الفصل الخامس حرب على المعلّمين الكذبة

الفصل الخامس
حرب على المعلّمين الكذبة
1: 10- 16

ارتبطت هذه القطعة بالتي سبقتها بواسطة الفاء (غار). لا بدّ من إقامة شيوخ في كل مدينة من مدن كريت. يجب أن يكونوا فوق كل شبهة، أن يكونوا رجال علم وفضيلة. لأنّ عليهم أن يردّوا على المبلبلين الذين بدأوا يعملون في قلب الجماعة. هم كثيرون، ومنهم اليهود العائشون في كريت، والآخذون بعوائد كريت الوخيمة. أما طبعهم فيتحدّد بشكل خاص في أنهم يتمرّدون على التعليم التقليديّ. والباعث على ذلك هو المكسب الخسيس، لا انتشار الانجيل. من جهة، يعلّمون خرافات لا قيمة دينية لها، وهكذا يبتعدون عن حقيقة الخلاص بالمسيح. ومن جهة ثانية، يفرضون ممارسات جانبىّة لا منفعة منها ولا فائدة. وهكذا يلقون البلبلة في الجماعة، على المستوى التعليميّ، كما على المستوى الخلقيّ. فلا بدّ من توبيخهم والردّ عليهم. ذاك يكون واجب تيطس، واجب الشيوخ، واجب الاسقف الذي يرئس حلقة الشيوخ، وإلاّ كانوا رعاة مرتزقة لا يهمّهم أمر القطيع.

1- الخصوم والمعارضون
ماذا نعرف عن الخصوم الذين قاوموا الكنيسة، فحاول تيطس (وتيموتاوس) أن يردّ عليهم؟ ماذا كانوا يعلّمون؟ وما هو الخطر الذي شكّلوه على الجماعة؟ هناك لا شكّ أقوال مقولبة وتعابير تدلّ على شيء محدّد. نحن في إطار غنوصيّ ويهوديّ يردّ عليهم النص الكتابي بشكل مباشر. نقرأ في 1تم 6: 20- 21: "تجنّب الكلام الفارغ والجدل الباطل الذي يحسبه الناس معرفة. وحين اتّخذه بعضهم زاغوا عن الايمان". فموضوع معرفة الله (1تم 1: 16) يجعلنا في إطار يهوديّ متأثّر بالغنوصيّة. والامتناع عن الأطعمة (1تم 4: 3) يجعلنا أيضًا في إطار يهوديّ. هنا نفهم تسمية "معلّمي الشريعة" (1تم 1: 7) الذين يأتون من الختان (تي 1: 10). هم يحسبون أنهم يعرفون الله، ولكنه في الواقع، يتوقّفون عند خرافات "يهوديّة" (1: 14 و16).
وهناك ردّ غير مباشر. بمعنى أننا لا نكتشف الضلالة إلاّ انطلاقًا من النصّ: نقلب ما يقوله الرسول. وهكذا نكتشف سمات أخرى تعطينا صورة عن المعلّمين الكذبة. هم قريبون من الظاهريين (لم يكن يسوع انسانًا حقًا). لهذا قالت 1تم 2: 5: المسيح يسوع الانسان. ووردت في النشيد الليتورجي عبارةُ "في الجسد"، في اللحم والدم"، في 1تم 3: 16. هم ينتقون من التعليم ما يوافق نظرتهم إلى الخلاص، ويعتبرون أن التعليم هو لفئة (الكمّال) دون أخرى (هذا ما يجعلنا في العالم الغنوصيّ). لهذا جاء الارشاد يتوجّه إلى جميع الناس (1تم 2: 1). والخلاص يتوجّه "إلى جميع الناس" (2: 4). فالله "مخلّص الناس جميعًا" (1تم 4: 10). ونعمتُه ظهرت لجميع البشر (تي 2: 11).
رفض هؤلاء "الهراطقة" السلطة السياسىّة، فدعا النصّ المؤمنين لكي يصلّوا من أجل الملوك (1تم 2: 2، حتى نحيا حياة مطمئنة). كما دعاهم للخضوع للسلطات: "ذكّرهم أن يخضعوا للحكّام وأصحاب السلطة ويطيعوهم" (تي 3: 1). في هذا الإطار، نفهم الاتّجاهات التحرريّة التي تريد التفلّت من النظام الذي يُعمل به في المجتمع. لهذا طلب النصّ من العبيد أن يخضعوا لسادتهم بكل احترام (1تم 6: 1- 2؛ تي 2: 9- 10)، ومن النساء أن لا يحاولن التسلّط (1تم 2: 12)، بل يطعن أزواجهن (تي 2: 5). في هذا الإطار، نفهم الكلام عن الزواج وعظمة الأمومة تجاه الذين يرفضون الزواج (1تم 2: 15). ونقول الشيء عينه بالنسبة إلى الأرامل الشابات (1تم 5: 14؛ رج ما يعاكس ذلك في 1كور 7: 40). والدعوة إلى شرب الخمر (1تم 5: 83) تردّ على الممتنعين عن بعض الطعام والشراب. وإن 1تم 4: 8 تعارض بين الرياضة البدنية والتقوى (تي 1: 15 ضد قواعد الطهارة اليهوديّة). ونستطيع أن نفسّر المزايا المطلوبة من مختلف الخدم، كردّ على مواقف المواهبيّين الذين ينسون أهميّة الصفات البشريّة لدى الاسقف والخادم، لدى الشيوخ. وقد قالت 1تم 3: 10: يتمّ اختبارهم. فإذا وُجدوا بلا لوم، أقيموا شمامسة.
أما الصراع الأساسي فحول "المعرفة" (غنوسيس). هناك معرفة باطنيّة لا تحتاج إلى علم يأتي من التقليد الرسوليّ بفم المسؤولين عن الجماعة وسائر المؤمنين. وهناك معرفة تتوقّف عند قشور العالم اليهوديّ، بما فيها من مجادلات فارغة وبحث عن الأنساب. وهناك معرفة نصل إليها عبر ممارسات نسكيّة، من امتناع عن الزواج، عن الخمر، عن بعض الأطعمة. وفي أي حال، هذه المعرفة محفوظة لفئة دون فئة. أما هكذا كانوا يقسّمون الناس في التيارات الغنوصيّة؟
لا نتوقّف عند القيامة وتأثيرها على الممارسات النسكيّة، بل نتوقّف عند الخلفيّة اليهوديّة لعدد من هذه الاتجاهات الضالة: 1تم 1: 4 (الخرافات، الأنساب)، 7 (معلّمي الشريعة)؛ تي 1: 10 (أهل الختان)، 14 (خرافات يهودية ووصايا)؛ 3: 9 (المناقشة في الشريعة). فتجاه الذين يعتبرون كل هذا صدى لجدال حقيقيّ، رأى آخرون وراء هؤلاء "المختونين"، مسيحيّين تأثّروا بأفكار يهوديّة، أو مسيحيّين من أصل يهوديّ. وهناك فئة أخرى رأت غياب الصراع البولسيّ الكبير حول الشريعة والأعمال في إطار الكلام عن التبرير. فإن الكلام عن "الطهارة" في 1: 15، ارتبط (رغم الظواهر) بتنظيرات كوسمولوجيّة وأنسابيّة مرتبطة بالغنوصيّة.
في هذا الإطار الدينيّ المرتبط بالعالم الغنوصيّ، نرى أن الوعد "بالمعرفة" يجعلنا في جوّ سوتيريولوجيّ ينعم به بعضُ الأشخاص. فالمعرفة في 1تم 6: 20 تتميّز عن معرفة الله في العالم اليهوديّ كما تقول حك 2: 13. ثم إن العناصر التي تشير إلى الخصوم تتوافق كلها مع عالم غنوصيّ. وهكذا نكون في المراحل الأولى لغنوصيّة سوف تعبّر عن نفسها كتابة في القرن الثاني المسيحي.
ونلاحظ أيضًا أن هذا التعليم الآخر، يتوسّع داخل التقليد البولسيّ، وهذا ما يبرّر العودة إلى بولس للردّ عليه. فمرمى الجدال هو تقليد الرسول وتفسيره تفسيرًا صحيحًا (كما كان الأمر بالنسبة إلى تفسير انجيل يوحنا). فالهرطوقيّ يعتبر نفسه أنه يرتبط ببولس، وهو اعتبار في غير محلّه، وإغفال الاسم يحاول أن يندّد بهذا الواقع. وما يدلّ على هذا الوضع، هو الإشارة إلى أن بولس تركه مشاركوه في العمل، بعد أن تخلّوا عن التعليم الصحيح (1تم 1: 9- 10؛ 2تم 1: 15؛ 4: 10، 14- 15). ثم إن الصدى الذي تلاقيه 2تم في كو 2: 12 وأف 2: 50، والرباط مع أعمال بولس المنحولة (الذين كانوا رفاق بولس اعتبروا أن القيامة قد تمت)، يُثبتان وجودَ مثل هذا الصراع الداخليّ في التقليد البولسيّ.
وهناك من يجد ثلاثة عناصر تفسّر تكوين تيّار غنوصيّ في جماعة مسيحيّة جاءت من الأمم الوثنية، وعاشت في آسية الصغرى، في نهاية القرن الأول. هناك التلفيق الهلنستي مع اتّجاهاته الروحانيّة والتنظيريّة. وهناك وجود تقليد يهوديّ حيّ. وهناك تعليم الرسول (وحياته) الذي يقدّم أمورًا يمكن أن تفسَّر في خط غنوصيّ. قد يكون المعلّمون الكذبة خرجوا من هذه الجماعة، ومن التقليد البولسي. لهذا، كانت الحرب قاسية وصعبة.
وحاولوا إعادة بناء تعليمهم. معرفة الله ليست للجميع (تي 1: 16). والجميع لا يصلون إلى الله الذي هو بعيد عن العالم الماديّ. مثل هذا الوصول يتطلّب معرفة باطنيّة تُعطى داخل حلقات صغيرة (2تم 3: 6ي). فالفصل بين الله والخليقة (1تم 4: 1- 5) يدلّ على أن المؤمن يشهد بانتمائه إلى الدائرة الالهيّة بالمسافة التي يجعلها بينه وبين عالم المادة والمجتمع. وتُفهم الممارسات النسكيّة في هذا السياق. وهناك التأكيد (في 2تم 2: 18) على القيامة كواقع نهائيّ حاضر منذ الآن، فهو يتيح للروحانيّ أن يعتبر نفسه محرّرًا من رباطات المادة. تجاه ذلك، دافعت الرسائل الرعائية عن الرجاء بقيامة الأجساد الأخيرة بقدرة الله الخالق. ورفضُ هذا الرجاء يحوّل الكرستولوجيا. لا يعود يسوع يكون، بتاريخه ومسيرته على الأرض، الطريقَ التي بها جاء الاله الخالق ليعيد حقّه على الخليقة بشكل نهائيّ. بل صار ممثّل تعليم خلاص كله روحانيّ، يرفض الكون والتاريخ.

2- دراسة النصّ
على تيطس أن يعمل في كريت، ما يجب أن يعمله تيموتاوس في أفسس: مواجهة الهراطقة والردّ على تعليمهم وما فيه من ضلال.
أ- تحليل النصّ
أولاً: آ 10
وخصوصًا. أي أعني. اليهود. أو: المسيحيون المتهوّدون. حرفيًا: بين الذين من الختان (باريتومي). لفظ خاص ببولس. 32 مرة في الرسائل البولسية، وخمس مرات في سائر أسفار العهد الجديد. بالنسبة إلى بولس "باريتومي" تدلّ على اليهود الذين لم يؤمنوا بيسوع (روم 15: 8؛ غل 2: 7- 9). أو على المسيحيّين المتهوّدين (دائمًا مع الاداة "إك، من") في روم 4: 22؛ غل 2: 12؛ كو 4: 11. أو جميع المسيحيين سواء خُتنوا في اللحم أم لم يُختنوا (فل 3: 3؛ رج كو 2: 11- 13). إن سفر الأعمال والرسائل البولسيّة تستعمل وحدها "الذين من الختان" (المؤمنين) لتدلّ على المسيحيين المتهوّدين (أع 10: 45؛ 11: 2). المتمرّدين. أو المخالفين، المعارضين. رج آ 6 (أنيبوتكتوس). "ماتايولوغوس". لا نجده في السبعينية ولا في العهد الجديد. رج 3: 9 (ماتايوس، فارغ، باطل). في 1تم 1: 6 نجد الاسم: الكلام الفارغ.
ثانيًا: آ 11
"إبستوميزاين" (سدّ الفم). لا توجد في السبعينيّة ولا في العهد الجديد، ولكنها جد مستعملة في اللغة اليونانيّة.
هم يعلّمون أمورًا لا ينبغي أن تُعلّم. "ديدسكو". رج آ 9. مضمون تعليمهم ليس كما يجب أن يكون. رج 1تم 5: 13: لا يليق بالمؤمن، "ويخربون بيوتًا بكاملها". في 2تم 2: 18، كان المعلّمون يخربون الايمان. رج يو 2: 5 حيث قلبَ يسوع موائد الصيارفة. يرد الفعل اثنتي عشرة مرة في السبعينيّة: أناترابو. ذكرت تي "البيوت" (اويكوس) هنا. وفي آ 7، اويكونوموس، الوكيل على البيت. وفي 2: 5 "أويكورغوس": المتمّم أعمال البيت. رج 1تم 3: 4- 5، 12- 15 (بيت الله): 2تم 1: 16؛ 4: 19. يدلّ البيت هنا على عائلة مؤلّفة من الرجل والمرأة والاولاد. يرد "أويكوس" بالاضافة إلى ذلك 105 مرات في العهد الجديد. في 1كور 1: 16، نقرأ بيت استفاناس. "هولوس" كل، كامل. يرد أكثر من مئة مرّة في العهد الجديد. "قلب خسيس" يقابل آ 7 وما قيل عن المرشّح للأسقفيّة: لا يطمح في المكسب الخسيس. "كردوس"، المكسب. أيْسخروكرديس، مهتمّ بالمكسب الخسيس.
ثالثًا: آ 12- 13
"بروفيتيس"، نبيّ. نجد اللفظ أيضًا 143 مرة في العهد الجديد. رج النبوءة في 1تم 1: 18؛ 4: 14. كذّابون. رج 1تم 1: 10. "وحوش خبيثة". رج 1تم 1: 6- 10؛ 2تم 4: 14 مع "كاكوس" شرير، سيّئ، خبيث. "أرغوس" كسلان. رج 1تم 5: 13 والكلام عن الأرامل الشابّات.
"شهادة"، مرتيريا. رج 1تم 3: 7. رج "مرتيريون" في 1تم 2: 6؛ 2تم 1: 8. ونجد الصفة في 1تم 5: 19؛ 6: 12؛ 2تم 2: 2 والفعل المجرّد في 1تم 5: 10؛ 6: 13 (مرتيراين) والفعل المزيد (ديامرتيراين) في 1تم 5: 21؛ 2تم 2: 14؛ 4: 1. "لكي يكون ايمانهم". رج 2تم 1: 6، 12؛ لو 8: 47؛ أع 20: 21؛ 22: 24 (تشديد على السببيّة). صحيحًا. رج آ 9.
رابعًا: آ 14
"بروسخاين". تمسّك في معنى تحقيريّ في 1تم 1: 14 (الخرافات)؛ 3: 8 (الخمر)؛ 4: 1 (أرواح مضلّة). وهناك معنى حسن في 1تم 4: 13 (القراءة، الوعظ). لا نجد بعدُ هذا الفعل في سائر الرسائل البولسيّة. في العهد الجديد، 19 مرة، منها عشر مرات في لو+ أع (أع 8: 10- 11 في معنى تحقيري، الساحر فتن السامعين). "اليهودية"، يودايكوس". لا ترد هذه الصفة إلاّ هنا في العهد الجديد. ولا ترد في العهد القديم إلاّ في 2مك 13: 21. تستعمل غل 2: 14 الظرف الذي يدلّ على أسلوب حياة يهوديّ. "خرافات" ميتوس. في الجمع (رج 1تم 1: 4؛ 4: 7؛ 2تم 4: 4؛ 2بط 1: 16). تُستعمل في سي 20: 19 في صيغة المفرد. "انتولي" وصيّة. ترد مرارًا في العهد الجديد (66 مرّة) وفي العهد القديم، في معرض الحديث عن وصايا الله. أبوسترافو: مال، رفض. رج 2تم 1: 5 (تخلّى عن بولس)؛ 4: 4 (مال عن الحقّ). ثم هناك ست مرات في العهد الجديد، لو 23: 14؛ أع 3: 26؛ 500 مرّة في السبعينيّة.
خامسًا: آ 15
"طاهر" كاتاروس. ترد الصفة 26 مرّة في العهد الجديد، ومنها سبع مرّات في "الرعائيّة". في 1تم 1: 5؛ 2تم 2: 12 تدلّ على قلب المؤمن؛ وفي 1تم 3: 9؛ 2تم 1: 3 على الضمير. لا ترد سوى مرّة واحدة في الرسائل البولسيّة، في روم 14: 20. "كل شيء"، باس. يرد خمسين مرّة في الرعائيّة. نلاحظ صيغة التصالب هنا:
كل شيء طاهر للاطهار
وللانجاس
وغير المؤمنين ما من شيء طاهر.
"ماميامانوس"، نجس. لا يرد الفعل (نجَّس) في العهد الجديد إلاّ في عب 12: 15؛ يهو 8. رج النجاسة الخلقيّة في يو 18: 28 (لئلاّ يتنجّسوا). تطبّق السبعنيّة الفعل "مياينو" على احتفال لا يجري حسب الأصول، على عبادة نجسة، على تصرّف غير أخلاقيّ، فاجر (أي 71: 11؛ إر 2: 7؛ حز 18: 6، 11 حسب السبعينيّة). "نوس" عقل. "سينايديسيس"، ضمير. العقل يدلّ على استعدادات خلقيّة داخليّة، كما يشير إلى طبع الكائن. لا نجد "نوس"، أكثر من ست مرّات في السبعينيّة، وهو يقابل "ل ب" في العبريّة. رج حك 4: 12. أما "ضمير" فيرد هنا فقط في تي. ولكنه يرد خمس مرات في 1تم، 2تم. في 1تم 4: 2 (كما في تي 1: 15) يقال إن الضمير تنجّس، ولا يضاف شيء. واستعمل بولس "سيناديسيس" 14 مرّة في روم وفي المراسلة إلى الكورنثيين.
سادسًا: آ 16
"يدّعون (هومولوغاين) أنهم يعرفون الله". رج 1تم 6: 12 في المعنى الايجابي: شهد شهادة حسنة. أما الاسم "هومولوغيا" (شهادة) فيرد في 1تم 6: 12- 13. واسم الفاعل يبدأ النشيد في 1تم 3: 16. "أعمالهم" (إرغون). يرد الاسم 20 مرّة في "الرعائيّة"، وهو عادة في صيغة الجمع، مبنى أو معنى (كل عمل، رج 3: 1؛ 1تم 5: 10؛ 2تم 2: 21؛ 3: 17؛ 4: 18). هذا العمل هو "صالح" (أغاتوس)، لا "حسن، جميل" (كالوس). رج 3: 1؛ 1تم 5: 10؛ 2تم 2: 21؛ 3: 17 (2كور 9: 8). ويقابله عمل السوء (2تم 4: 18). هم أرجاس (بداليكتوس، مراحدة في العهد الجديد)، عُصاة. ارنايستاي: أنكر. رج 2: 12؛ تم 5: 8؛ 2تم 12: 13؛ 3: 5. ولا يرد في غير مكان من الرسائل البولسيّة. رج حك 12: 27؛ 16: 16. المعنى: لفظ كلامًا احتفاليًا. "أبايتيس". رج 3: 3؛ 2تم 3: 2؛ لو 1: 17؛ أع 26: 19. نجد اللفظ ثماني مرات في السبعينيّة، مع كلام عن الشعب المتمرّد، عد 20: 10؛ سي 16: 6؛ 47: 21. "أدوكيموس". لم يختَبر بعد، ليس جديرًا، ليس أهلاً. رج 2تم 3: 8؛ روم 1: 28. رج 1كور 9: 27؛ 2كور 13: 5، 6، 7؛ عب 6: 8. في السبعينيّة تُستعمل الصفة عن النحاس (أم 25: 4؛ أش 1: 22) والذهب.

ب- تفسير النصّ
أولاً: كثير من المتمرّدين (آ 10- 11)
في أفسس، كان الهراطقة أشخاصًا منعزلين (1تم 1: 3)، وكان عددهم قليلاً. أما في كريت، فهم كُثر بعد أن كثرت الدعاوة اليهوديّة. وهذه الكثرة شكّلت خطرًا على الجماعة. ثلاثة أمور تميّزهم: هم متمرّدون (أنيبوتكتوس) لا يسمعون كلمة الله ولا يطيعونها (يع 1: 1)، ولا يخضعون للكنيسة. هم "متكلّمون" (ماتايولوغوس، 1تم 1: 6) يهمّهم الكلام الفارغ، لا التعليم. لهذا لا يبنون الجماعة. هم خادعون ومخدوعون (فراناباتاي، غل 6: 3). يُقنعون الناس ولكن إقناعهم يقود إلى الخيبة، لأنه إقناع كاذب. أكثريّة المؤمنين هم من اليهود الذين كانوا كثرًا في الجزيرة (1مك 15: 23؛ أع 2: 11) ولا سيّما من الوجهاء (هناك اختار فلافيوس يوسيفوس امرأته). وإن وُجد مؤمنون من أصل وثنيّ، فقد تأثّروا بالتعاليم اليهودية، والممارسات العباديّة مثل الختان.
هؤلاء الثرثارون، يجب أن نُسكتهم، أن نكمَّ أفواههم (ابيستوميزو). نضع الكمامة على أفواههم كما نفعل مع الحيوان. هناك المعنى الطبيعي، وهناك المعنى الأدبي. كيف يُمنعون من الكلام؟ يمنعهم من الوعظ، يردّ عليهم، يوبّخهم، يحرّم عليهم حتّى زيارة البيوت ، ويمنع الناس من استقبالهم. لماذا؟ يقلبون (إنترابو)، يخربون البيوت، يدمّرونها. تعرف البيوت السلام، فيأتي هؤلاء المثرثرون وينشرون أفكارًا باطلة تقسم أفراد العائلة. وغيرتهم لا تدفعها كرامةُ الله وخلاص النفوس، بل المكسب الخسيس. فالبحث عن مثل هذا المكسب هو الذي يميّز الهراطقة (1تم 6: 5؛ 2بط 2: 3). فاليونان أنفسهم كرهوا السفسطائيّ الذي يبحث عن الولائم.
ثانيًا: شهادة على أهل كريت (آ 13- 14)
وانطلق بولس من شهادة في أهل كريت قالها واحد منهم، وهو معروف مثل أراتس (أع 17: 28) أو مناندرو (1كور 15: 33). هناك من قال: إبيمينيديس من كنوسوس (القرن 7- 6 ق.م)، وهم ايرونيموس، اكلمنضوس الاسكندراني، أوغسطينس، إيشوعداد المروزي (أخذها من تيودورس أسقف المصيصة). يبدو أن هذا "الفيلسوف" عمّر طويلاً و"أنبأ" بهجوم الفرس على اليونان، فسُميّ النبي (بروفيتيس). ولكن مثل هذا "النبي" بعيد كل البعد عن "رجل الله". فاليونان كانوا يسمّون شعراءهم أنبياء. تحدّث يو 11: 51 عن نبيّ هو قيافا. و2بط 2: 11 عن جحشة بلعام، ويهو 14 عن أخنوخ.
الهراطقة ليسوا فقط ثرثارين (فراناباتاي، آ 10)، ليسوا فقط كذّابين مثل أهل بلدهم، بل يُشبهون الوحوش التي لا يمكن تدجينها (أنيبوتكتوس). هم جائعون دومًا، نهمون، يجدون فريستهم في عائلات مسالمة.
استعاد الرسول ابيمينيديس ليحكم على أهل كريت، لأنه أصاب في ما قال عنهم. فماذا ينتظر تيطس لكي يوبّخهم بقساوة؟ "أبوتوموس". رج الفعل "أبو تمنو"، فصل وقطع. هكذا يفعل الرسول حيث لا ينفع اللطف (2كور 13: 10). فمحاولات الاقناع باطلة (2تم 2: 24- 25) تجاه أشخاص رافضين، كاذبين،، أشخاص صاروا كالمرضى (1تم 6: 4). فعلى المسؤول أن يكون ذاك الطبيب الذي يُعمل المبضعَ لتعود الصحّة إلى كل عضو، وبالاحرى إلى الكنيسة ككلّ.
وصحّة الايمان هي التعلّق بحقيقة الوحي، ورفْض كل ما يستنبطه البشر من خرافات وتعاليم باطلة، كاذبة (2بط 1: 16). وهنا نعود أيضًا إلى تعاليم يهوديّة وصلت إلى كريت. "الوصايا" (إنتولي) هي تعليمات تُشرف على الحياة الدينيّة والأخلاقيّة والعمليّة لدى المؤمنين. حين يقدّمها أناس لم ينتدبهم أحد، فقيمتها قيمة هؤلاء الناس (أش 29: 13)، مثل "تقليد الشيوخ" بأن يغسل الانسان يديه قبل الطعام (مر 7: 3- 5؛ رج كو 2: 16، 21، 22). فالحريّة المسيحيّة تقوم في الطاعة لسلطة الله، لكلامه ولتعليمه (تي 1: 1- 3) كما نقله الرسل (2بط 2: 21؛ 3: 22. والطاعة لمثل هذه الوصايا تحدّد من هم أعضاء الكنيسة (أع 12: 17؛ 14: 12). ولكن حين نسمع لخرافات أنساب ووصايا بشريّة (1تم 1: 4)، نميل (ابوسترافو، 2تم 1: 15؛ 4: 4) عن الحقيقة التي أخذنا بها واعتنقناها (1تم 2: 4؛ 4: 3).
ثالثًا: كل شيء طاهر للأطهار (آ 15- 16)
نحن هنا (آ 15) أمام قول مشهور، نقرأه عند فيلون وسينيكا وأفلوطين (لا شرّ للأخيار ولا خير للأشرار) وغيرهم. رج مت 15: 10؛ لو 11: 14 (أعطوا فيكون كل شيء لكم طاهرًا). في روم 14: 14 نقرأ كلامًا يُشرف على خلقيّة العهد الجديد فيلغي ما يقوله العهد القديم. قال يو 8: 23: الحقّ (يسوع المسيح) يحرّركم. إن "كاتاروس" (طاهر) تعني أيضًا في البرديات: من تحرّر من الهمّ، من تنزّه عن اللوم، من لم يثقله شيء. نحن هنا أمام فرائض طعاميّة (آ 14؛ 1تم 4: 13) عاد المعلّمون الكذبة إلى العمل بها ولكن الممارسات "البدنية" (على مستوى اللحم والدم) تعدّاها الزمن، منذ يسوع المسيح، كما قالت عب 9: 10، 13. هذا ما فهمه بطرس حين كان عند كورنيليوس: لا مكان للتمييز بين الطاهر والنجس (أع 10: 14- 15). فالمهمّ هو طهارة القلب (مت 5: 8؛ يو 13: 10؛ 15: 3؛ 1تم 2: 8). إذن، بالنسبة إلى انسان طهّره دمُ المسيح، وولده الروحُ ولادة ثانية (تي 3: 5- 7)، كل شيء طاهر على المستوى الطقسيّ، وعلى المستوى المادي. فالتدبير الجديد يعود إلى نظرة الله إلى الخلق: رأى جميعَ ما خلقه فإذا هو حسن (تك 1: 4، 10، 12، 18...) من أجل طعام أبناء الله (روم 14: 20؛ 1كور 5: 11- 12؛ 10: 23، 30- 31). لا نجاسة في الأشياء. فالنجاسة من الانسان، وما هو من الطبيعة المخلوقة هو طاهر، كما قال أوغسطينس.
تجاه ذلك، فالناس "الانجاس" الذين لامستهم الخطيئة (ميانياين، عب 12: 15؛ 2بط 2: 20؛ يهو 8. قال الذهبي الفم: الخطيئة وحدها هي النجاسة)، الذين لم يطهّرهم دم المسيح، (أبستوس) اللامؤمنون، فهم ينقلون نجاستهم إلى الأشياء. كل هذا يتعلّق بالعقل (نوس) وبالضمير (سينايديسيس): هناك يتكوّن الحكم الخلقيّ وتمييز الخير والشرّ (روم 12: 12؛ رج 6: 5؛ 2تم 3: 8). هناك طريقة التعامل مع المادة، وهي تحدّد خلقيّة الانسان.
أما "المعلّمون" في كريت فيعلنون بالفم الملآن (هومولوغاين، 1تم 3- 16) أنهم يعرفون (أويدا) كل المعرفة (علم اليقين، يسيطرون على دقائق الامور)، وأن لا شيء ينقصهم في هذا المجال. ولكن ما قيمة هذه المعرفة إن لم ترافقها الأعمال (يو 2: 14- 26). فهؤلاء ينظّرون حول الخرافات، أما أعمالهم فتنكر إيمانهم وتعارض ما يعلنونه ويقرّون به.
مثل هؤلاء الناس يمقتهم الله والبشر. فهم ارجاس (ماميامانوس). عصاة: بداليكتوس. رج "ب ث ت: في العبرية. علاقة بعبادة الأوثان. وأخذت الصفة ما يتعلّق بالنتانة والرائحة الكريهة. رج دا 9: 27؛ روم 2: 22. هؤلاء الثرثارون لا يُخضعون حياتهم لممارسات الايمان العمليّة (3: 3؛ أف 2: 2؛ عب 4: 6- 11). بل يرفضون أن يقتنعوا (أبايتيس). هم يديرون ظهرهم للحقّ (آ 14) فيصيبهم الغضب الالهيّ (حك 10: 7؛ أف 5: 6؛ كو 3: 6). يهيّئ الله مؤمنيه لكي يحملوا الثمار (2تم 3: 17). أما الهراطقة فينادون بالخلاص ولا ينعمون به (1كور 9: 27) لأنهم عاجزون (أدوكيموس) عن كل عمل صالح (تي 3: 1). هم يُشبهون أرضًا عقيمة قد نالتها اللعنة (عب 6: 8). فماذا يفعلون بعدُ في الكنيسة.
3- قراءة إجماليّة
إن الاعداء الذين يحاربهم بولس هم يهود صاروا مسيحيّين (آ 13)، ولكن مسيحيّتهم ظلّت على مستوى القشور (آ 13). هم لم يفهموا الجديد الجذريّ في الانجيل، ورفضوا أن يستخلصوا نتائجه من أجل حياتهم اليوميّة. اختلفوا عن الغلاطيين، فلم يشدّدوا على الختان كوسيلة ضروريّة من أجل الخلاص، بل شابهوا معلّمي كولسي الذين تعلّقوا بنظريّات كوسمولوجيّة وفرائض طقسيّة تدمّر حقيقة الانجيل. بالإضافة إلى ذلك، اجتذبتهم نظرات غنوصيّة فجعلت من ديانتهم تلفيقًا بمزج المسيحيّة باليهوديّة وبالنظريات السرّانيّة.
ظنّ هؤلاء المعلّمون أنهم فوق كل سلطة. فوق سلطة الرسول نفسه. لهذا تمرّدوا على كل توصية لا تأتي منهم. رفضوا، فوجب أن يدجَّنوا كالحيوانات الشرسة. هم ثرثارون يرتضون بالكلام الفارغ. كان اليهود يتّهمون الوثنيّين بأنهم لا يعرفون الله. وأنهم يصلّون صلاة هي أقرب إلى الثرثرة بكلامها الفارغ، منه إلى الحوار مع الله (مت 6: 7). فانتقد بولس هؤلاء المعلّمين المتهوِّديبن في كريت، كما كان اليهود ينتقدون الوثنيين. أما خطر هؤلاء الوعّاظ، فيقوم في أنهم يعرفون كيف يُقنعون الآخرين ويخدعونهم. عرف الانجيل مثل هؤلاء الأنبياء الكذبة الذين يبدون كالحملان وهم ذئاب خاطفة (مت 7: 15). وكان بولس قد نبّه شيوخ أفسس من هؤلاء الذئاب الذين يتغلغلون في القطيع، ويخدعون التلاميذ بكلامهم المسموم (أع 20: 29). بل رأى أن عددًا من المؤمنين سوف يُخدعون (1تم 4: 1- 2). ففي "الأزمنة الأخيرة" تكون تجربةُ الجحود كبيرة. فيقوم المسحاء الكذبة والأنبياء الكذبة في كل مكان فيقدّمون الآيات والمعجزات بحيث يُضلّون المختارين أنفسهم (مت 24: 24).
مثل هؤلاء الناس تُسدّ أفواهُهم (آ 11). تُوضع الكمامة لتكبح كلامهم الذي لا ينتهي. قد لا يبشّرون بشكل علني. ولكنهم يتسلّلون إلى البيوت فيدمّرون أسرًا بكاملها (2تم 3: 6). يمرّون، فتنقلب الأمور بعد مرورهم، وتحل الفوضى في العائلات المسيحيّة محلّ السلام. هذا يعني أن روح الله ليس هنا. فثمر الروح، كما قالت غل 5: 22- 23 هو: محبّة، فرح، سلام، وداعة، لطف. "ويعلّمون ما لا يجوز". رج 1تم 5: 13 وما قيل عن الأرامل الشابات اللواتي ينتقلن من بيت إلى بيت وينقلن معهنّ الكذب والافتراء والنميمة. وهكذا يتهدّد الايمان. والذي يدفعهم إلى ذلك هو حبّهم للمال. وهذه رذيلة عُرف بها أهل كريت، وقد يكونون أخذوا بقول لشيشرون خطيب رومة: "السرقة ليست أمرًا لاأخلاقيًا". فتميّزوا عن أهل الأرض، واعتبروا أن لا ربح غير شريف (كما قال بوليبيوس). ولكن ليست هذه الرذيلة الوحيدة لدى هؤلاء الذين وجب على تيطس أن يجعلهم في الطريق القويم.
واستعان بولس في كلامه عن أهل كريت بشاعر من شعرائهم، يصفهم وصفًا لا يشرّفهم كثيرًا: هم كذّابون، وحوش لا يدجَّنون، كسالى، يقضون وقتهم في الطعام. فيجب أن يحذرهم، بل أن يتّخذ الاجراءات ضدّهم، فيشرع بالتوبيخ بدءًا بالمسؤولين، والهدف هو إعادة الصحّة إلى الذين صار إيمانهم مريضًا. أما المرض فيأتي من العالم اليهوديّ في خراقات ترتبط بتنظيرات حول الأنساب، والملائكة، والشريعة، وهكذا يميلون بآذانهم عن الحقّ.
جاءت تعاليم الكريتيين عمليّة، لا نظرية فقط، فأشارت إلى التصرّف الخلقيّ بما فيه من ممارسات نسكيّة. ولكن ما قيمة "وصاياهم" التي هي بعيدة عن الوصايا العشر، وبالأحرى عن تعليم الانجيل. فالشريعة إلهيّة، كما يقول بولس، ولها دور هام في تدبير الخلاص (روم 7: 7- 16؛ غل 3: 9- 14). أمّا ما يعلّمه هؤلاء :الهراطقة:، فأقوال بشريّة تضع جانبًا وصايا الله، كما قال يسوع عن الفريسيين (مر 7: 7)، وبالتالي تلغي وصيّة الله. وكانت النتيجة: "هذا الشعب يكرمني بشفتيه، أما قلبه فبعيد عني" (مر 7: 6). هنا نلتقي مع كو 2: 21- 22 مع أقوال: "لا تمسّ. لا تذق، لا تلمس. هي كلها أشياء تزول بالاستعمال. هي أحكام وتعاليم بشريّة".
ما يقدّمونه هو طهارة على مستوى الشريعة، طهارة خارجيّة، عاجزة عن حمل الخلاص إلى الانسان. أما بولس فيتحدّث عن الطهارة الحقيقيّة. فالأشياء في حدّ ذاتها، ليست طاهرة ولا نجسة. فالانسان هو الذي يجعلها شريرة. والطهارة لا ترتبط بالأشياء، بل بالضمير. المهمّ هو أن تكون العين الداخليّة في النور، حينئذ يستضيء الجسدُ كله (مت 6: 22). ذاك هو تعليم الانجيل (مت 15: 10- 20؛ لو 11: 39- 41). فالذي هو نقيّ في الداخل (أي خاضع لله وللمسيح بدون مساومة) يحوّل كل شيء إلى نور. أما الذي هو بعيد عن الله، فيُفسد كل ما يلمسه. والنجاسة الجوهريّة، الداخليّة، هي في النهاية قلّة الايمان. ومن لم يفهم أن لا خلاص إلاّ في يسوع المسيح، فيبحث عن تبرير في ممارسات خارجيّة محضة، هو فاسد في أساسه. وهكذا يصبح تصرّفه مغلوطًا، يميل عن الاتجاه الأساسيّ. بعد هذا، لا يكون له شيء نقيًا. ولا شيء يقدر أن يقوده إلى الخلاص. فالأشياء الصالحة قد تقود إلى الشرّ إن استعملناها بروح الشرّ.
في 1تم 1: 7، كان بولس قد انتقد مزاعم هؤلاء المعلّمين الذين سمّوا أنفسهم اختصاصيّين في الشريعة، ساعة هم جهّال لا يعرفون شيئًا. فبيّن التناقض بين تعليم هؤلاء الناس وسلوكهم العمليّ. هم يؤكّدون أنهم يعرفون الله. ولكنهم ينكرونه بأعمالهم. هذه الملاحظة تكفي لتنزع القناع عنهم. يكفي لذلك أن نتذكر القول الانجيلي: "كل شجرة صالحة تثمر ثمارًا صالحة، وكل شجرة رديئة تثمر ثمارًا رديئة. فمن ثمارهم تعرفونهم" (مت 7: 17؛ رج 12: 33- 35). ما أهون أن نزعم أننا نعرف الله. ولكن يجب أن يأتي العمل بعد القول. :من قال أنا أعرف الله ولم يحفظ وصاياه، فهوكاذب. وليس الحقّ فيه" (1يو 2: 4). مثل هؤلاء الناس ينكرون، في الواقع، الله. يعتبرونه، في أعمالهم، غير موجود. لهذا، يُمقتون، لأنهم أرجاس يميلون عن الايمان الحقيقيّ الذي هو طاعة (روم 1: 5)، وخصوم لكلمة الله. هم عصاة، متمرّدون. ولا نستطيع أن ننتظر منهم شيئًا. فهم عاجزون حتّى عن عمل الخير. أما الرسول فهو "معدّ ومستعدّ لكل عمل صالح" (2تم 3: 17).

خاتمة
جاءت صورة المسؤول في الكنيسة، وصورة المؤمنين الحقيقيّين. وبعدهما جاءت صورة المعلّمين الكذبة. فاستند بولس إلى ما يقوله شعراء كريت عن أهل كريت. وطبّقه على أشخاص يُكثرون من الأقوال ولا يعملون شيئًا. هم كسالى في الحياة اليوميّة، لا يريدون أن يعملوا شيئًا سوى أن يملأوا بطونهم. وهم كسالى في الحياة الروحية، يُخفون تقاعسهم وراء مزاعم تعلن أنهم يعرفون وهم في الواقع لا يعرفون. وإن عرفوا، فهم لا يفعلون. يشبهون الفريسيين والكتبة الذين قال فيهم يسوع: يقولون ولا يفعلون. يحزمون أحمالاً ثقيلة (من الشرائع والفرائض) ويلقونها على أكتاف الناس، ولكنهم لا يحرّكونها بإحدى أصابعهم. فهؤلاء الهراطقة هم يهود صاروا مسيحيين أومسيحيون من أصل وثنيّ تأثّروا بالتعاليم اليهودية، فجاءت النتيجة هي هي: سمّوا نفوسهم أهل الختان، لا أهل العماد، وتوقّفوا عند خرافات يهودية ووصايا بشريّة، وتركوا وديعة الايمان التي حملها الرسل من فم المسيح وأوصلوها إلى الجبل الثاني والثالث في الكنيسة. أمام هذه الصورة البشعة، هل يتردّد المؤمنون في اختيار تعليم المسيح وترك التعاليم البشريّة، كما فعلت جماعة متّى؟ ويبقى على تيطس أن يتميّز عن هؤلاء بالتعليم الصحيح الذي يقدّمه، وبالسيرة التي يعيشها، فيقدّمها لمؤمنين يسلكون طريق القداسة فتكون حياتهم بلا لوم.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM