الفصل السادس ;الرجاء المسيحي

الفصل السادس
الرجاء المسيحي
2: 1- 7
يستعيد 2: 1- 13 بشكل حيّ ومباشر، إرشادات ف 1، ويطبّقه تطبيقًا ملموسًا. فالمنادي بالانجيل (والرسول) يتكرّس بكليّته لعمله: يكون كالجندي، كالمصارع، كالزارع. ما يميّز هؤلاء الثلاثة، جهاد تام، متواصل، صادق، وسط الصعوبات. لهذا، فالمسؤول في الكنيسة يحتاج إلى النعمة، إلى قوّة علويّة. ولا يكتفي بمثال بولس، بل يتطلّع إلى يسوع المسيح الذي قام من بين الأموات.

1- الجنديّ الصالح
يبدأ الرسول هنا في توسّع جديد مع "وأنت" (أنت إذن)، "يا ابني"، وعدد من الأفعال في صيغة المضارع. لقد انتقلت المسؤوليّة إلى تيموتاوس وإلى أبعد من تيموتاوس، بحيث نصل إلى المواضيع الآنيّة في تقليد ينقله التلميذ. ثم إن آ 1- 3 مع أفعال الأمر التي تطلب من التلميذ أن يقتدي بمعلّمه، تستعيد مواضيع مرتبطة ببولس نفسه.
"كن قويًا" (آ 1). يرتدي بولس القوّة كرداء من يد الله (1تم 1: 12)، فترافقه هذه القوّة حتّى النهاية (2تم 4: 17). "سلّم" (آ 2). رج 1 تم 1: 18؛ 6: 20؛ 2تم 1: 12، 14. نحن هنا على مستوى نقل التقليد البولسيّ بين الشهود العديدين الذين تسلّموه (المسؤولون في الجماعة، حين نالوا العماد، ووضع اليد)، وأولئك الذين يتابعون العمل فيكونون "أناسًا أمناء يكونون أهلاً لأن يعلّموا غيرهم". "شارك في احتمال الآلام" (آ 3). رج 1: 8؛ 4: 5. هذا ما يعيدنا إلى المشاركة في آلام الرسول (1: 8، 12) كما في مجمل آ 1- 13 مع موضوع الألم. نقرأ في آ 9: أقاسي الآلام. في آ 10، 12: احتمل. في آ 11: إذا متنا معه.
في آ 4- 6، نجد ثلاثة أمثال غير مشروحة. نبحث عن معناها، وننتظر تفسيرها لدى الربّ (آ 7). تنطلق هذه الأمثال من موضوع الجهاد وما يرتبط به من ألم. من جهة، ليس الألم من اختصاص بولس وتيموتاوس وحدهما. فصيغة المتكلّم الجمع (متنا، نحن) في النشيد (آ 11-13) تعود أيضًا إلى الجماعة. ومن جهة ثانية، ليس الألم قيمة في حدّ ذاته، بل له هدف. فالجندي يتعب لكي يرضي من جنّده (آ 4). والمصارع لكي ينال الاكليل (آ 5). والزارع لكي ينال غلّة من زرعه (آ 6). فعلى كل واحد أن يكدّ لكي ينال نتيجة. وهذا ما نقوله أيضًا عن المسيحيّ الذي يريد أن يعيش الانجيل وينقله إلى الآخرين. نجد هذه الصور في 1 كور 9: 6- 7، وفيها يقول بولس إن كل عمل ينال أجره، وإنه هو ومعاونوه يحقّ لهم أن يعيشوا على نفقة الجماعة. وأما 1 كور 9: 24، 27 فهي تقودنا إلى متطلّبة السباق في الحلبة: أقسو على جسدي واستعبده لئلاّ أكون من الخاسرين. وهكذا يخسر الألم وجهته الدراماتيكيّة ويصبح جزءًا من الحياة اليوميّة. لا نعني هنا الألم المتآتي عن الاضطهاد، بل عن التعب اليوميّ في رسالة تتطلّب منا جهدًا متواصلاً. صوّره بولس في 2 كور 11 وقال: "وهذا كله إلى جانب ما أعانيه كل يوم من اهتمام بجميع الكنائس" (آ 28).

2- دراسة النصّ
لم يستنفد بولس جميع البراهين التي تشجّع تيموتاوس في مهمّته. فذكّر تيموتاوس بأن آلام هذا الزمن، هي مرحليّة. فعبرها يُعدّ الله المؤمنين، ولا سيّما الرسل، لكي ينالوا يومًا "الخلاص الذي في المسيح يسوع مع المجد الأبديّ" (آ 10). ونقسم النصّ قسمين: قوّة في الأمانة (2: 1- 2). أمثال ثلاثة (آ 3- 7).

أ- قوّة في الأمانة (2: 1- 2)
نقرأ هنا فعلين في صيغة الأمر، كبداية لإرشاد جديد، يحثّ فيه الرسولُ تلميذه.
أوّلاً: كن قويًا (آ 1).
اعتاد بولس حين يطلب طلبًا صعبًا، أن يرفقه بكلمة حنان: يا ابني (رج 1: 2). "إن كنت أنا بولس أتألّم هذه الآلام، فعليك أنت بالحريّ أن تتألّمها. فكما يكون المعلّم يكون التلميذ. إن كنت ابنًا، فاقتدِ بأبيك" (الذهبيّ الفم). الواو في البداية (أون، إذن) تعود إلى أمثلة سابقة قُدّمت لتيموتاوس: جدّته لوئيس، أمه أفنبكة، الرسول نفسه، أونسيفورس. كما تعود إلى موهبة القوّة التي نالها التلميذ بوضع اليد (1: 6- 7). من هنا الأمر في فعل "انديناموو" (4: 17؛ 1تم 1: 12). كن قويًا. هذا الفعل الذي لا يعرفه الأدب الدنيويّ، يرد ثلاث مرات في السبعينيّة. أما بولس فيعطيه المعنى الدينيّ والخلقيّ (أ ف 6: 10؛ رج روم 4: 20؛ فل 4: 13). انطلق الرسول من خبرته (أع 9: 22) ففهم أهميّة القوّة لئلاّ يسقط في المحنة. وهو يستقي هذه القوّة في الله وفي نعمته المتعدّدة الوجوه (1 بط 4: 10). هي نعمة (خاريس، 1: 9؛ 1تم 1: 14) بها تصبح قوّة الله قوّتنا. نحن نتقوّى حين نأخذ لنا هذه المبادرة المجانيّة، والعون المستمرّ، والموهبة التي يقدّمها لنا الله. وعبارة "في المسيح يسوع" تفهمنا أن النعمة الآتية من الله القدير (1: 12) لا تدركنا إلاّ بواسطة المسيح، وبفعل شركتنا معه (1: 13). غير أنها تقول بشكل خاص إن الرسول لا قوّة له إلاّ بقدر ما "قوّة (ديناميس) المسيح تسكن فيه" (2كور 12: 9). وهنا نال تيموتاوس النعمة بوضع اليد. نال روح القوّة والمحبّة والفطنة (1: 7).
ثانيًا: سلّم ما سمعته (آ 2)
وتشابه تيموتاوس ببولس: كلاهما نالا الموهبة عينها. وكلاهما يقاسيان الآلام عينها (1: 7-28). وعليهما أن يحافظا على الوديعة نفسها (1: 12، 14). ما تعلّمه الرسول من المسيح (غل 1: 12؛ 1 يو 1: 1، 3) نقله إلى تلميذه (1: 13) خلال الرحلات الرسوليّة (روم 6: 7؛ 10: 14؛ أف 4: 21). وبشكل رسميّ حين وضع عليه يديه (1: 6)، وتيموتاوس بدوره يسلّم هذا التعليم إلى أناس آخرين، في تواصل لا خلل فيه. "باراتيتيمي" (سلّم). جعل وديعة لدى شخص لكي يحافظ عليها (1: 12، 14). هو التعليم الانجيليّ.
"كثير من الشهود". أو: أشكال التعليم التي نالها تيموتاوس من معلّمه. مثل الكرازة والحوار البسيط ومثال الحياة. أو: الاشارات التي استند إليها بولس في رسالته: الكتب المقدّسة، النبوءات، التقاليد، أقوال الربّ (1كور 5: 3- 11). قال فيلون: أقوال الوحي، الأنبياء، الشريعة، هم شهود لله. أو: شهود آخرون للتقليد الانجيلي علّموا تيموتاوس مثل لوئيس، افنيكة، برنابا، الشيوخ، المعلّمون، المبشّرون. والأداة "ديا" تعني: عرف بواسطة شخص. ولكنها تعني أيضًا: بحضور، في وسط. ولهذا نقول: بحضور شهود عديدين. إذن، لم ينل تيموتاوس هذا التعليم في الخفية كما في الجماعات الباطنيّة. والشهود الكثر دلالة على أن هذا التعليم هو أهل للتصديق.
ويكون للجدد الذين يُودَعون التعليم صفتان: يكونون أناس إيمان وأمانة (بستوس). يكونون مجرّبين. وهكذا يستطيعون أن يعملوا عمل الحارس والمدافع (1تم 3: 9). والصفة الثانية: يكونون أهلاً (إيكانوس) لأن ينقلوا التعليم بأمانة (رج 1تم 3: 2؛ تي 1: 9). هناك أولاً إشارة قانونيّة (ما يكفلهم، أع 17: 9). وهناك ما يدلّ على الكرامة (مت 3: 11؛ 8: 8) من أجل هذه الخدمة الرفيعة (1كور 15: 9؛ 2كور 2: 16؛ 3: 5- 6). الله هو الذي يجعلنا أهلاً، بحيث تبدو هذه الجدارة الطبيعيّة موهبة من مواهب الروح. قال الذهبيّ الفم: "ماذا ينفع الأسقف أن يكون أمينًا إن لم يعرف أن ينقل الإيمان إلى آخرين، وإن اكتفى بأن لا يخون الإيمان دون أن يكوّن مؤمنين آخرين".

ب- أمثال ثلاثة (2: 3- 7)
يتابع الرسول توصياته حول المشاركة في الاحتمال، فيقدّم ثلاثة أمثال: مثَل الجندي، مثل المصارع، مثل الزارع.
أولاً: الجندي (آ 3- 4)
بما أن الموضوع قوّة (آ 1؛ 1: 7) واحتمال، في خطى المسيح، وفي اتّحاد مع خدّام الانجيل (آ 9؛ 1: 8، 12)، استغلّ بولس ثلاث استعارات معروفة تفرض عطاء الذات التام والعمل المتواصل واحتمال المصاعب والنظام الكامل. يتعلّم تيموتاوس منهم إذا أراد أن يكون أمينًا للمهمّة التي أوكل بها.
الجندي "ستراتيوتيس" هو ذاك الذي اختار مهنة الجنديّة، لا ذاك المجنّد لفترة محدودة (1 تم 1: 18؛ فل 2: 25؛ فلم 2). يحتاج إلى الشجاعة، وعمله يتطلّب عددًا من التضحيات والخدم التي يقدّمها لخير الجميع. هكذا يكون جنديّ المسيح بلا خوف ولا لوم، فيتكرّس جسدًا ونفسًا لوظيفته، ويستعدّ للتضحية العظمى.
نقرأ في آ 4 إسم الفاعل "ستراتاوومانوس". هو الجندي الذاهب إلى الحرب. أو ذاك الذي يقوم بخدمته العسكريّة (لو 3: 14). هو يعمل دوامًا كاملاً، فلا يبقى له وقت للقيام بنشاط آخر. وهكذا يتكرّس بكليّته لجنديّته. والجنديّ لا يعمل وحده بل مع رفاقه، كما يرتبط مع رئيسه بقسَم الأمانة. لهذا يهمّه قبل كل شيء أن يُرضي قائده. رج فعل "أراسكاين" (أرضى). يطلب الرسول أن يرضي الله لا الناس (1تس 2: 4؛ 1كور 7: 32، 34). نقرأ في 1 يو 3: 22: "نحفظ وصاياه ونعمل ما يرضيه". في الواقع، لا يتكلّم بولس عن رئيس بل عن "مجنّد" (ستراتولوغاين). هذا يعني أن الرئيس جعلنا بجانبه.
تتضمّن آ 4 فكرتين. الأولى، جنّد المسيح تيموتاوس لخدمته، فلا يكن له سوى هدف واحد، أن يشارك في عمل السيّد في توافق تام مع تعليماته. الثانية، مثلُ هذا التكريس (أو التجنّد) يستبعد الاهتمامات الغريبة على الخدمة الرسوليّة والرعائيّة.
ثانيًا: المصارع (آ 5)
بعد استعارة الجندي، هي استعارة المصارع (1كور 7: 11، 28؛ 1تم 1: 8) التي تبدو أقل نُبلاً من سابقتها (1تم 4: 8). لسنا أمام سباق رياضيّ، بل صراع وملاكمة (1كور 9: 24؛ فل 3: 14). كانت مقابلات من هذا النوع في العالم الرواقيّ: إن الحكيم، بفضيلته، ينتصر على الرغبات، كالمنتصر في الألعاب (فيلون، الشرائع 2: 108). في هذه الظروف لا ننال الاكليل (4: 7؛ 1كور 9: 25) إلاّ إذا شاركنا في المحنة (أتلايو) مع حكَم وحسب القواعد (نوميموس).
بالنسبة إلى تيموتاوس، المصارعة حسب الأصول تعني العمل حسب شريعة المسيح، شريعة المحبّة (غل 5: 14؛ 6: 2)، حسب شرعة العهد الجديد (فل 1: 27؛ 4: 3). وتعني أيضًا الأمانة إلى النهاية (عب 12: 1) للدعوة الرسوليّة: نحمل الصليب ونشارك في آلام المخلّص (1تم 6: 2). فحيث لا صليب، لا إكليل. فمن تحاشى الجهاد والتعب (عب 12: 3)، تراخى أمام الأصول (= أصول الصراع) بعد أن التزم الجهاد حتى الموت. ذاك هو الفكر الانجيليّ حول الوعّاظ الذين لا يمارسون ما يعلّمون (مت 7: 21- 23). أما بولس فكان مثالاً في ذلك (فل 3: 13ي).
ثالثًا: الزارع (آ 6- 7)
أخذت الاستعارةُ الثالثة من عالم الريف، في عودة إلى حق طبيعيّ (1كور 9: 7) نقرأ عنه في العهد القديم (تث 20: 6؛ أم 27: 18) وفي النصوص القديمة. الزارع (غيورغوس، رج 1كور 3: 9) يفلح الأرض (يع 5: 7)، يزرع التين والكروم (تث 21: 33ي؛ يو 15: 1). عمله يرتبط بالغلّة التي هي ثمن تعبه (سي 6: 19؛ مز 126: 5- 6). يشدّد بولس هنا على العمل المتواصل (كوبياؤو، عمل متعب، 1كور 4: 12؛ أف 4: 28)، وبالتالي على العمل الرسوليّ (1تس 5: 12؛ 1تم 4: 10؛ 5: 17). إنه يستحقّ الأجر العادل، والعامل يأخذ إجرته حتى قبل صاحب الحقل الذي يأتي في النهاية ليأخذ "ثماره" (مت 21: 34؛ لو 12: 17).
الثمر هو الحياة الأبديّة (يو 4: 36؛ 12: 24). والملكوت والمجد السماويّ (مت 5: 12؛ 19: 21؛ 2تم 2: 12؛ 1تم 4: 16). أو: خصب الرسالة (يو 5: 2- 5، 16) والفرح الذي ينعم به المرسل (فل 4: 1، 17). وهناك أيضًا الأجر الماديّ الذي تقدّمه الجماعة (1تم 5: 17). إنه حقّ من حقوق تيموتاوس (1كور 9: 7- 11).
تحدّث بولس عن المال، وها هو يترك تيموتاوس يستنتج ما يجب بالنظر إلى هذه الأمثال الثلاثة، حسب تربية الربّ (مت 24: 16؛ رج 15: 17؛ 16: 9، 11) وعادته الخاصة (1كور 10: 15). لا يكفي أن نقرأ أو نسمع، بل يجب أن نفكّر، أن نفهم (نوئايو). رج روم 1: 20؛ عب 11: 3؛ 1تم 1: 7. مثل هذا الموقف يباركه الله الذي يعطينا ارادته ويعلّمنا على اكتشافه. فالكتاب يشير إلى الفطنة وإلى الوعي لدى التلميذ (1كور 2: 15؛ 1 يو 2: 27). نحن بعيدون جدًا عن أخلاقيّة الرابينيين وفتاويها.
هنا يفهم تيموتاوس أن عليه أن يتجنّد بكلّيته لرسالته في الرعاية والتبشير. والجماعة تؤمّن له حاجاته. كيف يكون ذلك؟ المسيح هو الذي يعلّمه.

3- قراءة إجماليّة
بعد أن تحدّث بولس عن أونسيفورس، وجّه كلامه بشكل مباشر إلى تيموتاوس: فإنّ ما سيقوله له يبدو قاسيًا. ولهذا بدا كلامه في جوّ من الحنان والمحبّة. بما أن تيموتاوس نال روح القوّة (1: 8) وأنه يستطيع أن يستند إلى قوّة الله (1: 8)، فعليه أن يتقوّى دومًا. فيستقي من الينبوع الالهي القوّة التي يحتاج إليها. سيجد تيموتاوس القوّة في "النعمة التي هي في المسيح يسوع". هل يعني هذا أن النعمة تأتينا من المسيح؟ بل صرنا باتحادنا بالمسيح (نحن في المسيح) مشاركين لقدرة المسيح نفسه. مثل هذا القول يصحّ في كل مسيحيّ، ولا سيّما في الخادم الموكّل بالمناداة بالانجيل "قدرة الله" (روم 1: 16). اهتمّ بولس بأن يبدأ بالاشارة إلى عجز الانسان المحروم من نعمة المسيح، فطلب من التلميذ (آ 3- 7) أن يقوم بمجهود شخصيّ. ففي الجهاد الذي يُطلب منه، سيجد قوّة المسيح عاملة معه (2كور 3: 5- 6؛ 12: 9). ولهذا جاءت التوصية قريبة ممّا نقرأ في أف 6: 10: "تقوّوا في الربّ وفي قدرته العظيمة".
كيف تظهر هذه القوّة؟ حين لا يخجل تيموتاوس من الانجيل. وهذا يعني مراعاة مضمون التقليد ونقله دون أن نبدّل فيه. فالأمانة الأولى أمانة للتعليم. فعلى التلميذ أن يعي أنه حلقة في سلسلة طويلة من الشهود. فكما نقل بولس إلى المؤمنين ما تسلّمه من الربّ، كذلك ينقل تيموتاوس إلى آخرين ما تسلّمه من بولس.
ويهتمّ تيموتاوس في أن يجد أناسًا أمناء، يثق بهم، يجعلهم وكلاء، يسلّمهم الوديعة. ويسهر لكي يكونوا أهلاً بأن ينقلوا هذه الوديعة التي تسلّموها، إلى آخرين. فلا يكفي أن نحفظ الوديعة، بل يجب أن ننقلها، مستندين إلى الامكانيّات المتاحة. هنا نجد أساس التقليد. فالمسيح وعد بأن يكون مع كنيسته إلى انقضاء العالم (مت 28: 20)، فلا يسمح أن تزلّ عروسه على مستوى الإيمان. فبالرسل وبتلاميذهم وبالذين جاؤوا بعدهم إلى الخدمة الرسوليّة، ينتقل الانجيل في الكنيسة بكفالة المسيح وعونه. فالربّ "يسهر على كلمته" (إر 1: 12).
وطلب بولس من تيموتاوس (كما في 1: 8) أن يشارك في احتمال الآلام. فالحياة المسيحيّة تجعل المؤمن مشاركًا في سرّ المسيح الفصحيّ (رو 6: 1- 11). فإذا أردنا البلوغ إلى القيامة، نمرّ في الآلام والموت (8: 17). فالرسول هو من يحيا آلام المسيح فيقول مع بولس "فمع أننا أحياء، نُسلم دومًا للموت من أجل يسوع لتظهر في أجسادنا الفانية حياة يسوع أيضًا. فالموت يعمل فينا والحياة تعمل فيكم" (2كور 4: 11- 12). وتيموتاوس تكون له حصّته من الألم فيكمّل "في جسده ما ينقص من ضيقات المسيح من أجل جسده الذي هو الكنيسة" (كو 1: 24- 25). فإن احتاج تيموتاوس إلى الشجاعة، فليتذكّر أنه جنديّ في خدمة المسيح.
وتذكّرُ حياة الجنديّ، دفع بولس أن يقدّم ثلاثة أمثال، فيترك لتيموتاوس أن يفهمها ويطبّقها على نفسه، على ضوء خبرته مع الربّ: الجنديّ، المصارع، الزارع أو الفلاح. فعلى تيموتاوس أن يتعب. أن يكون ذاك الراعي الذي يبذل حياته من أجل الرعيّة (يو 10: 11). والويل له إن هو تهرّب أو رفض أن يحارب حسب الأصول. وفي النهاية، ينال تيموتاوس أجره من المسيح، كما ينال من الجماعة ما يكفيه ليؤمّن معيشته. فلماذا كل هذا الاهتمام وهذا الخوف.
لم يشرح بولس هذه الأمثال. فالربّ يعطي الفهم الضروريّ. فتلاميذ يسوع أيضًا تحيّروا أمام أمثاله. لم يفهموا (مت 15: 17؛ 16: 9). كانت "قلوبهم قاسية" (مر 6: 52؛ 8: 17). وقد عرف المعلّم أنه لا يستطيع أن يفهمهم كل شيء قبل مجيء الروح (يو 16: 12). ولكن حين يأتي الروح يعلّمهم كل شيء (يو 14: 26) ويقودهم إلى الحقيقة كلها (يو 16: 13). وتيموتاوس حين اعتمد ووُضعت عليه الأيدي، نال روح الربّ هذا، الروح الذي "يفحص حتى أعماق الله" (1كور 2: 10). صار "إنسانًا روحيًا" يحكم في كل شيء (1كور 2: 15). فالربّ يعطيه بروحه، الفهمَ لكل شيء على مثال بولس، الذي نال فهم سرّ المسيح (أف 3: 4).

خاتمة
دعا بولس تيموتاوس إلى التحلّي بالرجاء. ووجّهه نحو النهاية، ساعة ينال الأجر من الربّ يسوع في مجيئه. ولكن بانتظار ذلك، عليه أن يجاهد على مثال الجندي والمصارع والفلاّح. لكل واحد هدفه. ولكل واحد الاكليل أو الثمرة التي ينتظر. يبقى على التلميذ أن يفهم. وإن فهم وجب عليه أن يتصرّف تصرّفًا كذاك الذي اعتُبر أهلاً لأن يتسلّم وديعة التعليم، ولأن ينقلها إلى الآخرين بأمانة. وهكذا تتواصل السلسلة: من بولس، إلى تيموتاوس، إلى أناس أمناء يختارهم تيموتاوس... إلينا نحن اليوم في كنيسة لا تعرف الضلال ولا تقوى عليها أبواب الجحيم.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM