الفصل الثامن والثلاثون: لا تزن

الفصل الثامن والثلاثون
لا تزن

بين خلق الانسان على صورة الله ومثاله، بين خلق الانسان في الاصل واحداً قبل أن يصير اثنين، وبين كلام القديس بولس في الرسالة إلى أفسس حول المقابلة بين الرجل والمرأة من جهة والمسيح والكنيسة من جهة ثانية، تقف الوصيّة القائلة: "لا تزن". فالزنى في الكتاب المقدّس يعني السلوك الاخلاقي السيّئ الذي تعيشه المرأة، سواء كانت متزوّجة أو ما زالت مخطوبة. كما يعني علاقات خارج الزواج بين رجل وامرأة متزوّجة. أما اذا لم تكن المرأة متزوّجة، وإذا كانت أرملة أو مطلّقة، فلا يحسب عمل الرجل معها زنى. وكذلك لا يزني الرجل إن هو تجامع مع سريّة أو عبدة. وفي عبارة أخرى، لا تتعدّى المرأة إلا على زواجها. إذا كانت متزوّجة تخطأ. والرجل لا يخطأ إلاّ إذا تعدّى على زوجة قريبه. وهكذا صارت الوصيّة ترتبط بحقّ القريب. بما أن المرأة المتزوّجة هي ملك رجل ما، فالزاني يتعدّى على هذا الملك. أما إذا لم تكن المرأة "ملك" أحد، فلا ضير على هذا الرجل.
هذا هو الوجه الاجتماعي الذي عرفه العالم العبرانيّ خاصة، والعالم الشرقيّ عامة. وربّما ما زال الرجل حتى اليوم يتعامل مع المرأة على هذا الأساس. ولكن البعد الدينيّ يذهب بنا أبعد من ذلك. فالزنى خطيئة يعاقب عليها الانسان. هكذا هدّد "الله" الملك ابيمالك بالعقاب (تك 20: 3). وهذا ما فهمه يوسف لما طلبت منه امرأة فوطيفار أن يلبّي لها رغبتها. هو لم يكتف بالحديث عن رجل يمتلك امرأة. بل قال: "كيف أصنع هذا الشرّ العظيم وأخطأ إلى الله" (تك 39: 9)؟ هنا نتذكّر أن مصر واوغاريت وبلاد الرافدين اعتبرت الزنى "خطيئة عظيمة" يُعاقب صاحبها بالموت المبكر.
وكانت الخطوة الأولى مع نشيد الخلق الأول، والمرأة هي على صورة الله، شأنها شأن الرجل، فلماذا تعامل وكأنها أدنى منه. كما يُحترم الرجل، يجب أن تحترم هي. وفي خبر الخلق في تك 2، نفهم أن المرأة هي بإزاء الرجل. حقوقها حقوقه. وواجباتها واجباته. وعندما يزني الرجلُ، يخرج من إطار العيلة، لا يعود هو وامرأته جسداً واحداً. ولكن الخطوة الأبرز في العهد القديم نجدها في سفر هوشع الذي شبّه حبّ الله لشعبه جمع حبّ الرجل لامرأته. الله هو الواحد. وكذلك الانسان. الله هو الاله الأمين. وهكذا يكون الانسان أميناً فيّ زواجه. الرجل يكون أميناً لامرأته. والمرأة تكون أمينة لزوجها. في هذا الإطار صار الزنى يشبه عبادة الأوثان. من عبد الاوثان خان الرب. ومن زنى خان شريك حياته.
وسار العهد الجديد في خطّ العهد القديم، ولكنه بدا متشدّداً جداً على مستوى الزنى. أورد يسوع الوصيّة في مت 5: 27. "قيل لآبائكم: لا تزن". وزاد عليها متطلّبة قاسية: "من نظر إلى امرأة فاشتهاها، زنى بها في قلبه". ففي الشهوة يبدو الرجل وكأنه يريد أن يأخذ المرأة التي اشتهاها بحيث تصبح له. وفي موضع آخر ذكر يسوع الوصايا التي تتعلّق بالمجتمع فقال: "لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بالزور، أكرم أباك وأمك، أحبب قريبك كنفسك" (مت 19: 18؛ رج مر 10: 19، لو 18: 20).
ومضى بولس في خطّ الكنيسة الأولى فأورد الوصايا كما فعل يسوع (روم 13: 9). وسيكون قاسياً في تهديداته بحيث إنه هدّد الزناة بأنهم لن يدخلوا إلى ملكوت الله. في هذا المجال نقرأ 1 كور 6: 9: "لا الزناة ولا عبّاد الأوثان... يرثون ملكوت الله". ويتابع بولس: كنتم كذلك في ما مضى. كنتم في الانسان العتيق. أما اليوم فأنتم في الانسان الجديد. فيجب أن تتركوا كل ذلك: اغتسلتم بالمعمودية. تقدّستم بالروح الذي جاء إليكم. تبرّرتم باسم الرب يسوع المسيح الذي افتداكم. اشتراكم. فما عدتم تملكون أنفسكم. صرتم لآخر، للرب. لا تقدرون بعد اليوم أن تتصرّفوا بحسب حياتكم الماضية. ما عاد يحقّ لكم أن تسلكوا بحسب الجسد، اذن، أسلكوا في سبيل الروح.
ويُبرز بولس فكرة الانسان الذي هو هيكل الله. الانسان مقدّس، مكرّس، مخصّص. صار كنيسة. لا يحقّ لي أن أتصرّف بالكنيسة وكأنها بيت عاديّ. وليس لي حقّ أن أتصرّف بجسدي كما أشاء. أن أحسب أن الحاجة الجنسيّة حاجة طبيعية كالطعام والشراب. وهكذا أبرّر حياتي وأعمالي. ومن المؤسف هو أننا نعيش حياة من الزنى، ثم نفكّر كما نعمل. لا، ليس العالم هو الذي يملي عليّ سلوكي، بل شريعة الرب ومشيئته. ولا نؤخذ بأقاويل العالم وما فيها من كذب. من أجل هذا يقول لنا الرسول: "أهربوا من الزنى. فكل خطيئة غير هذه يرتكبها الانسان، هي خارجة عن جسده. ولكن الزاني يذنب إلى جسده. ألا تعرفون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس الذي فيكم والذي هو هبة من الله لكم؟ فما أنتم لأنفسكم بل لله. هو اشتراكم ودفع الثمن. فمجّدوا الله إذن في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي هبة الله" (1 كور 6: 18- 20). مثلُ هذا الكلام يعطينا قوّة جديدة كل مرّة نضعف أمام التجربة.
شريعة صعبة منذ العهد القديم. وقد كانت نتائجها قاسية: تُرجم الزانية والزاني. وتساهلت هذه الشريعة بعض الشيء مع الرجل أو هو حوّر الشريعة. فما عاد يقول في الزواج: يصير الاثنان جسداً واحداً. طارت كلمة "الاثنين"، وهكذا يستطيع أن "يتّحد" بغير امرأته من أجل المتعة، من أجل الزنى، ويبرّر عمله. هذا ما يدلّ على قساوة قلب الانسان، قساوة قلب الرجل بشكل خاصّ الذي يستعمل المرأة كما يستعمل آنية من الأواني ثم يرميها.
شريعة صعبة في العهد الجديد حيث يقول لنا يسوع: من يستطيع أن يفهم فليفهم. وما اكتفى يسوع بأن يشجب العمل الجنسيّ، بل شجب النظرة الشهوانيّة التي يتبعها الفكر والتخيّل. هو طلب طلباً صعباً ولكنه يعطي القوّة لكي نتجاوب وطلبه. لقد بدّل قلوبنا بصلبه وموته وقيامته، وما زال يعمل في حياتنا. لقد بذل نظرتنا، نظرة المرأة إلى الرجل، ونظرة الرجل إلى المرأة. هما على صورة الله، فكيف أشوّه هذه الصورة. كيف أسمح لنفسي أن "أتعدّى" على فتاة، على قاصر، كيف أخدع السذّج من أجل أنانيتي. إن الوقوع في يدي الله رهيب.
وجاءت شريعة يسوع تعلّمنا حتى العفّة في الزواج. حيث الرجل يحترم شعور المرأة. حيث تعرف المرأة أن تحترم نفسها وتفرض الاحترام حولها. كما دعا يسوع بعضاً منا إلى أن لا يتزوّجوا فيتكرّسوا للرب. وهم يفعلون ما يفعلون بملء إرادتهم، من أجل ملكوت الله.
وهكذا انطلقت هذه الوصيّة من منع يحذّر الانسان من التعدّي على ملك للقريب، فصارت وصية من قبل الربّ يُعاقب عليها الانسان. ولما رفع يسوع الزواج إلى مستوى حبّه للكنيسة، صارت العلاقات الجنسية في مستوى سرّ الزواج. وكان هذا المنع القاسي من بولس الرسول حيث يقول إن الزناة لا يرثون ملكوت الله. فلا يبقى علينا إلاّ أن نتذكّر أننا هيكل الله. فلنكن ذاك الهيكل الذي يمجّد الله.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM