخيرة كأنها صراع بين الله والأمم حيث يُجلس الله ابنَه على عرش ويخضع له كل شيء. ونحن نشهد السيناريو النموذجي لهذا الصراع في مز 2 الذي نجد عدداً من عباراته في هذه الفصول. آ 2: الرب ومسيحه. رج رؤ 11: 15 (ملك العالم لربنا ولمسيحه). آ 1- 5: غضب الشعوب وغضب الله. رج رؤ 11: 18 (غضبت الأمم، فجاءت ساعة غضبك). آ 8- 9: يقود الأمم بعصا من حديد. رج رؤ 12: 5 (يحطم الأمم كلّها بعصا من حديد)؛ رج 2: 27 (يرعاهم بعصا من حديد، لأنهم رفضوا نداءه).
ويُقابل كلّ هذا، القتال والمحن التي ترافقه بولادة في الألم. فشعب الأزمنة الأخيرة يشبه امرأة (= صهيون) تلد في الألم الملك (= المسيح) أو الشعب الجديد. هنا نقرأ أش 66: 7- 8 الذي استلهمه رؤ 12: 3، 5: "قبل أن تتمخّض ولدتْ، وقبل أن يأخذها الطلق ولدت ذكراً. من سمع بمثل هذا الأمر؟ من رأى شبيهاً له؟ أتولد أرض في يوم واحد، أم تخرج أمّة في لحظة، حتى تلد صهيون بنيها وتخرجهم قبل مخاضها"؟ أجل، صهيون (أو أورشليم)، صارت أم عائلة كثيرة العدد بعد أن عاد إليها ساكنوها. ونقرأ أيضاً في مي 4: 10: "تلوّي يا بنت (مدينة) صهيون (أورشليم) وتوجّعي كالتي تلد... لتذهبيْ إلى بابل من بعد. هناك ينقذك الرب".
يصوّر مجدُ صهيون المتجدّد بألفاظ كونية كما في 12: 1 (السماء، الشمس، القمر). فنقرأ في أش 60: 1- 3: "قومي استنيري فنورك جاء، ومجد الرب أشرق عليك. ها هو الظلام يغطّي الأرض، والسواد الكثيف يشمل الأمم، أما عليك فيشرق الرب وفوقك يتراءى مجده. فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك". وفي نش 6: 10: "من هذه المشرقة كالصبح، الجميلة كالقمر، البهية كالشمس"؟ وفي وصية نفتالي (5: 3- 4، كتاب منحول): "أمسك لاوي بالشمس ويهوذا بالقمر... كان لاوي كالشمس وبدا يهوذا مشعاً كالقمر وتحت قدميه اثنا عشر شعاعاً (رج تك 37: 19 حيث الأسباط الاثنا عشر هي 12 كوكباً).
جاء التيار الجلياني فقرأ هذه الصور بشكل جذري. مثلاً، رؤية الأزمنة الأخيرة في رؤيا أشعيا. ففي أش 24- 27 نجد أحدث أقسام الكتاب. أولاً: الآلام، نقرأ في أش 26: 17- 18: "كنا أمامك يا رب كامرأة قاربت الولادة، تتوجّع وتصرخ في مخاضها. لكننا حبلنا بوجعنا وولدنا ريحاً، فلا جعلنا في الأرض خلاصاً ولا ازداد سكان العالم". ثم يأتي التدخّل الإلهي، فيطعن التنين ويعيد الموتى بالقيامة: أش 26: 19- 27: 1: "تحيا موتاك وتقوم أشلاؤهم... في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لويثان الحية المدهشة، لويثان الحية الملتوية، ويقتل التنين الذي في البحر" (رج أش 51: 9).
وقدّمت رؤية دا 7- 12 أيضاً صوراً عن هذه المواجهة الأخيرة. في 7: 8، 24: الوحش الرهيب بقرونه العشرة (رج رؤ 12: 3). في 8: 10: القرن الذي نما فوصل إلى جند السماء (الكواكب) وأسقط على الأرض قسماً من هؤلاء الجند كما أسقط النجوم ورؤوسها (رؤ 12: 4). في 10: 13- 21؛ 12: 1 نرى ميخائيل الملاك المحامي ورئيس جند السماء.
هذه عيّنات من الصور التي استعملها الكاتب ساعة بدأ يعرض آيات الخلاص الكبرى التي صنعها الله، فكانت الأساس الذي إليه تستند غلبة الشاهدين.
ج- تعليم رؤ 12
رغم الظواهر المعاكسة، ملكوت الله هو فاعل الآن حقاً، فلا نضلّ حين نرى الاضطهادات. وسيعرض الكاتب بوضوح محرّكات التاريخ الخفيّة، ويبرز القوى التي تعمل "في السماء" ومن وراء ما نرى على الأرض.
أولاً: النشيد (آ 10- 12)
نبدأ بالنشيد لأنه الأوضح. هناك صوت النبيّ المسيحي الذي يفسّر الأمور لإخوته. الخلاص أي إن نصر الله النهائي هو هنا. لقد غلب وانتهى الأمر بالنسبة إليه. والسلطان الحقيقي، في هذا العالم، لا يمارسه الشيطان وأعوانه (كما يظنّ البعض)، بل المسيح باسم الله. منذ البداية، دفعت الحية القديمة الإنسان لكي يعارض الله. أغوت العالم كله وأضلّته. وكانت تقف أمام الله كالمتهمة (الشيطان هو الذي يفتري)، فتذكره بخطايا البشر (زك 3: 1- 2)، وتبرز هذه الخطايا من أجل هلاكهم حسداً (أي 1: 9- 11؛ 2: 4- 5). وحين تلتصق الخطيئة بالانسان، تجعله غريباً عن العهد وبعيداً عن الله. جرّ التنين بذنبه ثلث نجوم السماء ورماها على الأرض (رج دا 8: 10؛ روم 3: 9: الجميع هم تحت الخطيئة؛ أف 2: 1 - 3: كنتم أمواتاً بزلاتكم وخطاياكم... كنا بالطبيعة أولاد الغضب).
ولكن منذ أحبنا المسيح ونجّانا بدمه من خطايانا (1: 5)، ما عاد إتهام يؤذي ذاك الذي يؤمن بهذا الحبّ. قال بولس في روم 8: 1: "ما من هلاك الآن للذين في المسيح يسوع". فيسوع الذي أحبنا قد "أفلت" بقيامته من قبضة الشيطان وحاز على الغلبة (5: 5). ألقي الشيطان من السماء على الأرض. هذا ما قاله يسوع نفسه: "كنت أرى الشيطان يسقط من السماء كالبرق" (لو 10: 18). ونقرأ في يو 12: 31- 32: "الآن (في الفصح) دينونة هذا العالم. الآن يُلقى رئيس هذا العالم خارجاً. وأنا متى ارتفعت عن الأرض، جذبت إليّ جميع البشر".
ليست السماء مكاناً ولا الأرض. هما مستويان في الواقع الذي نعيشه. السماء هي مستوى الواقع الروحي. هو مهم وحاسم وثابت وهو يتسجّل في الأبدية. لا نرى السماء بعين الجسد، بل بعين الإيمان فقط. والناس المجذّرون في الله وفي مسيحه بمشاركة يسوع في حياته وشهادته يُعتبرون سماويين، يُعتبرون مقيمين منذ الآن في السماء. أما الأرض فهي مستوى الظواهر، مستوى الواقع الذي نراه. هو لا يؤثِّر على المصير العميق للكائنات، وهو لا يدوم. إن "سكان الأرض" هم أناس يرفضون أن يسمعوا لله، فخضعوا للشيطان عن وعي أو بلا وعي.
إذن، في الماضي كان الشيطان في دائرة السماء، وكان له سلطان على مصير البشير الأبدي، فيستطيع أن يميتهم بالموت الأبدي. ولكن ها قد وُضع حدّ لنشاطه، وزال التهديد الذي كان ثقيلاً على الإنسان منذ البدايات. منذ الفصح والقيامة، لم يعد الشيطان كما كان، لم تعد له علاقة بالسماء، ولم تعد له أهميته في مخطّط الله. صار عمله على مستوى الأشياء المائتة والعابرة. ولا يستطيع أن يفرض نفسه على البشر بشكل حاسم ونهائي. فالله ومسيحه هما القوة السميا في التاريخ.
كل الذين يتحدون بموت المسيح الغالب، يشاركون في الإنتصار على الشيطان وتجريده من سلاحه، ويخاطرون في إعلان كلمة يسوع مستعدّين لأن يفضّلوا المسيح على حياتهم. هذا ما فعل الشاهدان في ف 11. ونقرأ في مر 8: 35: "لأن الذي يريد أن يخلّص حياته يخسرها. ولكن الذي يخسر حياته في سبيلي وسبيل البشارة يخلّصها. وفي يو 12: 25: "من أحبّ نفسه خسرها. ومن أبغض نفسه في هذا العالم حفظها للحياة الأبدية".
ونستنتج الآن أموراً عملية مع آ 12: الذين مديِنتهم هي في السماء (فل 3: 20)، الذين حياتهم مخفيّة مع المسيح في الله (كو 3: 3- 4)، الذين مسكنهم في السماء، يستسلمون بدون تحفّط إلى الفرح، فرح القائمين من الموت، فرح الإنجيل.
ولكن الويل للأرض وللبحر. الويل لنا بقدر ما زلنا "مغطّسين" (غارقين) في هذا العالم الحاضر. فالأرض هي بالنسبة إلى المسيحيين زمن القتال والأمانة الخطرة حيث يفلت العدو فيبدو أنه يتفوّق عدة وعدداً. ولكن الله يمنعه. وما يُثلج الصدر هو أن هذا الزمن القاسي يدوم مدة قصيرة من الزمن بالنسبة إلى مخطط الله: 1260 يومأ. زمن وزمنان ونصف زمن.
ثانياً: الخبر (آ 1- 9، 13- 18)
على ضوء هذا النشيد (آ 10- 12) نستطيع أن نقرأ الخبر في آ 1-9، 13-18..
المرأة هي الكنيسة التي تتجذّر في تاريخ إسرائيل. الكنيسة في بعدها السماوي تلتحف بالمجد. وتلبس الإكليل علامة الغلبة. وفي بعدها الحالي والأرضي، ما تزال غارقة في الآلام.
الشعب المسيحي يلد المسيح. هناك يولد في بيت لحم من مريم العذراء. ننطلق من الصورة الواقعية مع مريم فنصل إلى الصورة الروحية أي أورشليم السماوية وشعب الله الجديد. وهكذا نكون في النهاية أمام ولادة المسيح الكامل، ولادة البشرية الجديدة، ولادة الرؤوس والأعضاء عبر سّر العبور العمادي في الموت والقيامة. إن الولادة التي نتحدّث عنها هنا هي ولادة القيامة. كما نقرأ في أع 13: 33: "الله أقام يسوع كما كتب في مز 2: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك". إذن، الآلام هي عذاب المسيح وصلبه حيث يشاركه أخصاؤه. ونص يو 16: 21 يلقي ضوءاً على النص الذي ندرس: "فالمرأة تحزن وهي تلد، لأن ساعتها جاءت. فإذا ولدت تنسى أوجاعها لفرحها بولادة إنسان في العالم". إن عذاب يوم الجمعة سينصبّ على الجماعة، مثل أوجاع الولادة. ولكن القيامة ستغمرها بالفرح مثل أم تفرح بولادة إبنها. إذن، تُعتبر الجماعة كأنها أم الإنسان الجديد، أم المسيح القائم من الموت، ونحن نستطيع أن نطبّق هذا النصّ على مريم بقدر ما مثّلت مريم الكنيسة عند الصليب. نقدر أن نفكّر في مريم في مذود بيت لحم. وبالأحرى على الصليب حيث ولدت الكنيسة من جنب المصلوب، ولدت من الماء والدم، من المعمودية والافخارستيا. وكانت مريم هناك، حواء الجديدة وأم أبناء عديدين. ونتذكّر أيضاً ما يقوله بولس الرسول في غل 4: 19: "يا أولادي الذين اتمخّض فيكم من جديد إلى أن يتكوّن المسيح فيكم . وفي 1 كور 4: 15: "لو كان لكم عشرة آلاف مرشد، فما لكم آباء كثيرون. لأني أنا الذي ولدتكم بالبشارة التي حملتها إليكم".
أراد التنين أن يزيل الإنسان الجديد، أن يبقي المسيح في الموت، أن يستبعده إلى الأبد، أن يمنعه من القيامة، ولكن عبثاً! التنين هو مجموعة القوى المعادية التي تهاجم عمل الله. وتكدّس آ 9 الأسماء التي يحملها هذا التنين في الكتاب المقدّس: الحية القديمة، إبليس والشيطان، مضلّ المسكونة. ونجد الأسلوب عينه في 11: 8 عن المدينة: سدوم (مركز الزنى) ومصر (مركز العبادات الوثنية)، حيث صلب ربهما (أورشليم القاتلة). إبليس هو قويّ في الظاهر. رهيب جداً. ومشاريعه عديدة: يضطهد المرأة (آ 13). يقاتل نسلها (آ 17). هو يهاجم دوماً عمل الله، فلا يكلّ ولا يهدأ. ومع ذلك فأعماله هي ريح وهواء.
ظنّ أنه ابتلع المسيح (في الموت). ولكن المسيح قام وجلس عن يمين الله. ثم إن الشيطان لا يتجاسر أن يقاتل الله بشكل مباشر. وبواسطة ميخائيل يستغلّ الله إنتصار المسيح. فالله والشيطان ليسا على مستوى واحد. لا قيمة له. وهو لن يجد موضعاً في السماء له ولجماعته. وما يقوم به إبليس وحزبه، لا يؤثّر على مشروع الله الخلاصي. فقد ألقي على الأرض وقُهر إلى الأبد.
أفلت منه "الولد" على الأرض، فلاحق الكنيسة. إن الكنيسة تعيش في غياب ربهّا الذي ارتفع إلى الله. ولكنها في يد الله. يحملها جناحا النسر العظيم إلى هذه البرية التي تتجوّل فيها بين مصر وأرض الميعاد، بين الخطيئة والقداسة، بين الأرض والسماء. فهذه الصحراء هي منطقة خاصة على الأرض يصل إليها من السماء كلُّ طعام، يصل "المن"، تصل الكلمة والافخارستيا. هذه الصحراء هي الموضع الذي فيه هيّأ الله للكنيسة بعض السماء على الأرض، هي الموضع الذي تجد فيه الكنيسة الحماية المطلقة. والمحن التي تمثلها مياه النهر لا تدركها حقاً. "فأبواب الجحيم لا تقوى عليها" (مت 18:16).
ما استطاع التنين أن يصيب الكنيسة فذهب يقاتل باقي أبنائها، يقاتل شعب الله هذا الذي هو نحن. ولكن الذين يحفظون الوصايا والذين لهم شهادة يسوع، لا يخافون شيئاً. لقد سبق لهم فانتصروا كما قيل في آ 11: "غلبوا بدم الحمل وبكلمة شهادتهم".
من عمر قلبُه بإيمان جعله يتجاوز ظاهر الأشياء ويقرأ آيات الله، يعرف اننا نقاتل شخصاً مغلوباً على أمره (هو إبليس). وان وراء عذابات الولادة، تدلّ القيامة مسبقاً أن ملكوت الله هو هنا. فلا نحتاج إلاّ إلى وقت قصير لتنتهي المعركة، وتعلن الدينونة، فلا يبقى إلاّ الله في أورشليم التي صارت كلها سماوية.

4- نظرة تفصيلية
ترتبط في ف 12 مسائل تأويلية ومسائل تاريخية. لهذا نجد في هذا الفصل المفتاح الذي يساعد على تفسير الكتاب كله. فالتدوين الحالي قد احتفظ بعناصر توراتية ولا بيبلية تعود إلى زمن متأخر، وقد تضمّنت تقاليد ميتولوجية آتية من بابل وإيران وعالم اليونان. ونحن ندخل بشكل أفضل في الخلفية اليهودية، هذا العالم الصوري والرموزي لسفر الرؤيا حين نلجأ إلى الآداب المنحولة سواء ارتبطت بالكتاب المقدس أم لا. ونكتفي بمثل شبيه بما في آ 1- 6: ففي أناشيد الشكر في قمران، نجد نصاً له علاقة وثيقة برؤية يوحنا، رؤية الآية الأولى التي فيها ستضع المرأة ولداً. يعود هذا النص إلى المغارة الأولى (3: 7- 12) فيقول: "أُشبه في الألم امرأة تضع ولداً فتصبح للمرة الأولى أماً. عذاباتها كثيرة وألم صدرها لا يُحتمل بانتظار ولادة بكرها. إن مجيء الأولاد إلى العالم يتم في عذابات قاسية. فالتي حملت في حشاها "البطل" ستلد ابناً وسط ضيق قاتل. فوسط الآلام والمخاطرة بالحياة، ولدت الحبلى بكراً. والعجيب (الله) دعا مجلسه بقوة ساعة خرج البطل من حشا أمه".
نحن هنا أقلّه أمام تقليد مشترك بين رؤ وكتابات قمران. وقد نكون أمام تقليد يهودي طبع بطابع مسيحي ساعة أقحم الكاتب نشيداً مسيحياً أو زاد في آ 17: "الذين لهم شهادة يسوع".
في آ 1، نرى الشمس... الشمس هي لباس منير يدلّ على نداء الله وبركته. والكواكب الاثنا عشر تدلّ على الأسباط الاثني عشر التي رأى فيها التقليد المسيحي الجماعة الكنسية وإسرائيل الجديد والحقيقي. أما القمر الذي عبده السومريون (الإله سين، من هنا سيناء، صحراء الإله سين) فقد ارتبط بحرب الشياطين مع القمر بسبب الزيادة والنقص فيه. وقد تكون ارتبطت الصور عن "المرأة" بعالم بابل وإيران، أو بعالم العهد القديم (تك 37: 9؛ أش 1: 8؛ 26: 17؛ 50: 1؛ إر 4: 31؛ مز 104: 2).
التنين في رؤ هو صورة عن الشيطان (آ 3، 4، 7، 9، 13، 16؛ 13: 2، 4؛ 20: 2). هو حية كبيرة وهائلة. تنين أحمر بلون الدم بسبب قوى الدمار والعداوة والسلطة الشيطانية. هو أحمر لأنه قتل واضطهد. إن صورة التنين تعود إلى كليشاهات تقليدية. تعود مراراً في رؤ. في 12: 3: سبعة رؤوس وعشرة قرون (وسبعة تيجان). في 13: 1: سبعة رؤوس وعشرة قرون. في 17: 3: سبعة رؤوس وعشرة قرون. نجد صورة الحية بسبعة رؤوس في نصوص أوغاريت (راس شمرا) الميتولوجية وفي عالم فينيقيا القديم. إن استعمال هذه الصورة المرعبة التي تتحدّى الخيال، يتوخّى إظهار الهمجية والتفوّق لدى التنين الذي جرّ بذنبه ثلث كواكب السماء (آ 4). بل هو يستعد لكي يختطف الطفل ويبتلعه. قد تكون هناك علاقة بين "ثلث كواكب السماء" وسقوط الملائكة، لأن 9: 1 يتحدّث عن سقوط نجم من السماء.
"ولدت ابناً" (آ 5). هناك جمع بين الولادة والاختطاف (رفع المسيح). كانت جماعات آسية الصغرى (أي تركيا) تحتفل في ليل 14- 15 نيسان بالحبل بالمسيح وارتفاعه بالموت على الصليب.
"وكان قتال في السماء" (آ 7). يبدو ميخائيل في النظرة اليهودية، في قمة تراتبية الملائكة (ملاك يهوه أو الرب). والسبب الذي أطلق القتال في السماء هو العمل الخلاصي الذي أتمّه ابن الله المتجسّد. وإذا تذكّرنا أن ميخائيل هو الملاك المحامي لإسرائيل (دا 1. : 21)، نفهم أن هذا القتال يعلن هجوماً سيتلقّاه شعب الله الجديد حين يعلن حقيقة الله الواحد وسط عالم مأخوذ بعبادة الأوثان.
"أعطيت المرأة جناحي النسر" (آ 14). وفي آ 6 قيل: "هربت المرأة إلى الصحراء". فالصحراء ليست فقط الملجأ وموضع الخلاص، بل هي قبل كل شيء موضع الحياة الحميمة مع الله. والإقامة في الصحراء هي الزمن الذي فيه تُعرف وصايا الله وتُعاش. هي زمن الصمت الداخلي، زمن الصلاة والبحث عن الكمال.

خاتمة
- تساءل التأويل المسيحي عن بُعد تعليم ف 12. قد يكون على مستوى مريم العذراء، أو الكنيسة أو يسوع المسيح. فالأول يرى في الآية الكبرى مريم أم يسوع. هذا التفسير الذي جهلته الأجيال الأربعة الأولى قد انتشر فيما بعد بفضل الليتورجيا والفن المسيحي. والثاني يتطرّق إلى تاريخ الكنيسة واضطهاداتها. تبعه عدد كبير من الشرّاح. والثالث يرتكز على لاهوت الصعود والارتفاع: فالرب (كيريوس) المجيد يستعيد مرة أخرى في كنيسته التاريخية، الطريق التي سار فيها يسوع الفقير والمضطهد والمصلوب، لأن مملكة الله لا تدرك غايتها إلاّ خلال المعركة الأخيرة.
- المرأة التي ولدت الطفل هي الشعب الذي يشعّ في مجد النعمة الإلهية (الشمس) والعهد (إثنا عشر). وينظر الكاتب في الوقت عينه إلى شعب العهد القديم وشعب العهد الجديد. هذه المرأة التي هي أم المسيح هي في الوقت عينه أم الأحياء ولها بنون آخرون (آ 17) ظلّوا أمناء لشهادة يسوع المسيح. شعب الله في العهد الجديد هو شجرة تجذّرت في العهد القديم قبل أن تتخذ وجهها الجديد، وجه يسوع المسيح.
- إن القتال مع الشيطان لا ينفصل عن حياة يسوع التاريخية، ولا عن حياة المسيح في كنيسته. فقد كتب لو بعد تجربة يسوع أن "الشيطان ابتعد عنه إلى الوقت المحدّد" (لو 4: 13). فالمسيح يدفع كنيسته في درب الألم والاضطهاد، ولا يعفيها مما تألّم منه. إن الضيق يدلّ على صدق الكنيسة والمسيحي

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM