ب- دور يهوه ومسيحه

ب- دور يهوه ومسيحه
34: 1- 31

إنّ إعادة قراءة التاريخ من قبل حزقيال، وتدخُّل يهوه الذي يعلن عنه في ف 17، يدعواننا إلى التنقيب عمّا ينوي النبي إظهاره. إن الحياة الجديدة التي برزت في 17: 22- 24، جرى تعميقها في ف 34 الذي سندرسه الآن.

1- تحديد موضع النص
يبدأ النص بالتعبير النبوي، "وكان لي كلام الرب قائلاً"، والذي نجده أيضاً في بداية النبوءة السابقة (33: 23)، واللاحقة (35: 1- 2). وبالإضافة إلى ذلك، فالكلمة العبرانيّة "آدم" (آ 2) تتكرّر في آ 31، مشكلة تضميناً يحدّد بداية النص ونهايته.

2- البنية الأدبية
* بعض الملاحظات حول آ 7- 8، 16، 31
إن آ 7، 8، بحسب تسيمارلي، مدسوستان لاحقاً ولا تضيفان جديداً إلى الفصل، بل تستعيدان الاتهامات السابقة. وبحسب اسورمندي، إن آ 31 هي أيضاً مضافة لاحقاً إلى النص. وآ 30، بما فيها "كلام السيد الرب"، والعبارة السابقة له، والدالة على الاعتراف بيهوه "سيعلمون انني يهوه، الههم"، هي آية تأتي كنتيجة ملائمة للمجموعة. هذه الظاهرة هي هي في آ 15، ممّا يجعل آ 16، إضافة أخرى. ومن جهة أخرى، فإن هذه الآية تناقض ما ورد في آ 4. لذلك نحتفظ بالمجموعة التالية: 34: 1- 6، 9- 15، 17- 30.
* تفصيل النص
استناداً إلى ملاحظاتنا السابقة، يحتوي النصّ قولين نبويّين. الأولى يقع بين آ 2 وآ 15، والثاني بين آ 17 وآ 30. وبين هذين القولين بالذات، نص مبني بإحكام. بالفعل، إن إ 1- 6 تتهم الرعاة بأنهم أساؤوا معاملة القطيع، وتسبّبوا بتشتّت الغنم، لأنهم لم يهتموا إلاّ بأنفسهم: وكردّ على ذلك، يفصل يهوه الرعاة عن القطيع لئلا يصبح الغنم فريسة الرعاة (آ 9- 10). وبالإضافة إلى ذلك، يهتم يهوه بالذات، بقطيعه (آ 11- 15). سيكون الراعي الذي يخلّص الغنم من الأماكن التي تشتّت فيها، ويعيدها إلى أرضها ويجعلها ترعى بطمأنينة، ويعتني بها بطريفة مخالفة لطريقة الرعاة (آ 4). أما الكلام النبوي الثاني (آ 17- 30)، فهو متصل بأسلوب إنشائي بكلمة "عدل" في آ 16 (التي تستعيد مفردات آ 4). في هذه المجموعة (17- 22) يقيم الله ذاته حكماً بين الغنم. وبعد هذا الفرز الذي قام يهوه به، تبشّر آ 23- 24 براع يقيمه يهوه على رأس الغنم، وهو عبده داود الذي سيرعاها. ويكون يهوه إلهاً لها. وفي النهاية، فإنّ آ 25- 35 تصف معاهدة السلام، والعودة إلى البلاد، والخصب، والطمأنينة والازدهار، ومعرفة يهوه. ويظهر تفصيل النص بوضوح من خلال الرسم البياني التالي:
(أ) 21- 6. وضع سيّىء وتشتّت الغنم بسبب الرعاة.
(ب) آ 9- 10: الله يُبعد الرعاة عن قطيعه لينقذ غنمه.
(ج) آ 11- 5: الله بذاته يعتني بقطيعه ويعيده إلى بلاده (آ 16 انتقالة تدوينية).
(ج ج) آ 17- 22: يرعى الله القطيع، ويقيم نفسه في الوقت ذاته قاضياً بين الغنم. يجب أن يخيّم العدل على قطيع الله.
(ب ب) آ 23- 24: سيرسل الله راعياً جديداً لن يكون كسابقيه: وهو داود خادمه.
(أ أ) آ 25- 30: سيصحّح الله الوضع، وتتمّ العودة إلى البلاد بغية إقامة معاهدة سلام تجمع الله وبيت إسرائيل فوق أرضه بالذات "فيعلمون أني أنا الرب الههم".
* المعنى واللاهوت
من خلال الوصف الدقيق لحالة شعب إسرائيل، تكشف النبوءة لنا عن نبيّ مندمج جداً بتاريخ شعبه. إنه يحلّل الوضع بحدّة ويبرز الأسباب التي أدّت إلى نفي إسرائيل.
يستهدف النبيّ، منذ البداية، رعاة إسرائيل: "... تنبّأ على رعاة إسرائيل" (آ 3). فهؤلاء الرعاة ما عادوا يهتمّون بالشعب بل بأنفسهم وبمصالحهم الشخصيّة، فيسحقون الغنم ويضحّون بها (آ 3). أما آ 4، التي تعارض آ 16، فتستخدم لغة مختلفة تتعلّق بالصلة الشخصيّة بكلّ خروف. وهي أية تنضمّ إلى لاهوت ف 18، الذي يؤكّد أنّ كلّ فرد مسؤول عن خطيئته، وأنّ خلاص الفرد يمكن أن يتمّ بمعزل عن الجماعة. إنّ الله يهتم بكل فرد يشكّل جزءاً من شعبه. وتصرّفات الرعاة السيّئة تصوّر مسؤولي البلاد السياسيّين، كما هي الحال في إر 21: 1- 23: 8. فهم يقودون الشعب إلى التشتّت في أقاصي البلاد، والتشرّد فوق كل الجبال (آ 6). وبالإضافة إلى ذلك، "فإنّ لقب راعٍ" هو من الألقاب الشائعة المعطاة للملوك والآلهة في الشرق القديم. وكذلك الأمر بالنسبة لحمورابي ملك بابل المشهور (القرن السادس عشر ق. م)، والملك الأشوريّ أشور بانيبال (القرن السابع ق. م). إن أشعيا الثاني يعطي اللقب ذاته لكورش، سيد تلك الحقبة (أش 44: 28). ولكن الملوك دُعوا "رعاة" شعبهم، كونهم ممثّلي الآلهة، لأن الإله هو الراعي الحقيقيّ للشعب. وفي إسرائيل، أعطي اللقب إلى الله غالباً كما في تك 49: 24؛ مز 23: 1. ولم يعطَ هذا اللقب لإنسان إلا في نصوص إرميا وحزقيال. نظراً لسوء تصرّف هؤلاء الرعاة، يتدخّل الله ليبعدهم عن قطيعه، لأنهم لم يعودوا جديرين بتمثيل القطيع (آ 7- 10). سينزل الله، فيصدّ الظالم ويقف إلى جانب المظلومين. إنّ الله المتسامي يزيل المسافة الفاصلة، ويهتمّ بقطيعه مباشرة (آ 11). إنّ الأفعال المستعملة في آ 13، مثل "جمع" "أعاد" تذكر بالخروج من مصر (تث 30: 3- 5). يبشّر النبيّ بخروج جديد، وبتحرير الشعب والعودة من المنفى. إن المجموعة 34: 17- 22 تصف عدل الله الذي يحكم بين غنمه (آ 17، 23). فلن يأكل القويّ حقوق الضعيف (آ 20). بعد تسوية الوضع، والعودة إلى البلاد، وإبعاد الرعاة السيّئين، وإقامة العدل بين الغنم، سيقيم يهوه راعياً جديداً هو داود خادمه. وهذا الأخير مدعوّ، دون شك، ليكون ممثّل الله، أي ليرعى قطيعه كما هو مكتوب في آ 16- 22. إنّ صورة داود ترمز إلى الملك المثالّي الذي ينتظره النبي. هذه المسيحانيّة التي سبق أن تحدّث حزقيال عنها في 17: 22، 24، تشير إلى ما ينبغي أن يكون عليه المسيح الموعود. فمصدره من يهوه مباشرة وليس من سلطة بشريّة. ولكن ترميم البلاد متعلّق بعامل أساسي. هو يهوه الذي يعيد الشعب ويجمعه في البلاد. ولن يفعل المسيح سوى متابعة المسيرة، فيملك على شعب إسرائيل "كملك"، "كخادم ليهوه". ويُعطى له هذا اللقب بسبب أمانته في خدمة الله، على مثال داود (2 مل 8: 19؛ مز 18: 1؛ 4: 21)، وأشخاص آخرين مثل ابراهيم (مز 105: 6، 24) أو يشوع (24: 29) الخ... هذا المظهر الدينيّ موجود أيضاً في 17: 23 أ، حيث ورد: "في جبل إسرائيل العالي أغرسه". وهذه الآية تعيدنا إلى الجبل المقدّس في الهيكل (20: 40). هكذا، يجب أن يملك المسيح بحسب مشيئة يهوه الذي يبقى راعي إسرائيل الحقيقي الوحيد.
بعد مجيء المسيح، تأتي معاهدة الإسلام التي ستُعْقَد، كما يبدو، مع الشعب بواسطة خادم يهوه. ويتبع ذلك حياة ازدهار وطمأنينة (34: 25، 27، 28)، وبركات وخصب (آ 26). وفي الوقت المحدّد، سيعرف الجميع من هو يهوه (آ 27).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM