الفصل الخامس عشر: حياة الجماعة المسيحية

الفصل الخامس عشر
حياة الجماعة المسيحية
5: 12- 28

هنا تأتي التحريضات الاخيرة، تعليمات بولس إلى المؤمنين لكي يكرموا الذين يتعبون في ما بينهم. لكي يؤنّبوا المتكاسلين، ويسندوا الضعفاء. وفي النهاية، التحيّة لجميع الإخوة مع القبلة المقدّسة.

1- تعليمات أخيرة (5: 12- 22)
بعد الحديث عن الجماعة التي يعملون في خدمتها (آ 12: 13)، ترد تحريضات إلى مجموعة المسيحيّين الذين يقومون بمسؤوليات خاصة (آ 14- 15)، ثم كلام إلى الكنيسة التي تلتئم في خدمة عباديّة أمام إله ربنا يسوع المسيح.
أ- "القادة" في الكنيسة (آ 12- 13)
أولاً: نسألكم أيها الاخوة (آ 12)
لاحظ الرسول في كنيسة تسالونيكي أن كل واحد يعتبر نفسه مسؤولاً عن أخيه (آ 11). ولكن في هذه الكنيسة، يحسّ بعضهم احساساً خاصاً بمسؤوليته: تدفعه رغبة في خدمة الربّ فيظهر نشاطاً أوسع. "كوبيونتس": هم الذين يتعبون فيما بينكم. الذين يعملون في الجماعة، ومن أجل الجماعة.
وبمَ يتميّز نشاطهم؟ "يرئسونكم في الرب. يعظونكم". إذن نحن أمام إخوة تميّزوا بمواهب خاصة، وبتأثيرهم على الآخرين، وباندفاعهم وتضحيتهم. فترأسوا الجماعة، لا عن طموح، بل في الربّ، في الايمان بربّ الكنيسة والطاعة له. أرادوا أن يخدموا المسيح في اخوتهم.
هم يهتمّون ويعتنون بالجماعة. يقومون بكل النشاطات فيها، بل يتدبّرون حتى الأموال فيها. هكذا يرئسون كنيسة تسالونيكي الفتيّة التي أجبر المرسلون على تركها بشكل مفاجىء. وهؤلاء "الرؤساء" ينبهّون الاخوة إلى أخطائهم، يدلّونهم على الطريق الواجب اتباعه. ولكنهم اصطدموا بالمقاومة. لأن تنبيهاتهم لم ترُق للجميع، لاسيّما وأنهم لم يتسلموا تكليفاً رسمياً. لهذا طلب بولس من المؤمنين أن يقرّوا "بسلطتهم"، وأن يقبلوا بنشاطهم بينهم بما فيه من نصح وإرشاد وتوبيخ.
ثانياً: أحبّوهم غاية المحبّة (آ 13)
ولكن لا يكفي أن يعترف المؤمنون لهؤلاء "الرؤساء"، كما لا يكفي انتهاء كل معارضة ونهاية سيّئة من" أجل سير العمل في كنيسة يسوع المسيح. فبولس يطلب أكثر من ذلك: يطلب الاكرام والمحبّة.
وعى الرسول ضرورة وقيمة نشاط المسؤولين في الجماعة، فأراد من أهل تسالونيكي أن يكون لهم الوعي عينه، فطلب منهم أن يعتبروهم كل اعتبار، ان يعتبروهم اعتبار المحبّة. فالخدمة المسيحيّة لا تمارس بفاعليّة إلا إذا قبلها جميعُ أعضاء الكنيسة بقلب مطيع، إلا إذا كان الخدّام موضوع إكرام خاص من أجل عملهم. وهذا العمل هو الذي صوّرته آ 12 والذي يتمُّونه في الربّ. وهذا العمل هو ما يجعل المؤمنين يكرمونهم. أما التفويض الذي نالوه من الرسول، فلا يعفيهم من القيام بعملهم خير قيام.
وتنتهي هذه الآية بنداء إلى السلام: "كونوا في سلام بعضكم مع بعض". وهكذا يكون السلام قيمة جماعيّة جوهريّة، كما في مر 9: 50: "سالموا بعضكم بعضاً". بعض المخطوطات جعلت نص 1 تس مثل نص مر. في هذا المناخ من السلام، يستطيع المسيحيّون أن يلعبوا دوراً هاماً مكرسّين وقتهم وإمكانياتهم من أجل الجماعة.
هنالك من قال: "كونوا في سلام مع الآخرين"، أي مع المسؤولين في الجماعة. نجد توتراً بين الكنيسة (أو: فئة في الكنيسة) وبين الذين يوجّهونها. وهذا التوتّر أحّست به الفئتان لأسباب مختلفة وكانتا معاً مسؤولة عنه. فبعد أن طلب بولس من الاخوة (آ 12- 13) أن يقرّوا طوعاً بالذين يرئسون الكنيسة. وقبل أن يوصي هؤلاء المسؤولين (آ 15- 16) بأن يمارسوا خدمتهم بلطف دون أن تيئسهم أو تغضبهم المقاومات، ها هو يقدّم تحريضاً عاماً: "كونوا في سلام بعضكم بعضاً".
ب- جماعة المسيحيين (آ 14- 22)
تنقسم هذه القطعة شطرين، وينتهي كل شطر في تعارض بين الخير والشّر. يعني الشطر الاول مجمل الحياة المسيحيّة اليوميّة. وينحصر الثاني في تجمّع الكنيسة من أجل الصلاة وشعائر العبادة. وفي الشطرين يوصي بولس بمواقف دائمة، لا عابرة سريعة، كما يوصي بعلاقات لا نستبعد منها احداً.
أولاً: أنّبوا المتكاسلين (آ 14- 15)
* إلى بعض الفئات (آ 14)
هناك مهمّات يقوم بها بعض الناس، ولكنها في الواقع مهمّة الكنيسة كلها. هذا ما نقول عن مهمّة البناء التي ستكون في الرسائل اللاحقة مهمّة الرسل الأولى، والتي هي في 1 تس مطلوبة من الجميع "ليبني أحدكم الآخر".
في تسالونيكي، لا يعيش الجميع إيمانهم. فهناك اختلافات. لهذا يضع أمامنا بولس ثلاث فئات من المسيحيين: المتكاسلون أو بالأحرى الفوضويوّن. هم يعيشون إيمانهم بطريقة شخصيّة تجعل الناس لا يدركون كيف ينتمون إلى الجماعة المسيحيّة. يتبعون نظرتهم الخاصة، ولا يعيرون انتباهاً "لنظام" ولا لترتيب جماعيّ.
والفئة الثانية: صغيرو النفوس. الذين يخافون. يخافون على حياتهم وعلى أملاكهم وسط الصعوبات التي تنتاب الكنيسة. إذن واجب الكنيسة أن تعيد إليهم الشجاعة. والفئة الثالثة: الضعفاء الذين يجب أن نسندهم. سيعود إليهم بولس مطوّلاً في 1 كور 8- 9؛ روم 14- 15. فالضعفاء هم الذين لا يستطيعون أن يترجموا في حياتهم الملموسة متطلّبات إيمانهم. هم في أغلب الاحيان مسيحيّون ذات ضمير ضيّق وقريب من الوسواس. حيرّتهم الحريّة المسيحيّة فاحتاجوا إلى قواعد حياة دقيقة. لم يقطعوا بعد كل رباط بماضيهم اليهوديّ أو الوثنيّ. لهذا يشدّد بولس على مراعاتهم وعلى عدم احتقارهم.
بعد هذا يصبح التحريض عاماً: "اصبروا على الجميع". فأعضاء الكنيسة لم يدخلوا كلهم في الفئات الثلاث التي ذكرنا، وقد يكون أن هذه الفئات الثلاث كانت تُتعب صبرَ الذين يهتمّون بهم. "فالمسؤولون" تنقصهم الخبرة، وهم يريدون أن يسرعوا في العمل. لهذا تراهم يغضبون بسب المقاومة التي تواجههم. لهذا يدعوهم بولس إلى الصبر والتأنيّ.
* الكنيسة كلها (آ 15)
نجد هنا بعض التحريضات لفئات محدّدة، كلاماً يوجّه إلى الكنيسة كلها، وهي مسؤولة عن تصرّف كل عضو من أعضائها. وبما أن أفعال الأمر في آ 14 عنت المسؤولين، يجب أن تعني الأفعال في آ 15 الفئة عينها، إحذروا... إقتفوا...
لا يكتفي المسؤولون بأن يعاملوا الجميع بأناة، بل يجب أن ينتصروا على نفوسهم، فيستعملوا المحبّة لكي يتغلّبوا على كل مقاومة، على كل تشكيك، وعلى نهج المقاومين وما فيه من سوء نيّة.
"لا تجازوا الشر بالشّر". هذا هو الموقف السلبي من الشر. وهناك الموقف الإيجابي: اطلبوا الخير. والخير هو ما تلهمه المحبّة. فإذا كان التحريض يتوجّه إلى الجميع، فقوّاد الجماعة الروحيّون مدعوّون لكي يجدوا الحلول والاجوبة في فعلات يلهمها الحبّ، إما في علاقاتهم بين بعضهم (وهكذا يكونون قدوة صالحة)، وإما في علاقاتهم مع الذين يُسألون عنهم.
الشّر هو ما يجرح المحبّة الاخويّة من صخب وشتيمة. وهناك الانتقام الذي يتعارض كل المعارضة مع وصيّة الغفران تجاه أعضاء الجماعة، بل تجاه جميع الناس. كل شيء يكون في خدمة الخير، في ما يسير في خطّ المحبّة.
ثانياً: كونوا فرحين (آ 16- 22)
بتوجّه بولس أخيراً إلى الكنيسة الملتئمة للاحتفال بشعائر العبادة، للاحتفال بإله يسوع المسيح.
* إرادة الله (16- 18)
نجد هنا مثلّثاً آخر تعبرّ عناصره عن إرادة الله: افرحوا، صلّوا، اشكروا. فرح في الايمان. فرح لأننا نختبر عمل. الروح القدس. فرح للمواظبة على الرجاء وحبّ بعضنا بعضاً. ولكن الفرح يبقى سريع العطب بسبب المحنة التي نعيش فيها.
وتأتي تعليمات حول الصلاة التي يجب أن تكون بلا انقطاع. هذا لا يعني اننا نصلّي نهاراً وليلاً. فللمسيحيين في 1 تس واجبات أخرى. ولكننا نحتاج إلى ترتيب صلاتنا في النهار، مثل اليهود: ثلاث مرات في النهار (في الصباح والظهيرة والمساء). وقد زاد يسوع صلاة الليل فافتدى به بولس (3: 10). ثم أحلّ محلّ "شماع" (إسمع يا اسرائيل)، الصلاة الربيّة: "ابانا الذي في السماوات".
وهذه الصلاة تكون بشكل خاص صلاة شكر كما في الافخارستيا. ويعطينا بولس عنها مثالاً في بداية هذه الرسالة: فكل ما يحدث في الجماعات المسيحيّة يكون موضوع شكره. هل نحن أمام الاحتفال بسّر الافخارستيا، القربان المقدس؟ هذا ما قاله بعض الشّراح القلائل.
تعليمات ثلاثة (فرح، صلاة، شكر) ترتبط بمشيئة الله في المسيح يسوع (آ 18) إن هذه المشيئة قد كشفت في المسيح يسوع الذي صُلب وقام. ويكتشف بولس في عمل الفداء هذا ما يريده الله من المؤمنين، ولهذا كانت هذه المشيئة بالنسبة إليهم متطلّبة يحقّقونها وإلا عارضوا وصيّة الله وتخلّفوا عن ندائها. وهذه الوصيّة هي قبل كل شيء عطيّة ونعمة. ففي المسيح يسوع وفي الوضع الجديد الذي أعطي لهم، قد منحهم الله أن يكونوا دوماً فرحين، ويُصلّوا بلا انقطاع، ويشكروا على كل شيء.
لا يجد المؤمنون في ذواتهم ولا في العالم ما يدفعهم إلى الفرح، بل في المسيح يسوع وفي عمل مصالحة العالم (2 كور 5: 19). وفي النعمة التي نالوها. من أجل هذا هم يفرحون. وهم في ذواتهم غير مستعدّين للصلاة، ولا يعرفون ماذا يطلبون. وليس العالم هو الذي يولّد فيهم هذه الصلاة. ولكنهم في يسوع المسيح وفي وضعهم كمؤمنين يستطيعون أن يشكروا الله على كل شيء: ما عمله لهم هو ما يدفعهم إلى الصلاة والفرح.
* الظواهر الروحيّة (آ 19- 22)
نجد في هذه الآيات خمسة تحريضات تتعلّق بالموقف الذي نتخذه تجاه ظهورات الروح في كنيسة تسالونيكي. كتب بولس 1 تس من كنيسة كورنتوس حيث لفتت هذه الظواهر انتباهه وغذّت تفكيره.
هذه الظواهر هي التكلّم بألسنة والنبوءة، أي الكلام الذي يلهمه الروح لبناء الجماعة بشهادة حياة، بقول تشجيع، بصلاة. هل هذه الظواهر هي تلك التي سنراها في كورنتوس؟ ربّما (1 كور 12- 14). ولكن بولس يورد المبدأ العام: "إمتحنوا (تميّزوا) كل شيء". بما أن ما يحدث هو هبة من الله، لا نطفىء الروح، لا نزدرِ النبوءات. كلُّ شيء يكون موضوع تقدير، والجماعة تحكم على ثمار هذه الظواهر الروحيّة، فلا تنسب إلى روح الله ما صدر عن "روح آخر". وهكذا نتمسّك بما هو حسن، ونترك كل شبه شيء. نترك كل ما يقودنا إلى الشّر.
قد تكون هذه الظواهر وما فيها من فوضى قد أزعجت "المسؤولين" في الكنيسة، فطلبوا تعليمات من الرسول، وسألوه أن يضع حداً لتدخّل هؤلاء "المواهبيّين" في الجماعة.
لم يدخل بولس في نظرتهم، بل تحدّث عن الروح، لا عن "الملهمين". فمن حصر حريّة عمل الروح، أفقر الكنيسة. فالروح نار لا يجب أن نطفئها، كما لا نضع عراقيل بوجه ظهوراته. والمسؤولون لا يزدرون النبوءات، بل يستمعون إليها، وقد يكون فيها إعلان عن مشيئة الله. ولكن يبقى على الكنيسة أن تميّز كلام الله من كلام البشر.

3- الصلاة الأخيرة (5: 23- 24)
انتهى القسم الأول من الرسالة بالصلاة (3: 11- 13). وينتهي القسم الثاني أيضاً بالصلاة (5: 23- 24). وتتوجّه هاتان الصلاتان إلى المجيء المجيد للرب يسوع. أما موضوعهما فهو قداسة المؤمنين في ذلك اليوم الحاسم.
أ- ليقدّسكم إله السلام (آ 23)
كان ف 4- 5 نداء إلى القداسة والتقديس. وها هي صلاة الرسول نداء إلى الله لكي يقدّس هو نفسه أولئك الذين دعاهم لكي يكونوا من الجماعة المسيحيّة: وحده يستطيع أن يقدّسهم، وحده يستطيع أن يحوّل الانسان في الايمان والرجاء والمحبّة. وعمل الله المقدّس، سيكون أفضل عربون في يوم مجيء الربّ: فالمسيحيّون يأملون أن يكونوا فيه حاضرين بملء كيانهم لكي يعيشوا مع الربّ. فما يطلبونه من الله هو أن يحفظ خاصته.
ونجد تعبيراً عن كمال الكائن البشريّ في مثلّث جديد: الروح، النفس، الجسد. إن تعداد هذه العناصر الثلاثة للانسان هو فريد في الرسائل البولسيّة. نجد عادة المثنّى: النفس والجسد، البدن (اللحم والدم) والروح، البدن ونسمة الحياة... هل نحن أمام انتروبولوجيا استنبطها بولس؟ هل زاد في الانسان المسيحيّ العنصر الثالث؟ هل زاد الروح على النفس، فاعتبره اسمى من النفس؟ النفس او النفَس ونسمة الحياة يربطنا بعالم الحيوان والأحياء. اما الروح فيربطنا بالروح القدس.
إذا تفحَّصنا لفظة "بنفما" (الروح) في الأدب البولسيّ، لا نستطيع أن نقدّم نهجاً مرتّباً عن فكر بولس انطلاقاً من عبارة فريدة وردت في صلاة احتفاليّة تختتم الرسالة. ما نستطيع قوله هو أن بولس يريد أن يتحدّث عن الانسان كله، عن الانسان كوحدة واحدة في كل اعضائه وغناه. وهكذا، ما يريد أن يقوله بولس هو أن الكائن البشريّ كله موكّل إلى حماية الله فلا يُفقد فيه شيء. فحين يأتي الرب في مجيئه، سيجدنا في ملء حياتنا الروحيّة والطبيعيّة.
ب- الذي دعاكم أمين (آ 24)
وينهي بولس صلاته هذه قائلاً: "إن الذي دعاكم أمين، وهو يفعل". أي يقول ويفعل. كلمته فاعلة كما قال المزمور: قال فكان كل شيء.
أجل ليست صلاة بولس حلماً لا يتحقّق. كان الرب قد قال في مر 10: 27: "هذا مستحيل على البشر، لا على الله. فكل شيء ممكن لله". وحين دعا الربّ البشر لكي يعيشوا في كنيسة (ولفظة كنيسة في اليونانية ترتبط بفعل نادى، دعا)، وينتظروا ابنه الذي ينجيّهم من الدينونة الآتية، فقد التزم تجاههم بكل أمانته.
هو لا يستطيع أن يغشنا، ولا أن يضلّلنا. هو لا يخيّب أملنا. وإذا كان الانسان سريع العطب، ضعيفاً، بحيث لا نستطيع أن نستند إلى أمانته، فالله يبقى أميناً وهو يحققّ ما تضمّنه النداء الذي وجّهه إلى المرسلين. قال، وهو يفعل (بدون مفعول به. لا يُقال ماذا يفعل. لو قال بولس ذلك لأضعف قوّة الفعل). هو يعرف ويستطيع ويريد، فلا حدود لمعرفته ولا لقدرته ولا لإرادته. لهذا تذهب الصلاة إلى أبعد من البرهان البشريّ. ولكنها تتأسّس في النهاية على ثقة المؤمن الكاملة في أمانة الله.
إن الله الذي يدعونا إلى الخلاص وإلى تمام مصيرنا، هو "أمين" (بستوس). هو لا يتبدّل في إرادته الفدائية تجاه البشر كما تقول روم 3: 3؛ 15: 8. لهذا نستطيع أن نثق به كل الثقة (روم 4: 20). وهو يفعل ما يطلبه الرسول من أجل اخوته، بل هو لا يطلب منّا شيئاً لم يعطنا إياه مسبّقاً في المسيح. دعانا إلى التقديس وجعل طاعتنا ممكنة في يسوع المسيح بفعل الروح. فلماذا نخاف؟ هو بدأ وهو يتمّ في يوم ربنا. هو بدأ فينا الأعمال الصالحة وهو يتمّها في مجيء ربنا.

3- التحيّة الأخيرة (5: 25- 28)
ثلاث طلبات: الصلاة. هو صلّى فليبادلوه الصلاة. القبلة المقدّسة التي تدلّ على الحبّ الذي يجمع أعضاء الجماعة ولا سيّما في الاحتفال الليتورجيّ. قراءة هذه الرسالة فلا تبقى وقفاً على بعفي العاملين في الكنيسة. ويأتي في النهاية تمنٍّ نرى مثله في عدد من الرسائل: "نعمة ربنا يسوع المسيح معكم".
أ- أيها الاخوة صلّوا (آ 25- 26)
من هم هؤلاء الاخوة الذين يتوجّه إليهم بولس؟ كل أعضاء الكنيسة أو المسؤولون؟ قد نكون أمام الفئتين. فبولس الذي اعتاد أن يصلّي من أجل التسالونيكيين، ها هو الآن يطلب صلاتهم (روم 15: 30؛ 4: 3) كما يطلب بشكل خاص صلاة المسؤولين الذين بدأوا من خلال عملهم يكتشفون كم يحتاج المرسل إلى صلاة المؤمنين لكي يكون أميناً في رسالته.
"سلّموا بقبلة مقدسة" (آ 26)، في الكنيسة الأولى كان الاخوة يدلّون على حبّهم الاخويّ بقبلة تسمّى "مقدسة" لكي تتميز عن قبلة دنيويّة. ولكن كيف يستطيع بولس أن يقول "سلّموا على جميع الإخوة" إن كان يتوجّه إلى الكنيسة كلها؟ قد يكون عدد الأعضاء قليلاً، ولكن بالاحرى، هو يطلب من المسؤولين أن يسلّموا على الاخوة بهذه الطريقة. رج روم 16: 16؛ 1 كور 16: 20؛ 2 كور 13: 12.
ب- تلاوة الرسالة (آ 27- 28)
ويستحلف الرسول بشكل احتفاليّ أولئك الذين يتوجّه إليهم منذ آ 25 بأن "تُتلى هذه الرسالة على جميع الاخوة". لماذا هذا الطلب؟ هناك أسباب. ما اعتاد بولس أن يراسل كنيسة من الكنائس، فخاف أن تصل الرسالة إلى شخص واحد فتتوقّف عنده ولا تصل إلى الآخرين. وسبب ثانِ: لم تكن الكنيسة موحّدة بسبب خلاف بين المسؤولين ومجمل الأعضاء. فقراءة الرسالة تضعهم كلهم أمام واجباتهم. ثم إن بولس يتحدّث إلى "القادة" الذين سيتسلّمون الرسالة، فيدعوهم إلى تلاوتها على الجميع.
كل هذا يعني أن بولس استقبل بعض المسؤولين في تسالونيكي، أو أقلّه تلقّى رسالة منهم تحدّثه عن صعوباتهم وتطلب مساندته وتعليماته من أجل الجماعة. فقام بولس في القسم الثاني من الرسالة بعمله بحكمة ولطف، بمحبة وسلطة واثقة. وهكذا أتمّ ما هو ناقص في إيمانهم (3: 10)، وأزال كل خلاف بين المؤمنين والمسؤولين بينهم.
وانتهت الرسالة بالتحيّة المعتادة (نعمة ربنا يسوع المسيح معكم). وزاد السينائي والاسكندراني لفظة "آمين" دلالة على أن الرسالة تقرأ في الجماعات، فتدّل على قبولها بما فيها.

خاتمة
مسائل عديدة طُرحت في هذا المقطع الأخير من 1 تس: نداء إلى السلام مع رؤساء الجماعة. الأخذ بعين الاعتبار "النبوءات". لا نبوءات العهد القديم، بل تدخّلات الانبياء المسيحييّن في تحريضهم للجماعة. واخيراً نظرة إلى الانسان كما في بعض التيارات اليونانيّة: جسد ونفس وروح: هو الانسان كله يحفظه الله، وهو سيقيمه في اليوم الأخير.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM