الفصل الثاني عشر :التوصيات الأخيرة

الفصل الثاني عشر
التوصيات الأخيرة
4: 9- 22

انتهت الرسالة، ولكن لا بدّ من بعض تعليمات عمليّة تدلّ على مدى تنقّلات المسيحيين الأوّلين، وعلى البعد الرسوليّ لنفسيّة بولس الذي يحمل همّ جميع الكنائس. ففي بضع آيات، تطلّع إلى تسالونيكي وغلاطية ودلماطية وأفسس وترواس وكورنتوس وميليتس ورومة. دعا إليه تلميذًا من تلاميذه، وأرسل آخر إلى مكان محدّد. تخلّى عن الرسول تلاميذُه وأصدقاؤه، وهاجمه أعداؤه هجومًا شخصيًا. ومع ذلك، فهو لا يتخلّى عن قوّة النفس عنده. فيشهد للحقّ ولا يتراجع. وهكذا يكمّل تشبّهه بالمسيح في حاشه وآلامه. فالاسكندر لعب تجاهه الدور الذي لعبه يهوذا تجاه المعلّم. ومرّ بولس أمام القضاء، فدافع عن نفسه بكرامة وثقة، وسلّم أمره إلى الله. غفر للمسيحيين الذين تراخوا فتراجعوا وهربوا. وظلَّ متّحدًا بإخوته في المسيح. وفي النهاية نبّه تيموتاوس إلى الأخطار التي تتربّص به.

1 - الرسول وابنه الحبيب
حملت 2 تم، شأنها شأن 1 تم، عددًا من أسماء العلم، يعرفها القرّاء بشكل إجماليّ. ولكن من خلال هذه اللائحة يتواصل الارشاد. فكما في 1تم 1: 18- 20، نجد في 2تم 1: 15- 18 تعارضًا بين تصرّف وتصرّف. في 1تم، انكسرت سفينة التلاميذ فما عادت تصلح لعبور الماء على مثال السفينة التي كان فيها المعلّم مع تلاميذه. وفي 2تم، تخلّى التلاميذ عن الرسول وعن الرسالة. تجاه هذين الوصفين، برز اونيسفورس الذي لم يخجل من قيود بولس، بل ذهب يبحث عنه في كل مكان. ومثله سوف يفعل تيموتاوس إن هو أراد أن يحافظ على الأمانة.
وذكرُ الاسماء في 2تم، كما في 1تم وتي، يخدم كلام الرسول. في البداية، وجد بولس عزاء مع اونيسفورس. والآن ينتظر العزاء نفسه بعد أن تركه ديماس والتحق بهذه الدنيا.
إن خاتمة 2 تم تشبه في بنيتها 1و 2تس، غل، فل، عب. نجد معلومات شخصيّة وتعليمات. نقرأ المجدلة. ثم معلومات أخرى وتعليمات. وأخيرًا البركة المزدوجة: ليكن الرب مع روحك. كلام إلى تيموتاوس الذي يتسلّم الرسالة. ولكن الرسالة تتوجّه أيضًا إلى الجماعة ككلّ. لهذا كانت مباركة ثانية: لتكن النعمة معكم.
ولاحظ عدد من الشّراح تقاربًا بين آ 10- 21 (وخصوصًا آ 16- 18) ومز 22 الذي تلاه يسوع على صليبه: "إلهي إلهي لماذا تركتني، وابتعدتَ عن نجدتي وسماع آنيني؟ إلهي، في النهار أدعو فلا تجيب، وفي الليل فلا تحرّك ساكنًا" (آ 2- 3). قد يكون بولس صلّى هذا المزمور في زنزانتهم ليكون، ليلة موته، شبيهًا بيسوع. في الواقع، يصوّر هذا المزمور شخصًا تخلّى عنه الجميع فأحسّ بالوحدة. أحسّ بالضيق (تلبسيس). صارت حياته (وقوّته) كالماء الذي يسيل (آ 6). ما من أحد بجانبه يساعده. هاجمه أعداء دلّوا على شراستهم وانتظروا موته القريب. هم وحوش متعطّشة إلى الدماء، يُشبهون الأسد ساعة يقع على فريسته ويزأر "محييًا" إياها. غير أن البار ما زال يرجو الله الذي يحمل إليه الخلاص، وسيكون أول من يمجّد الله فيدعو الملوك والأمم لمشاركته في هذا التمجيد. من أجل هذا، يرفع المرتّل فعل الشكر: "أما أنا فله حده أحيا، وذرّيتي أيضًا ستعبد الربّ، والأجيال الآتية ستخبر عنه. وتُحدّثَ الشعب الذي سيولد، بما تمّ على يده من خلاص" (مز 22: 31- 32).
هذه العواطف نجدها في هذه الآيات (آ 9- 22) من 2تم، ولا سيّما الاكرام الذي تؤدّيه إلى الله أممُ العالم. فكما ضمّ البار الأمم الوثنيّة إلى مديح الاله المخلّص، في المزمور، كذلك شهد بولس أمام ممثّلي العالم الوثنيّ. وعرف أن نسله الرسوليّ سيتابع العمل بعده. هذا ما قاله المزمور: "جميع الأمم تتذكّر الرب، وترجع إليه من أقاصي الأرض. أمام وجهه تسجد جميعُ الشعوب، لأن المُلك للربّ، سيّد الأمم" (آ 28- 29).

2- دراسة النصّ
اعتاد بولس أن ينهي رسائله بأخبار قصيرة أو توصيات عمليّة (روم 15: 22- 16: 23؛ 1كور 16: 5- 18). انتهت 1تم بشكل مفاجئ، فلم تحتفظ بأخبار. أما 2تم، شأنها شأن تي (تي 3: 12- 15)، فحملت نصائح عمليّة وأخبارًا. ونحن نقسم نهاية 2تم قسمين: توصيات وأخيار (4: 9- 18)، السلامات والتمنّي الأخير (آ 19- 22).

أ- توصيات وأخبار (4: 9- 18)
جاءت خاتمة الرسالة بسيطة ومؤثّرة. كان بولس وحده أمام قضاته وأعدائه الشخصيّين، فما وجد بقربه سندًا بشريًا. لهذا، استند فقط إلى الربّ الذي لا يمكنه إلاّ أن يخلّص خادمه رغم الظواهر. وهكذا اختبر بولس التجرّد التام والفقر الروحيّ.
أولاً: ديماس، كريسيس (آ 9- 10)
كان بولس رجل إحساس عميق، فاحتاج دومًا إلى أن يحيط به أصدقاؤه ومشاركوه في العمل. وفي الأيام الأخيرة من حياته، ها هو يحسب الحاضرين والغائبين. وأكثر ما يُثقل عليه هو العزلة، على مثال الربّ في بستان الزيتون (مت 26: 38، 40). لهذا ألحَّ على تيموتاوس: تعال إليّ سريعًا. عجّل. وسيقول حالاً لماذا يطلب السرعة.
ديماس تركني. ديماس تصغير "ديمتريوس" (رج 3 يو 12). هناك من ماهى بين الاثنين، فنال ديماس شهرة سيّئة على مثال ديمتريوس. أما "أعمال بولس" (1: 4) فجعلت ديماس مع هرموجينيس، كخصم بولس الحسود والمرائي. وقال شرّاح: جحد إيمانه، وترك الرسالة، وعاد إلى العالم (1تم 6: 17؛ تي 2: 12). فضّل محبّةَ هذا الدهر على محبّة الربّ في تجلّيه (آ 8). ووُجد في مخطوط، في فلورنسا، أنه صار كاهن هيكل وثنيّ في تسالونيكي.
ولكن الفعل "ترك" (إنكاتالايبو)، يعني ترك شخصًا وما أعانه (آ 16؛ مت 27: 16؛ أع 2: 27؛ عب 13: 5). وترك مكانًا ليمضي إلى مكان آخر (عب 10: 25). توقّف عن العمل، اعتزل، تخلّى عن واجبه. فديماس، رفيق أسر بولس في رومة للمرة الأولى (كو 4: 14؛ فلم 24)، قد يكون يئس من الظروف الصعبة، شأنه شأن مرقس في بمفيلية (أع 13: 13؛ 15: 38). هرب من الخطر، فبحث عن الهدوء والراحة (الذهبيّ الفم). "أغابان"، فضّل. هو ما خسر إيمانه، بل أمانته لشخص عمل معه.
"كريسيس". أو "كريسانس". إسم لاتيني: شخص حرّره نيرون. أو: قائد مئة. أو: صانع ماهر في ديلوس. لا يرد اسمه إلاّ هنا في العهد الجديد. قد يكون خزّافًا من غالية (فرنسا الحالية) كما تقول كتابة يونانيّة. سافر إلى غلاطية، المقاطعة الواقعة في تركيا. ولكن رأى البعض، مستندين إلى نصوص تمتدّ إلى القرن الثاني، أنه سافر إلى غالية. هنا نتذكّر تيودورس، أسقف المصيصة: "يُسمّي بولس غلاطية ما يُسمّى اليوم غالية". وهكذا يكون هذا التلميذ عاد إلى بلده، إلى غالية، ليحمل الانجيل الذي حمله بولس إلى اسبانية، على مثال ما فعل ابفراس حين حمل الانجيل إلى كولسي وربما لاودكية. ومضى مرقس إلى دلماطية التي هي على الشاطئ الادرياتيكي.
ثانيًا: لوقا ومرقس وتيخيكس (آ 11- 13)
لوقا هو الصديق الأمين. الحاضر مع بولس خلال سجنه في قيصريّة (أع 27: 1) ورومة (فلم 24)، بل حتى ساعة موته الذي صار قريبًا. هو الطبيب (كو 4: 14) والسكرتير والمستشار القانونيّ كما قال قانون موراتوري (يعود إلى القرن الثاني): "أخذه بولس معاونًا بسبب معرفته بالقانون". "وحده معي". أترى تخلّى مسيحيّو رومة عن بولس، خوفًا على نفوسهم؟ ربما. رج فل 1: 15- 17. في هذا السياق نفهم "أنالمبانو": جاء بشخص (أع 20: 13؛ 23: 31). أخذ مسافرًا في سفينة. يمكننا أن نفهم أن مرقس كان مع تيموتاوس؟ لا، بل هو في إحدى المدن، وسيمرّ تيموتاوس عليه ويصطحبه إلى بولس. مرقس مفيد جدًا (فلم 11). ثمين جدًا (2: 21)، لما يمكن أن يقدّم لبولس من معونة شخصيّة (تيودورس).
تيخيكس. شخص وثق به بولس. مضى من بلد إلى بلد. فإن جاء تيموتاوس، حلّ تيخيكس محلّه هناك. هو من آسية، وقد أقام في أفسس وكولسي وكريت. مع أن بولس وحده، إلاّ أنه قبل أن يتركه تيخيكس لخير الكنائس (آ 12).
حين يأتي تيموتاوس من أفسس، يتوقّف في ترواس (طروادة) فيأخذ معه عباءة بولس والكتب (آ 13). مرّ بولس في ترواس أكثر من مرّة (أع 16: 8؛ 20: 6)، وقد يكون أوقف فيها قبل أن يُقاد سجينًا إلى رومة. أقام عند "كربوس" (2كور 2: 12). ما يحمله تيخيكس معه، هو نصوص العهد القديم، وربّما نصوص العهد الجديد: "بيبليا"، كتب.
ثالثًا: اسكندر النحّاس (آ 14- 15)
عُرف اسم الاسكندر في أمكنة عديدة (مر 15: 21؛ أع 4: 6). هل هو ذاك المذكور في 1تم 1: 20؟ هل هو المرتبط بأفسس (أع 19: 33) والعامل مع ديمتريوس (آ 24). لا نعرف موطنه. ولكننا نعرف أن تيموتاوس يعرفه، ويعرف أعماله السيّئة التي سيجازيها الله عليها أسوأ مجازاة. هو نحّاس أو حدّاد. كان مسؤولاً عن توقيف بولس، إن لم يكن عن الشهادة ضدّه بحيث اتّخذ الاتهام منحى مأساويًا: أساء إليّ كثيرًا. الفعل "إندايكنيمي" (1تم 1: 16): قدّم البرهان. وشى إلى السلطات. لاحق في القضاء. وشى اسكندر ببولس، ولحق به إلى رومة ليشهد عليه.
قال يسوع عن الخائن: "الويل للانسان الذي به يُسلم ابن الانسان" (مت 26: 24). وأورد التلميذ مز 52: 13: "أنت، يا سيّد، تجازي كلَّ انسان حسب أعماله". رج مز 28: 4: "عاملهم يا ربّ حسب سلوكهم وحسب شرّ أعمالهم". وقال تث 31: 35: "لي الانتقام والمجازاة". هكذا "تُغلق أفواه قائلي الكذب" (مز 62: 12). شهد الاسكندر، فحُكم على بولس. فليحترس تيموتاوس من شهادة مماثلة. فيلاسو: احترس. وإلاّ كان التلميذ ضحيّة الكذب، شأنه شأن معلّمه.
رابعًا: الربّ وقف معي (آ 16- 18)
رأى الذهبيّ الفم وتيودوريتس... في آ 16 كلامًا عن سجن بولس للمرّة الأولى في رومة والاستجواب الأول. ولكن يبدو أن بولس أطلق سراحه حين سُجن للمرّة الأولى في رومة (بعد قيصرية، رج أع 28: 16ي)، ثم قُبض عليه بوشاية من اليهود أو المسيحيّين المتهوّدين.
كانت المحاكمة عامّة، والفضوليون كثيرين. فيأتي الأقارب والأصحاب. أما بولس فكان وحده. انتظر أن يجد أحدًا بقربه، لكي يعينه. "باراغينوماي". رج لو 11: 6؛ 12: 51؛ 1كور 16: 3؛ عب 9: 11. ولكن ما وقف أحد مع بولس، فأحسّ بالحزن والمرارة. فقال: "تركوني كلهم". رج مت 27: 46 = مز 22: 2؛ رج 2تم 1: 5. خافوا على أنفسهم. أو هم رأوا أن لا فائدة من البقاء هنا بعد أن انتهى كل شيء. هل حقد الرسول على أحد؟ كلا. بل طلب الصفح لهم قبل موته، على مثال الربّ (لو 23: 34)، واسطفانس (أع 7: 60). فالمحبّة لا تضمر سوءًا (1كور 13: 5).
غاب كل شاهد يخفّف من الحكم على بولس، فصار وضعُ الرسول ميؤوسًا منه. هذا على مستوى البشر. ولكن لا على مستوى الله. فالمسيح القائم من الموت هو هنا. كما كان قرب اسطفانس حين كان يُرجم: "أيها الرب يسوع، تقبّل روحي" (أع 7: 59). وعد يسوعُ تلاميذه بأنه يكون قربهم لكي يدافع عنهم: "عندما تساقون إلى المجامع والحكّام وأصحاب السلطة، فلا يهمّكم كيف تدافعون عن أنفسكم أو ماذا تقولون" (لو 12: 11). والرب هو الذي طلب من بولس أن يشهد له في رومة. نقرأ في أع 23: 11 ما يلي: "وفي الليلة الثانية (بعد أن قُبض على بولس في أورشليم)، ظهر الربّ لبولس، وقال له: "تشجّع! فمثلما شهدتَ لي في أورشليم، هكذا يجب أن تشهد لي في رومة". جاء بولس إلى رومة للشهادة. ويسوع كان هناك، قرب تلميذه. أعطاه القوّة والعزاء. شجّعه على الشهادة حتى النهاية. "باريستيمي": كان بجانبه لكي يساعده، لكي يحميه ويدافع عنه كما يفعل المحامي.
أراد الربّ أن يُعلن انجيله في كل الأمم (مر 13: 10؛ 16: 15؛ رج مز 22: 18- 19)، واختار بولس ليوصل هذا الانجيل إلى الوثنيين والملوك (أع 9: 15؛ 1تم 3: 16). فعرف أنه مسؤول عن الكرازة (1تم 2: 7؛ تي 1: 3)، ولا سيّما في رومة (روم 1: 5، 14؛ 16: 26). لهذا جعل من دفاعه، كسجين أمام السلطات، كرازة بالانجيل. هذا ما فعل أمام أغريبا في السجن الأول (أع 26: 1ي؛ رج فل 1: 12- 14). وها هو يفعل الآن.
وتأتي آ 18 بشكل صلاة. الرسول واثق بأن الله ينجّيه "من فم الأسد"، من الملك الشرس والسلطة الشريرة والمضطهدة. ولكن هذه النجاة ليست نجاة من موت الجسد. فبولس سيموت شهيدًا. بل هي نجاة وحفظ من أجل الملكوت (أف 1: 3، 20؛ 2: 6). هنا نقرأ الصلاة الربية بشكل معاكس. فهي تنتهي مع "نجنا" (مت 6: 13). ولكنها بدأت مع "الملكوت". ليأت ملكوتك. أجل، ينجو بولس ليكون في الملكوت الذي طلبه قبل شيء، فكانت له النجاة. وانتهت الصلاة بمجدلة: "له المجد إلى أبد الدهور". رج غل 1: 5 حيث توجّهت المجدلة إلى الله. في 2بط 3: 18، توجّهت إلى المسيح. قبل أن يُسفك دمُ الرسول، ها هو يبارك ذاك الذي ينجّيه، ويُنشد مراحمَه الأزليّة. ذاك يكون كلامه الأخير.

ب- السلامات والتمنّي الأخير (4: 19- 22)
وبعد التوصيات السلامات: لبعض الأعضاء أولاً، ثم لتيموتاوس نفسه.
أولاً: برسكلة وأكيلا (آ 19- 20)
اشتعل بولس محبّة لله، فتجسّدت محبّته محبّة للاخوة. عاد إلى أعزّ أصدقائه. بريسكا (أو برسكلة، أع 18: 2). وأكيلا زوجها. استُقبل بولس أكثر من مرّة في هذه الأسرة التي قد تكوت فعلت المستحيل لتنجّي بولس من الموت في سجن أفسس (روم 16: 3- 4). وذكر النصّ "أهل أونيسفورس" رج 1: 16- 28. حسب "أعمال بولس"، 2، تألّفت هذه الأسرة من الزوجة لكترة، وابنين هما سيمياس وزينون.
أراستس. ذُكر مع تيموتاوس في أع 19: 22. اعتُبر أمين الصندوق في مدينة كورنتوس (روم 16: 23). هو يُقيم في رومة (مانو)، ولا يمرّ مرورًا عابرًا. تروفيمس (أع 20: 4؛ 21: 9) هو ابن أفسس. رافق بولس الذي أوقف. كان ذلك في ميليتس. تمنّى الرسول أن يرافقه هذا الصديق. ولكنه مرض. فأجبر بولس على التخلّي عنه. لتكن مشيئتك يا رب.
ثانيًا: أسرع في المجيء (آ 21)
إن مجيء تيموتاوس قبل الشتاء أمر ملحّ (رج آ 19). ولهذا يتكرّر الطلبُ. قد تكون الرسالة كُتبت في الخريف. وبولس يحتاج إلى ردائه الذي يقيه برد الشتاء (آ 13). نتذكّر هنا أن الإبحار كان يتوقّف بين 11 تشرين الثاني و10 آذار، فيصبح البحر "مغلقًا". أترى أحسّ بولس أن موته قريب، فشرع يقول لتلاميذه: إن تأخّرت لن تجدني.
ذُكر هنا أربعة أعضاء من كنيسة رومة، ثلاثة رجال وامرأة واحدة. أوبولس واسمه يعني صاحب المشورة والفطنة. بوديس (أو بودنس) واسمه يعني المتواضع والمتحلّي بالبساطة. جعل التقليدُ من اوبولس واحدًا من مجلس الشيوخ، هداه بطرس. وكانت قراءة على الحجر تعود إلى سنة 88، وتتحدّث عن زواج "أولوس بودنس" من الفاضلة "كلودية بارغرينا" ابنة الملك البريطاني "كوجيدوبنوس". فهذا الملك الذي نال إنعامات من الامبراطور كلوديوس سنة 52 (كما يقول المؤرخ تاقيتس)، سمّى ابنته كلودية. وهكذا نكون أمام عائلة مسيحيّة على مثال عائلة برسكلة وأكيلا. أما "القوانين الرسولية" (7/46، 17- 19) فتجعل من "لينس" ابن كلودية. ورأى فيه ايريناوس (الهراطقة 3/3: 3؛ رج اوسابيوس، التاريخ الكنسيّ 13: 4- 8) أول خلف لبطرس على كرسي رومة.
ثالثًا: البركة الأخيرة (آ 22)
في هذه البركة الأخيرة، نقرأ تمنيّين يرتبطان بعالم التوراة: حين نقول إن الله هو مع شخص من الأشخاص، ندلّ على أنه يشارك في قدرته الفاعلة. فينال الحماية والعون والمساعدة والبركة. هكذا كان الله مع المسيح (يو 3: 2؛ 8: 29؛ أع 10: 38)، مع مريم العذراء (لو 1: 28). وقد تتجلّى هذه المحبّة بتدخّلات عجائبيّة. حين ترك يسوع الرسل، قال لهم "أنا معكم" (مت 28: 20) حتّى انقضاء الدهر. وقال لبولس: "لا تخف... فأنا معك" (أع 18: 9- 10). قال يوسيفوس: هذا القرب الذي ترافقه المحبّة هو ينبوع شجاعة وقوّة. وقال يوحنا الدمشقي: "وكأنه يقول له: لا تحزن إن تركتك، فالربّ معك". "مع روحك". نعود هنا إلى روح القوّة والمحبّة كما في 1: 6- 7 (رج أع 20: 18).
توجّه التمنّي الأولي إلى تيموتاوس. فهو يحتاج إلى هذه البركة لكي يسوس الجماعة. والتمنّي الثاني توجّه إلى الكنيسة في أفسس: النعمة معكم. رج 1كور 16: 23؛ 1تم 6: 21؛ تي 3: 15. الرب هو حاضر وفاعل. وتُذكر هنا نعمته التي هي عطيّة حبّه. هي نعمة تُعطى لقرّاء الرسالة، سواء كانوا في أفسس، أو في إحدى كنائسنا. نعمة الرب ترافقنا. "آمين"، كما تقول بعض المخطوطات.
نجد في نهاية الرسالة، في بعض المخطوطات، تفاصيل عن تيموتاوس (أسقف كنيسة أفسس)، عن الموضع الذي فيه دوِّنت الرسالة (لاودكية أو رومة)، عن الظروف التي فيها دُوّنت (حين مثل بولس للمرة الثانية أمام امبراطور رومة، نيرون).

3- قراءة إجماليّة
بريسكا (تصغير برسكلة) وزوجها هما مشاركان لبولس في رسالته. كانا يهوديين اعتنقا الايمان المسيحيّ. أقاما أولاً في رومة، ثم لجأا إلى كورنتوس على أثر قرار كلوديوس (سنة 49) بطرد اليهود من رومة. تعرّف إليهما بولس في كورنتوس، خلال الرحلة الرسوليّة الثانية. عمل معهما في مهنة الحياكة. ولما مضى إلى سورية، أخذهما معه وتركهما في أفسس (أع 18: 18- 19). عمل الزوجان كثيرًا من أجل نشر الانجيل، وكان بيتهما موضع اجتماع الكنيسة المحليّة (1كور 16: 13). وقد لعبا دورًا كبيرًا في هداية أبلوس الذي لم يكن يعرف سوى عماد يوحنا المعمدان (أع 18: 24- 26). وحين كتب بولس، من كورنتوس، خلال الرحلة الرسولية الثالثة، إلى أهل رومة، حيَّى أكيلا وبرسكلة "شريكيه في يسوع المسيح اللذين خاطرا بحياتهما لكي يخلّصاه" (روم 16: 3- 4). هذا يعني أن الزوجين كانا في رومة سنة 57- 58.
وترد أخبار عن أراستس رفيق تيموتاوس إلى مكدونية. تروفيمس هو من آسية، شأنه شأن تيخيكس (أع 20: 4). بل هو أفسسيّ ومن أصل وثنيّ (أع 21: 29). رافق بولس خلال رحلته الرسوليّة الثالثة. سبق الرسول (مع تيخيكس) إلى ترواس، وكان من حيث لا يدري، سبب القبض على بولس في أورشليم (أع 21: 29).
ونقل بولس إلى تيموتاوس سلام جميع الاخوة من رومة. نشير إلى أن لائحة قديمة لأساقفة رومة، تذكر لينس كأول خلف لبطرس.
ليكن الرب مع روحك. أي معك. فالروح هي الشخص، شأنها شأن النفس حيث نقرأ في مز 57: 5: "نفسي تنام وسط الأسود". هذا يعني: أنا أنام. أما يوحنا الذهبيّ الفم، فأشار إلى الروح القدس الذي يسكن في المسيحي، والذي يعمل بشكل خاص في انسان نال وضع اليد من أجل خدمة الكنيسة.

خاتمة
حين يرسل بولس توصياته وسلاماته، يدلّ على عمق الصداقات التي ربطته بالذين شاركوه في رسالته. عائلة أولى مؤلّفة من برسكلة وأكيلا، فتحت له باب الرسالة في كورنتوس، وظلّت معه حتى سجن رومة. وعائلة ثانية مؤلّفة من بوديس وكلودية وابنهما لينس الذي يبدو أنه خلف بطرس في قيادة كنيسة رومة. وعاد فذكر اونسيفورس. ذاك كان الوجه الايجابي. وهناك الوجه السلبي: ديماس ترك الرسول والتحق بهذا العالم. اسكندر الحداد وشى بالرسول ولاحقه أمام المحكمة. هل حقد الرسول؟ كلا. بل طلب المغفرة لكل من أساء إليه، كما يفعل كل مؤمن عند فراش الموت. ولكن في قلب الألم الذي يسبق ساعة الموت، لا ينسى بولس الكنائس، فيرسل هذا إلى هنا وآخر إلى هناك. فهذا الذي عرف الأتعاب الكثيرة في رحلاته الرسوليّة، كان يعمر في قلبه همّ كبير جدًا هو همّ الكنائس. وهذا الهمّ رافقه حتّى موته. فبولس يُسجن، يقيّد. ولكن كلمة الله حرّة. وبولس يموت ولكن كلمة الله حيّة. وهي تتواصل في الكنيسة حتى انقضاء الدهر.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM