خراف ضالة، حوار مع شهود يهوه توطئة

توطئة

خراف ضالة. ذاك هو عنوان الكتاب الذي نقدّمه من أجل الحوار مع شهود يهوه، وبالتالي مع سائر الشيع التي تتوسّل الكتاب المقدس من أجل نشر أفكارها. كانوا منّا كما قال يوحنا في رسالته الأولى. ولكنهم خرجوا منّا. خرجوا من كنائسنا المسيحيّة وكوّنوا جماعات تنغلق على ذاتها وتنفصل عن الآخرين. وأخذوا يعيشون على هامش المجتمع ويتّخذون مواقف تدلّ في ما تدلّ على خوفهم على أنفسهم. مواقف متطرّفة على مستوى المشاركة مع الآخرين في الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة وحتى على مستوى التعامل مع الطبيب والدواء والعملية الجراحيّة ونقل الدمّ.
خراف ضالة أخذت الكتاب المقدس وسيلة من أجل نشر دعايتها. تقرأه بشكل حرفيّ، ولكن إن فتحتَ أمام الأعضاء غنى كلام الله تحصّن الشيوخ في إعلان يقولون فيه: سنعيد دراسة النصّ، لا نفهم الآن ولكن سنفهم فيما بعد. بل هم سينتظرون ما يرسل إليهم المكتب الرئيسي في نيويورك من تعليمات، مكتب برج المراقبة. أما الذين ما زالوا متجدّدين ومتحمّسين، فإن طرحت عليهم سؤالاً يقولون لك: سنسأل الشيخ. ولكن الجواب لن يأتي. تلك هي طريقة للتهرّب في شكل تهذيبي ورفض للحوار. فالشهود قد بنوا في عقولهم وفي قلوبهم بناء متوازناً ويخافون أن يسقط منه حجر واحد لئلا يسقط البناء كله. لهذا إذا أردنا محاورتهم لا نكتفي بالعقل والعلم سبيلاً إلى ذلك، بل لغة المحبّة والعاطفة. على ما قال يسوع: إذا خطىء أخوك، فاذهب إليه وعاتبه بينك وبينه لكي تربح أخاك.
خراف ضالة لا تقرأ العهد القديم على ضوء العهد الجديد، بل العهد الجديد على ضوء العهد القديم. وهكذا لا يكون يسوع الألف والياء، البداية والنهاية، بل يصبح حلقة من الحلقات. ولا تكون الأناجيل قمّة الوحي في الكتاب المقدس، بل كتاباً مثل سائر الكتب لا يفترق في شيء عن سفر يشوع أو الجامعة أو استير. بينما نعرف نحن أن يسوع جاء يكمّل العهد القديم ويصل به إلى نهر العهد الجديد الذي هو ماء من يشرب منه لا يعطش إلى الأبد. بينما نعرف أن الأسفار المقدّسة كُتبت على مدّ التاريخ فلم تكن حرفاً جامداً، بل كلمة متطوّرة ترافق شعب الله بشكل تربويّ فتصل به أولاً إلى عبادة الإله الواحد في التوراة، بانتظار القمّة في الأناجيل والرسائل وأعمال الرسل والرؤيا ثم إلى سرّ الثالوث، سرّ الإله الذي هو عائلة يدعونا إلى الدخول إليها. الذي هو عائلة الحبّ، الذي هو ينبوع كل حبّ في العالم. الإله الذي حدّثنا عنه يسوع هو آب وابن وروح قدس، لا إله يعيش وحده في عزلة سماويّة لا يصل إليها البشر. فيظلّون عبّاداً له يخافونه، يخافون غضبه، يخافون مجيئه. أو هم لا يستطيعون أن يصلوا إليه فيكتفون بحياة مادّية على الأرض يأكلون ويشربون وينامون إلى الأبد. هي سعادة تُبقي الإنسان على مستوى الحيوان ولا ترفعه إلى مستوى الروح. مع أن بولس الرسول يقول لنا إن الإنسان الأول كان بشرياً، أما الإنسان الثاني الذي نكونه مع المسيح فهو روحانيّ. هذا الإنسان سيلبس الخلود عند القيامة ويكون مع الربّ في كل حين.
خراف ضالة تعود إلى الكتب المقدسة لا لتستقي منها الحياة، لا لتترك كلمة الله توجّه تفكيرها وعقليّتها، بل لتجعل من كلمة الله هذه سلاحاً تحارب به الآخرين وتهدم المجتمع وتدمّر الكنيسة وتقتنص ضعاف النفوس وتجعلها في سجن لا تستطيع أن تخرج منه. وفي أي حال، كلام الكتاب المقدس يفتّتونه بين أيديهم كي يخدم أغراضهم فلا يعود نوراً لهم في حياتهم. وفي أي حال، هناك كلام أهمّ من كلام الله، هو ما يصدر اسبوعياً عن برج المراقبة. وهذا الذي يصدر هو الذي يوجّه العمل الفرديّ والعمل الجماعيّ لدى شهود يهوه. وأكبر ضربة توجّهها إلى الشهود هي أن تبيّن لهم التضارب في كتبهم، بين نسخة ونسخة. قد يقبلون بالتضارب في نصوص الكتاب المقدس ويعتبرون أنهم لم يفهموها. ولكنهم يرفضون كل الرفض أي تعارض في النصوص التي تصدر عن الهيئة العليا في نيويورك والتي تعلّم الشهود كيف يفكّرون وكيف يتكلّمون وكيف يتصرّفون وكيف يعملون. بل لا يحقّ لهم أن يفكّروا، ويعملوا المستحيل مع الآتين إليهم لكي يمنعوهم من التفكير، ويدعوهم بالعاطفة وسائر وسائل الاقناع إلى أن يتركوا فكرهم جانباً ويردّدوا ما يُرسل إليهم من تعاليم ويتشبّثوا بما تقدّم لهم من مواقف وإلا خسروا المنفعة التي نالوها من جماعة الشهود على المستوى الماديّ والمعنويّ والعاطفيّ. بل هم سيهلكون. يبدأون مشروعهم بالخوف وإخافة الناس من نهاية للعالم قريبة، بينما يتمنّى بولس أن ينحلَّ (أن يموت) لكي يكون مع المسيح. ويتابعون عملهم داخل الحلقات زارعين الخوف في القلوب. فتكون ردّة الفعل على هذا الخوف تعلّقاً بالشهود. تعالوا معنا لتخلصوا. عالم شرير فاسد، عالم لم يعترف بالضعفاء. فتعالوا إلينا ورصّوا الصفوف.
ولكن نحمد الله أن المؤمنين وعوا أن مثل هذه الأساليب خادعة، وهي في النهاية لا تصل بنا إلى السعادة التي يدعونا إليها يسوع في التطويبات، ولا إلى الراحة التي قال فيها يسوع: تعالوا إليّ وأنا أريحكم. نيري طيّب وحملي خفيف. ونحمد الله أن بعض الذين ساروا وراء شهود يهوه بدأوا يتراجعون وإن كانت رجعتهم صعبة بعد الخبرة القاسية التي عاشوها فما عادوا يعرفون حريّة أبناء الله. ونحمد الله أن عدداً كبيراً من المسيحيّين عاد إلى قراءة الكتب المقدسة يبحث فيها عن نور لحياته. كما فهم أهميّة الرسالة في محيطه. فمن ليس برسول ليس مؤمناً. هو يعيش حياة مسيحيّة تقليديّة أخذها عن الآباء والأجداد، ولكن ظلّ أمياً على مستوى الدين، فكانت النتيجة هذا الفرق الشاسع بين علوم دنيويّة حصل عليها وعلوم دينيّة أخذها في أيام الدراسة الابتدائيّة وظل عندها.
وإذ نحمد الله، نقدّم هذا الكتاب إلى المسيحيّين لكي يعرفوا من هم شهود يهوه الذين يتصرّفون للأسف في مرات عديدة كأنبياء كذبة وكذئاب خاطفة. وندعوهم لكي يتعمّقوا في إيمانهم فلا تزعزعهم روح خفيفة. لكي يعرفوا الأخطار التي تواجه إيمانهم من شهود يهوه وآخرين. فالبدع وُجدت في الكنيسة منذ البداية وستبقى فيها حتى النهاية، كالزؤان بين القمح على ما قال الربّ.
ونقدّم هذا الكتاب إلى شهود يهوه فندعوهم فيه إلى الانفتاح على الآخرين، على قراءة للكتاب المقدس لا تكون حرفيّة، لا تفتّت النصوص كي تبرهن على حقيقة سابقة لكلمة الله. فندعوهم كي يفهموا الفرق بين الشيعة والكنيسة. الشيعة تنغلق على ذاتها في كبرياء متعالية وتحسب نفسها أنها وحدها الجماعة المخلّصة والمؤمنة، وتعتبر ان الآخرين ذاهبون إلى الهلاك. أما الكنيسة فهي منفتحة على كلام الله وعلى جميع البشر. وهي تدعو الجميع من كل أمّة وقبيلة وشعب ولسان لكي يكونوا جماعة المخلّصين الذين يسبّحون الربّ إلى الدهور.
نقدّم هذا الكتاب الذي هو ثمرة دراسة في الكتب وخبرة في الحياة مع شهود يهوه. هناك مقالات كُتبت في المجلات، هناك محاضرة، وهناك مسيرة مع أناس لامستهم دعاية شهود يهوه، فعادوا إلى حضن الكنيسة كما الابن إلى حضن أمّه. أقسام خمسة دوّنها أربعة أشخاص، ولكل واحد اسلوبه وطريقته في الكتابة. فصول تكمّل بعضها بعضاً وقد حافظنا على طبيعتها رغم ما يكون هناك من تكرار بين فصل وآخر. فقراءة الكتاب كله وقد أردناه صغير الحجم، يساعدنا على تكوين فكرة عن هؤلاء الاخوة الذين كانوا منا وتركونا. يساعدنا على التعامل معهم بالحوار إذا كنّا عارفين بالكتاب المقدّس ومتمسّكين بإيماننا، ويدعونا إلى الابتعاد إذا كان إيماننا هزيلاً ومعرفتنا بالكتاب المقدس سطحيّة. وفي أي حال نحبّهم ونصلّي من أجلهم. هكذا تكون الرعية واحدة والراعي واحداً هو يسوع المسيح الذي جاء يبذل نفسه عن الخراف.
فإلى قراءة هذا الكتاب ندعوك، أيها المؤمن، لتعرف دورك في كنيسة الله، في المجتمع الذي تعيش فيه، بين الاخوة والأخوات الذين يحيطون بك. لتعرف أن حياتك أثمن من أن تعرّضها للفشل، وإيمانك وديعة بين يديك تحافظ عليه فتكون لك السعادة الحقة مع المسيح.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM