الفصل السادس: قراءة أولى: بركة الله

الفصل السادس
قراءة أولى: بركة الله

نصوص عديدة نقرأها من بداية سفر التكوين إلى نهاية سفر التثنية. لسنا هنا أمام تجميع نصوص أخذت من هنا وهناك. بل أمام نظرة روحيّة تهتمّ بالحديث عن بركة الله وتنتقل إلى نسله انطلاقةً تصل بنا إلى المسيح الذي فيه باركنا الله كل بركة روحيّة في السماوات (أف 1: 3).

1- نقطة الانطلاق
وننطلق في هذه المسيرة الروحيّة حول البركة من تك 12: 1- 3. هي كلمة الله إلى ابراهيم. أمرٌ ووعد. وقد هيّأ لها الطريق السياق السابق. ففي تك 11: 28- 30، عرفنا موطن ابرام (أو ابراهيم) وعرفنا عائلته، كما عرفنا أن امرأته سارة عاقر. مع ف 12، تبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الخلاص حيث تقف كلمة الله بكل قوّتها أمام وضح ابرام الانسان مع ضعفه وعجزه.
"أترك أرضك وقرابتك وبيت أبيك إلى الأرض التي أدلّك عليها. وأنا أجعلك أمّة كبيرة، وأباركك، وأعظّم اسمك وتكون بركة. أبارك من يباركك. ومن يحتقرك ألعنه (أي أمنع عنه البركة). وبك تنال البركة جميعُ عشائر الأرض".
كيف تبدو بنية هذا المقطع؟ يبدأ بفعل في صيغة الأمر (آ 1). ثم خمسة أفعال في صيغة المضارع تدلّ على ما سيفعله الربّ الذي قال هذا القول. وينتهي كل شيء بالنتيجة: "بك تتبارك جميع عشائر الأرض".
أمر الربّ ابراهيم بالانطلاق. ثم جاءت المواعيد. غير أن الأمر لا يضع شرطاً للوعد، بمعنى أن هذا الوعد يرتبط بطاعة ابراهيم. هذا الأمر هو نداء ودعوة، وقد دخل فيه الوعد كجزء لا يتجزّأ. طلب الربّ من ابراهيم، فنفّذ ابراهيم ما طلبه الرب: لم يطرح سؤالاً. لم يقل: إذا أطعتك فماذا يكون لي؟ لم يقل: ولكن عندي بيتي... من وضع يده على المحرات ونظر إلى الوراء ليس أهلاً... ذهب أبرام كما أمره الربّ. هذا ما سيفعله يوسف خطيب مريم حين أمره الربّ أن يأخذ امرأته ولا يعرفها. فقام من نومه وفعل ما أمره به ملاك الربّ (مت 1: 24). قد نطرح سؤالاً حول نفسيّة ابراهيم ونفسيّة يوسف. ولكن لا موضع هنا للسيكولوجيا. فوعد الله يملأ قلب الانسان فلا يعود يترك مجالاً لشيء آخر. حين يصل الانسان إلى مستوى الحوار العميق مع الله، لا يعود من موضع لحوار يتمّ على مستوى الأرض ومشاريع البشر. مشروع الله يملأ حياة الانسان ويأخذه كما أخذ معه إيليا في العاصفة.
"من يحتقرك". من يشتمك (آ 3 أ). هو واحد. ولهذا، لن يكون لله أن "يلعن" أو يعاقب العدد الكثير من الناس. أما البركة فستمتدّ إلى الكثيرين. البركة التي يرسلها الله هي ما يحصل عادة.
وردت كلمة "البركة" أو "بارك" خمس مرات: أباركك، تكون بركة. أبارك. من يباركك. تنال البركة. يرى الشرّاح هنا في هذا القول أن الله يريد أن يلغي اللعنات الخمس التي سبقت دعوة ابراهيم. لعنة الحيّة (أو الشيطان وعالم الشرّ) التي ستصيب المرأة بشكل غير مباشر فتتألّم في الولادة وتنقاد لزوجها الذي يسود عليها، بعد أن كانت المساواة تامة بين الاثنين (تك 3: 12). ثم لعنة الأرض (تك 3: 17) التي تصل إلى الانسان: سيأكل خبزه بعرق جبينه. سيعود إلى التراب الذي أخذ منه. تلك هي الخبرة التي اختبرها الكاتب الملهم حين كتب هذا النصّ في القرن السادس أو الخامس ق. م. تلقّى وحياً من الله. فرأى في وضعه وضعَ كل انسان منذ بداية الكون حتى نهايته. هو يولد ويموت ويتعب ويتألّم.
واللعنة الثالثة رافقت قايين لما قتل أخاه هابيل: "ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دماء أخيك من يدك" (تك 4: 11). أصابت اللعنة الأرض، فانعكست من الأرض على قايين. واللعنة الرابعة هي عكس البركة التي سينالها نوح الذي يحمل العزاء إلى البشر، فتكون معه بداية خلاص (تك 5: 29). واللعنة الخامسة نالها حام في شخص ابنه كنعان بسبب الزنى الذي مارسه. لم يخف من أن ينظر إلى عورة أبيه، فاستحقّ اللعنة لهذا الفعل الشنيع الذي يقابل القتل الذي مارسه قايين مع أخيه (تك 9: 25).
وجاءت بركات خمس تمحو لعنات خمساً. وهكذا بواسطة ابراهيم تتبارك جميع عشائر الأرض. أراد أهل بابل أن يرتفعوا إلى الله ويبنوا برجاً ليصلوا إليه بقواهم البشريّة. ولكنهم تشتّتوا في كل الأرض. أما ابراهيم فسلّم أمره إلى الرب فنال من الرب كل بركة.
بك تتبارك شعوب الأرض. في المعنى الأول، الأرض المقدّسة، أرض فلسطين. وفي المعنى الثاني: الأرض المسكونة كلها. كل المؤمنين يتعرّفون إلى البركة التي تعرَّف إليها ابراهيم. نجح ابراهيم حين أطاع الله، فتمنّت كل عشائر الأرض أن تطيع طاعته فتنال البركة التي نالها. ولكن قد يكون ابراهيم وسيط بركة تُمنح للشعوب كما فعل مثلاً حين صلّى من أجل ملك جرار (تك 20: 7)، أو حين تشفّع من أجل مدينة سدوم معتبراً أنه قد يجد فيها عشرة أبرار (تك 18: 20- 33). وفي معنى ثالث قد نفهم فعل "تتبارك" الذي يشير إلى صيغة المجهول "تُبارك". إن جميع عشائر الأرض تنال لنفسها البركة من الله، ومصيرُ الشعوب يرتبط بموقفها من حامل البركة الذي هو ابراهيم، ثم داود وأخيراً ذاك الذي هو ابن ابراهيم وابن داود (مت 1: 1)، يسوع المسيح.
إذن، كلمة الله حاسمة. وموضوع البركة هو الخطّ الأول الذي يساعدنا لكي نقرأ البنتاتوكس أو أسفار موسى الخمسة. ونبدأ مع دورة البدايات.

2- دورة البدايات (تك 1- 11)
إن دورة البدايات تفهمنا أن جميع الشعوب تحتاج إلى البركة بعد أن أصابتها اللعنة المخمّسة. كانت نتيجةَ أولى خطيئة فيها أراد الانسان أن يحلّ محلّ الله فيقرّر ما هو خير وما هو شرّ. خطيئة ستلقي بظلّها على كل خطيئة على الأرض. وخطيئة القتل مع قايين. والعنف الذي سيطر على العالم فحمل إليه الموت بواسطة قوّة الموت التي هي المياه. وانتهت دورة البدايات بحدث برج بابل فطُرح السؤال: هل انقطعت كل علاقة بين الله والانسان؟ ما الذي ينقص البشريّة؟
هذا الذي ينقص البشريّة، هذا الذي لا تستطيع البشريّة أن تعطيه لنفسها، سوف يعطيه الله عبر شخص ابراهيم. وصلت البشريّة وحدها إلى حافة اليأس. ولكن كلمة الله التي نادت ابراهيم، فتحت باب الرجاء. فالله لم يقل بعدُ الكلمة الأخيرة. أراد البشر أن يكون لهم اسم (تك 11: 4). هي رغبة في أعماق قلبهم. لهذا يلدون أولاداً يذكرونهم بعد موتهم. ويشيّدون الابنية التي تدلّ على ما عملوا. ويقومون بالحروب ليطبعوا الأرض بوقع خطواتهم. رغبة حقيقيّة لا تجد ما يملأها إلا الله الذي قال لأبرام: "أنا أعظّم اسمك" (آ 2). وسيقول لداود: "أعطيك اسماً عظيماً" (2 صم 7: 9). أما يسوع "فيعطى اسماً فوق كل اسم لتنحني أمام اسم يسوع كل ركبة في السماء، وفي الأرض وتحت الأرض، ويشهد كل لسان أن يسوع المسيح هو الرب تمجيداً لله الآب" (فل 2: 9- 11).
تشتّتت الشعوب على وجه الأرض (تك 11: 4: 6). تلك هي نتيجة عمل الانسان. فما كان جواب الله؟ وعد ابراهيم بأن يجعله أب أمّة تجمع في بركة واحدة جميع شعوب الأرض. ما أراد البشر أن يحصلوا عليه بقواهم الشخصيّة، قد منحه الله لابراهيم بنعمة مجانيّة، وبواسطة ابراهيم منحه لجميع الشعوب. وهكذا، فخبر برج بابل الذي ينهي دورة البدايات، ودعوة ابراهيم التي تفتح دورة الآباء، تتقابلان مقابلة ستجد صداها في حك 10: 5: "حين اتّفق البشر على صنع الشرّ، وحُكم عليهم بأن لا يتفاهموا، لقيت الحكمة الصدّيق وصانته بلا عيب أمام الله. ومنحته القوّة ليطيع الله رغم حبّه لابنه".

3- دورة الآباء (تك 12- 50)
عبر الأخبار المخصّصة لابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف، نجد أهميّة تك 12: 1- 3 الذي سيعود مرتين أيضاً. مرة أولى في 18: 18: "ابراهيم سيكون أمّة كبيرة مقتدرة، ويتبارك به جميع أمم الأرض". ومرة ثانية في 28: 14: "ويكون نسلك كتراب الأرض وتنمو غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، ويتبارك بك جميع قبائل الأرض وبنسلك". بعد أن قيل الكلام مرّة أخرى لابراهيم، قيل في النصّ الثاني ليعقوب.

أ- دورة ابراهيم
يعود تك 18 إلى هذه البركة التي نالها ابراهيم من الله. فبعد أن استقبل أبو الآباء ضيوفه الثلاثة في ممرا، ترك الله ابراهيم وهو يتساءل إن كان يُخفي عن ابراهيم العقاب الذي تستحقّه سدوم (18: 17). فإذا كان الله قد اتّخذ قراره بأن لا يخفي شيئاً عن ابراهيم، فلأن ابراهيم سيكون أمّة عظيمة. ومن خلال تشفّع ابراهيم من أجل سدوم، نفهم أن هذه البركة قد وصلت إلى هؤلاء الذين يهدّدهم الموت. كان بإمكان البركة أن تصل إلى سدوم. ولكن لوطاً وابنتاه نجوا، فكانوا البقية الباقية لأدوم وعمّون.
وحين اقتسم ابراهيم ولوط الأرض، أخذ لوط الحصّة الفضلى، ولكن البركة وصلت رغم ذلك إلى ابراهيم. أما حين أخذ الفرعون سارة، فقد حلّت عليه اللعنة لا البركة. يقول النصّ: "ضربه الله" (تك 12: 17) كمقدّمة لتلك الضربات العشر التي سوف تحلّ بمصر مع موسى. لا شكّ في أن ابراهيم خطئ حين قال إن سارة اخته. ولكن البركة التي يمنحها الله لا ترتبط بالانسان. فقد يخون الانسان عطيّة الله، ولكن الله أمين في مواعيده، صادق في عطاياه، وهو لا يندم يوماً عمّا يعطيه للانسان.

ب- دورة اسحاق
وسوف نشاهد البركة أيضاً في حياة اسحاق. واجه ابيمالك في زمن المجاعة (تك 21: 1). ولكن الرب قال له: "أنا أكون معك وأباركك" (آ 3). ويحصل لاسحاق ما حصل لابراهيم. أخذ "الملك" منه امرأته، فحلّت عليه اللعنة وخسر كل بركة. ويعود النص في آ 12 فيقول لنا: "زرع اسحاق في تلك الأرض، فأصاب في تلك السنة (هي سنة جوع لأنها سنة جفاف) مئة ضعف". والسبب: "الله باركه" وبسبب هذه البركة صار "شخصاً عظيماً". وما زال ينمو. فالعظمة والنموّ هما ثمرة تلك البركة التي جعلت شعب أبيمالك يدبّ فيهم الحسد. لاحظوا البركة التي نالها اسحاق، ولكنهم لم يعرفوا أصل هذه البركة، فحسدوا اسحاق، كما حسد قايينُ هابيل، وأرادوا مخاصمته.
قالوا له: "أخرج من عندنا، لأنك قد أصبحت أقوى منّا جداً" (تك 26: 16). نتذكّر هنا أن النصّ يتحدّث عن ملك الفلسطيين وهم شعب عاشوا في المدن الخمس (غزّة، جت) على شاطئ البحر وعلى حدود مصر. ويرى من خلال اسحاق، شخصَ داود وتعامله مع الفلسطيين على عتبة الألف الأول ق. م. هكذا تمّ الوعد الذي أعطي لابراهيم. وفهم الملك وضباطه فقالوا لاسحاق: "رأينا أن الرب معك" (آ 28). ثم قالوا له: "أنت مبارك الرب" (آ 29). يعني: باركك الرب. ولما قطع "الفلسطيون" عهداً مع اسحاق، كانت لهم البركة من خلال السلام الذي لا يعني فقط غياب الحرب بل مجمل العطايا التي يتوق إليها الانسان من أجل سعادته.

ج- دورة يعقوب
بدأت حياة يعقوب حين نال البركة من أبيه. لا شكّ في أن في الأمور حيلة. ولكن الله يكتب الخطوط المستقيمة عبر خطوطنا المعوّجة. ثم إن النصّ لا يقدّم لنا تقريراً صحافياً. ولكنه يرى في الواقع أن يعقوب هو الذي حمل الوعد، فاعتبر أن الله هيّأ كل شيء له. بارك اسحاق يعقوب وقال: "ابني كحقل باركه الربّ. يعطيك الله من ندى الممماء (المطر المهمّ)، ومن دسم الأرض يُكثر لك الحنطة والخمر" (تك 27: 26- 28).
وفي حلم يعقوب يعود موضوع البركة كما قيل لابراهيم. "لاعنك ملعون ومباركك مبارك" (27: 29). هنا نرى مزيجاً بين نظرة وطنيّة ضيّقة وبين نظرة شاملة تحاول أن تصل إلى أقاصي الأرض. ذاك هو الصراع الدائم في تاريخ بني اسرائيل. هم يحملون كلمة الله ولكن يجب أن لا تبقى كلمة الله محصورة في أرض، ومواعيدُ الله متوقّفة في شعبه. فهي لجميع البشر. وشعب اسرائيل إنما هو خادم لهذه الكلمة وهذه المواعيد.
وحين اشتغل يعقوب لدى لابان، قال له لابان: "باركني الربُّ بسببك" (تك 3: 27). وأكّد يعقوب نظرة لابان، فقال: "كانت مواشيك قليلة قبل مجيئي، وقد نمت كثيراً، وباركك الرب بعد مجيئي" (آ 30). لقد وصلت البركة إلى الآراميين بواسطة يعقوب. وهكذا بعد الموآبيين والعمونيين والفلسطيين، وصلت البركة إلى الآراميين أيضاً. وهذه البركة ستصل إلى مصر مع يوسف بن يعقوب.

د- دورة يوسف
خبر يوسف خبر يطرح عدداً من الاسئلة. هو أولاً يتميّز عن سائر أخبار الآباء. ثم، ما هو الاساس التاريخيّ؟ وما هي التقاليد؟ وكيف دخلت الامور المصريّة في هذا الخبر؟ وتوقّف الشرّاح عند الطابع الحكميّ لهذا الخبر. أما نحن فنتأمّل في موضوع البركة.
بحكمة أحد الآباء، وصلت البركة إلى الفرعون وشعبه. غير أن هذه البركة لن تدوم، لأن الفرعون الذي لم يكن يعرف يوسف، جلب اللعنات على نفسه وعلى بلاده. وهكذا تقابل الضرباتُ إقامةَ يوسف في مصر. وسفر التكوين سبق وبيّن مسيرة يوسف. فمنذ إقامة يوسف في بيت فوطيفار "بارك الرب بيت المصري". ثم زاد النصّ: "كانت بركة الله على جميع ما هو له (= فوطيفار) في البيت والحقل. فترك جميع ما كان له في يد يوسف" (تك 39: 5- 6).
هذا المشهد يدلّ على نشاط يوسف المقبل، وهو نشاط بركة لا ينحصر في بيت من البيوت، بل يصل إلى مصر كلها (رج تك 41: 57). وهذه البركة ارتبطت بحكمة يوسف وهي حكمة آتية من عند الرب. هل نرى في حكمة يوسف مرآة لحكمة سليمان وموظفيه؟ ربما. ولكن في أي حال، هكذا وصلت بركة ابراهيم إلى مصر بواسطة يوسف.

4- الخروج من مصر والمسيرة في البرية
أ- الخروج من مصر (خر 1- 17)
مع سفر الخروج ندخل في حقبه جديدة من تاريخ اسرائيل. نلاحظ أوّل ما نلاحظ كلام الفرعون الذي يشبه كلام ابيمالك: "ها إن شعب اسرائيل صار أكثر وأعظم منا" (خر 1: 9؛ رج تك 26: 16). أما تكاثرُ بني اسرائيل فهو ثمرة بركة الله وتحقيق للوعد الذي أعطي لابراهيم. غير أن المصريين يرفضون أن يعترفوا بهذه المباركة، ويحاولون أن يتصدّوا لها.
مع خر، يبدو وجه موسى الذي أحبّ العدالة وحاول أن يمنع الظلم، فأجبر على الهرب إلى مديان. وتأتي الضربات في تقليد البركات هذا سبعاً: موت السمك، الضفادع، البعوض، موت البهائم، البرد، الجراد. وفي النهاية، مع الرقم السابع، مات بكر الفرعون فطفح الكيل، ماتت كل بركة في مصر، لأن المصريّين ظلّوا متعلّقين بآلهتهم ورفضوا أن يتعرّفوا إلى الله ينبوع كل بركة.
هنا نسمع كلام فرعون إلى موسى وهارون: "قوما واخرجا من بين شعبي. أنتما وبنو اسرائيل... وامضوا وباركوني أيضاً" (خر 12: 20- 22). أغنى بلد في الشرق وأوسع قوّة، جاء يطلب بركة. وكان قد سبق هذا الطلب كلام لفرعون فيه يطلب من موسى أن يصلّي لأجله ويتشفّع. هذا ما فعله ابراهيم بالنسبة إلى أهل سدوم وابيمالك.
في هذا المجال نقرأ أش 19: 23- 25 كلاماً يقول فيه النبيّ إن الله يشفي مصر من ضرباتها. وستحلّ البركة على بني اسرائيل كما تحلّ على المصريّين وعلى الأشورّيين: "مبارك مصر شعبي، وأشورية عمل يديّ، واسرائيل ميراثي".

ب- المسيرة في البرّية
نترك جانباً حدث سيناء الذي يرتبط أكثر ما يرتبط بمخافة الله وتعليم الأنبياء. ونسمع قول بلعام يقوله في شعب اسرائيل، فيدلّ على أنهم يحملون البركة وأنهم. مسؤولون عن هذه البركة. "ما أجمل خيامك يا يعقوب وأخبيتك يا اسرائيل! منبسطة كأودية (فيها الماء)، كجنّات على نهر، وكأغراس غرسها الرب، وكأرز على المياه... مباركوك يبارَكون، ولاعنوك يُلعنون" (عد 24: 5- 6، 9). نلاحظ البركة من كثرة المياه وجَمال الاشجار وعظمتها. كما نلاحظ ارتباط هذا الخبر بداود. لم يعرف الموآبيون أن يستفيدوا من البركة التي حملها بنو اسرائيل. بل إن اسرائيل نفسه خسر هذه البركة لما تعلّق ببعل فغور (عد 25: 1- 4). وهكذا نفهم أن البركة ليست عملاً سحرياً. فهي تتضمّن مسؤوليّة تجاه الله الذي هو ينبوعها. أما هذا الكوكب الخارج من يعقوب فهو يسوع المسيح (عد 24: 17). والصولجان الذي يحمله هو صولجان الملك الذي به يحطّم أعداء كنيسته. وهم الشرّ والموت والخطيئة.

خاتمة
ذاك هو تقليد البركة الذي انطلقنا فيه من خبرة ابراهيم مع الله حين دعاه. نصّ دوّن في نهاية خبرة طويلة مع الله وطبّق على ابراهيم الذي هو مثال كل مؤمن. وهو يطبّق علينا. يكفي أن نستسلم لله، وننتظر كل شيء من عنايته ومحبته. قال الرب لابراهيم: أسلك أمامي وكن كاملاً. وهذا ما يقوله الكتاب. بهذه الطريقة وبها وحدها ننال البركة الحقّة التي حملها إلينا يسوع المسيح بحياته وموته وقيامته.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM