رسالتا أهل كولسي وإلى فيلمون تقْديم

تقْديم

نقدّم في هذا الكتاب رسالة القديس بولس إلى أهل كولسي، ورسالته إلى فيلمون.
أما الرسالة إلى كولسي فتحدّثنا عن المسيح الذي هو صورة الله غير المنظور. لماذا كتبها بولس؟ أخذ المسيحيون في كولسي يتبعون معتقدات إيزوتيريّة، باطنيّة، تمزج عناصر وثنيّة بعناصر يهوديّة ومسيحيّة. وهذه المعتقدات أعطت أهميّة كبرى لقوى كونيّة، وقوّات ملائكيّة، وكائنات تتوسّط بين الله والانسان، وتتدخّل في مصير كل انسان. وارتكزت هذه المعتقدات أيضًا على ممارسات عديدة تتوخّى اجتذاب رضى هذه القوى.
تجاه هذه الممارسات "السحرّية"، أعلن بولس أن المسيح هو الوسيط الوحيد والشامل بين الله والانسان، بين الله والعالم المخلوق. كل ما تحقّق تحقّق به، منذ الخلق حتى الخلاص ومصالحة كل شيء مع الله. هو رأس الخليقة. والمسيحيّون يشاركونه في قدرته الخلاّقة والمحرّرة حين يتّحدون به في موته وقيامته. فالايمان بالمسيح هو الطريق الوحيد الذي يقود إلى الحكمة والحرّية. وهو وحده يستطيع أن يحطّم الحواجز بين البشر، ويولّد علائق بشريّة جديدة لا تتأسّس على المزاحمة. بل على الأخوّة.
والرسالة إلى فيلمون كتبها بولس طالبًا من فيلمون، ذاك المسيحيّ الشريف، أن يقبل بمحبّة أونسيمس، أحد عبيده الذي فرّ من بيته. كان بولس قد استقبله وردّه إلى المسيح وأعاده إلى سيّده، لا كعبد، بل كأخ حبيب. بل إن بولس طلب من فيلمون أن يردّ إليه أونسيمس، بعد أن صار نافعًا، ليعمل معه في رسالة الانجيل. لم يظهر بولس ثورة على العبوديّة، ولكنّه يبيّن بشكل ضمنيّ أنّ العبوديّة تتعارض مع الانجيل، حيث لا عبد ولا حر، وحيث الجميع هم إخوة في المسيح.
رسالتان في كتاب واحد. حملهما تيخيكس إلى موضع واحد هو كولسي. توجّهت كو إلى جماعة لم يبشّرها بولس ولم يزرها، جماعة جاءت من العالم الوثني. وتوجّهت الرسالة الثانية إلى مسيحيّ كان لبولس الأثر الكبير في ارتداده إلى الايمان. رسالتان بعث بهما بولس من سجنه حيث رافقه عدد من العاملين فأسّسوا جماعة مسيحيّة تكتب إلى جماعات أخرى، ومنها الجماعة التي تلتئم في بيت فيلمون.
رسالتان أرسلتا من موضع واحد أقام فيه بولس. ووصلتا إلى جماعة واحدة. حملتا إلينا تعليمًا يُبرز شخصيّة يسوع المسيح الذي هو رأس البشريّة كلها، ورأس كل جماعة مسيحيّة. يبقى علينا أن نسمع هذا التعليم فيتجسّد في حياتنا كما تجسّد في بيت فيلمون، ونعلنه في وجودنا كما أعلنه بولس لأهل كولسي حين قال لهم: "في يسوع خُلق جميعُ ما في السماوات وعلى الأرض... به وإليه خُلق كل شيء... وفيه ارتضى الله أن يحلّ الملء كله". له المجد إلى الأبد.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM