الفصل السادس الجماعة العابدة

الفصل السادس
الجماعة العابدة
2: 8- 15
في فصل سابق، أشرنا إلى دور تيموتاوس في تنظيم الصلاة وترؤسها، بعد أن أوكلته الكنيسة بهذا العمل، بواسطة أنبيائها. هي صلاة ليتورجية، صلاة الخدمة الالهيّة. هي فعل عبادة المسيحيّين حين يجتمعون، ولا سيّما يوم الأحد، على مثال ما يفعل اليهود في المجمع يوم السبت. لمن ترتفع هذه الصلاة الرسميّة؟ هدفها الأساسيّ هو خلاص الجميع، لا فئة من الفئات أو شعب من الشعوب. وما الذي يُسندها؟ الله الذي يريد أن يخلُص جميع البشر. وشروطها: موقف خارجيّ يعبّر عن موقف داخليّ. من يصلّي؟ الرجال وحدهم على أن تكون النساء منسيّات أو منعزلات؟ كلا. بل الرجال والنساء. قد ينفصلون حين يجلسون في الكنيسة، ولكنهم يشاركون جميعًا في الصلاة الواحدة. وهكذا، حين يتّحد كل مسيحيّ بإخوته في الصلاة، يشارك في الجهاد عينه (1: 18). والكنيسة تتّحد مع المسيح في صلاتها، فتقهر الشيطان (1: 20)، وتنتصر على أصحاب التعاليم المضلّة، محافظة على وديعة الايمان.

1- صلاة الجماعة
نقرأ في ف2- 3 مجموعة من الترتيبات تتوخّى تنظيم الجماعة وتحديد الظـروف لكي يكون الواحد شيخًا (كاهنًا) أو شماسًا (خادمًا). وفي البداية والنهاية، نقرأ نصّين ليتورجيّين يتجاوبان: اعتراف ايمان في 2: 5- 6. ومديح كرستولوجي في 3: 16. أما الارشاد الذي نجده في بدء هذه التوصيات، فيشير إلى الصلاة من أجل جميع البشر. نحن هنا أمام نظرة شاملة، تجاه نظرة ضيّقة، تحصر الخلاص في نخبة قليلة، وتنسى الآخرين إن لم ترسلهم إلى الهلاك.
إن الصلاة من أجل الملوك وأصحاب السلطة، تجد جذورَها في العالم اليهوديّ. فإرميا مثلاً حثّ المنفيّين عليها وقال لهم: "إعملوا لخير المدينة التي سبيتكم إليها، وصلّوا من أجلها، ففي خيرها خيركم" (إر 28: 7). وجاء في با 1: 11- 12: "وصلّوا من أجل نبوخذ نصر (= أنطيوخس ابيفانيوس، مضطهد الشعب) ملك بابل، وبلطشصر ابنه، لتكون حياتهما على الأرض طويلة كأيام السماء، فيمنحنا الربّ قوّة، وينير عيوننا، ونحيا تحت ظلّهما، ونخدمهما أيامًا كثيرة، ونحظى برضاهما". وشجّع إرميا المسبيّين على بناء بيوت بالحجارة وأن لا يكتفوا بالخيام. واحترم ملوكُ الفرس المعتقدات الخاصّة بشعوبهم، فطلبوا الصلاة من أجلهم في هيكل أورشليم، وأرسلوا مالاً لتقديم الذبائح (عز 6: 10).
وقال فيلون الاسكندراني في "الشرائع الخاصّة" (2: 166- 167) ما يلي: "إن الأمّة اليهوديّة تقدّم الصلوات والأعياد والبواكير، من أجل مجمل الجنس البشريّ، وتقدّم عبادة لذاك الذي هو وحده الاله الحقيقيّ. تقيم العبادة باسمها الخاص، وعن الآخرين الذين تخلّوا عن العبادة الواجبة لله". وفي زمن الرومان، اعتاد اليهود أن يقدّموا ذبيحة على نيّة الامبراطور. وفي الحرب اليهوديّة (2: 409)، سنة 66، توقّفوا، فدلّوا على أنهم قطعوا كل رباط مع السلطة المدنيّة.
وبالنسبة إلى الرسائل الرعائيّة، فرض الولاء للملكة نفسها (تي 3: 1) دون الادلاء بتبرير لاهوتي، كما فعل بولس في روم 13: 1- 7. يبقى، في الواقع، أن الكاتب يسلّم أصحاب السلطة مهمّة فرض الأمن والسلام في المدينة. والصلاة التي تُتلى على نيّتهم، جاءت تبحث عن منفعتها (2: 3): ماذا يكون مصير الجماعات إن فُقد السلام! غير أن 2: 3 وسّع الأفق، فضمّ المسؤولين إلى الناس الذين يريدون الله لهم أن يخلصوا.
وحين نقرأ 2: 3- 4، نكتشف أهميّة هذا المقطع، لأنه يعلّمنا أن لله يريد خلاص جميع البشر. ولأنه يكشف لنا المعنى العميق للصلاة. أما نتخيّل مرارًا أنه يجب أن نصلّي لكي تتحوّل إرادة الله وتتبدّل. ولكن يبدو أنه يجب أن نصلّي لخلاص البشر، لأن الله يريد ذلك. عندئذ تظهر الصلاة في طبيعتها الحقيقيّة، كمجهود للدخول في وفاق مع مخطّط الله في العالم. ويُطرح سؤال: هل يأتي تدخّل الله مشروطًا بصلاة المؤمنين؟ لم يطرح كاتبُ هذه الرسالة السؤال على نفسه بشكل مباشر. ولكن حين قدّم لنا المسيح كالوسيط الوحيد (آ 5)، دعانا لكي نشارك في تشفّعه لننال خلاص العالم. ويمكن القول: إذا كان الله يخلّصنا بشكل مجانيّ، فهو لا يفعل إن لم نشاركه في عمل خلاصنا.

2- دراسة النصّ
في القراءة النقديّة، نلاحظ ما يلي: في آ 8 جُعلت صيغة الجمع (ديالوغيسمون، مماحكة) حسب السينائي والسريانيّة والقبطيّة، محلّ صيغة المفرد بتأثير من فل 2: 14. في آ 9، أضيف حرف العطف (كاي، الواو) قبل "اوساوتوس" (وكذلك) حسب السينائي والبازي... قرأ السينائي وغيره، وعدد كبير من الترجمات الظرف "كوسميوس". فقد جاء بعد عدد من الظروف. في الواقع، نحن أمام الاسم "كوسميوس" (في وضع لائق). جُعل الموصول "هي" بعد "بلغماسين" (الضفائر). في السينائي وغيره من المخطوطات، في أوريجانس وكيرلس... نقرأ "خريسو". والأفضل "خريسيو" (الذهب).

أ- صلاة الرجال (2: 8)
"إذن" تعود إلى الارشاد الأساسيّ حول الصلاة (آ 1)، مع ارتباط بسلطة الرسول والمعلّم (آ 7). "بولوماي" (أريد، 5: 14؛ تي 3: 8) هو أقوى من "باراكالو" (آ 1، اسأل). نحن أمام قرار المشترع وإرادة الحاكم. نحن هنا كما أمام أمر رسوليّ. وفي كل "مكان". أولاً، في الجماعات البيتيّة (عب 10: ،25 كانت هناك أكثر من جماعة في أفسس). في المنطقة المحيطة بالعاصمة (خورا، الريف، 1كور 1: 2). وأخيرًا، في العالم كله (1تس 1: 8؛ 2كور 2: 14). رج ملا 1: 11. هنا نتذكّر همّ بولس من أجل تنظيم الحياة الليتورجيّة والمسيحيّة (1كور 4: 17؛ 7: 17؛ 11: 16؛ 14: 33). حين نعود إلى يو 4: 20- 21 والكلام عن الهيكل (أش 66: 1؛ 1مل 8: 29) والمجمع كموضع تجمّع، نفهم كيف تنظّمت مراكز الصلاة في الجماعات المسيحيّة.
أمام الأقداس، تكون وقفتنا لائقة، أفرادًا وجماعات. والوقفة الخارجيّة لها أهميّتها، لأنها تقابل استعداد القلب. كان الانسان يسجد، يركع، يقف (لو 18: 1). يرفع يديه (خر 17: 11 ي) متوسّلاً. وقد قابلوا رفع الأيدي بوضع البخور (مز 141: 2؛ عز 9: 5). هكذا فعل ملكيصادق، وموسى (خر 9: 29)، وسليمان (1مل 8: 54)... ويسوع (لو 24: 50).
يأتي الناس إلي الصلاة وهم أطهار (كاتاروس) على مستوى الجسد، كما على مستوى القلب. رج يع 1: 19- 21؛ فل 2: 14- 15. ومع هذه الطهارة، ننفي الغضب والمماحكات (مر 11: 25؛ مت 23- 24). فالصلاة لا تصل إلى الله، إلاّ إذا كنّا في سلام مع إخوتنا (1بط 3: 7). ونحن لا نحصل على الغفران الالهي، إلاّ إذا تخلّينا عن الانتقام من القريب. "ديالوغيسموس" (حوار مع الذات). نحن أمام النوايا السيّئة والأفكار الفاسدة تجاه القريب. وهذا ما ينجّس الانسان. كما يقود إلى الخصومات.

ب- زينة المرأة (2: 9- 10)
لا نجد في بداية هذه المقطوعة فعلاً. هل نضيف "أريد"؟ ربما. أو: "أقول الشيء عينه. أكرّر" (فل 4: 4). هكذا فهمه الذهبيّ الفمّ وتوما الأكويني: كذلك (هوساوتوس). ما يُطلب من الرجال يُطلب من النساء، والعكس بالعكس. على مستوى الصلاة والحياة المسيحيّة اليوميّة. نحسّ هنا بتأثير العادات اليهوديّة: يجعل التلمود المرأة مع العبيد والاولاد (براكوت 3: 3). هي تُعفى من صلاة "اسمع يا اسرائيل". أما بولس فيدعوها إلى الصلاة من أجل خلاص العالم، ويسلّمها مهمّة رسوليّة. هذا يعني أن النساء دخلن أفواجًا في الكنيسة الأولى، واحتللن مركزًا مرموقًا (ليدية، فيبة، برسكلة...). وأن بولس كيّف المسيحيّة مع العالم الروماني الذي جعل المرأة تشارك في الليتورجا، وفي الكهنوت. وأنه يطبّق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة (غل 3: 28؛ 1كور 14: 26) على شعائر العبادة. ولكن الرسول (أو تلاميذه الذين رأوا أفكاره متقدّمة فخافوا من الشكوك) يهمّه الترتيب والنظام. فطلب من المرأة الحشمة في الاجتماعات، بل السكوت... رج 1كور 11: 5- 15. نجد هنا كلامًا عن الزينة. هناك مقابلة لا تنفي بل تدلّ على التفوّق. جمال المرأة ليس أولاً بالذهب والحلل الفاخرة، بل بالأعمال الصالحة.
وهكذا نكون تجاه مقابلة بين زينة الجسد وزينة النفس. نقرأ مثلاً في الأدب الدنيويّ: ،"اذن، لا تتزيّن النساء بالذهب والحجارة الكريمة، ولا بالثياب المزهرة، ولا بالارجوان، بل بالفضيلة، بالحبّ الزوجيّ، بالحنان الأموميّ، بالطاعة والاعتدال". وشدّدت 1تم على الأعمال الصالحة، الحسنة، الجميلة (2كور 9: 8؛ أف 2: 10؛ كو 1: 10). هناك جمال جسديّ، وهناك جمال روحيّ. هذا الأخير يليق (برابو) بشكل خاص بالمرأة. نقرأ "تيوسابيس"، تقيّ، ورع. رج "اوسابيس" في العالم اليونانيّ. هذا ما يجعل النفس خالدة. ثم "ابانغالاستاي": أعلن وشهد. بل وأيضًا التزم التزامًا رسميًا، في خط العماد الذي اقتبله المؤمن.

ج- المرأة في الكنيسة (2: 11- 15)
نجد هنا كلامًا يأمر المرأة بالصمت في الجماعة: لا تُعلّمُ. لا تتسلّط (آ 11- 12). ويأخذ الكاتب (هو تلميذ بولس) برهانه من خبر الخلق والخطيئة في تك 2- 3.
أولاً: صمت وخضوع (آ 11- 12)
نلاحظ هنا التأثير اليهودي في إطار المعلّمين الفرّيسيّين الذين سيطروا بعد سقوط أورشليم سنة 70 ب م. وبالتالي، النظرة إلى المرأة الخاضعة الصامتة، التي لا دور لها في الجماعة، على ما في العالم الشرقيّ. كما نلاحظ تفسير الكتاب في منع مطلق يمنع أي جدال. لا شكّ في أن المرأة (غيني، في المفرد، بدون التعريف) تتعلّم أمور الديانة، تتعلّم المسيح (أف 4: 20). ولكن كتلميذ في مدرسة معلّم (منتاناين، مت 9: 29؛ يو 6: 45؛ 2تم 3: 14). تتعلّم في الكنيسة إذن، في صمت (هيسيخيا، آ 2. تتوقّف عن الكلام كمن أرتج عليها. نلاحظ القساوة. لو 14: 4؛ أع 11: 18. أيكون هناك فوضى في هذا المجال، فجاء الأمر قاسيًا)، وفي خضوع يتقبّل ما يقال له (هيبوتاغي، 2كور 9: 13؛ غل 2: 15)، لأنها أدنى من الرجل (هيبوتاسو، رج تي 2: 9؛ 3: 1). هي مثل ولد يعلّمه أبوه (3: 4؛ عب 12: 9). هكذا تمارس المرأة الرصانة (سوفروسيني) التي هي أول عمل صالح.
في آ 12، يعود النصّ إلى ما قاله في آ 11 بشكل إيجابيّ، فيقول بشكل سلبيّ (على مثال المعلّمين اليهود) بصوت لا يقبل النقاش (ابيتراباين، يو 19: 38). هي تتعلّم (مانتاناين) ولا تعلّم (ديدسكاين). فالمعلّم هو صاحب سلطة على التلميذ. فأين التراتبيّة في المجتمع، ولا سيّما بين الرجل والمرأة. هذا يعني أن المرأة لا تتسلّط، لا تكون لها سلطة في الكنيسة، لا تعلّم، بل تبقى صامتة، بل لا تتحرّك من مكانها. في الأساس، هناك تك 3: 16: "هو (الرجل) يسود عليك". ذاك هو الوضع بعد الخطيئة. وقال يوسيفوس: "تقول الشريعة إن المرأة أدنى من الرجل في كل شيء. لهذا عليها الطاعة، لا لتُذلّ، بل لتوجَّه" (ابيون 2: 201). يجب أن تخضع لئلاّ تغوي الرجل فتقتله. لهذا، هي تحتاج إلى توجيه.
ثانيًا: البرهان (آ 13- 15)
هذه الخلقيّة الانتروبولوجيّة (أي دراسة الانسان) ترتبط بخبر تك 2: 22- 23 الذي يحاول أن يفسّر الوضع الذي تعيشه المرأة في المجتمع اليهوديّ في القرن الخامس ق م. رج 1كور 11: 8: المرأة هي من الرجل. بدا آدم وحوّاء نموذجين يعطيان طبعهما لنسلهما. فما عاشته حوّاء تعيشه كل امرأة. وما عاشه آدم يعيشه كل رجل. آدم جُبل (بلاسو) أولاً (روم 9: 20)، وهذه الاسبقيّة الزمنيّة تعني أسبقيّة في الكرامة. الرجل أول (بروتوس). والمرأة ثانية (آيتا، ثم، بعد ذلك). هي "ايشة" (امرأة) تجاه "ايش" (الامرئ، الرجل). هي "هيباندروس" (تحت الرجل). (رج عد 5: 19، 29؛ أم 6: 29؛ روم 7: 2).
تبدأ آ 14 مع واو العطف (كاي) فتقدّم برهانًا آخر في إطار الخَلق: مسؤوليّة حوّاء في تاريخ السقطة والخطيئة. أقرّت هي نفسها أن الحيّة أغوتها. في هذا المجال، قال سي 25: 24: "من المرأة ابتدأت الخطيئة، وبسببها جميعنا نموت". غير أن بولس قال في روم 5: 12: برجل "انير" لا "انتروبوس" دخلت الخطيئة إلى العالم. هو لا ينسى حوّاء هنا، كما لا يشدّد في 1تم على "الغواية" فقط. قال أوغسطينس: "لم يقل النصّ إن آدم لم يخطأ. ولكن خطأ حوّاء هو أنها خُدعت بشرّ الأوهام. بما أنها كانت أسرع إلى التصديق، صارت مشاركة للحيّة في الشرّ". من أجل هذا، لا يسمح الرسول للمرأة أن تتسلّط على زوجها، ولا أن تعلّم الحقيقة في كنيسة أفسس حيث تنصرف النساء إلى البطالة ويتشاركن بما لا يعنيهنّ (5: 13). وقال الذهبيّ الفمّ: "علّمت الرجلَ مرّة واحدة، فكانت الخسارة كاملة. لهذا أخضعها الله، لأنها أساءت استعمال سلطتها أو مساواتها للرجل".
ذاك هو وضع المرأة: شخص يتعلّم ولا يعلّم. خاطئة تعاقَب حتى النهاية. إذن، تخضع في الصمت والاتضاع، وتعرف حدودها.
جاءت آ 14 قاسية. لهذا، خفّفت آ 15 من قساوتها في ما يخصّ خلاص البشر: تخلُص المرأة، لا حين تعلّم (4: 16)، بل حين تلد أولادًا، أي حين تُتمّ واجباتها كأم. قال يوسيفوس (أبيون 2: 199): "لا تعرف الشريعة سوى اتحاد واحد، الاتحاد الطبيعي مع المرأة، وإذا كان الهدف إنجاب الأولاد". هنا، لم نعد أمام حوّاء فقط (المضارع بدل الاحتمال)، ولا أمام النساء بشكل عام، لأن الايمان والمحبّة مطلوبان، بل أمام النساء المسيحيّات: ينعمن بخلاص أراده الله (آ 4) وحقّقه بالمسيح (1: 15).
ما هي العلاقة بين "سوتيريا" (الخلاص) و"تكنوغونيا" (الامومة، تكوين الأولاد)؟ ظلّ بولس مرتبطًا بخبر السقطة، وبالتالي بعقاب يصيب المرأة، فتلد في الألم (تك 3: 16). وحين تتحمّل الألم تكفّر عن الخطيئة وتعيش الفداء. وهذه الأمومة تتضمّن أيضًا تربية مسيحيّة للأولاد (بايدوتروفيا)، بحيث إن المرأة المتزوّجة التي تمارس جميع الفضائل في بيتها (تي 2: 4) تدرك الخلاص حين تربّي أولادًا يثبتون في الايمان والمحبّة (3: 4؛ تي 1: 6). وقد نكون في خطّ ولادة المخلّص من العذراء مريم، بحيث يُلغى تأثيرُ حوّاء الحامل الموت. هنا قال أوريجانس: "من هي المرأة التي تخلص بالأمومة، سوى النفس التي حبلت بكلمة الله وبالحقّ، وولدت أعمالاً صالحة شبيهة بالمسيح". وقال أوغسطينس: ولادة الأولاد رمز إلى الأعمال الصالحة.

3- قراءة إجماليّة
نحن هنا أمام ترتيبات ليتورجيّة تبدو بشكل "قرار ملكي" (أريد، آمرُ). ويجب أن تطبّق بدقّة في كل مكان، أي في جميع الكنائس (1كور 4: 17). توجّه الكاتبُ أولاً إلى الرجال، فطلب منهم أن يصلوا بيدين مرفوعتين إلى السماء. هكذا يفعل اليهود والوثنيون على السواء. والمسيحيّة ورثت هذا التقليد، لأنه يعبّر عن عاطفة نجدها عند كل انسان، فلماذا لا تأخذ بها. هنا نذكر ترتليانس الذي قال: يختلف المسيحيون عن الوثنيين الذين يرفعون أيديهم بشكل عموديّ. أما المسيحيون فيفتحونها على مثال المسيح المصلوب.
لا شكّ في أن الحركة عنصر خارجيّ بالنسبة إلى الصلاة. لا قيمة له إلاّ إذا توافقت مع عواطف القلب. والأنبياء سبق لهم وندّدوا بعبادة لا تحمل روحًا دينيّة. إذن، يجب أن تكون هذه الأيدي المرفوعة إلى الله، نقيّة، مقدّسة. لا نتكلّم عن طهارة بحسب الشريعة والطقوس، يؤمّنها الاغتسال بالماء، بل عن طهارة خلقيّة، طهارة النفس التي لا تتعلّق بالخطيئة، وتتوجّه بكلّيتها إلى الربّ. قال أي 16: 17: "لا عنف في يديّ، وصلاتي طاهرة". وكان صوفر قد قال له: "إرفع يديك إلى الله، طلّق الشرّ الذي ينجّس يديك" (أي 11: 13- 14). وقال يع 4: 8: "أغسلوا أيديكم، أيها الخطأة، نقّوا قلوبكم، أيتها النفوس المنقسمة".
إن الموقف الداخليّ الذي يميّز التلميذ، هو المحبّة. لهذا أوصى بها الكاتب وأضاف "بدون غضب ولا خصام". هناك التردّد والشكّ مع لفظ "ديالوغيسموس". ولكننا في الواقع أمام كل ما يجرح المحبّة الأخويّة (فل 2: 14). فالمسيحيون المجتمعون من أجل الصلاة المشتركة، لا يمكنهم أن يغذّوا تجاه بعضهم بعضًا عواطف الحسد والغيرة (1كور 11: 17- 33). أو كيف يعتبرون أنهم يلتقون الربّ في الصلاة، إذا لم يكن قلبهم مملوءًا من محبّة الآخرين؟ إن لم يكن الأمر كذلك، فمن الأفضل أن يؤخّروا عملهم هذا، ويمضوا فيصالحوا إخوتهم في الحال (مت 5: 32- 34).
ثم توجّهَ الكاتبُ إلى النساء. لهنّ دور في الجماعة المسيحيّة كما في الصلاة العلنيّة. يتحدّث الرسول عن زينتهنّ وعن دورهنّ. قد تجتذب المرأة أنظار الناس إليها حين تهتمّ بزينتها، بشعرها، بلآلئها. والاجتماع مناسبة مؤاتية لمثل هذا الظهور الباطل. إذن، لتتحلَّ بالحشمة، متحاشية التهاون في االرزانة، والبحث عن الإثارة. تُرضي زوجَها (1كور 7: 34)، وتكون لائقة في لبسها، ولكن تتجنّب كل ما يلامس الفضائل المسيحيّة مثل الوقار والرصانة. والغنى في الجماعة، يجرح النساء الفقيرات ويجعل حواجز بين أعضاء الكنيسة. فالزينة الحقيقيّة للمرأة المسيحيّة هي الأعمال الصالحة. يُذكر بعضها في 5: 10: تربية الأولاد، إضافة الغرباء، الاهتمام بالمؤمنين، مساعدة المتضايقين.
تكون المرأة محتشمة في لبسها، ومحتشمة في تصرّفها. هي تشارك في الصلاة، شأنها شأن الرجل، ولكنها لا تقدر أن تمارس وظيفة الرئاسة والتعليم. الرجل هو الذي يعظ. والمرأة تسمع صامتة. تلك كانت القاعدة في 1كور 14: 34- 35 (نصّ أضافه تلميذ من تلاميذ بولس). وكان توضيح: إن أرادت المرأة أن تفهم، فلتسأل زوجها في البيت. هذا ما يعارض فكر بولس الأساسيّ حيث المرأة تستطيع أن تصلّي بصوت علنيّ في الجماعة، وأن تتنبّأ عند الحاجة (1كور 11: 5).
وأعطى الكاتب برهانين يسندان كلامه الأول: أولويّة الرجل بالنسبة إلى المرأة: هو خُلق أولاً. فالباكورة تأتي أولاً. وفي الوقت عينه، هي أفضل الثمار. وبما أن المرأة جاءت بعد الرجل، وجب عليها الخضوع والاحترام (1كور 11: 8). والبرهان الثاني يستند إلى خبر الخطيئة (تك 3: 1- 6). تركت المرأة التجربة تدخل إلى قلبها. سقطت، ثم جذبت الانسان إلى الخطيئة. نلاحظ أن هذا البرهان يبقى ضعيفًا في نظرتنا الحاليّة. ولكن كانت له أهميّة في طريقة المعلّمين اليهود. فكرة بولس سابقة. والكتاب يسندها دون أن يكون البرهان كافيًا. وسيقول بولس في غير مكان، بعد أن رأى الناس لا يقتنعون: إن أراد أحد أن يجادل، فليست تلك عادتنا. ولا العادة في كنائس الله (1كور 1: 16).
وإذ رأى بولس ما في هذا الكلام من قساوة على المرأة (وبالأحرى في عصرنا، حيث المرأة مساوية للرجل حسب مبدأ بولس في غل 3: 28)، أراد أن ينهي كلامه في إطار التفاؤل. إذا كانت المرأة أول الخطأة وفاتحة الطريق إلى الخطيئة، أتراها لا تخلص؟ وأين الخلاص لجميع البشر كما في آ 3؟ لا تخلص المرأة بالزينة واللآلئ، بل بالأعمال الصالحة. وأهمها إيلاد البنين وتربيتهم التربية الصالحة. وفي أي حال، تبقى هذه النظرة بعيدة عن مبدأ أعلنه بولس مرارًا، ولا سيّما في 1كور 7. أجل، نجد في 1تم عودة إلى العالم اليهوديّ وشريعته، على حساب العالم الرومانيّ، وعلى حساب ما أعلنه بولس على مستوى كرامة المرأة.

خاتمة
تحدّثت 1تم عن الرجال بسرعة: هم يصلّون وأيديهم مرفوعة إلى السماء. هم يتسلّطون على المرأة ويعلّمونها، ولا يتعلّمون منها ولا يسمحون لها أن تتسلّط. وتحدّثت عن النساء. أشارت بشكل ضمنيّ إلى أنهنّ يصلّين. في صوت عال؟ ليس من الأكيد، بل بصوت منخفض. هل يعلّمن؟ كلا. بل يتعلّمن. فهنّ قاصرات في جماعة ما زالت متأثّرة بالتقاليد اليهوديّة، ونسيت التقليد البولسيّ حيث لا رجل ولا امرأة، لا عبد ولا حرّ... من أجل هذا حكم شرّاح كثيرون على بولس بأنه قاس بالنسبة إلى المرأة، بأنه عاد إلى ما تعلّمه في المدارس الرابينيّة. واعتبر آخرون أن 1تم دوّنها تلميذ من تلاميذ بولس، في خطّ ما أضيف من نصوص على 1كور. وهكذا لا يكون بولس مسؤولاً عن كلام رفع فيه المرأة في خطّ انجيل لوقا بشكل خاص، كما رفع العبيد، فجعل فيلمون يفهم أن أونسيموس عبده، ليس شيئًا يُشري ويباع، بل أخ حبيب (فلم 15).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM