الفصل الثامن: بعثة تيموتاوس إلى تسالونيكي

 

الفصل الثامن
بعثة تيموتاوس إلى تسالونيكي
3: 1- 13

بعد الذي قاله بولس عن محاولاته "اليائسة" لكي يذهب إلى كنيسة عزيزة على قلبه (2: 17- 20)، لم يعد يطيق التأخّر، لم يعد يحتمل أن يُفصل عن أخوة يعرف أنهم ما زالوا محتاجين إليه. وبما أنه لا يستطيع الذهاب بنفسه إلى تسالونيكي، فقد قرّر أن يرسل إليها تيموتاوس، ويحرم نفسه من رفيقه الوحيد (أيكون تركه سلوانس؟)، ويفرض على نفسه أن يعرف العزلة في أثينة.
إذا أردنا أن نعرف بنية هذا المقطع (أقلّه حتى آ 10) نربطه مع 2: 17- 20، فتكون لنا رسمة تعاكسية: أ- ب- ب ب- أ أ. أ (2: 17- 20): ونحن أيها الاخوة، إذ قد فصلنا عنكم... بعثنا تيموتاوس". ب (3: 1- 4): لهذا، ما عدنا نستطيع أن نحتمل بعد. ب ب (آ 5): لهذا، ما عدنا نستطيع أن نحتمل بعد. أأ (آ 6- 10): وأما الآن وقد عاد تيموتاوس إلينا من عندكم.
في البداية (2: 17- 19) وفي النهاية (3: 6- 10) تعود مواضيع وألفاظ: "أرى وجهكم" (2: 17؛ 3: 10). "اشتياق" (2: 17؛ 3: 6) أن نلتقي من جديد أو أن تصلنا أخباركم. "وفرة" الاجتهاد والصلاة (2: 17؛ 3: 10). "الفرح" (2: 19- 20؛ 3: 9).
وبين هذين القسمين (أ، أأ) يرد القسم المركزيّ في توسّعين متوازيين (ب= 3: 1- 4؛ ب ب= 3: 5). يبدآن بالعبارة عينها: "ما عدنا نستطيع أن نحتمل"، فيذكراننا بإرسال تيموتاوس إلى تسالونيكي (2: 2، 5) بسبب القلق الذي انتاب بولس: ما الذي حصل لإيمان التسالونيكيين ولثباتهم في المحن (المضايق) التي أصابت الجماعة؟ إن "إيمانكم" (33: 2، 5) يوافق "تزعزع" (3: 3). وامتحن يقابل المجرّب (3: 5).
نبدأ دراستنا بقراءة عامة، ثم نعود إلى دراسة الأقسام.

1- قراءة عامّة
أ- المضايق، المحن، الضيق
الموضوع الذي حوله ينتظم مجملُ النص هو موضوع المحن والمضايق والضيق: "لئلا يتزعزع أحد في هذه المضايق" (آ 3). "إن المضايق ستنتابنا" (آ 4). "ما نحن عليه من الضيق والشدة (آ 7). ومع هذا تأتي المحنة أو التجربة التي يسبّبها المجرّب فيذهب تعب المرسلين سدى (آ 5).
تصوّر عالمُ الجليان اليهوديّ أن المحن والكوارث ستنصبّ على المؤمنين قبل نهاية العالم إلى أن يأتي المسيح في ملكه (مر 13 وز). وبعد موت المسيح وقيامته، ظنّ المسيحيّون أنهم دخلوا في هذه الحقبة الأخيرة التي فيها ينتظرون مجيء ربهّم (2: 19؛ 2 تس 2: 2). ويرى بولس أن حياة المسيحيّ في المحن أو المضايق، هي الوضع العاديّ للمسيحييّن قبل مجيء المسيح.
في هذه النقطة عاد بولس إلى الفقاهة التي أعطاها في تسالونيكي (آ 4): ذكّرهم أنه عمهم الطابع الحتميّ لهذه المقاومة للذين يؤمنون بيسوع. فقد كان هو أول ضحيّة لها. وإذ يورد لوقا في أع أن بولس شدّد على الطابع الحتميّ لآلام المسيح (أع 17: 3) في كرازته في مجمع تسالونيكي، سبق له فأورد في خبره قولاً آخر يتطلّع إلى هذه الحتميّة بالنسبة إلى تلاميذ المسيح. قال بولس وبرنابا: "يجب علينا أن نمرّ بمضايق عديدة لكي ندخل ملكوت الله" (أع 14: 22). إذن، نحن أمام موضوع عاديّ في الفقاهة الرسوليّة. ونجد تثبيتاً له في عدد من نصوص العهد الجديد التي تشهد على هذه الفقاهة القديمة، وتقدّم الضيق والمحنة على أنهما منبع سعادة.
نقرأ في يع 1: 12: "طوبى للرجل الذي يصبر على المحنة، لأنه، وقد صار مختبراً، ينال إكليل الحياة الذي وعد به الله محبّيه" (رج 1: 2- 3: امتحان إيمانكم ينشىء الصبر). وفي 1 بط 1: 6- 7: فتبارك الله أبو ربنا... ففيه تبتهجون، وإن كان لا بدّ لكم الآن من الغمّ وقتاً يسيراً في محن متنوّعة، حتى إن امتحان إيمانكم الذي هو أثمن من الذهب الفاني- المختبر مع ذلك بالنار، يكون لكم مدعاة مديح ومجد وكرامة عند تجلّي يسوع المسيح".
ويستعيد بولس نفسه هذه الفقاهة في روم 5: 2- 4 بعد أن يطبعها بطابع شخصيّ: "نفتخر في رجاء مجد الله. وليس هذا فحسب، بل نفتخر حتى في الشدائد لعلمنا أن الشدّة تُنشىء الصبر، والصبر ينشىء الفضيلة المختبرة، والفضيلة المختبرة تنشىء الرجاء". وإن خبرة التسالونيكيين ليست بغريبة عمّا قرأناه هنا في روم. ونستطيع أيضاً أن نذكر عب 12: 1 ي.
كل هذه النصوص هي امتداد في الفقاهة الرسوليّة، لإعلان التطويبات في فم يسوع، ولأقوال يسوع التي بها يؤكّد على صعوبة الدخول إلى ملكوت السماوات (مر 9: 43، 45- 47؛ 10: 15، 23، 25- 27) كما يؤكّد على أن تلاميذه يجب أن يقاسموه حالته المؤلمة (مر 8: 34 ي). وتستعيد هذه الفقاهة الرسوليّة في منظار مسيحي (أي: على ضوء سرّ يسوع الفصحيّ، سرّ موته وقيامته) تعليماً عرفه حكماء العهد القديم الذين تعلّموا الكثير من الخبرة التاريخيّة في حياة شعبهم (حك 2: 19؛ 3: 15؛ سي 1: 23؛ 2: 1- 14).
أما مضايق كنيسة تسالونيكي فقد بدأت قبل أن يترك بولس وتيموتاوس وسلوانس المدينة. وبهذا الوضع ارتبط فرح المرسلين. فهؤلاء المسيحيّون هم منذ ارتدادهم فرح بولس ورفيقيه (2: 19). ولكن هل يستطيعون المحافظة على هذا الفرح؟ هم لا يستطيعون إذا تزعزع المؤمنون الجدد بهذه المضايق، إذا استطاع المجرّب أن يتغلّب على ثباتهم (يكون تعبهم ذهب سدى. وكأنه لم يكن، آ 5). فعلى بولس أن يعرف ما الذي حدث في تسالونيكي. لهذا بعث تيموتاوس لا ليثبّتهم فحسب، بل ليعرف أين وصل إيمانهم، ويحمل الأخبار إلى الرسول. لهذا انفجر الفرح عند عودة تيموتاوس، لأن الأخبار التي حملها هي "أخبار طيّبة" هي "إنجيل" حقيقيّ.
ب- الفرح الذي يصل إلى فعل الشكر
نقرأ في آ 9: "كل الفرح الذي فرحنا به بسببكم". إن تكرار "الفرح" يدلّ على الطابع الخارق لهذه العاطفة. وفي بداية المجموعة (أ، 2: 19- 20)، كان قد عبرّ بولس عن هذا الفرح بشكل مدهش: "ما هو رجاؤنا وفرحنا وإكليل فخرنا إلاّ أنتم أمام ربنا يسوع المسيح في مجيئه! فأنتم فخرنا (مجدنا) وفرحنا". لسنا هنا فقط أمام هتاف القلب، بل أمام جرأة لاهوتيّة فائقة.
تجرّأ بولس فقال إن التسالونيكيين هم "إكليل كبريائه، فخره". بهم يفتخر. بهم يتمجّد. نجد هذا الموضوع (الافتخار) ما يقارب الخمسين مرة عند بولس (مرتين في يع، مرّة واحدة في عب، ولا نعود نلتقي به في ما بعد). حين يجعل الانسان "كبرياءه" في شخص أو شيء، فهو يستند إليه لكي يعيش. وقد تكون هذه "الطمأنينة" موافقة للإيمان أو معارضة له، إذا استندت إلى الله أو إلى واقع بشريّ ودنيويّ.
وسيقول بولس في مناسبات أخرى: ليس له سوى موضوع كبرياء (افتخار) واحد، "صليب ربّنا يسوع المسيح" (غل 6: 4). أو "الرب يسوع" (روم 15: 17: الفخر في المسيح يسوع). ويحذّرنا قائلاً: "لا يفتخر أحد بالبشر" (1 كور 3: 21). أما هنا فيتجرّأ ويؤكد أنه يستطيع أن يستند إلى حياة الجماعة، يستطيع أن يفتخر بالجماعة في يوم مجيء الربّ: فهي فخره (كبرياؤه، بيشوف حاله فيها). هي سبب موقفه المطمئنّ أمام دينونة الله. إذن، هي علّة رجائه. منذ الآن، الجماعة هي فرحه في نهاية الزمن. وهي تلعب في رجائه الدور الذي لعبه يسوع. والفخر (أو: المجد) الذي ينتظر كالعطيّة السميا (بما أن المسيحيّ يعيش "في رجاء مجد الله"، روم 5: 2 الذي دعاكم إلى ملكوت مجده، 1 تس 2: 12)، يمتلك منذ الآن عربونه، يمتلك "الدفعة الأولى". حين يحرّك الله الإيمان في قلب الناس، فهو في شكل من الأشكال يمجّد (يكرّم) حامل كلمته. "أنتم مجدنا وفرحنا". كل هذا سوف يستعيده بولس ويتوسّع فيه في 2 كور 3 مع المقابلة الشهيرة بين مجد العهد الأول ومجد العهد الثاني.
وإذ أراد بولس أن ينهي هذا المقطع حول العلاقات البعيدة بينه وبين التسالونيكيين، عاد يؤكّد على فرحه (آ 9- 10): هذا الفرح هو الدافع إلى شكر لن يكون يوماً على مستوى الموهبة التي نلناها.
وفعل الشكر هذا ليس فقط صلاة ومديح شكر، بل هو طلب أيضاً. فرغم الأخبار التي وصلت إلى بولس والفرح الذي أنشأته فيه هذه الأخبار، فهو ما زال يحنّ للعودة إلى تسالونيكي. فهذه الرغبة في العودة لم تنطفىء، بل هي تأجّجت. "ليل نهار نبتهل إليه بإلحاح حتى نرى وجهكم، ونتمّ ما هو ناقص في إيمانكم".
ورغم الفرح والعزاء، ظلّ بولس واعياً للأمور: ما هو أساسيّ ظلّ قائماً في تسالونيكي. ولكن الفقاهة لدى التسالونيكيين ظلّت قصيرة: فهناك نقاط هامة لم تعرض، ونقاط أخرى لم "تهضم". هناك نقص في إيمانهم لا بدّ أن يُملأ.
ج- صلاة في خاتمة القسم الأول
ترد هذه الصلاة في آ 11- 13، فتتوجّه إلى "الله الآب". وفي الحركة نفسها إلى "ربنا يسوع المسيح". فالفعل هو في المفرد. والآب والرب هما واحد. وتشمل هذه الصلاة طلبتين رئيسيتين. واحدة تعني بولس، وأخرى تعني المسيحيّين.
طلب بولس لنفسه أن يستطيع العودة إلى تسالونيكي (رج آ 10). ويتمنّى أن تكون هذه العودة سريعة. وطلب من أجل المسيحييّن أولاً نموّ المحبّة وفيضها. إن تقدّم الحياة المسيحيّة هو نتيجة الصلاة ومجهود الانسان. والمحبّة التي يتمنّاها بولس هي شاملة. "بعضكم لبعض". ثم "للجميع". ويقدّم لهم الرسول نموذجاً هو محبّة المرسلين للجماعة. هذا ما ذكره وألحّ عليه في 2: 1- 2 وفي 2: 17- 3: 10: فالحبّ يظهر في مواقف محسوسة على مستوى "العطاء". هكذا كان المرسلون قدوة للمؤمنين.
وإذا كانت المحبّة تمتلك كل هذه الأهميّة، فبسبب قيمتها الاسكاتولوجيّة. سيحدّد بولس في 1 كور 13 أن الإيمان والرجاء والمحبّة لها قيمة أبديّة، ولكن أعظمهنّ هي المحبّة. فبفضل هذه المحبّة تتثبّت قلوب المؤمنين، أي تقيم بشكل أكيد في الشجاعة والقوّة حتى نهاية المحنة والضيق. وتجعلهم يثبتون في القداسة.
نجد هنا لفظة "قداسة" للمرة الأولى، ولكنها ستعود في التحريضات التالية (4: 3، 7). وهذه القداسة هي في جزء منها نقاء وبرارة (2: 10). إذن، يصلّي بولس لكي لا يجد الربّ في يوم مجيئه ما يلوم به المؤمنين. في هذه الرسالة التي لا تُذكر فيها "الخطيئة"، البرارة تقابل "غياب الخطيئة".
كان بولس قد أشار مراراً إلى المجيء. في 1: 10 ينتظر المرتدّون الجدد الابن الذي يأتي من السماوات. في 2: 19 وخصوصاً في بداية المجموعة الثانية من القسم الأول، اعترف بولس بأن رجاءه فرحٌ في المجيء. فمن الطبيعيّ أن يعود إلى هذا "المجيء" في الخاتمة، إلى ذلك الوقت حيث يكون الربّ حاضراًًًًًً وسط أخصّائه. فكل حياة الكنيسة وكل العمل الرسوليّ يتوجّهان نحو هذه التتمّة في انتظار ناشط.
في المجيء سيأتي يسوع "مع كل قدّيسيه" (أي: المؤمنين. المعمّدين). كيف يستطيع القديسون أن يرافقوا الربّ حين يأتي، بينما يفسّر بولس في 4: 13- 14 أن المسيحيين (وهم الذين ما زالوا في هذا العالم)، والموتىّ (القائمون) سيُخطفون للقاء الربّ؟ في المجيء لا يرافق القديسون الربّ، بل يأتون إلى لقائه. ولكن أما يكون "القديسون" هم الملائكة؟ فالتعبير البولسي (يعود إلى تقليد قديم) يعود إلى زك 14: 5: "سيأتي الربّ إلهي وكل قدّيسيه معه". ففي زكريا، هؤلاء "القديسون" هم الملائكة كما في الأدب الجليانيّ. ولا ننسى في العهد الجديد وجود الملائكة مع ابن الانسان أو الرب عند مجيئه في عشرة "أقوال". ولكن في مر 8: 38؛ لو 9: 26؛ يهو 14؛ رؤ 14: 10، يُسمّى هؤلاء الملائكة "قدّيسين": سيأتي مع ملائكته القديسين. إن عبارة 1 تس 3: 13 (عند مجيء ربنا مع قديسيه) هي الأقدم، وفيها لا يحدّد الكاتب ليمنع كل التباس، أن القديسين هم ملائكته. إذن، يتجمّع عدد كبير من الكائنات السماويّة في انتظار المسيح، فينضم إليهم المؤمنون.

2- إرسال تيموتاوس (3: 1- 5)
كان بولس قد طلب من سلوانس وتيموتاوس أن يأتيا من بيرية لينضمّا إليه في أثينة (أع 17: 15). ولكن خبر الهجوم الخطر على جماعة تسالونيكي (2: 14؛ 3: 3 ي)، فرض على الرسول انفصالاً جديداً. وهذا ما يؤلم قلبه. والقرار بأن يبقى وحده في أثينة لم يكن بالسهل. هنا نطرح السؤال: أيكون تيموتاوس جاء وحده وظلّ سلوانس في بيرية؟ أو أن تيموتاوس جاء مع سلوانس، ولكن سلوانس ذهب حالاً إلى مهمة أخرى في مكدونية؟ مهما يكن من أمر، سيأتي الاثنان في ما بعد من مكدونيّة وينضمّا إلى بولس في كورنتوس (أع 18: 5).
نقرأ في آ 1 "مونوي" (وحدنا). ماذا يعني هذا الجمع؟ إن الشرّاح الذين يعتبرون أن سلوانس وتيموتاوس انضمّا إلى بولس في أثينة، حسب تعليماته، يرون أن "وحدنا" تدلّ على بولس وسلوانس. ولكن إن كان سلوانس في أثينة بجانب بولس، فليست التضحية بكبيرة إذا ذهب تيموتاوس إلى كورنتوس. حينئذٍ يكون بولس مع سلوانس. ولكن قد يكون بولس وحده (الجمع يدلّ على بولس) بعد أن بقي سلوانس في بيرية أو ذهب في مهمّة أخرى، وزاد "عذابه" انتظار الأخبار من تسالونيكي. نقرأ فعل "ستاغو": غطّى بصمته، احتفظ لنفسه، وفي معنى ثانٍ: احتمل. لهذا نقرأ: "لم أعد أحتمل".
الألقاب التي أعطاها بولس لتيموتاوس (آ 2) تدلّ على العلائق الوثيقة التي تجمعه به. هو أخونا. وصفته الأخرى أنه يعمل في عمل الله الذي هو الكرازة بالإنجيل "سينرغون تو تيو": مشارك الله. هذا اللقب يدلّ على الكرامة السميا التي ينعم بها رسول المسيح (1 كور 3: 9؛ 2 كور 6: 1). استصعب النسّاخ مثل هذه العبارة فأحلّوا محلها "مشاركنا" (الفاتيكاني)، ثم خادم الله" (دياكونون تو تيو، السينائي، الاسكندراني، السرياني، البحيري القبطيّ). وأخيراً جاء من ضمّ العبارتين في جملة واحدة فقال: مشارك الله وخادم الله.
يجب على أهل تسالونيكي أن يروا في شخص تيموتاوس الممثّل الحقيقيّ للرسول. نحن نفترض أن هذه التوصية كانت ضروريّة بسبب الدور الخفيّ (في أع 17: 4، 10 لا يُذكر سوى بولس وسلوانس) الذي لعبه تيموتاوس في تسالونيكي. كانت مهمّته أن يحمل الأخبار، وأن يحلّ محلّ الرسول لدى التسالونيكيين المتروكين بدون رسولهم. وجب عليه أن يثبّتهم في الإيمان (3: 8)، وأن يعظهم في ما يتعلّق بهذا الإيمان، لأن القنوط والشك والخطيئة تهددهم في كل خطوة.
على تيموتاوس (آ 3) أن يسهر لئلا يتزعزع أحد منهم في هذه المضايق. إن فعل "ساينو" هو فريد في العهد الجديد. ويعني أولاً: حرّك ذنبه فرحاً. ثم: مالق، سحر. أخيراً: حرّك، زعزع. اقترح بعض الشرّاح: لئلا يُسحروا، يضلّوا. ولكن الترجمات القديمة والآباء اليونان فهموها: "تزعزع".
ظنّ بعضهم أن بولس يتكلّم عن مضايق التسالونيكيين (1: 6). ورأى آخرون في خط الذهبيّ الفم وغيره أن بولس يتكلّم عن مضايقه الخاصة التي قد تزعزع الكنيسة إن سمعت بخبرها. هنا، لا نستطيع أن نفصل مضايق بولس (2: 17- 18) عن مضايق التسالونيكيين (1: 6؛ 2: 14). في اليونانيّة "تلبسيس". هي معدّة للمسيحيين. فعليهم أن ينتظروها ولا يدهشوا منها. غير أن بولس يتحدّث عن "هذه" المضايق، فيعني الظروف التي فصلت بولس وما زالت تفصله عن التسالونيكيّين، والمقاومة التي لاقاها التسالونيكيون صارت من الماضي (2: 14؛ 3: 4).
إذن، عرف التسالونيكيون حالاً المضايق، ولم يكن أقلّها ذهاب المرسلين مكرَهين. هي لم تكن شكاً لإيمانهم، لأن صليب الرب نبّههم إلى أنهم سيواجهون هذه الجهادات، هذه التجارب، هذه الآلام الخاصة بنهاية الزمن، وأنهم سيمرّون فيها ليدخلوا ملكوت الله (أع 14: 22). كان العالم الراباني والجلياني ينتظر لشعب اسرائيل وللعالم أيضاً، حقبة من المضايق التي تقسو شيئاً فشيئاً حتى مجيء ملك المسيح. أما في نظر المسيحيّة الأولى، فقد بدا زمن الضيق الأخير مع موت يسوع المسيح وقيامته. وقد انخرطت الكنيسة منذ البداية في ضيق نهاية الأزمنة.
كان بولس قد نبّه التسالونيكيين إلى ذلك (آ 4- 5)، ولقد بيّن الحدث أنه كان على حقّ. وإذ تحدّد على هذا المستوى إنفصالُ الرسول عن الكنيسة البعيدة، اتخذ شكل خطر جسيم؛ لهذا لم يستطع بولس أن يتحمّل وهو الذي يجهل مصير الكنيسة. وإذ أراد أن يضع حداً لكل هذا، أرسل تيموتاوس ليتقصّى أخبار التسالونيكيين. أو بالأحرى: يستقصي إيمانهم. فالكنيسة تموت إذا تخلّت عن إيمانها. وتقوم إن ثبتت على إيمانها. فالمجرّب (إسم الشيطان. بايرزون، مت 4: 3) يستغلّ المضايقة ليدمّر الإجمان في القلوب، فيذهب تعب المرسلين سدى.

3- تقرير تيموتاوس وفرح بولس (3: 6- 13)
قد يكون تيموتاوس عرّج على بيرية وأخذ معه سلوانس، وانضمّ الاثنان إلى بولس في كورنتوس. أما 1 تس 3: 6 فلا تذكّر إلاّ تيموتاوس الذي قام بالمهمّة خير قيام. وكتب بولس رسالته تحت تأثير هذا الحدث. فقد فرح لعودة العلاقات، بواسطة موفده، بينه وبين كنيسة التسالونيكيين. كما فرح بالأخبار حول إيمانهم ومحبّتهم.
رأى جض الشرّاح أن "إونجليزستاي" استعملت هنا فقط في العهد الجديد في المعنى الدنيويّ (لا الدينيّ، حمل الانجيل): أعلن الخبر الطيّب. بشّر (حمل إليه بشارة حلوة، مثلاً وُلد له ولد) (رج السبعينية 1 صم 31: 9؛ 2 صم 1: 20؛ 18: 19). ولكن لا يبدو أن للفعل هنا المعنى الدنيويّ. فإذا كان بولس لا يتكلّم أبداً عن الإيمان دون أن يفكّر بالمسيح الذي هو موضوع هذا الإيمان، فخبر الايمان والمحبّة عند التسالونيكيين هو قريب من "خبر المسيح" في 3: 2 (إنجيل المسيح). كما أن كلمة الربّ هي قريبة من الايمان الذي وُلد من هذه الكلمة (1: 8). فالتسالونيكيّون يؤمنون بيسوع المسيح ويحبّون بعضهم بعضاً (3: 3).
تأكدَّ بولس من محبّة التسالونيكيين له وتشوّقهم لرؤيته. ولكن أهم من ذلك هو أنهم حافظوا على إيمانهم، وهكذا تعزّى بولس رغم ما هم عليه من الشدّة والضيق. "لذلك" (ديا توتو). يرتبط بعودة تيموتاوس والاخبار التي حملها معه. لا تدلّ "أنانكي" على الضرورة والحتميّة، بل على الشدّة والضيق مثل "تلبسيس" التي ترافقها لتقوّيها تجاه التعزية التي شعر بها بولس.
إلى أي مضايق يلمّح النصّ؟ أتلك التي عرفها في كورنتوس (أع 18: 5 ي)؟ ربما. فتعزيات الله في كل جهادات رسالته هي خبرة مستمرّة في حياته (2 كور 1: 3 ي؛ 7: 6). أما الآن فتعزيته الكبرى هي أنه يعرف أن عمل الله يتواصل في تسالونيكي، وأن الكنيسة ما زالت قائمة. إذ كان يخاف حيل الشيطان التي قد تتغلّب على إيمان اخوته في تسالونيكي، أحسّ أنه قريب من الموت. ولكن إذ علم أنهم ثابتون في إيمانهم وطاعتهم للربّ، فقد عادت إليه الحياة (نحيا الآن بما أنكم ثابتون في الربّ، آ 8). "ستيكاين" (ثبت، كان ثابتاً) في الربّ. وهناك "ثبت في الإيمان" (1 كور 16: 13). والعبارة الأولى تشدّد على الربّ، موضوع الإيمان. والثانية تشدّد على الإيمان نفسه.
أي فعل شكر يضاهي الفرح الذي يحسّ به بولس أمام الله بسبب أهل تسالونيكي (آ 9- 10)؟ اطمأن الرسول، فما عاد يقوم بالمحاولات العديدة ليذهب إلى تسالونيكي. بل هو ينتظر هذا اللقاء من الله في صلاة حارّة.
"هستاريما": النقص، الفقر، الفجوة. كان هنا نقص في إيمان التسالونيكيين وهذا ما يعرفه بولس أكثر من غيره، وهو الذي تركهم قبل أن يعلّمهم كل شيء عن الحياة المسيحيّة. فإيمانهم لم يؤثّر بعد على حياتهم. لهذا، حين يتمّ بولس ما هو ناقص في إيمانهم، يسعى إلى إصلاح سلوكهم الأخلاقي. هذا ما يشير إليه القسم الثاني من الرسالة.
هنا تأتي صلاة تنهي القسم الأول من الرسالة (آ 11- 13). صلاة هادئة بعد الضيق والقلق. نجد فيها الموضوعين اللذين قرأناها في آ 10: شوق إلى رؤية أهل تسالونيكي. تكملة إيمانهم. وسوف ينتظر أن يقوده الله إليهم. يتحدّث بولس هنا عن الطريق (هودوس) التي يتبعها في أسفاره الرسوليّة. من يدري؟ فقد يمرّ في تسالونيكي. وهو سيزور كنائس مكدونية بعد بضع سنوات مع رسالته في أفسس (أع 19: 21؛ 20: 1؛ 1 كور 16: 5؛ 2 كور 2: 13).

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM