الفصل الخامس: شهود يهوه والثالوث الأقدس

الفصل الخامس
شهود يهوه والثالوث الأقدس

بعد أن نتوقّف عند الكتاب المقدس وطريقة قراءته وعلاقته بالعلم، نتعرّف إلى الأقانيم الثلاثة، إلى الآب والابن والروح القدس الذين باسمهم نعتمد من أجل حياة جديدة تبني الكنيسة وتقدّس العالم.

1- قراءة حرفيّة للكتاب المقدّس
يحمل شهود يهوه الكتاب دوماً في أيديهم ويعودون إليه لكي يقنعوا محاوريهم في ما يتعلّق بأساس تعليمهم. ويعتبرون أنهم وحدهم يستطيعون أن يبرهنوا عن كلّ شيء بواسطة البيبليا التي يقرأونها قراءة حرفيّة. فالبيبليا في نظرهم تقدّم أحوبة دقيقة ومحدّدة عن كلّ الأسئلة التي يمكن أن نطرحها حول الله والانسان، حول العالم والتاريخ، حول العلم والأحداث المعاصرة، حول تلوّث البيئة ومشكلة البطالة.
يعود هذا الحماس للبيبليا إلى راسل الذي كتب اعتباراته في سبعة أجزاء. سماها "دراسات في الكتاب" وقد اعتبرها مهمّة مثل الكتاب المقدّس!
لا يستعمل شهود يهوه كل ترجمة للكتاب المقدّس، بل الكتب المقدسة، ترجمة العالم الجديد. قد نُشرت هذه الترجمة في ملايين من النسخات. أما المترجمون فما اهتموا باللغات الاصليّة لكي ينقلوا عنها النصوص الملهمة، بل معتقداتهم وما فيها من انحراف. مثلاً، نقرأ في مت 26: 28: "هذا هو جسدي". قالوا: "هذا يمثّل جسدي". لماذا؟ لأن العشاء السريّ هو تذكّر فقط. وهكذا جاءت تعاليمهم تسيطر على الكتاب المقدّس. في يو 1: 1 نقرأ: "والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله". هذا يعني أن الابن هو الله، شأنه شأن الآب. أما الشهود فقالوا: "وكان الكلمة إلهاً". وهكذا ينكرون لاهوت المسيح. ثم من هو هذا "الإله" تجاه الله الواحد؟ هل هو إله من درجة دنيا؟ هل هو إنسان أعظم من سائر البشر؟ هل هناك إله آخر بين الله والبشر نسمّيه "إله" أو كلمة أو يسوع؟ في روم 13: 1- 7، نقرأ: نخضع للسلطات. أما هم فيقولون: للسلطات التيوقراطية.
ويتحدّث شهود يهوه عن البيبلييا والعلم. ولكننا نعرف أن الكتاب لا يهتمّ للأمور العلميّة، بل يتوخّى أن يقول لنا مخطّط حبّ الله للعالم، ومشروع الخلاص الذي بدأه مع الشعب العبراني وأتمَّه في المسيح. والتوراة، لا يقول لنا الله متى خُلق الإنسان، بل يقول لنا إنه خُلق على صورته ومثاله، وإن الله خلقه من أجل الحب والسعادة.
يؤكّد شهود يهوه أن العالم خُلق سنة 46028 ق. م.، وأننا نستطيع أن نجد في التوراة كل العناصر التي تسمح لنا بهذا القول. استندوا إلى سلسلة الأنساب وإلى تواريخ أخرا وجدوها في أمكنة متعدّدة من الكتاب، فقالوا: من آدم إلى الطوفان: 1656 سنة. من الطوفان إلى ابراهيم: 427 سنة. من ابراهيم إلى يسوع: 1945 سنة. المجموع: 4028 سنة. نزيد عليها 42000 سنة. فالله خلق العالم في ستة أيام، وكلّ يوم يعدّ 7000 سنة. وهكذا نكون في الألف السابع. وقام الشهود بحسابات اعتباطية مماثلة فدلّوا على أن العالم ينتهي سنة 1914: أظنه أنه لم ينتهِ!
ويتحدّث الشهود عن 144000 مختار يعرفون وحدهم فرح السماء: هم وحدهم الكنيسة وجسد المسيح! نحن نعرف أن 1000 (مكعّب 10) هو عدد كبير جداً. والرقم 12 يدلّ على شعب الله في العهد القديم والعهد الجديد (12× 12). وهكذا يكون عدد المختارين كبيراً جداً جداً. وسيقول فيه رؤ 7: 9: "رأيت جمعاً كثيراً لا يستطيع أحد أن يحصيه من كل أمّة وقبيلة وشعب ولسان" (العدد 4 يدلّ على العالم كله). المسيح مات عنّا جميعاً. وهو يدعو جميع البشر إلى أن يدخلوا في ملكوت الله. أتراه يكتفي بعدد قليل من المميّزين ويترك الآخرين إما في جهنّم وإما على الأرض يعيشون عيش الحيوان في طعام وشراب ورقاد؟ أما قال القديس بولس إن يسوع يريد أن يخلّص الجميع؟ هكذا صارت البيبليا عند شهود يهوه كتاباً يستعملونه لأغراضهم وتعاليمهم المضلّلة.
أما نحن فنعتبر البيبليا كتاباً ملهماً، نعتبرها كلمة الله. وهي تعتبر مكتبة في حدّ ذاتها مؤلفة من 73 كتاباً موزعاً على العهد القديم والعهد الجديد. نحن نقرأها في التأمّل والصلاة، ونبحث عن معناها في الإطار الذي كُتبت فيه. لا ليس الكتاب المقدّس مجموعة ايرادات ولا تنبؤات على مثال ما في نوستراداموس. وليس سلاح حرب به نهشّم الخصم، بل كتاب يحدّثنا فيه الله ليقول لنا إنه يحبّنا.

2- من هو الله
يؤمن شهود يهوه بإله واحد. ذاك الذي كشف عن نفسه في العهد القديم. ويعتبرون أن اسمه الحقيقيّ هو "يهوه" الذي نساه الناس خلال أجيال وأجيال، فكانت دعوتهم بأن يعيدوا الاعتبار إلى هذا الاسم الإلهيّ. ماذا نقول في كلّ هذا ومن أين يأتي اسم يهوه؟
حين كشف الله لموسى عن اسمه قال له: "أنا هو الذي هو" (خر 3: 14). وهذا يُكتب في العبريّة بأربعة حروف "ي ه و ه"، بدون حركات. ولكن يبدو أن اللفظ هو "يَهوَه". لماذا نجهل لفظ هذه الكلمة؟ لأن بني اسرائيل رفضوا أن يتلفّظوا به احتراماً، وفضّلوا أن يقولوا "أدوناي" (السيد). وحين يقرأون النصّ المقدّس، كل مرة ترد لفظة "يهوه" يقولون: "أدوناي".
بعد القرن الخامس ق. م. لم يعد اليهود يفهمون العبرية، فتكلّموا الأرامية التي صارت لغة دُوليّة في الشرق. ولكنهم ظلّوا يقرأون النصّ العبريّ، وإن كان بصعوبة، لغياب حركات التشكيل. ولمعالجة هذا الوضع، قام العلماء الماسوريون (المحافظون على التقليد) وجعلوا الحركات على الكلمات بين القرن الثامن والقرن الحادي عشر ب. م. وجعلوا للفظة ي ه و ه الفتحة ثم الضمة ثم الفتحة فصارت يَهُوه. وسموا نفوسهم "شهود ياهواه". كلّ هذا يدلّ على جهلهم. واللفظة المشكّلة بهذه الطريقة لا تعني شيئاً. ولكنهم لا يستطيعون أن يتخلّوا عنها الآن، لأنهم يعتبرون هذا التخلّي خراباً. أما الأسم فقد أخذوه سنة 1931 حير قرأوا أش 43: 12: "أنتم شهودي، يقول الربّ (يهوه)، وأنا الله".
أما إيمان المسيحيّين فهو بالله أبينا. نقول له في الصلاة التي علّمنا أيّاها يسوع: "أبانا الذي في السماوات". وشهود يهوه يتعلّقون بيهوه ويعتبرونه الاسم الوحيد لله، كما أعطي لموسى. وينسون أن موسى أخذه من قبائل مديان. كما ينسون أننا نجد أسماء عديدة لله في الكتاب المقدّس: الله، العليّ، القدير، ربّ الأكوان، القدوس، الربّ. وهناك صفات عديدة: إله ابراهيم واسحاق ويعقوب. والله عند شهود يهوه هو إله الخوف والعقاب. ليس إله يسوع المسيح الذي يدلّنا على إله المحبّة والحنان.

3- يسوع المسيح هو الله
يؤمن شهود يهوه أن يسوع يحقّق مواعيد الله. يؤمنون أنه وُلد من مريم، ولكنهم ينكرون لاهوته. فلا إله إلا يهوه. إذن، من هو يسوع في نظرهم؟ خليقة مميّزة، وأكمل ما خلقه الله. كان ملاكاً قبل أن يأتي على الأرض، كان الملاك ميخائيل الذي شارك الله في خلق العالم. هو لم يتجسّد، بل "انتقلت" حياته. وهكذا حين جاء إلى هذا العالم، لم يعد خليقة روحيّة، بل صار كائناً بشرياً.
وهم يرون أن يسوع لم يصبح "المسيح" إلا في خريف سنة 29، حين تعمّد على يد يوحنا في الأردن. قدّم حياته لأجل خطايانا "على عمود". وهكذا أعاد ابن الإنسان الحقّ بحياة كاملة ولا نهاية لها على أرض كاملة هي أيضاً. ولكن لا لجميع البشر، لأن موت المسيح لم يُفد الجميع.
وماذا يقولون عن قيامة المسيح؟ لم يعد المسيح القائم من الموت إنساناً، بل خليقة روحيّة. فهو لم يقم بجسده الذي لم يعرف أحد ما صار إليه. وما ظنّ الرسل أنهم رأوه كان شبه جسد بشري. ويؤكّد الشهود ذلك مستندين إلى نصوص العهد الجديد بعد أن يفسرّوها على طريقتهم، على الطريقة الخاطئة. فهم ينتزعونها من سياقها. مثلاً: "الآب هو أعظم مني" (يو 14: 28). "هو صورة الله غير المنظور وبكر كل خليقة" (كو 1: 15). "يخضع الابنُ لذلك الذي أخضع له كلّ شيء، ليكون الله كلاً في الكلّ" (1 كور 15: 28). يرى الشهود في هذه الآيات براهين على أن المسيح ليس الله. وإذ يصلّي يسوع إلى أبيه ويطيعه، فهذا يعني أنه ليس بإله. فما هو إيمان الكنيسة الكاثوليكيّة؟
إن يسوع ابن الله قد صار إنساناً. هذا ما أعلنه مجمع نيقية سنة 325. فكان قانون الإيمان. وإن مريم هي والدة الإله كما قال مجمع أفسس سنة 431. فحين يرى الشعب المسيحي يسوع وأمه يمتلىء إعجاباً عميقاً لهذه المرأة التي ولدت ابن الله. أجل، نحن نحيّي مريم "أم الله" لأن ابنها الذي حبلت به وولدته، هو حقاً كلمة الله. وفال مجمع خلقيدونية (451): يسوع هو إله حقّ وإنسان حقّ. لقد رأى رعاة بيت لحم طفلاً نائماً. ما كانوا يعرفون أن هذا الطفل هو ابن الله. ولكن المسيحيّين يعرفون أن يسوع هو ابن الله، ولكنهم لا ينسون أن يسوع هو حقاً إنسان مثلنا. وتحدّث المجمع عن شخص (أقنوم) يسوع في طبيعتين: الطبيعة الإلهية والطبيعة البشريّة. هو إله وهو يتصرّف كإله. وهو إنسان وهو يتصرّف كإنسان. فإن صلّى، فالصلاة حوار مع الآب. الا يستطيع الابن أن يحاور أباه؟ وإن خصع، فخضوعه خضوع المحبّة، وهو يخضع باسمنا تجاه عصيان آدم. وان قال الآب أعظم مني، فهل ننسى أن مبادرة الخلاص جاءت من الآب دون أن تنفي مساواة الابن له: "هكذا أحبّ الله العالم حتى أرسل ابنه". في كلّ هذا يعود الشهود إلى تعليم أريوس الذي رفضته الكنيسة. ماتت الاريوسية والكنيسة تعرف أن أبواب الجحيم لا تقوى عليها. وتموت هذه الشيعة وغيرها من الشيع، أما الكنيسة فباقية وهي جسد المسيح.

4- الثالوث الأقدس
رفض شهود يهوه لاهوت المسيح، لأن يهوه واحد وحيد. ويترجمون يو 10: 30 (أنا الآب واحد) كما يلي: "أنا والآب على اتفاق": وللسبب عينه ينكرون ألوهيّة الروح القدس. لم يكن الروح يرفّ على المياه في بداية الخليقة (تك 1: 3)، بل قوّة الله الناشطة، قوّة لا شخصيّة. وهكذا ينكر الشهود عقيدة الثالوث التي هي بدعة شيطانيّة.
قالوا في "ليكن الله صادقاً": "يعود الثالوث إلى أصل ميتولوجيّ، إلى عالم البابليين والمصريّين. ولا يعارض يهوديّ أو مسيحيّ بأن هؤلاء الشعوب عبدوا "آلهة شياطين". لهذا حرّم على اسرائيل، الشعب النموذجي لله، أن يختلط بهذه الشعوب العابدة الأوثان". وكيف يبرهنون عن قولهم؟ ينطلقون من عبارة زيدت على رسالة يوحنا الأول (5: 3) في ما بعد، ويقولون: ليست هذه العبارة بصحيحة. ولكن هل الإيمان المسيحي يستند إلى آية واحدة؟ هل ننسى أننا معمّدون باسم واحد، اسم الآب والإبن والروح القدس (مت 28: 20)؟ وكلام بولس في 2 كور 13: 13 يجعل الابن قبل الآب، فيدلّ على أن الأقانيم متساوية: "نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبّة الله، وشركة الروح القدس معكم أجمعين". لماذا ترافق نعمةُ الابن وشركةُ الروح محبّة الله، إذا كان الابن خليقة فقط (ماذا يستطيع أن يعطينا)، وإذا كان الروح قوّة لا شخصيّة؟ ويحدّثنا بولس أيضاً في 1 كور 12: 4- 6 عن "الروح الواحد، الربّ الواحد، الإله الواحد". وهكذا كان الروح في الدرجة الأولى قبل الربّ والله، بل الابن والآب. وجاء الله في النهاية!
وفي هذا السياق يتحدّث شهود يهوه عن مريم أنها امرأة مثل كل النساء. ليست النقيّة. ليست عذراء، ولا يحقّ لها بأي إكرام. كما يرفض الشهود كل الصور لأن الله منع هذه الصور. لا شكّ في أننا لا نصوّر الله كالله، لأنه لا يُرى. ولكن يسوع "رأيناه بعيوننا، سمعناه بآذاننا، لمسته أيدينا"، فلماذا لا نصوّره؟ ولماذا لا نصوّر مريم والقديسين؟ فنحن نفس وجسد. والجسد يحتاج إلى أن "يرى" رؤية تصل به إلى الشخص الذي يحاول الإنسان أن يتّصل به في الصلاة.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM