خاتمة الرسالة إلى فيلمون

خاتمة الرسالة إلى فيلمون

حين قرأنا فلم دهشنا لهذه السطور القليلة التي فيها يفتح بولس قلبه. هو أب تتحرّك أحشاؤه مثل أم تجاه أونسيمس. رسالة كتبها بولس بيده فما أملاها كما أملى سائر رسائله. لن نقف مع مدرسة توبنغن الالمانيّة التي رفضت نسبة الرسالة إلى بولس. ما عاد أحد يدافع عن هذا الموقف اليوم، بعد أن أُطلق في القرن التاسع عشر.
هذه الرسالة تكشف عن شخصيّة الرسول. وتلفت انتباهنا بالنظر إلى المسألة التي تعالجها: العبوديّة. كيف واجه الرسول هذه المسألة؟ ومن خلاله، كيف واجه الايمان المسيحيّ جور الواقع الاجتماعيّ والاقتصاديّ الذي عرفته الامبراطوريّة الرومانيّة ساعة انطلاق المسيحيّة؟ أترى بولس قبل بالعبوديّة وضعًا اجتماعيًا لا يمسّ، كما قبل بوضع المرأة كخاضعة للرجل؟ ماذا تقول فلم؟
أونسيمس هو عبد فيلمون المسيحي، وقد فرّ من بيت سيّده. فلجأ إلى بولس وهو في السجن، وهناك ارتدّ إلى المسيحيّة، ودلّ على أنه معاون نشيط يحتاج إليه بولس. ولكن بولس فضّل أن يردّه إلى سيّده، بعد أن يسلّمه "رسالة توصية" تاركًا لفيلمون أن يأخذ قراره منطلقًا من المحبّة التي تعمر قلبه. ولكن ما هو القرار الذي يتّخذه؟ أيعاقب أونسيمس؟ أيعيده إلى ما كان عليه كرامة لبولس؟ كلا. بل يستقبله بدون أي بغض أو حقد. بل يغفر له. ولا يعود يعتبره عبدًا، بل "أخًا في المسيح". بل إن بولس يطالب بأونسيمس ليعمل معه في خدمة الانجيل. ويبدو أن فيلمون تجاوب مع نداء بولس بحيث يخبرنا التقليد أن أونسيمس كان أسقف أفسس في نهاية القرن الأول. هذا يعني أنه عاد إلى بولس وعاونه في عمل الرسالة قبل أن يرسله الرسول إلى أفسس.
وماذا عن العبوديّة؟ في العمق، يقول بولس: لا عبد ولا حرّ. لا رجل ولا امرأة. هذا يعني المساواة بين العبيد والأحرار، بين النساء والرجال في المفهوم المسيحيّ. ولكن بولس ما أراد أن يدعو إلى ثورة خارجيّة على مثال ما فعل سبرتاكوس في القرن الأول ق م. بل هو دعا إلى ثورة تبدّل القلوب. هذا ما فعله مع فيلمون الذي تخلّى عن عبده واعتبره أخًا حبيبًا له. حرّره وأعاده إلى بولس. لو لم يفعل فيلمون هذا، لما ذُكر اسمه. كان صاحب عبيد، شأنه شأن أشخاص عديدين في أيامه. ولكنه تميّز عنهم حين فعل ما لا يفعله إلاّ المؤمن الذي بدّل الانجيلُ حياته. تحرّر من الوثنيّة ومن خطيئته السابقة. وتحرّر من العبوديّة الجسديّة. وهكذا استطاع أن يكون حرًا للمسيح، بانتظار أن يصبح مثل بولس عبد يسوع المسيح وخادمًا للجماعة المسيحيّة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM