تقديم

تقديم
بعد الرسالتين إلى تيموتاوس، نقدّم في هذا الكتاب تفسير الرسالة إلى تيطس. في 1، 2 تيموتاوس جاء التفسير في ثلاثة أقسام: موضوع لاهوتيّ، دراسة النص، القراءة الاجماليّة. أما الموضوع اللاهوتي فطرح مسألة عامة فيّ الرسائل الرعائيّة الثلاث. ودراسة النصّ توخّت التعمّق في المفردات وفي المعاني الكتابية. والقراءة الاجمالية جاءت قراءة روحية ورعائيّة تساعد المؤمن على جعل الكتاب المقدس صلاة في حياتنا وتفكيرًا في عقيدتنا. وأضفنا شيئًا جديدًا لم نعرفه من قبل هو ترجمة بين السطور. أي نقدم النصّ اليوناني ونفسّره كلمة كلمة. قدّم هذه الترجمة الأب أنطوان عوكر الانطوني بالنسبة إلى الرسائل الرعائيّة الثلاث. وفي تي، كان جديد أيضًا. قسمنا دراسة النص قسمين: تحليل النصّ، تفسير النص. أما التحليل فحاول ربط الكلمات مع جذورها بما ورد في الأدب البيبلي بشكل عام والأب الدنيوي بشكل خاص. والتفسير توقّف عند المعاني الكتابيّة.
تلك هي طريقتنا في دراسة الرسالة إلى تيطس، التي هي إحدى الرسائل الرعائيّة، وهي رسائل اعتبرت رسائل بولسيّة ثانية، بمعنى أن بولس لم يكتبها، بل كتبها تلاميذه بعد أن مرّت سنوات على موته. وهكذا نكون أمام إرث بولسيّ امتدّ في ما نستطيع أن نسمّيه المدرسة البولسيّة. وهذا الارث دخل في اللائحة القانونيّة، فتساوى على مستوى الايمان والعقيدة والممارسة المسيحيّة مع الرسائل البولسية الأولى، أي روم، 1كور، 2كور، غل، فل، 1تس، فلم. لم يُناقَش موضوع نسبة هذه الرسائل الرعائيّة إلى بولس إلاّ في القرن التاسع عشر. أما قبل ذلك الوقت، فلم يُطرح سؤال في شأنها، بعد أن ذُكرت عند ايريناوس واكلمنضوس الاسكندراني، وفي قانون موراتوري (سنة 180)، أي في كنيسة رومة.
ما الذي دفع الشرّاح إلى اعتبار الرسائل الرعائيّة قد استعارت اسم بولس، مع أن بولس لم يكتبها؟ هناك أولاً صعوبات في تطابق معلومات تاريخية في الرسائل الرعائيّة مع ما نعرفه عن بولس في أع، وسائر الرسائل البولسيّة. ثانيًا، على مستوى التنظيم الكنسيّ حيث نجد عناصر بولسيّة (فل: أسقف، شمامسة) وعناصر من العالم المسيحي المتهوّد (شيوخ أو كهنة أو قسس، أع 11: 30؛ 14: 23؛ 15: 22؛ يع 5: 14). وهكذا نجد مسؤولين بمهمات ثلاثة: يرئسون الجماعات، يعلّمون كلمة الله، يردّون على التعاليم الكاذبة ساهرين على الايمان. وفوق هؤلاء المسؤولين المحليّين، نجد مساعدين مباشرين لبولس مثل تيموتاوس وتيطس المسؤولين عن منطقة بكاملها: واحد عن أفسس وجوارها. والآخر عن جزيرة كريت بمدنها.
والاختلاف الثلاث بين "الرعائية" وسائر الرسائل البولسية يقوم على مستوى التعليم: لم يعد الايمان علاقة حيّة بين الانسان والمسيح، بل صار عقيدة وتعليمًا. وهناك تشديد على ضرورة "الأعمال الصالحة" لا على الحياة في الروح. وصارت الحياة المسيحيّة خلقيّة التوازن مع تشديد على التقوى. والروح يُتمّ ولادةَ الانسان في ارتباط بالمعمودية التي هي غسل الميلاد الثاني (3: 5)، وهو أيضًا كافل الوديعة المسلّمة إلى الكنيسة. والمحبّة لم تعد الفضيلة السميا، بل صارت فضيلة من الفضائل. وأخيرًا، تتدخّل النعمة لتساند المجهود البشري.
هكذا بدت الرسائل الرعائية الثلاث. وهكذا بدت تي التي نرى أنها دُوّنت في نهاية القرن الأول إن لم يكن في بداية القرن الثاني. وتوجّهت إلى تيطس، أسقف كريت. فالكاتب اسم مستعار. ومتسلّم الرسالة اسم مستعار. ونحن في جوّ يقابل إلى حدّ بعيد كتاب الديداكيه أو تعليم الرسل. تعرّفنا فيها إلى بنية الكنيسة، إلى التعاليم الضالّة التي تهدّد الكنيسة. إلى تصرّف جماعة يجب أن تعيش الايمان لتشهد للمسيح بعد أن غاب الشهود الاوّلون، فلم نعد في الجيل المسيحي الأول، بل الثاني والثالث.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM