الفصل الحادي عشر وثائق قمران

الفصل الحادي عشر
وثائق قمران

ماذا اكتُشف من "كتب" في قمران؟ هناك ثلاث فئات: الأولى، النصوص البيبلية؛ الثانية، الآثار المنحولة في العهد القديم؛ الثالثة، أدبٌ خاصٌّ بالأسيانيّين.

1- النصوص البيبليّة في قمران
التوراة هي إرثٌ مشترك بين كلّ الجماعات اليهوديّة. ولقد اعتزل أهل قمران ليتفرّغوا لتفسيرها وللتعرّف إلى أسرارها الخفيّة. غير أن ما تتضمّنه هذه الكتابات هو ثمرة وحي محفوظ لمعلِّم البر وأعضاء جماعة قمران. وها نحن نقدّم ثلاث ملاحظات تعطينا فكرة عن كتب التوراة التي علّقت عليها الجماعة أهميّة أكثر من غيرها.
نذكر أولاً عدد النسخ المحفوظة لكتاب واحد. المزامير: 31 نسخة. وُجدت بشكل خاص في المغارة الرابعة وهي تعود إلى القرنين الثاني والأول ق.م.؛ سفر تثنية الاشتراع: 25 نسخة. وُجدت نسخة تعود إلى القرن الثاني (في المغارة الخامسة) فضمّت زيادات بين السطور. وفي المغارة الخامسة وُجد نصٌّ قريبٌ مما نقرأ في السبعينيّة؛ سفر أشعيا: 18 نسخة. وُجد في المغارة الأولى درج كامل لأشعيا وهو يُنشر مع كل الاختلافات الحديثة والقديمة. ووُجدت نصوص لأشعيا أيضًا في المغارات الأولى والرابعة والخامسة، وقد صارت معروفة كلّها؛ سفر التكوين (+ خر 14): 14 نسخة؛ سفر اللاويّين: 7 نسخ؛ سفر العدد: 4 نسخ. نجد في الأسفار الخمسة أو البنتاتوكس مرحلتين في توسّع النصّ الكامل: الأولى، شكل قديم يبدو قريبًا من الأعمال المهيّئة للنسخة السبعينية؛ الثانية شكل محوّر ستولد منه النسخة السامريّة.
دانيال والأنبياء الصغار (الاثنا عشر): 8 نسخ؛ حزقيال: 6 نسخ؛ إرميا: 4 نسخ. نلاحظ بين مخطوطات إرميا (في المغارة الرابعة) نسخة تعود إلى سنة 200 ق.م. تقريبًا وتقترب من النصّ الطويل كما نقرأه لدى الماسوريّين. ونسخة أخرى (في المغارة الرابعة أيضًا) ترتبط بالنصّ القصير كما نجده في السبعينيّة. ومخطوطات حزقيال والأنبياء الاثني عشر لم تقدّم جديدًا على مستوى النّقد النّصوصيّ. نصّ دانيال قريب من النصّ الماسوريّ، غير أنّه لا يتضمّن خبر سوسن وبال والتنّين (ف 13-14).
وإذا عدنا إلى الكتب التاريخيّة (يش، قض، صم، ملوك)، اختلفت المعطيات. هناك 4 مخطوطات لكتاب صموئيل، والشيء القليل لسفر يشوع، وتقريبًا لا شيء لسفر القضاة وكتاب الملوك. عاد أحد مخطوطات صموئيل (المغارة الرابعة) إلى نهاية القرن الثالث فقدّم لنا المراحل الأولى للتقليد الفلسطينيّ مع كتابة تنقصها حروف العلّة (مثلاً في العربيّة: طول بدل طويل). ووُجدت 4 نسخ لأيوب وراعوت ونشيد الأناشيد، ونسختان للأمثال والجامعة، ونسخة واحدة لعزرا والأحبار. نشير هنا إلى وجود ترجوم لأيوب (ترجمة مع توسّع في النصّ باللغة الأراميّة) يختلف عما تركته القرون الوسيطة.
نشير أخيرًا إلى أن أهمّ المعطيات الجديدة لنصّ ابن سيراخ العبريّ وُجدت في مصعدة (39: 37-44: 17). وفي مغارة قمران الثانية، وُجدت بعض الفتائت فكمَّلت ما وُجد في القاهرة في نهاية القرن التاسع عشر، وهكذا صار في يدنا ثلثا ابن سيراخ في العبريّة، غير أنّ النسخة الرسمية تبقى اليونانيّة. ووجد في قمران 4 مخطوطات بالأراميّة ومخطوط واحد بالعبريّة لسفر طوبيا، وهي ترتبط بالنسخة الطويلة كما نقرأها في المخطوط السينائي واللاتينية العتيقة.
توسّعنا في الملاحظة الأولى لندلّ على الكمية الهائلة من الوثائق القمرانيّة التي تعرّف إليها العلماء، سواءٌ نشروها أم لم ينشروها. ونشدّد أيضًا على أن عددًا من هذه المخطوطات ليس كاملاً. بل إن بعضها يتضمّن فتائت لا تُذكر، قد تساعد على قراءة هذا النصّ أو ذاك دون أن تعطيَنا فكرة عامة عن الأسفار المقدَّسة.
والملاحظة الثانية تدعونا إلى أن نذكر عدد التفاسير لسفر واحد من الأفكار المقدّسة. هناك خمسة تفاسير لأشعيا، ثلاثة للمزامير، اثنان لهوشع وميخا، واحد لحبقوق ولصفنيا. هذا يعني أن الدور الذي لعبه أشعيا في جماعة قمران كان كبيرًا. والملاحظة الثالثة تذكّرنا بالطريقة التي فيها يرد الاستشهاد الكتابي: "كما كتب". أما الأسفار المذكورة فهي: أشعيا، إرميا، حزقيال، دانيال، الأنبياء الصغار، المزامير. ونرى أنّ سفر التثنية ينفصل عن سائر أسفار البنتاتوكس، وأشعيا عن الأنبياء، والمزامير عن سائر الكتاب. لقد تغذّت التقوى القمرانيّة من المزامير، فاستفادت حتى من مزامير منحولة.

2- الآثار المنحولة
إن اكتشافات قمران تركت لنا مقاطع من النصوص الأصليّة لكتاب أخنوخ وكتاب اليوبيلات اللذين عُرفا خصوصًا في الترجمات الحبشيّة. ونقول الشيءَ عينه عن "وصيات" لاوي ونفتالي ويهوذا ويوسف، التي ترتبط بـ "وصيات الآباء الاثني عشر" كما عرفناها في اليونانيّة. وهناك "صلاة نبونيد" وعناصر من دورة دانيال ونصوص تعني ملكيصادق ورؤى عمرام، والد موسى. كما وُجد في المغارة الرابعة "مزامير يشوع" و"شهادات" مأخوذة من أسفار الخروج والعدد والتثنية ويشوع. وأخيرًا، هناك ستة مخطوطات لكتاب غُفل، في نصّ يبدو فيه إرميا الشخصَ الرئيسيّ، ولكنه يختلف عن كل ما نُسب إلى إرميا وإلى باروك أمين سرّ إرميا.

أ- كتاب أخنوخ
اعتُبر النصُّ الأصليّ لأخنوخ ضائعًا إلى أن نشر ميليك مقاطع أراميّة وُجدت في المغارة الرابعة. فقد كان في يدنا مقاطع باليونانيّة والسريانيّة والقبطيّة، ولكن النصّ لم يكن كاملاً إلا في الحبشيّة وقد وُضع بين الأسفار المقدّسة.
ضمّت المغارة الرابعة "مخطوطًا أراميًا". وتوزَّع سفر أخنوخ. الأول: كتاب المنائر السماويّة أو الكواكب (4 مخطوطات أقدَمُها يعود إلى سنة 200). الثاني: كتاب الساهرين (5 مخطوطات) أو الملائكة الذين هم في أصل الشرّ. الثالث: كتاب الجبابرة (15 مخطوطًا) ضُمّ، قبل سنة 100، إلى كتاب الساهرين وتحدّث عن الأسطورة السابقة للطوفان والتي نقرأها في تك 6: 1-4. الرابع: كتاب الأحلام (4 مخطوطات) الذي يتحدّث عما رآه أخنوخ في الحلم وهو يعيش مع امرأته في فردوس بعيد. وأخيرًا، رسالة أخنوخ (مخطوطات) التي دّوّنت في محيط هلنستيّ يشبه محيط غزة، سنة 100 ق.م.

ب- ثانيًا كتاب اليوبيلات وغيره من الكتب
النصّ الأصليّ لكتاب اليوبيلات (يقسم تاريخ العالم إلى 50 يوبيلاً تنتهي بالإقامة في الأرض المقدّسة) هو بالعبريّة. وقد نُقل إلى اليونانيّة والسريانيّة واللاتينيّة. ولكن النصّ الكامل هو بالحبشيّة. وُجدت مقاطع منه في قمران وقد نشرها فندركام في أميركا.
وجد المنقِّبون 12 مخطوطة مفتّتة في المغارات 1 و2 و3 و4 و11. ووُجد مخطوط في مصعدة. هذا الكتاب عرَف روزنامةً خاصةً تجعل السنة في 364 يومًا. ويبدو أن هذه الروزنامة هي روزنامة الأسيانيّين. وقد دُوّن الكتاب في القرن الثاني ق.م.
ووُجدت "وصية لاوي" في المغارتين الأولى والرابعة، وهي الكتاب الأراميّ المعروف بفتائت من مخبإ القاهرة والذي أخذ محلّه وسط "وصيات الآباء الاثني عشر" باليونانيّة، كما بين مخطوطات جبل آثوس باليونان. كما وُجدت "صلاة نبونيد"، ذاك الملك الأشوريّ الذي عاد إلى ربّه. ودورة دانيال التي تعود إلى سنة 150 ق.م.. وأخيرًا هناك نصوص تتعلّق بعمرام، والد موسى، وقد عرفها أوريجانس في شرحه لإنجيل لوقا، كما أن هناك نصوصًا أخرى تحدّثنا عن ملكيصادق في نزاع إسكاتولوجيّ بينه وبين بليعال(مخيّم الخير ومخيّم الشر).

3- الأدب الأسيانيّ
إن الأدب الذي يعود إلى قمران كبير جدًا وهو يرجع إلى فنون أدبيّة مختلفة. فهناك الشرعة التي تُعلمنا بشكل دقيق عن تنظيم الجماعة ومثال الأخوّة الذي تعيشه في بريّة يهوذا. وهناك الترانيم الدينيّة التي فيها يعبّر المؤمن عن خبرته الروحيّة بعمقٍ روحيّ يرافقه الصدق والبساطة. وتحتلُّ التفاسير مكانة هامة، حيث النصّ الكتابيّ يُقرأ وتعاد قراءته، ويُدرس بدون ملل لدى عارفين انتظموا من أجل هذا العمل خلال (سهرات) متتالية. ومع التفاسير، هناك التراجيم الأراميّة التي تبدو بشكل قصة بيبليّة فيها الكثير من المدراش.
مثلُ هذه الكتابات كانت عديدة. بعضها ضاع كليًا وعرفنا البعض الآخر في فتائت من خلال تلميحات. نصوصٌ جاءت من الخارج وحُفظت، وأخرى كُتبت في الجماعة فعبّرت عن تطلّعاتها الدينيّة.
نذكر أولاً "نظام الجماعة" وقد وُجد مخطوطها، سنة 1947، في المغارة الأولى وقد نُشر سريعًا. كما وُجدت مخطوطات أخرى من هذا الكتاب في المغارتين الرابعة والخامسة. لهذا تبع النصّ الأساسيّ ملحقٌ عنوانه: "وإليك نظامًا لكل جماعة إسرائيل في نهاية الأيام". كما تبعه كتاب المباركات للرجل العاقل ليبارك الذين يخافون الله ويصنعون مشيئته.
ونذكر ثانيًا "وثيقة دمشق" (أو: وثيقة صادوق) التي عُرفت في مخطوطات من القرنين العاشر والحادي عشر بعد أن وُجدت في مخبإ القاهرة، سنة 1896. أما في قمران فوُجدت فتائت تسعة مخطوطات في المغارات الرابعة والخامسة والسادسة. نجد في هذا الكتاب تحريضات وشرائع، فجاء في خط سفر التثنية. "فاسمعوا الآن، أنتم يا من تعرفون البرّ، وافهموا أعمال الله، لأنه في محاكمة مع كلّ بشر، وهو سيمارس دينونته على كل الذين يستهينون به".
ونذكر ثالثًا "المدائح" التي نُشرت باكرًا ونُقلت إلى اللغات الأوروبيّة. نشير إلى أن شوكانيك الذي نشرها سنتي 1948 و1950، توصّل إلى جمع 18 عمودًا. ولكنه لم يستطع أن يحدّد موقع 66 فتيتة. نسوق هذه الملاحظة العابرة لندلّ على الصعوبات التي تجابه الباحثين في جمع الفتائت وقراءتها.
ونذكر رابعًا "التفاسير". تفسير (في العبريّة: فشر) حبقوق كما وُجد في المغارة الأولى. تفسير ناحوم الذي وُجد في المغارة الرابعة. تفسير مز 37 الذي وُجد في المغارة الرابعة وقد كتبته اليد التي كتبت تفسيري أشعيا وهوشع اللذين جاءا من المغارة عينها. نُشر تفسير حبقوق، سنة 1950، فجاءت بدايته كما يلي: "القول الذي رآه النبيّ حبقوق: إلى متى يا ربُّ أدعوك لمساعدتي ولا تسمع، أصرخ إليك من العنف ولا تخلّص. تفسير هذا يعني بداية الجيل الأخير الذين يصرخون بسبب العنف". هذا النصّ الذي دُوّن في القرن الأول ق.م.، يذكر اضطهاد الكاهن الكافر لمعلّم البرّ، كما يذكر سقوط أورشليم والمعاملة القاسية التي لاقاها أهلها من المجتاح الرومانيّ، سنة 63 ق.م.
ونذكر خامسًا الفتائت المختلفة: أقوال موسى (المغارة الأولى)، مجموعة صلوات ليتورجية (الأولى أيضًا)، الزهيرات (الرابعة) وهي إضمامةٌ من النصوص البيبليّة، أقوال المنائر، الشهادات، قاعدة الأناشيد لمحرقة السبت أو ليتورجية الملائكة، المرأة الجاهلة. كل هذا وُجد في المغارة الرابعة، فدلّ على غنى هذه المغارة بالمخطوطات وعلى تنوّع ما تركه لنا الأسيانيّون من آثار.
ونذكر سادسًا "نظام الحرب" أو "ملحمة". نشره شوكانيك (المغارة الأولى) وسمّاه "حرب أبناء النور ضد أبناء الظلمة"، مستلهمًا الكلمات الأولى في العمود الأول: "أول التزام لأبناء النور يكون بمهاجمة حصّة أبناء الظلمة". توخّى الكتاب إعطاء قواعد لليوم الذي حدّده الله من أجل إفناء أبناء الظلمة.
ونذكر سابعًا "أبوكريفون (منحول) التكوين" أو "رؤيا لامك" الذي يعود إلى زمن هيرودس ويستعيد قراءة سفر التكوين، كما نذكر درج الهيكل وغيره من الأدراج... كل هذا يطول ذكره الآن.

4- خلاصة أولى
تحدّثنا عن وثائق قمران، بل عن بعضها، لندلّ على ما نُشر منها حتى الآن. فنحن أردنا أن نقدّم جوابًا على ما يدور من كلام هنا وهناك. مثلاً، إن الكنائس تمنع نشر هذه الوثائق لأن المخطوطات تتضمن أسرارًا مدمّرة للإيمان! فكأن الإيمان لا يجد الأساس الكافي في الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد كما أعلنه المجمع التريدنتيّ، في 8 نيسان سنة 1546. يبدأ الكتاب بسفر التكوين وينتهي بسفر الرؤيا فيقدّم للكنيسة ملءَ الوحي. وليس للكنيسة أن تهتمّ بوجود كتب موحاة أخرى. أما ما اكتشفته في قمران من نصوص مرتبطة بالعالم اليهوديّ، وفي نجح حمادي (مصر) من نصوص مرتبطة بالعالم الغنوصيّ (يعتبر أن الخلاص لا يتمّ بالصليب، بل بالمعرفة الباطنيّة)، قد يساعدها على فهم التعابير الحرفيّة في الكتب المقدّسة، كما يساعدها على تصوّر الإطار التاريخيّ الذي وُلدت فيه هذه الكتب. ولماذا تخاف الكنيسة وأبواب الجحيم لن تقوى عليها (مت 16: 18)، وهي قد غلبت العالم مع يسوع (يو 16: 33)؟
بدأت هذه العاصفة في الولايات المتّحدة، وقد وصل إلينا من آثارها ما قرأناه من مجلة "الإكسبرس" الفرنسيّة، في 2 أيار 1991، مقالاً بعنوان مثير: البيبليا المصادَرة. صادروا الكتاب المقدس ومنعونا من قراءته. وقالت المجلة الشهرية "30 يومًا" "عاصفة على قمران" (حزيران 1991). وأبرزت الصراع حول ما اكتُشف في المغارة السابعة من نصّ قد يتعلّق بإنجيل مرقس. وستعود المجلة عينها إلى الحرب في العددين السابع والثامن سنة 1994 مع عنوان لافت: 7 ق 5 (أي المغارة السابعة في قمران، النصّ الخامس) ومع ذلك فهناك مطابقة تامّة. وأخيرًا في العالم الفرنسي كتبت جريدة "التحرّر" في 28 تشرين الثاني 1991، مقالاً طويلاً عنوانه: "أسرار البحر الميّت".
كلّ شيء بدأ مع حوار للأستاذ جون ستروغنال، رئيس الأبحاث في مخطوطات المغارة الرابعة، في جريدة "الأرض". واستعادت "المجلة البيبليّة والأركيولوجية" (أميركيّة) الحوار وكتبت بلسان هرشل شانكس المسؤول فيها: إن الاخصائيّين المسؤولين في دراسة نصوص قمران التي لم تُنشر بعد، قد صادروا هذه النصوص واحتفظوا بها لأسباب شخصيّة، وهكذا منعوا العشرات من زملائهم الإفادة منها. وأكد شانكس مضخّمًا الأمور: "إنه لأمرٌ يدعو إلى الثورة أن يعتبر هؤلاء الأشخاص أنفسهم مالكي هذه المخطوطات"!
وكالعادة كانت بعض المقالات في لبنان صدى لما أثير في أوروبا. فكتب نسيب نمر في "النهار" (الجمعة 14/8/1992): "ونعود فنتمنّى على الهيئات العالميّة المهتمّة بالحضارة وتاريخها وبالثقافة ومذاهبها السعيَ الدؤوب لوضع جميع وثائق قمران بين أيدي الباحثين رغم أيّ اعتبار دينيّ أو لاهوتيّ".
نبدأ فنقول أولاً إنه، حسب العالم الأميركيّ الكبير والراهب اليسوعي المعروف، جوزف فتزماير، الذي قدّم المراجع المختصّة بقمران فقال، سنة 1975، إنّ 95% من مخطوطات المغارة الرابعة لم تنشر بعد. وفي سنة 1990، قال: هناك 70%. نودّ أن نذكر بشكل عام أن لفائفَ المغارة الأولى عُرفت بسرعة ونُشرت. وقد تضمّنت هذه المغارة درجين كاملين لأشعيا، نظام الجماعة، نظام الحرب، المدائح، تفسير حبقوق، أبوكريفون (منحول) التكوين. ثم كانت بعض الفتائت التي نُشرت في نصوص قمران وفي "الكتابات اللابيبليّة" التي تقف بين العهد القديم والعهد الجديد.
واكتشف الأب ده فو الدومنيكانيّ المغارة الرابعة فوجد فيها 400 مخطوط ولكنها تحوّلت إلى فتائت. حاول البحّاثة أن يجمعوا هذه القطع المبعثرة. وآخر ما طُبع كتابان: الأول، في ذكرى جان كرمينياك؛ والثاني، في ذكرى جان ستاركي وكلاهما عملا الكثير على مستوى النصوص القمرانيّة. أما كتاب الذكرى الأولى فيتضمّن النصوص التالية التي تُنشر للمرة الأولى: تحريض مبنيّ على الطوفان (4 ق 370 ,9 أسطر مشوّهة وموزّعة على عمودين). حوار بين الله وحزقيال (10 أسطر مشوهّة). ترنيمة أسيانيّة والتطويبات (سنعود إلى الحديث عنها في ما بعد). فتيتة من سبعة أسطر عن درج الهيكل.
وتضمّن كتاب ذكرى جان ستاركي: وصيّة قهات (أحد أبناء لاوي وجدّ موسى وهارون) بالأراميّة (عمودان و13 سطرًا). نقرأ: "والآن أوصيك يا ابني بالإرث الذي نُقل إليّ والذي تتسلّمونه أنت وبنوك وبنوهم. أوصيك بكلّ الكتب كشهادة لكي تحذروا كلَّ نجاسة وكلَّ شرّ لتستحقّوا بفضلها (كلّ خير) حين تسيرون بموجبها". وهناك نصّ آخر (3 ق 462، 19 سطرًا) يتحدّث عن إعادة بناء إسرائيل (الروحيّ ولا شك). وأخيرًا ما يتعلّق بسفر القضاة (19: 5- 7؛ 21: 12- 19، 18- 25). هذا النص قريب من الأساس الذي نقلت عنه السبعينيّة.
وماذا في المغارة السابعة؟ جمع السيّد باييه 2000 فتيتة من المغارات الصغيرة. وتضمّنت المغارة السابعة بعض النتف باليونانيّة التي سمّيت نصوصًا بيبلية. وقد اعتبر جوزيه أوكلاغان أننا أمام نصّ مرقسيّ. سنعود إلى هذا النصّ في فصل لاحق. تحدّث بعضهم عن "ثورة سمّيت 7 ف 5". كما تحدّث آخرون عن "قنبلة لاهوتيّة"، فضخموا الأمور كما سوف نرى.
وقدّمت لنا المغارة الحادية عشر موادَّ لا جدال فيها. هناك كتاب مزامير يوافق تقريبًا مز 100- 150 مع خمسة مزامير عُرفت في السريانيّة، وواحد منها في اليونانيّة. نقلته الترجمة البيبليّة المسكونيّة كملحق عن السبعينية وهو يبدأ بهذه الكلمات: "مزمورٌ كُتبَ خصيصًا لداود فلم يحسب مع الآخرين. وذلك حين قام بمبارزة جليات". النصّ الذي شغل بال البحاثة هو "درج الهيكل" الذي استعاد بشكل جزئيّ سفر التثنية مع إشارات عديدة إلى بناء الهيكل في خطّ ما كتبه حزقيال. ووُجد أيضًا مخطوط لسفر اللاويّين (مشوّه) وترجوم أرامي لسفر أيوب.
ولا تزال نصوص البحر الميّت تُنشر. وقد تأسّست السنة الماضية مجلّة تهتمّ بتراث قمران. ومن آخر ما نشر سنة 1994، 4 ق 422 وهي جزء من سفر التكوين: "صنع بكلمته السماوات والأرض وكل جنودها، واستراح في اليوم السابع من كل عمله الذي عمله. وروحه القدوس صنع كل كائن حيّ والخلائق الصغيرة". وفي هذه الفتيتة أيضًا جزء من سفر الخروج: "أرسل القابلتين إلى موسى، وظهر له في رؤية العلّيقى المشتعلة مع آيات ومعجزات". ثم 4 ق 470: كيف أعاد الملائكة اعتبار الملك صدقيا. قال ميخائيل: "سيدخل صدقيا في ذلك اليوم في العهد فيكمّل الشريعة".
وما زال نشر النصوص القمرانيّة قائمًا على قدم وساق. ولكن العمل شاقٌّ ومضنٍ. وبعض العلماء ماتوا ولم يستطيعوا أن يتمّوا العمل الذي بدأوا به فجاء من يحلّ محلَّهم. أتُرى العالِم الذي اكتشف نصًّا جديدًا يتراجع ولا ينشره؟ فلماذا ضحّى بحياته؟ ولماذا تخاف الكنيسة من هذه النصوص، والعلماء المسيحيّون موجودون منذ البداية في عالم قمران من أجل التنقيبات أو دراسة النصوص؟ وآخر ما حدث في هذا المجال هو عرض لفائف قمران مع أقدم مخطوطات التورة في متاحف الفاتيكان.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM