الفصل العشرون: ما هي الشيعة

الفصل العشرون
ما هي الشيعة

في اللغات الأجنبيّة "ساكت" تعني اتباع شخص أو فكرة. وفي اللغة العربية، شايعه أي تابعه ووالاه على أمر. وشيعة الرجل: أتباعه وأنصاره. هناك شيع وُلدت في المسيحيّة، وأخرى في ديانات غبرها.
نبدأ فنقول إن روح التشيّع أو موقف اللاتسامح الذي ترافقه استمالة (نجتذب الناس إلى ديننا بطرق دنيئة) عدوانيّة، قد نجده عند الشيع، كما نجده في بعض الجماعات الكنسيّة. أما الشيع التي من أصل مسيحيّ، فنبحث عنها في ينبوع تعليمها. هناك من يزيد على البيبليا "كتباً موحاة" أو "تعاليم نبويّة" أو يحذفون بعض الأسفار، أو يشوّهون مضمونها تشويهاً جذرياً.
نستطيع القول إن الشيعة هي مجموعة دينيّة لها رؤية خاصة تميّزها عن الآخرين. وهذه النظرة تنبع من أهم الديانات في العالم. إنها تشكّل تهديداً لحريات الناس، وتتميّز بالتسلطيّة بحيث من دخل إليها لا يستطيع أن يخرج منها. وهي تستعمل غسل الأدمغة والتدقيق العقليّ فتعمل في إطار إكراه جماعيّ وتلهم الانسان عواطف الشعور بالذنب والخوف...
الشيع قديمة قدم المسيحيّة. ونحن نجدها في كل الحضارات وعلى هامش جميع الديانات الكبرى: المسيحيّة، الهندوية، البوذية، الاسلام. نحن نعجب اليوم من تكاثرها وانتشارها. ولكن الكنيسة في الشرق والغرب عرفت مثل هذا الانتشار. فروح التشيّع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفكر البشري، فلا تفلت منه أية مجموعة دينيّة. ونحن لا نحاربه بالعنف و"القتال" بل بالحوار والتبادل الفكريّ. لماذا يدخل المسيحيون في هذه الشيع؟ ما هي المجموعات المعرّضة أكثر من غيرها؟
الشباب هم أول من يتأثّر بهذه الشيع. لا شيء يربطهم بعد بالمجتمع. هم عاطلون عن العمل. لم يتطوّعوا بعد في نشاط رعائي. يأتون من محيط عائليّ غير ثابت، أو ينتمون إلى أقلّيات عرقيّة، أو يعيشون في أوساط بعيدة عن الكنيسة. هؤلاء سيكونون هدف هذه الحركات الجديدة، يكونون طريدة سهلة.
وتجد بعض الشيع من يتبعها عند الكبار بسبب علاقتهم الصعبة مع الاكليروس، بسبب "زواج لم ينجح". وهكذا يقطعون كلّ صلة بالكنيسة وينتقلون إلى مجموعة من مجموعة أخرى. أجل، نستطيع القول إن الشيع تنجح بشكل عاديّ في الأماكن التي لم ينجح فيها المجتمع ولا الكنيسة على التجاوب مع حاجات الناس ورغباتهم. ثم إن ضغوط الحياة الاجتماعيّة لا تساعد على تفتّح الأشخاص. لهذا تتوتّر الأزمات على مستوى الأفراد والجماعات وتأتي الشيع فتقدّم حلولاً "بسيطة" ترتبط بالعاطفة أكثر منه بالفعل والحقيقة.
أما أسباب نجاح الشيع في الأوساط المسيحيّة فهي متعدّدة: هناك حاجات في قلوبنا لا تشبعها الكنيسة، ومنها الحاجة إلى سماع كلام الله. وهناك تقنيات تجنيد الناس وتكوينهم داخل الشيعة، فيحسّ الواحد أنه محاط بالآخرين، وليس نكرة في زاوية من زوايا الكنيسة أو في المجتمع. وهناك أيضاً أسباب اقتصادية: ينال الانسان مساعدة فيعتبر نفسه مديناً للذي ساعده. وهناك ضغوط سياسيّة. وهناك الفضول والحشريّة: دخلنا في إطار ولا نستطيع أن نفلت منه.
إن أوضاع الأزمة هذه تكشف عن حاجات متنوّعة، عن أسئلة تنتظر جواباً ملموساً يوافق وضع الشخص. وتعتبر الشيع أنها تمتلك هذه الأجوبة. تقدّم جواباً على المستوى العاطفي، يخنق المستوى العقليّ، فلا يستطيع الإنسان بعده أن يفكّر ويتّخذ موقفاً.
هذه الأمنيات وهذه الرغبات هي تعابير عن تفتيش الانسان عن تناغم في شخصه، عن مشاركة وتحقيق الذات على جميع مستويات الحياة البشرية وكلها محاولات تلتقي في بحث الإنسان عن الحقيقة. وهكذا نكون ظاهرة الشبع لا تهديداً للكنيسة وحسب، بل تحدياً لها أيضاً: ما هو الجواب الذي تقدّمه لأناس عطاش يبحثون عن حلّ للصعوبات التي يتخبّطون فيها؟


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM