الفصل السادس الصادوقيون

الفصل السادس
الصادوقيون

يشكّل الصادوقيون مع الفريسيين والأسيانيين المدارس الكبرى التي توزّعت العالم اليهودي في فلسطين في أيام المسيح. قال فلافيوس يوسيفوس: تفرّقت النخبة في اسرائيل في مجموعات ثلاث: الأسيانيون، الفريسيون الذين قبلوا بالهيكل لكي يصلحوه، الصادقيون الذين نظّموا نفوسهم حول الهيكل.
يرد اسم الصادوقيين عادة بجانب اسم الفريسيين الذين هو خصومهم التقليديون، ولكننا لا نعرف الصادوقيين كما نعرف الفريسيين. فلا نجد كتابًا يرجع حقًا إلى عالم الصادوقيين. أما أدب الرابينيّين (أو: المعلمين) الفريسيين فواسع جدًا. ثم لا ننسَ أن الصادوقيين زالوا عمليًا بعد العاصفة التي هبَّت على أورشليم فدمّرتها سنة 70 ب م وأحرقت هيكلها وهجّرت شعبها.

1- المراجع
الوثائق التي تتكلّم عن الصادوقيين قليلة جدًا. إنها تعاليق قصيرة نقرأها عند فلافيوس يوسيفوس (كتاب الحرب، كتاب العاديّات). وهناك إشارات سريعة في أسفار العهد الجديد (الأناجيل الازائية، أعمال الرسل) وفي كتب الآباء، ولكنّها لا تزيد الشيء الكثير عمّا نجد لدى المؤرخ اليهودي. أما أدب الرابينيّين، ولا سيّما المشناة (مجموعة شرائع تعود إلى القرن الثاني وقد دخلت في التلمود)، فهو يقدم لنا فقط إيضاحات حول الطقوس وشعائر العبادة.
والخطير في ما تقدّمه هذه الوثائق الفقيرة، هو أنها تكاد ترجع كلّها إلى أوساط معارضة، بل معادية للصادوقيين. وكل ما جاء بعد يوسيفوس يعود إلى زمن زال فيه الصادوقيون عن مسرح الأحداث، وذلك بعد سنة ،70 إلى زمن ما عاد الناس يعرفون آراء هذه الشيعة وتعاليمها.
ويوسيفوس نفسه هو من عائلة أرستوقراطية وكهنوتية. قد يكون تشرّب إيدولوجية الصادوقيين. يقول عن نفسه إنه اتّصل على التوالي بالصادوقيين والاسيانيين، قبل أن يلتحق وهو ابن تسعة عشر عامًا بالفريسيين. هل كلام يوسيفوس صحيح؟ وإذا عرفنا أنه قضى قبل ذلك ثلاثة أعوام لدى ناسك اسمه بنّوس (قد يكون من شيعة الاسيانيين)، نفهم كم كان هذا الشاب ناضجًا قبل الأوان، وهو الذي ارتدّ إلى الرب بعد لقائه بالعالم الفريسي.
ولهذا، لا نستطيع أن نكوّن فكرة دقيقة وكاملة عن الخصائص العلمية والطقوسية التي تميز شيعة الصادوقيين.

2- أصل التسمية
هناك خلاف حول أصل تسمية هذه الشيعة.
- فالرأي الأوّل والذي يجمع عليه عدد كبير من النقّاد، يربط الصادوقيين بصادوق الذي مارس وظيفة رئيس الكهنة في أيام سليمان (1 مل 2: 35) وأسّس سلالة ستؤمّن العملَ الكهنوتي في هيكل أورشليم. قال حز 40: 46: "بنو صادوق هم الذين من بني لاوي يقتربون من الرب ليخدموه". وكانت سلطة هذا الكهنوت الصادوقي متينة، بعد أن ربطها المؤرّخ الكهنوتي في خط مستقيم بشخص هارون.
توقفت سلالة بني صادوق بمجيء رئيس كهنة من الحشمونيين (سلالة يهودية ترتبط بالمكابيين). أما آخر ممثّل لهذه السلالة فهو أونيا الرابع الذي هرب إلى مصر وبنى في ليونتوبوليس (أون أو عين شمس) هيكلاً لا يرتبط بهيكل أورشليم. وعادت السلالة الصادوقية إلى الظهور بعد زوال الحشمونيين، في شخص عظيم الكهنة الذي عيّنه هيرودس الكبير سنة 37.
وتبرز صعوبة ضدّ هذا الرأي الأوّل. من أين جاءت الشدّة على حرف الدال وكيف تبدّلت الحركة؟ هذا ما نجده في السبعينيّة ولا سيّما في سفر حزقيال حيث نقرأ "صدّوق". ويتساءل الشرّاح: أيكون هناك خطأ من النسّاخ؟ صعوبات لا تجد حلاّ لها.
- والرأي الثاني يربط اسم الصادوقيين بكلمة "صدق" التي تعني الصدق والبرارة والعدل والتقوى. هذا الرأي دافع عنه آباء الكنيسة. قد يكونون هم سمّوا أنفسهم "أهل البر". وقد يكون أعداؤهم قد سمّوهم كذلك تهكّمًا وسخرية. ولكنّنا لم نزل أمام افتراضات، ولهذا نعود إلى الرأي الأوّل.
- هذه التسمية تسندها النسخة الأولى في تعاليم رابي ناتان (الفصل الخامس). لا شك في أن هذا الكتاب متأخّر، وهو يعود إلى القرون السابعة والثامنة والتاسعة بعد المسيح، ولكن القسم الأوّل (ومنه ف 5) يتضمّن تقاليد قديمة قد تعود إلى القرن الأوّل المسيحي. تحدّث عن الخلافات بين الصادوقيين والبوئاتيين (هم فرع من الصادوقيين) على أثر تعليم أنطيغونيس السوكاوى حوالي سنة 150 ق م. قال النص: سمي الأوّلون صادوقيين باسم صادوق، والآخرون بوئاتيّين باسم بوئاتوس، لا يسمَّى صادوق مؤسسَ المجموعة الصادوقية، بل سموي (أى واهب الاسم) الصادوقيين. هذا يعني أنّ النص يشير إلى رئيس الكهنة في عهد سليمان.
نحن أمام شهادة معزولة عن أصل اسم الصادوقيين، ولكنها شهادة ثمينة، وهي تسند الاشتقاق الذي يأخذ به العلماء، دون أن تشدّد على صحة الارتباط بأنطيغونيس السوكاوي (من سوكو).
ووُجدت عبارة "بني صادوق" في مخطوطات البحر الميت، فدلّت على مجموعة (أو جزء من مجموعة) أسيانية. ولكن وجود الاسم في هذه الكتابات لا يلغي ارتباط الصادوقيين بصادوق. فمن المعقول أنّه وُجد في العالم اليهودي فرعان كهنوتيان ارتبطا بشخص واحد. وإذا عدنا إلى الأسلوب الاسياني، فهمنا أنّ التسمية تؤكّد على شرعية الكهنوت الحقيقي الذي تواصل في شخص معلّم البر وأقام لدى "نسّاك" قمران. هذه التسمية هي انتقاد لكهنة أورشليم، الذين استندوا إلى سلطان كاهن سليمان المتحدّر من هارون. ونقول أيضًا: إن وجود عبارة "بني صادوق" في قمران تؤكّد على ارتباط الصادوقيين بصادوق. فقد تكون جماعة قمران استعملتها كردّة فعل ضدّ الذين خدموا الهيكل فشكَّلوا نواة المجموعة الصادوقيّة.

3- أصل الصادوقيين
حين يتحدّث يوسيفوس عن يوناتان (152-143 ق م) يقدّم ملاحظة عابرة: "في ذلك الوقت برزت لدى اليهود ثلاث شيع". هذا يعني أنّ هذه الشيع ظهرت في الوقت عينه. ومهما يكن من أمر، فالأكيد هو أن اتجاهات متعدّدة ارتسمت في العالم اليهودي على أثر الثورة المكابية (167 ق م). فالحسيديم (الأتقياء وأصحاب الورع) تشيّعوا لمتتيا في البداية. ثم ابتعد عنه بعضهم ساعة امتزج الدين بالسياسة وصار المكابيون سلالة ملكية سمّيت سلالة الحشمونيين. في هذا الوقت تأسّس الاسيانيون والفريسيون وعُرفوا كمجموعتين مميَّزتين خلال القرن الثاني ق م.
غير أن الأمور ليست بهذا الوضوح فيما يخصّ الصادوقيين. ما يحدّدهم هو أنهم محافظون للغاية: ينزعون إلى ابقاء ما هو قائم، ويقاومون كل تجديد. لهذا نستطيع أن نعتبرهم سابقين للفريسيين والاسيانيين الذين انفصلوا عن العالم اليهودي. ولكن تعاليم رابي ناتان تربط أصل الحركة الصادوقية بعملية انفصال. اذن، يجب أن نميّز بين الموقف الصادوقي وارتباطه بالماضي، الذي يشمل جزءًا من العالم اليهودي على أثر الثورة المكابية، وتنظيم جماعة صادوقية بَنَت نفسها في ردّة فعل ضد التجديدات الفريسية (لا نعرف متى وُلدت). فاذا أخذنا بالاشتقاق الشائع، أشار اسمُ الصادوقيين إلى هذا التعلّق بتنظيم الماضي (لا سيّما بالكهنوت)، بل إلى عداء عميق ضد هؤلاء الكهنة الذين صاروا ملوكًا وأسّسوا سلالة ملكية.
هنا لا بدّ من ملاحظتين. نقرأ في 1 مك 2: 54 صلاة متتيا: "وفنحاس أبونا غار غيرة فنال عهد كهنوت أبدي". دوّن هذا النص حوالي سنة 100 ق م، فاستلهم الايديولوجية الصادوقية ليربط الملوك الكهنة الحشمونيين بالكهنوت الشرعي، ويربح ودّ كهنة آخرين ما زالوا يضمرون العداء لهذه السلالة الجديدة.
والملاحظة الثانية: لم يكن هذا العداء الأول عامًا ولا مستمرًا، بعد أن اجتمعت السلطتان في يد واحدة. فلا شيء يدل على أن الصادوقيين جاروا الاسيانيين والفريسيين في شجبهم لهذا الوضع الجديد. وحين ربطوا نفوسهم رباطًا رمزيًا بهذا الجدّ البعيد، شدّدوا في الوقت عينه على تعلّقهم بالماضي الوطني، وعلى اهتمامهم بأن يحتلّ الكهنوت في حياة الأمّة مكانة تعود إليه. خسرها في الايّام المجيدة يوم كان للشعب ملك، واستعادها بصورة خاصة بعد الاسكندر المقدوني والحقبة الهلنستية.
ارتبط الصادوقيون بمحيط كهنوتي، ولكنهم لم يكونوا كلّهم كهنة. ومقابل هذا، لم يكن الكهنة كلّهم من الصادوقيين. ففلافيوس يسمّيهم أرستوقراطية ترتبط بالأغنياء، ولا تهتمّ بالشعب. نجد عندهم أكبر العائلات الكهنوتية وأرفع الطبقات في المجتمع. فإذا كان الصادوقيون قد ارتبطوا بصادوق، فهذا يعني أن لرؤساء الكهنة عندهم المكانة الأولى.
يورد يوسيفوس اسم يوحنا هرقانوس وابنه الاسكندر ينا، كما يرد اسم خمسة كهنة عظماء من عائلة بوئاتوس في أيام هيرودس والرومان. ويشير سفر الأعمال إلى قيافا رئيس الكهنة الذي "من مذهب الصادوقيين" (أع 5: 17). وهناك حنان الأصغر المسؤول عن مقتل يعقوب "أخي الرب" كما يقول يوسيفوس في عاديّاته. ويمكننا أن نفترض أن عددًا من الكهنة لم يكن يرتأي رأيًا غير رأي عظيم الكهنة.
إذن ينبثق الصادوقيون من طبقة اجتماعية ومن مدرسة فكرية. إنهم يشكّلون مجموعة مغلقة لا يهمها كثيرًا إشعاع التوراة في العالم الوثني. ويقابل يوسيفوس بين موقف الفريسيين وموقف الصادوقيين. هؤلاء لا ينفتحون بعضهم على بعض، ويُظهرون قساوة نحو أبناء شعبهم كما نحو الغرباء. أما أولئك فيضحّي الواحد في سبيل الآخر، ويهتمّ بأن يبقى على اتصال بالأمة كلّها. ترك يوسيفوس حزب الصادوقيين وتعلق بالفريسيين. قد يكون مال إلى الشيعة التي استولت على قلبه في النهاية، ولكنه لا يمكن أن يكون منحازًا في كل ما يقوله عن الصادوقيين.

4- الكتاب المقدس والتقليد
ما يميّز الصادوقيين عن الفريسيين هو نظرتهم إلى الكتاب المقدس والتقليد أو السنّة. أدخل الفريسيون عددًا من العوائد تسلّموها من الشيوخ دون أن تكون موجودة في شريعة موسى. أما الصادوقيون فرفضوها. قالوا: الشريعة المكتوبة وحدها هي قاعدة حياة. فلا نتعلّق بما هو فقط سنّة الأباء. الصادوقي ينتقد أقوال معلّميه ويمحّصها على ضوء التوراة، أما الفريسي فيعتبر فرائض الشيوخ موازية لفرائض التوراة.
الصادوقيون محافظون. ولهذا فهم يتمسّكون تمسّكًا شديدًا بحرف الشريعة المكتوبة. أما الفريسيون فيفسّرون الشريعة ويتجاوزونها ويحدّدونها ويبُرزون تفاصيلها وهكذا يُغنون النص. فالسنّة التي يبنونها ويستندون اليها، لا تعارض التوراة في نظرتهم، بل هي لها امتداد وتفسير. وهي تعود إلى موسى نفسه، شأنها شأن الشريعة المكتوبة. فإلى موسى وصلت في الوقت عينه الشريعة المكتوبة والشريعة الشفهيّة، وكلتاهما انتقلتا بأمانة من جيل إلى جيل.
ولكن هذا ما يعارضه الصادوقيون الذين يعتبرون أنّ الشريعة الشفهيّة لا ترتبط بموسى، بل هي ثمرة الأجيال اللاحقة. وهي تمثّل، بالنسبة إلى وديعة الوحي التي دُوّنت في سيناء، زيادات اعتباطية ومحض بشرية، بل انحرافات بكل معنى الكلمة.
واذا أخذنا بقول بعض كتّاب الكنيسة الأولى، فان المحافظية الصادوقية وصلت في عالم الكتاب المقدس إلى اعتبار البنتاتوكس (أسفار موسى الخمسة) وحده كتابًا قانونيًا، شأنهم شأن السامريين، ولكنّنا نشكّ بهذا القول يوم أخذت الأسفار الملهمة تدخل في "قانون" (أو: لائحة) الأسفار المقدّسة. ويمكن القول أن الصادوقيين، شأنهم شأن سائر اليهود، اعتبرو أن أسفار الشريعة تسمو على سائر الأسفار القانونية كلّها.

5- تعليم الصادوقيين
نحن نفهم خصائص تعليم الصادوقيين انطلاقا من محافظيتهم. ونوجزه في ثلاث نقاط.
أوّلا: ينكرون خلود النفس بعد الموت والمجازاة في الحياة الأخرى. يجعلون النفوس تموت كما تموت الأجساد (يوسيفوس). هذه نظرة العبرانيين إلى الشيول أو مثوى الأموات أكانوا أبرارًا أم أشرارًا. ولكن الصادوقيين يذهبون في ارتيابهم أبعد من النظرة القديمة. ففي الشيول بعض حياة وان كانت منتقصة. أما الصادوقيون فينكرون كل حياة في الآخرة.
نشير هنا إلى أن اليهود استصعبوا الحديث عن خلود النفس، فتكلّموا بالأحرى عن القيامة. أما الصادوقيون فأنكروا القيامة وحاولوا أن يوقعوا يسوع في فخاخهم. امرأة تزوجت على هذه الأرض سبعة إخوة ماتوا قبلها، فلمن تكون في الآخرة؟ أجابهم يسوع: "في القيامة لا يتّخذ الرجل زوجة ولا تتّخذ المرأة رجلاً، بل يكونون كالملائكة في السماء". وزاد: "الله ليس إله الأموات، بل إله الأحياء" (مت 22: 23-33؛ مر 12: 18-27؛ لو :27-40). ويشير سفر الأعمال (23: 8) أيضًا إلى أن الصادوقيين ينكرون قيامة الموتى. حين مثُل بولس أمام السنهدرين (المحكمة اليهودية العليا)، لعب على التناقض بين الفريسيين والصادوقيين، فأعلن أنه فريسي وأنه يُحاكم لأنه يؤمن بقيامة الموتى. فعلا صياح شديد وقام بعض الكتبة من فريق الفريسيين فاحتجّوا بشدّة وقالوا: "لا نجد ذنبًا على هذا الرجل" (أع 33: 10)
ثانيًا: ويزيد أع 23: 8: "يقول الصادوقيون: لا ملاك ولا روح. هم يعتبرون وجود الملائكة بدعة". لقد توسّع التعليم عن الملائكة في وقت متأخّر، لهذا رفضه الصادوقيون وهم المحافظون الذين يرفضون كل جديد. الملاك والروح هما شيء واحد. أو هما يعنيان الملاك وروح الإنسان بعد الموت، أو الملاك وروح الشيطان. تفاسير ثلاثة معقولة. ولكن ان قرأنا الآية التالية، أع 23: 9 (كلَّمه روح أو ملاك) فكلمة روح لا تعني الشيطان، بل انسانًا وصل إلى حالة من السعادة قريبة من حالة الملائكة.
ثالثًا: ينكر الصادوقيون القدر أي تلك الشريعة التي توجّه مسيرة الأحداث إلى هدف معيّن. يقولون لا يقدر الله أن يفعل الشرّ أو ينبىء به. والانسان يقدر أن يختار بملء حريته الشرّ والخير، كما انه يستطيع أن يتوجّه بارادته إلى الخير وإلى الشر. الله لا يلعب أيّ دور في شؤون البشر. كل شيء يتعلّق بنا. نحن سبب الخير الذي نحصل عليه، وغباؤنا يجتذب إلينا الشر.
والقدر يدل على عناية الله. لقد أراد الصادوقيون أن يحافظوا على حرية الانسان، وأن لا يقحموا الله في أصل الشّر، وبأنه هو الذي يقسّي قلب فرعون (خر 10: 20) أو يدفع ابراهيم إلى ذبح ابنه (تك 22: 1-2).

6- الصادوقيون والكنيسة الأولى
عارض الصادوقيون الفريسيين في أمور كثيرة، وعارضوا يسوع وتلاميذه بصورة أشد، لا على مستوى التعليم وحسب، بل لأنهم اعتبروهم يحملون الفتنة والخطر. رأينا كيف حاولوا أن يوقعوا يسوع في الفخ حين حدَّثوه عن المرأة التي تزوّجت سبعة أخوة. ورأينا كيف تعامل معهم بولس فجعل الفريسيين بجانبه.
ما هو دورهم في محاكمة يسوع؟ لا شك في أن الحكم الأخير عاد إلى بيلاطس. ولكن أعضاء السنهدرين مسؤولون عن مسيرة المحاكمة. والعنصر الذي وجّه هذه المحكمة العليا هو رؤساء الكهنة ولا سّيما ذاك الذي تولى السلطة في ذلك الوقت. قال مت 26: 3-4:" اجتمع حينئذ عظماء الكهنة وشيوخ الشعب في دار عظيم الكهنة، وكان يدعى قيافا. فأجمعوا على أن يمسكوا يسوع بحيلة ويقتلوه. وحين أمسك الجند يسوع، ذهبوا به أول ما ذهبوا إلى قيافا، عظيم الكهنة" (مت 26: 57). وهذا ما يقوله يو 18: 12-14: "فقبضت الكتيبة والقائد وحرس اليهود على يسوع وأوثقوه، وساقوه أوّلا إلى حنان، وهو حمو قيافا عظيم الكهنة في تلك السنة. وقيافا هو الذي أشار على اليهود أنّه خير أن يموت رجل عن الشعب".
كان قيافا رئيس الكهنة من سنة 18 إلى سنة 37. سيطر عليه حموه حنان الذي كان رئيس كهنة من السنة 6 إلى السنة 15، وكان من عائلة صادوقية. وهكذا تكون مسؤولية الصادوقيين كبيرة في مقتل يسوع، وقد خافوا على مراكزهم الرفيعة.
وحين يمثل الرسل أمام السنهدريين، يشير أع 4: 6 إلى الشخصيات البارزة خلال محاكمة بطرس ويوحنا: حنان عظيم الكهنة، قيافا، يوحنا، الاسكندر، جميع الذين كانوا من سلالة عظماء الكهنة. برز حنان، ولكن قيافا هو رئيس الكهنة الفعلي وإليه يشير أع 5: 17: "فقال عظيم الكهنة (أي قيافا) وجميع حاشيته من مجمع الصادوقيين". هذا يعني أن قيافا كان صادوقيًا.
حكم الصادوقيون على يسوع لأنه يهدّد النظام ويعكّر صفو الأمن. وحكموا على تلاميذ يسوع لأنهم يهيجون الشعب. قد يكونون علموا الشعب أن يقول: "دمه علينا وعلى أولادنا" (مت 27: 25). سيرى المسيحيون في دمار أورشليم عقاب الله لشعب أنكر ربّه. ولكن دم المسيح الذي سُفك من أجل جميع البشر سيكون حتى بالنسبة إلى صالبيه نداء المسامحة والغفران حسب ما نقرأ في لو 23: 34: "يا أبتِ أغفر لهم لأنّهم لا يعلمون ما يفعلون".

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM