وجه الإنسان في العهد القديم

وجه الإنسان في العهد القديم

من هو الإنسان؟ ذاك هو السؤال الذي نطرحه حين نقرأ الكتاب المقدس. فهذا الذي خُلق كل شيء من أجله، كما يقول آباء الكنيسة، سقط وسقطت معه الخليقة. ولكن الرب أراد أن يعيد الإنسان إلى عظمته. تلك هي المسيرة التي نسيرها في أسفار العهد القديم، منذ أسفار الشريعة الخمسة إلى الأنبياء والحكماء. هي في الواقع عمليّة تجديد وبناء تصل بنا إلى عتبة العهد الجديد.

1- الإنسان الأول جديد الخلق
تأتي الكائنات إلى الوجود نداء من الله بحسب ترتيب يزداد مقاماً حتى يصل إلى الإنسان، صورة الله وملك الخليقة. "روح الله" (تك 1: 4) هو ما يجعل حياة الإنسان وحياة جميع الكائنات ممكنة. "صنع الله" الخلق (1: 7- 25) وتوّجَهُ بـ "الإنسان" على صورته كمثاله (ش 1: 26). فعلاقة الإنسان مع الله تُميّزه عن الحيوانات. فالإنسان هو شخص. و"اليوم السابع" (تك 2: 3) سنّة الله، أعطاه الله، ليقتدي الإنسان به. وتمتاز روايةُ خلق الإنسان عن خلق العالم، ولا تكتمل الا بخلق المرأة وبظهور الزوجين البشريين الأولين (تك 2: 4- 8، 18- 24).
الإنسان، في الأصل: "آدم"، أي: الآتي في الأرض (تك 3: 19). وهو اسم جمع سيصبح الإنسان الأول، آدم (تك 4: 25، 5: 1 و3).
"شجرة معرفة الخير والشر" (تك 2: 9): هذه المعرفة امتياز يحتفظ الله به. وإذا يغتصبه الإنسان، تكون الخطيئة (تك 3: 5، 22). فالمعرفة ليست التمييز الخلقي الذي كان الإنسان يملكه، بل ادّعاء الإنسان القدرة بنفسه على الحكم في ما هو خير وما هو شرّ، أي المطالبة بحكم ذاتي خُلقي يُنكر به الإنسان أنه خليقة. وهكذا أقام الإنسان نفسه قاضياً في الخير والشرّ (تك 21: 7؛ 3: 22)، وهذا امتياز من امتيازات الله.
"كلمة إنسان" (تك 21: 6) تدل على الرجل والمرأة، كما هو الحال في 3: 24. و"اللحم" (2: 21). في الأصل: "بسر"، هو العضل وهو الجسم كله، وهو الرابط العائلي (تك 2: 24).
"الحية" (تك 3: 1) تمثّل ما يعادي الإنسان. وإن 3: 15 يُنبئ بقيام عداوة بين الإنسان والله، وتلمّح إلى انتصار الإنسان في النهاية.
الإنسان قابل للموت بطبيعته (تك 3: 19)، ولكنه يطمح إلى الخلود (تك 3: 22).
وتدل كلمة "روح" (تك 6: 17) على أن الإنسان عطية من الله (6: 3).
و"قلب الإنسان" (تك 8: 21) هو باطن الإنسان والمميّز عمّا يُرى ولا سيما عن "الجسد" (2: 21). وهو مصدر القوى التي تصدر عنها الأفكار والمشاعر والأقوال والقرارات والعمل. والقلب هو مركز الضمير الديني والحياة الخلقية. فالإنسان يبحث في قلبه عن الله، ويصغي إليه، ويخدمه، ويسبّحه، ويحبّه.
يعلم الله أن قلب الإنسان لا يزال شريراً (8: 21)، لكنه يخلّص خليقتَه، ويذهب بها إلى حيث يشاء، بالرغم من الإنسان نفسه. بعد الطوفان يبارك الله الإنسان ثانية (نوح)، ويجعله ملكاً على الخليقة (تك 9: 1)، كما كان في البدء (تك 1: 28).

2- العهد الجديد مع إبراهيم
يقطع إبراهيم جميع روابطه الأرضية، ويمضي إلى بلد مجهول، مع امرأته العاقر (تك 11: 30). هذا أول فعل إيمان من إبراهيم (تك 12: 4- 9). ولرواية إبراهيم في أرض مصر (تك 12: 10- 20) طابع خلقي غير مكتمل، وحياة الزوج تفضّل في هذه الأخلاقية على شرف المرأة. كان شرف المرأة في ذلك الزمان أق قيمة (12: 13) من واجب الضيافة المقدس (19: 8).
والكذب الوارد ذكره في اختلاس يعقوب لبركة اسحق (تك 27)، في إطار أخلاقية لا تزال غير كاملة، يقيّد بطريقة غامضة عملَ الله الذي فضّل باختياره الحرّ يعقوب على عيسو (25: 23).
"وبارك ابرام الله" (14: 19). الإنسان يبارك الله ويسبّح عظمته ورأفته، ويتمنّى أن يراهما في رسوخ وامتداد (24: 48).
عدّ الله إيمان إبراهيم "براً" (تك 15: 7). إن "البار" هو الإنسان الذي يُرضي الله باستقامته وخضوعه. وإيمان إبراهيم يوجّه سلوكه وهو مبدأ عمله.
"والعهد" (تك 17) يفرض على الإنسان هذه المرة واجبات تعود إلى الكمال الخلقي (17: 1)، وصلة دينية بالله (آ 7 و19). و"الختان" (تك 17: 3) "علامة" تذكّر الإنسان بانتمائه إلى الشعب المختار وبالواجبات الناتجة عن ذلك. وإن تك 19 (تدمير سدوم) يثبت لنا ما في الدين من الكتاب المقدّس من طابع خلقيّ وما للربّ من سلطان شامل. وفي رواية "إبراهيم في جرار" (تك 20) التي ترتبط بالتقليد الالوهيميّ تجاه النص اليهوهي في 12: 10- 20، نكتشف إشارات كثيرة تدل على أخلاقية أكثر تطوراً.
وفي هذا الخطّ، تبدو مسيرة يوسف علامة على العناية الالهيّة التي لا تدمّرها مخطّطات البشر، والتي تحوّل شرّ نواياهم إلى خير.

3- رسالة موسى الجديدة
افتقاد الله (خر 3: 16) يعني تدخّلاته في مصير الإنسان والشعوب بالإحسان (خر 4: 31). "اتخذكم لي شعباً وأكون لكم إلهاً" (خر 6: 7). إن هذين التعبيرين المتلازمين يعبّران عن العلاقات الجديدة القائمة بين الله وشعبه في إطار العهد والاختبار.
الكلمات العشر أو الوصايا العشر، هي علامة العهد في سيناء (خر 20: 1- 21). تتناول جميع مبادئ الحياة الدينية والأخلاقية. وهي بذلك قلب الشريعة الموسوية.
يليها "كتاب العهد" (خر 20: 22- 32: 33) الذي تتوزّع أحكامه على الشرع المدني والجزائي (21: 1- 22: 20) وقواعد العبادة (20: 22- 26 و28- 31 و23: 1- 19)، والآداب الاجتماعية (22: 21- 27 و23: 1- 9).
قال الله لموسى في الجبل: "لا يراني الإنسان ويحيا" (خر 23: 20): الهوّة القائمة بين قداسة الله وضعف الإنسان عميقة جداً، بحيث إن الإنسان يموت حتماً إن رأى الله (خر 19: 21)، أو سمعه (خر 20: 19). وإذا بقي الإنسان على قيد الحياة بعد رؤية الله، فهو يشعر بدهشة ملؤها عرفان الجميل، ترافقها المخافة.

4- الإنسان يتجدّد بالتكفير
التكفير (لا 1: 4) ذبيحة يستطيع بها الإنسان الذي أهان الله بمخالفته العهد أن ينال الغفران.
و"الطاهر" هو ما يمكّن الإنسان الاقتراب من الله، و"النجس" أو الدنس هو ما يجعل الإنسان غير أهل لعبادة الله، بل يحرمه منها (لا 11- 16). ففي "برص البيوت" (لا 14: 33- 56)، يأخذ الكاهن "لذبيحة خطيئة البيت، عصفورين وعود أرز وقرمزاً وزوفى" (لا 14: 49). ليس لـ "الخطيئة" هنا أي بُعد خُلقيّ. فنجاسة البيت تمثّل هنا نجاسة الإنسان وهو ينجو منها بذبيحة تطهّره من الخطيئة. وإن "شريعة القداسة"، الواردة في سفر اللاويين (ف 17 ي)، ميزة الله. الأخلاقية في شعبه قد وصفت هذا المفهوم القديم، فأصبح الإنفصال عن الدنس إعراضاً عن الخطيئة. ثم أضيفت إلى الطهار الطقسية طهارة الضمير.
والسنوات المقدسة، والسنة السبتية (لا 25: 1- 7)، والسنة اليوبيليّة (لا 25: 8- 17) تشمل، بالاضافة إلى إراحة الأرض المزروعة، إعتاقاً للأشخاص والأموال على وجه عام. فكل إنسان يعود إلى عشيرته ويستردّ ملكه: "وإلى ملك آبائه يعود" (لا 25: 41). وكل هذا باسم العهد.

5- الإنسان الممتحن يجدّده الإيمان والألم
لا يعادي الإنسانُ الله عن قصد، ولكنه يشكّ في نجاح عمله في خلق الإنسان (أي 1: 6): "طوبى للإنسان الذي يوبّخه الله. فلا تنبذ تأديب القدير" (أي 5: 17): فالمصائب التي حلّت بأيوب هي إذاً تأديب وعبرة أليمة ولكنها مفيدة. وهذا ما سيقوله أليهو (أي 33: 19).
"إن الغمام يتبدّد ويعبر. وكذا الهابط إلى مثوى الأموات لا يصعد" (أي 7: 9). من المستحيل أن يصعد الإنسان من "مثوى الأموات"، و"الهاوية" (26: 6) التي "تحت الأرض" (28: 11)، و"الحفرة" (40: 13 ب). وهذا ما يوافق الاعتقاد الشائع: "الإنسان يضّجع فلا يقوم" (14: 12 أ).
العدل الإلهي يسود الحق (أي 9- 10). "فكيف يكون الإنسان باراً أمام الله؟" (9: 2 ب). الإنسان مسؤول عن كل أعماله أمام الله. على الإنسان أن يتمكّن، باستعمال عضويّ لحريّته، من العيش في سلام مع الله وبانسجام مع الكائنات والأشياء (10: 13): "أجعل نفسي في كفيّ" (13: 14 ب). هذا التعبير المثلي يعني أن الإنسان يخاطر بحياته، ويراهن على كلّ ما عنده.
"الإنسان مولود المرأة، قليل الأيّام كثير الشقاء" (14: 1): هي مرثاة شعرية في شقاء الإنسان. يرى أيوب (7: 1)، هي تعاسته الشخصيّة، حالة الإنسان بجملتها، فتستمدّ مرافعتُه من ذلك برهاناً، وهو أن قساوة الله على هذه الخليقة الضيّقة أمرٌ لا يُفهم. يتذرع أيوب بنجاسة الإنسان عذراً (14: 4). هذه النجاسة تؤدّي إلى ضعف خلقيّ ميل إلى الخطيئة (4: 17- 19). إنها أصل الخطايا الجسيمة التي تؤدّي إلى "الإثم" (15: 13).
يشير الكتاب المقدّس أكثر من مرّة إلى العجرفة التي أظهرها الإنسان في بدء العالم (20: 6؛ راجع تك 11: 4). وهذا التقليد المطبوع بالأولى بطابع الصور القديمة، ينسجم مع تقليد تك 3: 1 ي، الذي ينسب زلّة الإنسان إلى الكبرياء (أي 24: 13). "هل قلتُ للإبريز: أنت سندي" (31: 24 ب)؟ هي كبرياء الغنيّ الذي يظنّ أنه يستطيع أن يستغني عن الله.
"لايدرك الإنسان الحكمة" (أي 28): هنا يُشدد بحكمة تُجسّدُ العناية الإلهيّة، ولا يُدركها الإنسان. وهذا الإنسان، بالرغم من جهوده واكتشافاته، يصطدم دائماً بسرّ حكمة تتجاوزه. إن الله هو الذي يعطي الحكمة.
"دفاع أيوب عن نفسه" (أي 31). تمسّك بالبراءة، فبلغت أخلاقيّةُ العهد القديم ذروة صفائها، حتى إنها مهّدت الطريق مباشرة إلى الأخلاقية الانجيلية. فأجاب الربّ أيوب من العاصفة وقال: "إني سائلك فأخبرني" (38: 1 و3 ب). هنا تُعكس الأدوار: فالربّ يتّهم، ويدعو أيوب إلى الدفاع عن نفسه.
في الخاتمة، قال الله لأليفاز التيماني: "إني أرفع وجه (أيوب)" (42: 8): أي أرفع شأنه، وأعيد إليه اعتباره.

6- الإنسان من جديد على جبل الله المقدّس
لما بنى سليمان الهيكل على رابية صهيون، أصبح هذا الموضع الجبلَ الوحيد الذ يسكن الله فيه (مز 2: 6) والذي "يصعد" الإنسان إليه ليصغي إلى الله ويعبده. وللذين يقولون "من يرينا الخير"، يجيب: "أطلع علينا نور وجهك، يا ربّ" (مز 4: 7). بما أن الإنسان لا يستطيع أن يرى الله (خر 33: 20+ 34: 29- 35)، فالله "ينير بوجهه" فقط (مز 13: 17 و44: 4 و80: 4). ويشير المزمور إلى عظمة الله: "أيها الربّ سيدنا، ما أعظم اسمك في الأرض كلها" (8: 2). بما أن الإنسان مخلوق على صورة الله، فهو شريكه في سيادته (مز 20: 2؛ 54: 3، 8). "أقوال الربّ أقوال طاهرة، فضّة مصهورة في بوتقة من تراب" (12: 7): أي عندما يُخرجها الإنسان من التراب، ينقّيها الرب، لأن كلامه صدق لا يشعر به الكذب.
إن مطلع مز 24 (آ 1- 6) يبدو أنه يعود إلى زمن لاحق لداود (راجع مز 15): إن خالق الكون هو أيضاً الصديق الذي يرحّب بالانسان البار. أمّا مز 34: 12- 23، فهو تعليم على طريق الأمثال حول مصير الإنسان البار والإنسان الشرير. في "نور وجه" (27: 1 و36 و89: 16 وأي 29: 3)، يجد الإنسان نور السعادة والأمان والازدهار (119: 17) وكل هذا يمنحه الله البار، وفقاً لمعتقد الحكماء حول المكافأة الزمنيّة (مز 128).
الله هو الذي يمجّد الأبرار (73: 24؛ 91: 15). كلّ إنسان يولد دنساً (51: 7؛ أي 14: 4؛ رج أم 20: 9) هي ذريعة تعدّ من الظروف المخفّفة التي يراعيها الله (رج 1 مل 8: 46). يبقى الله أن يَنفذُ إلى أعماق الإنسان، لأنه وحده يستطيع أن يغيّره (51: 8): "قلباً طاهراً فيّ يا الله، وروحاً ثابتاً جدّد في باطني" (51: 12). هذا العمل محصور بالله الذي يخلق من العدم شيئاً جديداً ورائعاً (تك 1: 1؛ خر 34: 10). و"روحك القدوس لا تنزعه مني" (51: 13 ب): تدلّ هذه الكلمة على مبدأ الحياة الأخلاقية والدينية. وهي في داخل الإنسان، كلمة صادرة عن الله.
أما مز 90، فهو صلاة رجل حكيم أطّلع على الكتب المقدّسة (تلمح إلى التكوين وأيوب وتثنية الاشتراع)، فتأمل في ضعف الإنسان وقصر الحياة بسبب الخطيئة. فالحكمة التي هي مخاطبة الله، عن معرفة الإنسان لضعفه (أم 1: 7؛ مز 90: 12 ب). وشريعة الربّ التي "نعلّمه" (94: 12)، هما الوحي والتعليم الأخلاقيّ.
وبدا مز 126 كنشيد المراقي التي يتلوها الحجّاج وهم صاعدون إلى أورشليم: في نظر العائدين من الجلاء ومقاومة مصاعب التجديد (رج نح 5: 1 ي)، تمثلّ العودة من بابل مجيء العصر المسيحانيّ. سيكون المسيح نور الأمم (132: 17). فالمسيح الداوُدي هو في آن واحد كاهن وملك (مز 110: 1 ي). أما مز 127 فيعلن أن عمل الإنسان معرَّض للفشل لم يُنعم الله عليه بالخصب الذي هو علامة عن بركة الله (حك 3: 13). ومز 139 هو تأمل في علم الله المُطلق. فالله يعرف الإنسان مصيرَه قبل أن يولد (139: 16؛ رج 22: 11؛ 71: 16)، بينما يبقى السرّ غير مفهوم بالنسبة إلى الإنسان.

7- الإنسان يتجدّد بالحكمة فيخلد
في سفر الأمثال، الإنسان كلّه، بروحه وجسده، يكون "حكيماً"، وهذا ما يوافق العقلية البيبليّة التي تحافظ على وحدة الكائن البشريّ.
فمن هو الحكيم؟ إن تصفّحنا الكتاب المقدّس، رأينا أن هذه الكلمة تدلّ على الإنسان الذي يبرع في أعمال متنوعة جداً على مستوى الفنون والصناعة. أما في سفر الأمثال فيكون التشديد على شخص الإنسان وخليقته.
الحكمة تقاوم العشرة الرديئة (ف 2). هي تأتي من عند الله (آ 6)، ولكن الإنسان يستعدّ لقبولها برغبة في الإطّلاع لا تفسد (آ 3- 4)، وبالانقياد لتعليم الأكبر سناً (آ 1- 2). لهذا فالزنى (آ 17)، أي خيانة الله، يذهب الإنسان إلى مثوى الأموات (آ 18؛ 5: 5- 6؛ 7: 26- 27). فالخطوة الأولى في ممارسة الحكمة هي الاقتناع بواجب اكتسابها وبالتضحية من أجلها (4: 7).
الجهل يقلّد الحكمة (9: 13- 18). كما أن هناك طريقين، طريقاً للخير وطريقاً للشرّ (4: 18- 19 تث 30: 15- 20؛ مز 1: 1 ي)، هناك نداءان للإنسان ومأدبتان دُعي إليهما، وعلى الإنسان أن يختار. "للعاقل سبيل حياة إلى فوق" (15: 24): وقد فُهم في وقت لاحق أن المقصود هو "السبيل المؤدّي إلى السعادة السماويّة". "للإنسان إعداد القلب، ومن الرب جواب اللسان" (16: 1). الإنسان بالتفكير والله بالتدبير.
"إن الحكمة روح يحبّ الإنسان" (حك 1: 6 أ): غالباً ما يرد "القلب" و "الكليتان" معاً (حك 1: 6؛ مز 7: 10؛ 26: 2) للدلالة على مجمل قوى الإنسان الباطنية. "إن الله لم يضع الموت" (حك 1: 13). يُحيلنا المؤلِّف هنا إلى رواية تك 2- 3، ليستخلص منها مقاصد الخالق وهي أن الإنسان قد جُعل للخلود، وما من شيء في الخليقة بامكانه أن يُحبط الإرادة الإلهية، بل إن "المخلوقات" تساعد على خلاص الإنسان. "لأن البرّ خالد" (حك 11: 5). فمن مارس "البرّ" (10: 1) نال الخلود. خطأُ الكافرين أنهم "لم يعرفوا أسرار الله" (2: 22)، أي مقاصد الله الخفيّة المختصّة بمصير الإنسان الخالد. "جعله الله صورة ذاته الإلهية" (2: 23). هكذا عالج المؤلف بطريقته موضوع الإنسان المخلوق على صورة الله (تك 1: 26).
فالأبرار "رجاؤهم كله مملوء خلوداً" (3: 4): للرجاء شأن جوهري في حياة الأبرار، وموضوعُه الخلود. يستعمل المؤلّف الكلمة هنا بمعنى خلود النفس، ولكن أيضاً للدلالة على الخلود البعيد في جوار الله على أنه مكافأة على البرّ (1: 15؛ 2: 23). ولا شكّ أن الفعل "تلألأ" (3: 7) يعني دخول النفوس البارة في المجد الأبديّ. "فالذي يحتقر الحكمة والتأديب شقيّ" (3: 11). هي عبارة مأخوذة من سفر الأمثال (1: 7). فكلمة "حكمة" تدلّ هنا على الحكمة العمليّة التي تحمل الإنسان على العيش وفقاً للفضيلة. وتدلّ "الفطنة" (3ك 15) على معرفة الخيرات الحقيقيّة، وهي معرفة تجعل الإنسان يحيا حياة الفضيلة وتضمن المطابقة للمتطلّبات الإلهيّة (رج 4: 9؛ 6: 15؛ 7: 7؛ 8: 6؛ 18؛ 21). وهي أصل ثابت (12: 3)، وقضيبٌ يُخرج ثماراً للأبد (حك 11: 5؛ 2: 23).
فالحكمة تأتي لملاقاة الإنسان (حك 6: 12- 21): إن كلمة "الحكمة" تدل الآن، لا على تعليم فقط (آ9)، بل على الحقّ الإلهيّ الذي يسطع بالحكمة وينادي الإنسان في باطنه (آ 13). إن الاجتهاد في حفظ شرائع الحكمة لا يكفي ليجعل الإنسان غير قابل للفساد، لكنه يولّد حقاً فعلياً لا نزاع فيه لأنه ينال الإنسان من الله عدم الفساد السعيد أو الخلود (2: 23؛ 3: 4).
"إنك أشفقتَ على أولئك أيضاً لأنهم بشر" (12: 8): تُشدّدُ هذه الآيةُ على سرعة زوال الإنسان (تك 8: 31؛ مز 78: 39؛ 103: 14- 15)، كما على كرامته الجوهريّة (تك 1: 26- 27 ومز 8: 5- 7) التي تمكّنه من الحصول على علاقات مميّزة مع الحكمة الإلهية (أم 8: 22، 31).

8- الإنسان يتجدّد بالعلاقة
"ملك اليوم غداً يموت" (سي 10: 10): يبدو أن النص يؤكّد قلّة فائدة الجهود لإنقاذ الإنسان المكتوب له الموت. "يترك ذلك لغيرة ويموت" (11: 19): فالفكرة واحدة وهي قلّة الخيرات التي يكدّسها الإنسان بكثير من الجهد والتي يُحرم منها يوم موته. إن ضعف الإنسان عند ابن سيراخ يُبرز عظمة الله (18: 7).
كان الدين اليهوديّ في عهد متأخّر يهتمّ بتبرير تدخّلات الله لمعاقبة الناس. أما "رحمة الله" الشاملة وطابعها التربويّ، اللذين يشدّد عليهما سي 18: 3، فهما أكرٌ جديد في العهد القديم. والإسادة بعظمة الله، والمقارنة بضعف الإنسان، موضوع يدعون المرتّل قائلاً: "أنشدوا للربّ نشيداً جديداً" (42: 10 أ): يمتاز هذا "النشيد الجديد" (آ 10؛ رج مز 96: 1؛ 98: 1؛ 149: 1)، بأسلوبه الغنائي الذي يصف انتصار الربّ. فالأرض كلّها مدعوّة إلى الاشتراك في التسبيح.

9- الإنسان يتجدّد تحت نظر الله
"شبعتُ من محرقات الكباش، وشحم المسمّنات" (أش 1: 11). فأياً كانت الظروف، لابدّ من نبذ الكبرياء وعبادة الأوثان على جميع أنواعها ورفض الأسلحة والمناورات السرية التي يظنّ الإنسان أنه يتهرّب فيها من نظر الله. وليست أورشليم مركز يهوذا واسرائيل والمملكة الداودية القديمة فقط، بل هي أيضاً، كما ورد في تقليد قديم تناوله أشعيا وحدّده، مركز العالم الذي تتّجه إليه جميع الأمم (أش 2: 1- 6؛ 60: 1 ي؛ 62: 1؛ 65: 16- 25).
يضع الله الرحيم حداً لخطيئة الإنسان ويُرجعه إلى علاقة حقيقيّة معه (أش 1: 10) وما من ذنب يقضي على مغفرة الله (مز 130). والشرط الذي يضعه الله هو الإقرار والندامة (أش 5: 15؛ مز 19: 13؛ 25: 11، 18؛ 32: 5، 51: 19- 20) اللذان يحملان الإنسان على التحوّل الباطني (أش 31: 18).
إن قداسة الله 0أش 6: 3)، "قدوس اسرائيل" (1: 4؛ 5: 9، 24؛ 10: 17، 20؛ 41: 14، 16، 20)، تقتضي من الإنسان أن يكون هو نفسه مقدّساً، أي منفصلاً عمّا ليس مقدّساً (لا 17: 1)، ومطهّراً من الخطيئة (أش 6: 5- 7)،ومشاركاً لله في "برّه" (1: 26؛ 5: 16). فحكمُ الله يتمّ بحسب برّه (26: 7- 10). إن بصيرة الربّ تكشف مقاصد السوء (29: 15- 16)، وهو ينقذ البائسين والمساكين من أيدي أعدائهم ويُحلّ البرّ (أ 17- 21).
حينئذ "يسكن الذئب مع الحمل" (11: 6): لقد حطَّم تمرّدُ الإنسان على الله (تك 3: 1 ي) الإنسجام الذي كان قائماً بين الإنسان والطبيعة 0تل 3: 17- 19)، وبين الإنسان والإنسان (تك 4: 1 ي). فإن العصر المسيحاني يحمل السلام، والسلام الدائم (أش 9: 6؛ 23: 17؛ 60: 17- 18). أمّا المحن التي تحلّ بالشعب فتمهّد الطريق لانبعاث جديد (26: 16- 19).
"تقدموا إليّ واسمعوا" (أش 48: 16): يبدو أن النبيّ هو الذي يتكلّم ليقول قولاً جديداً (آ 17- 19): ماذا كان مصير شعب إسرائيل لو كان اميناً. هذا، وان رسالة العبد المتألم لا تقتصر على الشعب الإسرائيلي ليجمع شمله (49: 5)، بل تشمل الأمم ليُنيرها (آ 6). وعظُه جديد مدهش (آ 2) وهو يأتي بالنور والخلاص (آ 6). "أيفلت الأسير من الطاغي؟" (49: 24): يبدو التحرّر مستحيلاً على الإنسان، ولكن الله هو سيّد المستحيل. سيجدّد الربّ عجائب الماضي وانتصاره على قوات الخواء الأول وعبور البحر، ليعيد المنفيّين إلى صهيون (51: 9- 11). يتكلّم الربّ المعزّي (51: 12- 16) ليشدّد عزيمة شعبه (40: 1). فيجب ألا يخاف أي إنسان، وإن كان قوياً، لأن الربّ ، وهو سيّد الخليقة، يحمي شعبه، ويشدّد على مجانيّة الخلاص الذي يأتي به إلى شعبه مجاناً (52: 5). "ويجمعكم إله إسرائيل"(52: 12). يتمّ الخروج الجديد بحماية الله كما تمّ الخروج الأول (خر 14: 9). "وبرأفة أبديّة أرحمكِ (يا أورشليم)" (54: 8).
ويدعو الله "أورشليم الجديدة" (54: 11- 17) إلى الاشتراك في خيرات العهد الجديد (آ 1- 5)، "الخيرات التي وُعد بها داود" (55: 3). ويكلّم الله فيُقيم عهداً أبدياً (59: 21؛ 61: 89)، هو العهد الجديد.
خاتمة كتاب التعزية كله (55: 12- 13) هو استئناف موضوع الخروج الجديد من مصر، وفرح العودة، وتحوّل البريذة إلى أرض خصبة (راجع 43: 19؛ 44: 3- 4).
لذلك هكذا قال السيّد الربّ (65: 13): "إني هكذا أخلق سموات جديدة وأرضاً جديدة" (65: 17). إن النبي يتوقّع تجديداً كاملاً. وأما كلام الدينونة على أورشليم (66: 5- 17)، فهو امتداد للرؤيا الواردة في الفصل 65 حول الدينونة المقبلة، لكنه يتناول موضوعاً جديداً يعبّر فيه عن آمال شعب الله.

10- بعد أن فشل العهد القديم (إر 31: 32)، في تجديد الإنسان، ظهر التدبيرُ الإلهي في ضوء جديد. بعد كارثة لن تترك إلاّ "بقية" (أش 4: 3)، سيُقطع عهد جديد أبديّ (إر 31: 31)، كما في أيام نوح (أش 54: 9- 10). ولا يقيمه الله الا بتغيير قلب الإنسان (إر 31: 31- 34). أما جدّة العهد فتكون في ثلاثة أمور: 1) المبادرة الإلهيّة في غفران الخطايا (إر 31: 34؛ مز 51: 3- 4). 2) المسؤولية والمكافأة الشخصيّة (آ 29). 3) عبادة الربّ عبادة باطنية: لا تبقى الشريعة محض نظام خارجي، بل تصبح إلهاماً يؤثّر في "قلب" الإنسان (آ 33؛ 34: 7؛ 32: 39)، تحت تأثير روح الله الذي يهب للإنسان قلباً جديداً (مز 51: 12؛ رج إر 4: 4)، قادراً على معرفة الله.

11- الإنسان المؤمن مسؤول عن تجدّده
بعد تمهيد (با 3: 5- 9)؛ توجِّه أورشليمُ الكلامَ إلى المدن المجاورة وإلى أبنائها المشتتين (آ 9- 29). ويجيبها الإنسان المؤمن بالتجديد المسيحانيّ (4: 30- 5: 9): "الله يعيدهم إليك محمولين بمجد كعرش ملكيّ" (با 5: 6): ذاك هو موضوع الخروج الجديد (رج أش 40: 3).
وان حزقيال جعل من نفسه بطل المسؤولية الشخصية (حز 14: 12- 23) والمدافع عن هذه النظرية الجديدة. ليس خلاص الإنسان أو هلاكه منوطاً بأجداده أو بأقربائه، بل ولا بماضيه الشخصي. فالاستعدادات الباطنيّة وحدها تؤخذ في الحسبان عند الربّ. الإصطدام بالواقع يستدعي تقدّماً جديداً سيأتي به الوحي بوجود مكافأة بعد الموت. إن تشديد حزقيال على مجانية احسانات الله التي أنعم بها على شعب إسرائيل، لا نظراً إلى ندامته، التي تأتي بعد قطع عهد جديد (16: 92)، بل بمجرّد عطفه هو، يمهّد إلى وحي العهد الجديد. فلا تثقّل على الإنسان جرائمُ أجداده. فبإمكانه أن يتحرّر من ثقل ماضيه الشخصي. وهكذا يبرز النبيّ معنى التوبة الشخصيّة بحصر المعنى. فإن حالة النفس الحاضرة وحدها تؤثّر في حكم الله (18: 21؛ رج 14: 12).
ولكن الروح سيكون لكل واحد، على وجه خفيّ، مبدأَ تجدّد باطني يمكّنه من حفظ الشريعة الإلهيّة بأمانة (حز 11: 19؛ 36: 26- 27؛ 37: 14؛ مز 51: 12؛ أش 32: 15- 19). فيكون مبدأ العهد الجديد (إر 31: 31)، ويُخرج، كالماء المخصب، ثمارَ برّ وقداسة (أش 44: 3)، تضمن للناس حظوةَ الله وحمايتَه (حز 39: 24، 29). وفي النهاية، أعلن الله في حز 37، كما أعلن في إش 26: 19، التجديد المسيحاني لشعبه بعد محنة الجلاء.

12- الإنسان يتجدّد بالإيمان والحبّ
إن سفر دانيال يشير إشارة خاصة إلى عظمة إيمان يستحق أن يخاطر الإنسان بحياته في سبيله (143: 1 ي؛ 5: 1 ي؛ و14: 29).
نظر دانيال في رؤياه ليلاً "فإذا بمثل ابن الإنسان" (دا 7: 13): إن اللفظة الأرامية الأصيلة "بارناشا"، مثل اللفظة العبرية "بن آدم"، ترادف أولاً كلمة انسان (رج مز 8: 5). يخاطب الله "قديمُ الأيام" (7: 0) النبيَّ في سفر حزقيال بهذا الاسم. ولكنّ لهذه العبارة في دا 5: 13، معنى خاصاً رفيعاً. فهي تدلّ هنا على إنسان يفوق الصفة البشريّة.
إن النبيّ هوشع يندّد بما في إسرائيل من فساد خلقيّ شديد (هو 4: 1- 2؛ 6: 7- 10؛ 7: 1). يتنظر الربّ تعبيراً عن توبة حقيقيّة وبراهين عن الحبّ تثبّتها أعمال الحياة. يتجاوز هوشع المناظرة السلبيّة في هذا العدد: "إني أشفيهم من ارتدادهم" (هو 14: 5). أليس في قدرة الله وحده أن يمكّن الإنسان الخاطئ أن يحيا حقيقة الحبّ هذه؟ ذلك ما يعبّر عنه هوشع في 2: 20- 22: إلى العدل والحقّ اللذين في العهد القديم، يضيف الربّ العطف والحنان، وسيقيم بينه وبين شعبه نمطاً جديداً من العلاقات في صدق وأمانة باطنية عميقة تُعبّر عنها في هذا النص عباراتُ إلفة الحبّ، وهو حبّ لا يقاومه شيء، لأنه سيكون صاحب الكلمة الأخيرة كما كان صاحب المبادرة الأولى (9: 10؛ 11: 1). فلن يكتفي بالانتصار على الغضب (11: 6- 9)، بل سيمحو الخطيئة نفسها (14: 5).
سيتمّ التجديد المسيحاني في البرّ والقداسة (2: 21- 22). فإن الله يمحو تماماً ماضي الزنى الذي عرفه شعب إسرائيل فيجعله خليقة جديدة (2: 21). وما يعطيه الله لشعبه في هذه الأعراس الجديدة لا ينحصر في خيرات ماديّة (2: 10)، بل في الاستعدادات الباطنيّة التي لا بدّ منها ليكون الشعب بعد اليوم أميناً للعهد. نحن هنا أمام مبادئ: العهد الجديد الأبديّ "("للأبد" في أ 21)، والشريعة المكتوبة في القلوب، القلوب الجديدة، والروح الجديد (إر 31: 31- 34 وحز 36: 26- 27).
تعبّر الكلمة "ح س د"، "الأمانة" (2: 22) أولاً عن فكرة الارتباط واللالتزام في العلاقات الانسانيّة. فهي في الله تستدعي ما في الإنسان أيضاً، تستدعي بذل النفسوالصداقة الواثقة والاتكال والحنان، والـ "برّ"، والمحبّة التي تتجلّى في الخضوع لمشيئة الله بسرور، وفي محبة القريب (هو 4: 2؛ 6: 6).
إن "معرفة الربّ" عند هوشع (2: 22) ترافق ال "ح س د" (2: 21- 22؛ 4: 2؛ 6: 6). فليس المقصود مجرّد معرفة عقليّة. وكما أ، الله "يعرّف" الإنسان "بنفسه" بالارتباط به بعهد ويكشف محبّته الدائمة (2: 121) باحساناته، كذلك فالإنسان "يعرف الله". مثل هذا الموقف يقتضي "الأمانة" لعهده والاعتراف باحساناته والمحبة له (2: 22؛ رج أي 21: 14؛ أم 2: 5؛ أش 11: 2؛ 58: 2).
يصف هوشع الحالة السائدة متخذاً نقيض الحالة المثاليّة التي ستكون للشعب المجدّد (2: 21- 25): الإنسجام بين الإنسان والخليفة (2: 20، 23).

13- الإنسان يتجدّد بالتجرّد والصلاة والعدالة
موضوع تجرّد الإنسان التام هو موضوع رئيسيّ في نبوءة يوئيل، وهو الشرط لخلاص الإنسان. إنه مرتبط بالموضوع الثاني الرئيسي الآخر، "يوم الربّ"، (يوء 1: 15؛ 2: 1- 2؛ 3: 4؛ 4: 14) الذي يرادف، عند الإنسان، تجرّداً تاماً.
هذا التجرّد هو، في رأي النبيّ، شرط لـ "رجوع" تام، لتوبة لا تقوم على الطقوس فقط وهي صيغ ظاهريّة لسير باطنيّ (1: 13- 14 و2: 15- 17)، بل على توجيه جديد للشخص بأسره (2: 12- 14). فبعد أن يتجرّد الإنسان من كل شيء، لا يسعه إلا أن يسلّم أمره إلى الله ويعتمد على نعمته، "فيرجع الربّ ويندم" (2: 14).
من كان متجرداً أو تائباً، بشّرته أقوالُ الخلاص التي تتوالى في صفحات الكتاب (2: 18- 27؛ 3: 5؛ 4: 18- 21) بحياة متجدّدة تمتماً (2: 21).
إن قول النبي في 4: 1- 3، يتجدَّد تحققُه في يوم الربّ بقيض الروح على كل إنسان (رج حز 26: 27). يُفيض الله روحه على الجميع بدون تمييز بين طبقو وطبقة (2: 12). فيدعوهم إلى التجدّد الباطنيّ (راجع حز 111: 9- 20 و36: 26- 27).
ويفيدنا عاموس النبيّ بأن لصلاة الإنسان فعاليّة عظيمة حتى إنها تبلغ إلى تحريك مشاعر الله وإلى إرجاعه عن بعض أحكامه. وما ينال الإنسان من كرامة، يناله من كرامة الله (عا 2: 7). لذلك كان "يوم الربّ" يوم تجديد شعب إسرائيل (9: 11؛ 11: 11؛ 12: 1؛ 30: 26؛ رج يؤ 3: 4؛ 4: 1).
ويذكّ عاموس مظاهر العبادة (5: 21- 27)، أو الرياء الديني: يظنّ الإنسان أنه أتمّ ما عليه لله لأنه مارس بعض الرتب الطقسية (ذبائح وصوم)، مهملاً أبسط وصايا العدالة الإجتماعية ومحبة القريب (أش 1: 10- 16 و29: 13- 14؛ و58: 1- 8؛ مي 6: 6؛ مي 6: 5- 8؛ وإر 6: 20؛ ويؤ 2: 13؛ زك 7: 4- 6؛ رج مز 40: 7- 9؛ 50: 5- 15؛ 51: 18- 19).

خاتمة
تلك خطوة أولى للتعرّف إلى الإنسان في الكتاب المقس، بعهده القديم. كيف انطلق من النعمة إلى الخطيئة، وها هو يعود صاعداً في طريق النعمة، فيتجدّد أو بالحري يجدّده الله قلباً وحياة، قولاً وعملاً. ولكنّنا نبقى، في التوراة، على مستوى ناقص، وهو لا يكمل إلاّ بالمسيح. هذا ما نعالجه حين نتحدّث عن وجه الإنسان في العهد الجديد.
الأب لويس الخوند

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM