الفصل الثامن: انتظار المسيح في بداية المسيحية

الفصل الثامن
انتظار المسيح في بداية المسيحية

لا نستطيع أن نفهم الوجه التاريخي ليسوع الناصري دون أن نبحث الاطار الذي فيه تكوّن: إطار الانتظار والرجاء اليهودي. إنّ يسوع تكوّن في شخصيّته بالمحيط الذي فيه وُلد، فأخذ على عاتقه هذا الرجاء ليحوّله من الداخل. هو لم يعارضه بل جعل بعض إمكانيّاته الخفيّة تصل إلى أقصى حدودها. ثمّ صار بنفسه مركز شكل جديد لرجاء هو امتداد لرجاء اليهود وتكملة له. وإذا أردنا أن نتعرّف إلى هذا الواقع، نستحضر الاطار الحضاري والديني الذي عاش فيه يسوع وحيث ترسّخ الرجاء المسيحي. فعلى هذين المستويين من التاريخ، جاءت لغة الرجاء من العالم اليهودي، أكان ذلك في ما يخصّ المسيح أو المسيحيّة الأولى.

1- مواضيع الرجاء
ولكن لا بدّ من تمييز مواضيع الرجاء اليهودي، لأنّ العهد الجديد لم يأخذها كلّها بالقدر عينه. فإذا أردنا أن نجمل الأمور نجد قطبين اثنين: بعضها يدور حول ملكوت الله والخيرات التي يحملها للبشر فيحقّق خلاصهم. والبعض الآخر يتعلّق بالمسألة المطروحة بتحقيق هذا الخلاص بفضل من سيكون وسيطه. وعلى مستوى الكنيسة، هناك نصّ من أعمال الرسل يساعدنا على تثبيت أفكارنا. قيل عن فيليبس أحد السبعة الذين ترأسوا جماعة المسيحيّين الهيلينيّين (يتكلّمون اليونانيّة) أنّه أعلن "إنجيل ملكوت الله واسم يسوع المسيح" (أع 8: 12). فالانجيل يفترض أن ملكوت الله قد جاء بعد أن دشّنه يسوع كحدث تاريخي. ولكن في الوقت عينه، يسوع هو كالوسيط بما أنّه المسيح الذي انتظره شعب اسرائيل. أمّا على مستوى يسوع، فبشارة الخلاص الموعود بها في الكتب المقدّسة تركّزت على موضوع واحد: "لقد تمّ الزمان واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالانجيل" (مر 1: 15). نجد لأوّل وهلة أنّ المسألة انتقلت من مستوى إلى آخر أو بالأحرى حصل تدخّل رئيسي: دور يسوع في تتميم المواعيد النبويّة. إذن، هي مسألة الوسيط التي نتناولها منطلقين من ألقاب جوهريّة نسبها إليه العالم اليهودي. وهكذا ننتقل إلى قلب لاهوت العهد الجديد الذي أخذ جزءاً كبيراً من ألقاب العالم اليهودي وحدّد بها وظيفة يسوع كوسيط خلاص جديد.
واللقب المركزي الذي حوله ستتمّ الشميلة النهائيّة هو لقب المسيح وهو الترجمة للكلمة العبريّة أو الآراميّة "مشيح" والتي كتبها يوحنا "ماسيّا" في شكلها اليوناني (يو 1: 42؛ 4: 25). إنّ معنى هذه الكلمة (الممسوح) يعود بنا قبل كلّ شىء إلى المسحة الملكيّة لابن داود الذي ينتظره اليهود. ولكن هناك أيضاً مفهوماً نبوياً نجده في لو 4: 18 حين يورد أش 61: 1 "روح الربّ عليّ، ولهذا مسحني لأبشّر المساكين، وأرسلني لأجر منكسري القلوب، وأنادي للمسبّيين بالافراج، وللعميان بالبصر، وأشدّد المنسحقين بالغفران". وهناك ألقاب أخرى تدور في فلك لقب المسيح. فان كان الله، حين أقام يسوع، جعله ربّاً ومسيحاً (أع 2: 36)، فهذا يعني أنّ لقب الربّ هو لقب ملوكي. وهنا نتذكّر في هذا المجال الجدال الذي أورده الإزائيّون (متّى، مرقس، لوقا) والذي واجه فيه يسوع الكتبة اليهود. نقرأ في مز 110: 1: "قال الربّ (= الله) لربيّ (= لسيّدي الملك): اجلس عن يميني". إذن، يطرح السؤال: إذا كان داود نفسه يسمّيه ربّه، فكيف يكون ابنه (مر 12: 35- 37). وإنّ لقب ابن الله الموضوع قرب لقب المسيح في بداية إنجيل مرقس (1: 1)، هو في قلب كلّ إعلان إنجيلي (مثلاً أع 8: 37؛ 9: 20)، وهو يرتبط بالكتب التي تعود بنا إلى المسيح ابن داود. ولقد قال سفر الأعمال أيضاً: إذا كان الله قد أتمّ مواعيده في يسوع، فهذا يعني أنّه حقّق، حين أقامه من بين الأموات، ما قاله المزمور: "أنت ابني. أنا اليوم ولدتك" (أع 13: 32- 33). وهو يرد في "وجدان بنوي" يترجم الشكل الأصيل والفريد لعلاقته بالله. ولكن تطبيق مز 2: 7 في سفر الأعمال دلّ عليه انّه، بصفته ابناً، أتمّ وظيفته كمسيح ملوكي. وهذا يفرض علينا أن نعرف الفكرة التي تكوّنت لدى يهود عصره عن هذه الوظيفة. فالاستعمال المسيحي للقب ابن، ليس له المفهوم الذي نجده في النصوص البيبليّة أو اليهوديّة. قد يعني لقب ابن الله في العالم اليهودي "الملك". أمّا في العالم المسيحي فلقب ابن الله يدخلنا إلى قلب الثالوث الأقدس ويحدّثنا عن علاقة الآب والابن المتساويين في الألوهة مع الروح القدس.
وبجانب المسيحانيّة الملوكيّة، هناك تمثّلات أخرى لوظيفة الوساطة راجت في أفكار الناس في زمن يسوع بعد أن استندت إلى الكتاب المقدّس. ونجد في أكثر من كتاب لوحات اسكاتولوجيّة (تتعلّق بنهاية مخطّط الله، بنهاية الأزمنة) لا نجد فيها أي ذكر للوسيط. وجرت العادة لدى شرّاح الكتاب المقدّس أن يتكلّموا عن "مسيحانيّة من دون مسيح". ولكن التناقض واضح في الكلمات عينها. نجد أنّنا نلاحظ أنّ المسيحانيّة بحصر المعنى لم تحتلّ إلاّ فسحة ضيّقة في الاسكاتولوجيّا اليهوديّة. ونجد أيضاً نصوصاً يرتبط فيها الرجاء بصور وساطة مختلفة. ففي تيّار ينتمي إلى بني لاوي المسؤولين عن الخدمة الكهنوتيّة في شعب إسرائيل، ارتسمت صورة "مسيح كهنوتي" تمثّله الناس على مثال الكاهن الأعظم الذي تكرّسه المسحة. تجاه هذه الصورة، ستقدّم الرسالة إلى العبرانيّين صورة كهنوت المسيح الملوكي، الذي لا يتأسّس على انتماء إلى سلالة هارون، بل إلى البنوّة الإلهيّة. قالت الرسالة: "فلو كان يسوع في الأرض لما أقيم كاهناً، لأن هناك من يقدّم القرابين وفقاً للشريعة. هؤلاء يخدمون صورة وظلاًّ لما في السماوات" (8: 4- 5). وقالت في مكان آخر مستندة إلى مز 2: 7. "وما من أحد يتولّى بنفسه مقام كاهن أعلى، إلاّ إذا دعاه الله كما دعا هارون. وكذلك المسيح ما رفع نفسه، بل الله الذي قال له: أنت ابني وأنا اليوم ولدتك" (5: 4- 5). وصورة النبي الاسكاتولوجيّة تبدو ضعيفة وهي تخضع دوماً لصورة المسيح. أمّا عبارة "ابن الانسان" المهمّة في الأناجيل الأربعة (وفي أع 7: 56؛ رؤ 1: 13- 26) فهي تطرح مسائل صعبة. فمنذ نصّ دانيال (7: 13- 14) الذي فيه ترد عبارة ابن الانسان للمرّة الأولى، اتّخذ هذا اللقب بُعداً مسيحانياً وطبّقه يسوع على نفسه في وظيفة خلاص يسمو على عالم البشر.

2- ثوابت الرجاء
إنّ السمات المشتركة لكلّ تعبير عن الرجاء اليهودي تأتينا من الينبوع الذي هو الكتاب المقدّس. في هذا المجال لا يفترق العالم اليهودي في فلسطين عن العالم اليهودي في الشتات. ففي كلّ مكان نجد الانتظار المسيحانيّ حيّاً. كانوا يعودون إلى أسفار موسى الخمسة ولا سيّما إلى تك 49: 18- 12: "لا يزول صولجان من يهوذا (قبيلة المسيح)، وستكون عصا الرعاية في نسله إلى أن يأتي صاحب السلطان فتطيعه الشعوب". أو إلى عد 24: 17: "أراه وليس حاضراً. أبصره وليس بقريب. يظهر كوكب من نسل يعقوب ويقوم ملك في بني إسرائيل". وكانت شهادات من أشعيا (9: 1- 6؛ 11: 1- 9) وإرميا (23: 5- 6) وحزقيال (34: 23- 25) وميخا (5: 1- 4). ونجد أخيراً مزامير تنشد في ليتورجيّة الهيكل وفي اجتماعات المجمع (مز 2؛ 18؛ 29- 31؛ 45).
في بداية القرن الأوّل المسيحي، ارتبط اليهود بتيّار الرجاء الذي اجتذب الشعب منذ زمن الملوك والأنبياء، فانتظروا مسيحاً يكون ابن داود: يحقّق أوّلاً التحرير السياسي، ينتصر على الأمم الوثنيّة، يؤسّس في أرضه نظاماً اجتماعياً عادلاً يتوافق ومتطلّبات الشريعة. يعيد إلى شعبه عظمته الأولى، ويجعل الكون كلّه يعترف بالإله الواحد، ويحقّق إشعاع هيكل إليه تحجّ الجماعات المشتّتة. وخلاصة القول، يتمّم عمل الملوك السابقين. ويبرز هذا الحلم في الأفق ساعة يُلفظ اسم المسيح. لا شكّ في أنّه خاضع لموضوع ملكوت الله المرتبط بممارسة الشريعة، ولكنّه لا يستقلّ عنه، بل هو له شرط أساسي. وهكذا يحتفظ الرجاء ببعد وطني يمتزج بالبعد الديني: فالشعب والأرض والهيكل وشعائر العبادة هي وجهات أساسيّة في الخلاص المنتظر. وطريق الفداء تمرّ من هنا.
وبجانب المسيح ابن داود، هناك انتظار النبي الشبيه بموسى (تأسّس هذا الانتظار على تث 18: 15- 19)، أو انتظار عودة إيليّا (تأسّس على ملا 3: 23). أمّا التنسيق بين مُلك المسيح المستقبلي والنهاية أي الدينونة الأخيرة التي تضع حدّاً للعالم الحاضر، وقيامة الموتى ليشاركوا في الحياة الأخرى، هذا التنسيق يتمّ بالنظر إلى الملك المسيحاني الذي هو شرط مسبق لتحقيق مخطّط الله العظيم. ونلاحظ غياب فكرة مسيح يفشل ويتألّم. وإن فسّر بعضهم نصّ أش 52: 13 تفسيراً مسيحانياً، فهم لا يربطون صورة عبد الله التي يشير إليها هذا النصّ بصورة المسيح الداودي.
وتبقى صورة ابن الانسان المدوّنة في دانيال. هناك إشارات تدلّ على مكانتها في الرجاء، لأن سفر دانيال يُعتبر نبوياً عند الفرّيسيّين كما عند الأسيانيّين (عاشوا في أديار بجانب البحر الميت). وقال عنه يوسيفوس المؤرّخ إنّه أعظم الكتب النبويّة بسبب دقّة تنبّؤاته. فهذه الصورة برزت في رؤيا عزرا (كتاب منحول) لتتحدّث عن المسيح الداودي بطريقة مبتكرة. وإنّ نشيد الليالي الأربع المرتبط بسفر الخروج (12: 42) في الترجوم الفسطيني يجمع بين صورة ابن الانسان الآتي على السحاب، وبين صورة المسيح، لا عبر فكر مجرّد بل عبر تمثّلات رمزيّة تشير إلى الخلاص العظيم.

3- اتّخاذ المواقف
ونعود إلى الأناجيل التي تعطينا لوحة متنوّعة عن الاعتقاد الشعبي في المحيط الذي عاش فيه يسوع. فيسوع حدّد موقعه بالنسبة إلى معتقدات معاصريه وسامعيه وآمالهم، ولهذا لن نندهش إذا وجدنا بعض الغموض في النصوص، وكأنّ المسيح تجنّب أن يحدّد هويّته. فكيف له أن يفعل على مستوى رسالته وعلى مستوى وظيفته تجاه شعبه، حين يخفي كلامُ الرجاء عدداً من الفخاخ؟ لو حدّد رسالته بهذا الشكل لكان الالتباس سيطر على رسالته. وها نحن نعود إلى التمثّلات عن الوساطة والخلاص لنتحقّق من موقف يسوع تجاهها.
أوّلاً: قال الأسيانيون بوجود مسيحين: كهنوتيّ ونبويّ. ولكن يسوع كان غريباً عن هذه النظرة. إنّه ليس من عائلة كهنوتيّة. ثمّ انّ تحمّسه لكهنوت عصره لم يكن بذي بال. نلاحظ أنّ العهد الجديد لم يتحدّث عن مشاركة يسوع وتلاميذه في تقديم ذبائح الحيوان أو في الولائم الدينيّة ما عدا الفصح. أمّا انتظار جماعة قمران للنبي الشبيه بموسى فقد يكون لعب دوراً في تأكيد يسوع على دعوته الشخصيّة أو في عقل سامعيه. ثم انّ مشهد مجمع الناصرة (لو 41: 16- 21) يدعونا لأن نفسّر هذا الموضوع على ضوء أش 61: 1- 2 ونقرأه في منظار اسكاتولوجي.
ثانياً: المسيحانيّة الداوديّة. لقد طُرحت هذه المسألة حول يسوع، ولكنّها لم تحتلّ مكانة مركزيّة في وعيه لرسالته: فلقد تركّزت رسالته على إقامة وإعلان ملكوت الله الذي هو موضوع الانجيل ومنظّم سائر تعاليم يسوع. إنّ هذه العودة إلى الله وحده ترتبط ارتباطاً وثيقاً بهدف كرازته: دعوة الخطأة إلى التوبة والايمان من أجل الخلاص. لقد تبدّلت الحال تبدّلاً ملحوظاً فيما يخصّ المسيحانيّة المعهودة. لا شكّ في أنّ هدف الملك المسيحاني في التقليد الفرّيسي كان دينيّاً خاصّاً: تنظيم الأمانة للشريعة في أرض اسرائيل. ولكن يسوع اختلف عنهم في هذا الهدف بالذات، لأن تتميم الشريعة في نظره (مت 5: 17) يتعدّى ممارستها المادية: "قيل لكم... وأمّا أنا فأقول لكم" (مت 5: 21، 27، 33، 38، 43). لم يكن أحد من اليهود ينتظر من المسيح أن "يعلّم بسلطان" (مر 1: 22؛ مت 7: 28). ومع ذلك، فهذ ما يقوله الانجيل.
ثالثاً: إنّ التحرير الذي انتظره كلّ اليهود من المسيح الداودي يمرّ بطريق العمل السياسي. من هنا تنظيم حزب الغيورين. ابتعد يسوع عن هذا الاتّجاه الذي ألهب الجماعات اليهوديّة ولا سيّما في الجليل. وإذا كان يسوع قد أسلم إلى السلطات الرومانيّة وحُكم عليه لأنّه طمح بالملك، فهذا عائد إلى اتهّامات تعارض قطعاً مواقفه الواضحة.
رابعاً: هل نفكّر أنّ نظرة يسوع إلى ملك الله وانتظاره للخلاص العظيم ظلاّ في عالم المثُل أو توجّها نحو الحمّى الجليانيّة (كما في أسفار الرؤيا)؟ ولكن يسوع يقطع الدرب على كلّ النظريّات حول زمن وساعة اليوم العظيم (مر 13: 32). فالله هو على الأبواب (13: 29). ولكن من جهة ثانية، لا يجيء ملكوت الله بمشهد من أحد، لأنّه حاضر وسط البشر (لو 17: 20- 21). هذه الأقوال التي تبدو في نظرنا متناقضة، تدلّ على أنّ ملكوت الله هو في نظره واقع سرّي لا نتعرّف عليه إلاّ بالوحي (مر 4: 11؛ مت 13: 11).
خامساً: تحتلّ صورة ابن الانسان فسحة هامّة في كلمات يسوع، حتى وإن جعلنا جانباً المقاطع حيث عبارة ابن الانسان تعني الانسان الذي أنا. وبما أنّ الصورة المأخوذة من دانيال استُعملت لتدلّ على المسيح الداودي، اتّخذ يسوع موقفاً بالنسبة إليها: هل اعتبر نفسه ابن الانسان أم لا؟ إنّ جوابه إلى قيافا، كما يورده الإزائيّون، هو في الوقت عينه اعتراف ولغز (مر 14: 62)، لأنّه يأتي من إنسان يُحاكم: إنّه يواجه الموت ويعلن رجاءه في كلمات كتابيّة، فكيف نوفّق بين هذه المعطيات المتضاربة؟ أمّا أقوال الإزائيّين التي فيها يتحدّث يسوع عن نفسه بصورة واضحة مستعملاً عبارة "ابن الانسان"، فهي ترتبط بإعلان موته، وهذا لا يتوافق مع نصّ دانيال. غير أنّه على ضوء القيامة سيصبح واضحاً على أنّه على المسيح أن "يتألّم ليدخل في مجده". وتبقى المقاطع التي فيها يطالب يسوع بسلطات لم يتحدّث عنها سفر دانيال (مر 10: 27). ارتبطت هذه المقاطع بأعمال رمزيّة فطرحت أسئلة ولم تعط جواباً. طرحت أسئلة علينا: "هل نؤمن أن لابن الانسان سلطاناً على الأرض ليغفر الخطايا" (مر 2: 10)؟
سادساً: وربط الشرّاح بين الإنباء بموت يسوع ونبوءة عبد الله المتألّم (أش 52: 13- 53: 12). قد يكون يسوع رأى في هذا النصّ برنامج حياة شخصيّة وإعلاناً لمصيره الخاصّ. أما هكذا فعل مع مز 22 كما يقول مرقس (15: 34: إلهي إلهي لماذا تركتني) ومتّى (مت 27: 46)؟ ولكن هذه النصوص لم تكن مسيحانيّة في نظر يهود عصره، فاعتبروها تأمّلاً في قيمة ألم البارّ عموماً. غير أنّ هذه النظرة العامّة تتوافق مع تطبيق يسوع لهذه النصوص على نفسه: لقد عاش اختبار الأبرار المتألّمين فجعل الرجاء الذي تتضمّنه هذه النصوص وكأنّه رجاؤه. ولكن يبقى أنّ الجمع بين صورة المسيح الداودي وصورة عبد الله المتألّم لن يتمّ إلاّ بواسطة الصليب الذي يفتحنا على مجد المسيح القائم من الموت.

خاتمة
تساءلنا عن المحيط الذي عاش فيه يسوع وفكّر برسالته. ولكنّنا نسينا أنّ هذا الانسان هو ابن الله أيضاً. وأنّ جوهر حياته يكمن في علاقته مع أبيه من أجل إقامة ملك على الأرض. بعد هذا، فالكلمات القليلة التي فيها نستشفّ حياته السرّية الحميمة مع ذلك الذي ناداه "أبّا"، أيها الآب، تدلّ على المكان الذي فيه تلتقي كلّ قسمات شخصيّته وتجد وحدتها. نحن ولا شكّ ننطلق من خبرته الروحيّة التي عاشها ككلّ يهودي، وهو الكلمة الذي صار بشراً وسكن بيننا، ولكنّنا نعرف أن نكتشف من خلال الانسان ذلك الذي هو لدى الله، ذلك الذي هو الله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM