تقديم

تقديم

الرسالة إلى فيلبّي هي رسالة من القلب إلى القلب بين بولس وجماعة كانت أولى الجماعات التي أسّسها الرسول في أوروبا. وهي أيضاً تنبيه إلى صعوبات من الداخل وصعوبات من الخارج. صعوبات من الداخل هي الخصومة والحسد والبحث عن المجد الباطل. لهذا يدعو بولس الفيلبيّين لأن يتحلّوا بالتواضع ويحسب كل واحد الآخرين أفضل منه. وصعوبات من الخارج سبّبها وعّاظ متجوّلون ومسيحيّون متهوّدون، مسيحيّون ما زالوا متعلّقين بالشعائر اليهوديّة ويحاولون أن يفرضوها على مسيحيّين جاؤوا من العالم الوثنيّ.
الرسالة إلى فيلبّي رسالة دوّنت من السجن. قالوا من رومة في الستينات وربما من قيصريّة البحريّة في فلسطين. بل دوّنت من أفسس حوالي سنة 55 فجاءت أفكارها قريبة جداً من الرسائل البولسيّة الكبرى (روم، 1 كور، 2 كور، غل) لا سيّما على مسئوى العلاقات اليهوديّة المسيحيّة في بدايات الكنيسة والصراع القائم بينهما. لا شك أننا لا نقابل فل مع غل أو روم، ولكن عمق المشكلة هو هو.
الرسالة إلى فيلبّي، بل الرسائل إلى فيلبّي: قال الشّراح واعتبروا أنها ثلاثة. وقد جاء أحد تلاميذ بولس فدمجها في رسالة واحدة لكي تتوافق مع حجم سائر الرسائل البولسيّة. وهكذا جاءت فل بعد أف وقبل كو و1 تس و2 تس. فلو بقيت رسائل ثلاث لكانت بعضها قريبة من الرسالة الثانية أو الثالثة من رسائل يوحنا. فرضيّة لم تفرض نفسها ولكنها تُطرح على المستوى الأدبيّ لتحلّ بعض المشاكل العالقة في توالي الأفكار والعبارات. غير أن هناك من يدافع عن وحدتها وهو العارف بطرق الكتابة في ذلك الزمان، أكان إملاء أم كتابة باليد. وهو العارف بشخص بولس المندفع الذي يتذكّر الخصوم فجأة والدمار الذي يخلّفونه وراءهم فيحذّر المؤمنين من "كلاب" مستعرة، هم أبعد ما يكونون عن الراعي الذي يبذل نفسه من أجل الخراف، هم أبعد ما يكونون عن الأب الذي ولد أبناءه ليكونوا عروسأ للمسيح.
الرسالة إلى فيلبّي رسالة تشعّ بالفرح. مع أن بولس هو في السجن والموت ينتظره. مع أنه يحاول أن يخفي مواطنيّته الرومانيّة ليكون شهيد الرب يسوع. فيدعوه "الروح" إلى أن يكشفها. وهكذا يختار أن يعيش، لا أن يموت، لكي يعود إلى أهل فيلبّي والى العمل من أجل نجاح الإنجيل وتقدّمه. وفرحُ بولس ينبع من نظرته إلى هذه الكنيسة الفتيّة، إلى الإنجيل الذي يبشّر به في كل مكان حتى في دار الولاية. والفرح الذي يعمر به قلب الرسول يريد أن يوصله إلى أبنائه. "إفرحوا في الرب دائماً، وأقول أيضاً إفرحوا". فرح في قلبه رغم الجهاد والاضطهاد، لأنه مبنيّ على الإيمان ومؤسّس في يسوع المسيح.
هذه هي الرسالة إلى فيلبّي ونحن نحاول أن نقرأها ونتأمّل في معانيها فنكتشف فكر الرسول بولس الذي كان طليعة كتّاب العهد الجديد منذ 1 تس حتى فل و1 كور، و2 كور، وحتى روم التي كانت قمّة في تفكيره اللاهوتي. وفّقنا الله في متابعة مشروع تفسير رسائله وبارك عملنا الصغير لمجده تعالى.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM