الفصل السادس: خلاص البشر في المسيح

الفصل السادس
خلاص البشر في المسيح

ونصل إلى ف 2 الذي يبدو بشكل عظة تتوجّه إلى أهل أفسس، وإلى مسيحيّين آخرين، فتبدو في خلفيّة عماديّة تتطرّق إلى الخليقة الجديدة. نجد هنا قسمين متوازيين. الأول، 2: 1- 10: من الموت إلى الحياة في المسيح. والثاني، 2: 11- 22: السلام الذي يحمله المسيح.

1- نظرة عامة
لا نستطيع أن نقسم نصّ أف إلاّ بصعوبة، لأنّ الأفكار تتماسك فلا تتيح لنا أن نتوقّف حسب القسمة التقليديّة. ونحن لا نجد قطعاً حقيقياً إلاّ في 3: 1: "لذلك، أنا بولس، أسير المسيح يسوع من أجلكم، أيها الأمم". يقودنا التسلسل من الكرستولوجيا (درس عن يسوع المسيح) إلى السوتيريولوجيا (درس عن الخلاص) إلى الإكليزيولوجيا (درس عن الكنيسة) كما تفهمها أف، أي في المعنى الأوسع. أنشد 1: 14- 23 امتداد قدرة الله في الأحداث المسيحانية. وأعلن 2: 1- 10 نتائج هذه القدرة: لقد أعطانا الله الحياة مع المسيح وفي المسيح. أما 2: 11- 22 فينشد توسّع هذه النعمة: خلق الشعب المسيحاني الذي يمتدّ امتداد المسكونة. فالإكليزيولوجيا والكرستولوجيا لا تنفصلان. لهذا نستطيع أن نسمّي المتتالية الأخيرة (2: 11- 22) احتفالاً جديداً بالمسيح الذي يصالح التاريخ مع الله، الذي يقيم سلام الله على الأرض.
وهكذا نستطيع أن نعتبر 1: 14- 23 مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً مع 2: 1- 7. ولكننا في هذه الحالة نقطع الوهلة التالية التي تربط 2: 1- 7 (يتطرّق إلى موضوع العماد والوحدة بالمسيح) مع 2: 8 ي (أي إعادة الوحدة بعد وجود حاجز يفصل بين الفئتين).
سندرس على التوالي 2: 1- 10 ثم 2: 11- 22. ولكننا سنحاول أن نبرز التوافق بينهما فندلّ على تجاوب المقطع مع الآخر.
* هناك توازٍ أساسي:
- أموات (آ 1- 3): الوضع السابق: غرباء (آ 11- 12).
- أحيينا (آ 4- 6): مبادرة الله: تصالحنا (آ 13- 18).
- خلّصنا (آ 7- 10): البعد الخلاّق لهذه المبادرة: أعدنا إلى البيت (آ 19- 22).
* هناك سلسلتان من التحوّلات تتعاقبان داخل كل قطعة:
+ القطعة الأولى (آ 1- 10)
- أموات بزلاّتنا- حيينا مع المسيح.
- عبيد الجسد- قمنا مع المسيح.
- خضعنا لرئيس قوّة الجوّ- جلسنا معاً في أعلى السماوات.
+ القطعة الثانية (آ 11- 22)
- كنا بعيدين- صرنا قريبين بدمه.
- كنا نواجه بعضنا بعضاً- تصالحنا بالصليب.
- كنا تحت سلطة الفرائض- تحرّرنا لنكون خليقة جديدة.
قادتنا آ 1- 10 من حالة الموت إلى الخلاص. وآ 11- 22 من حالة الاستبعاد والقسمة إلى التقارب والوحدة.
* التضمين والاحتواء
وتتواصل حركة التضمين قبل آ 10 وبعدها. وهذا ما تدلّ عليه أداة "سين" (مع) التي تسبق الأفعال، وحرف الجرّ (إن، في) أمام الأسماء. في آ 1- 10: حيينا مع المسيح، أقامنا معه، أجلسنا معه في السماوات، في المسيح يسوع. وفي آ 11- 22، صار الوثنيّون مواطنين مع بني إسرائيل، وارثين معهم، مبنيّين معهم.
نحن في هذا الفصل الثاني من أف أمام تكثيف لمعانٍ نقرأها في روم. فالموضوع الرئيسي في روم هو برّ الله، وقد اختفى هنا كمياه المطر تحت الأرض. ولكن حُفظت نتائجه وهي الخلاص بالنعمة، الخلق الجديد، المصالحة بين إسرائيل والأمم، تكوين الكنيسة. إن روم 1- 3 يقابل أف 2: 1- 3، وروم 5- 8 يقابل أف 2: 4- 10، وروم 9- 11 يقابل أف 2: 11- 12، وروم 12- 15 يقابل أف 2: 14- 22. لقد تبدّل الموضوع الأساسي، فحلّ السلام محلّ البرّ ليعبّر عن مجيء الملكوت.

2- دراسة النصّ
في آ 3، كتب شهود عديدون مثل الإسكندراني والبازي: "وأنتم أيضاً" (بدل: ونحن أيضاً). حاول النسّاخ أن يوفّقوا بين آ 1 وآ 3 في خطّ كو 3: 7: "أنتم أيضاً سلكتم من قبل". هذا يدلّ مرّة أخرى على التردّد بين صيغة المتكلّم الجمع وصيغة المخاطب الجمع (أنتم، نحن).
في آ 4، قالت بردية 46: "رحمنا" بدل "أحبّنا". لم يتبدّل المعنى وقد نكون أمام جذر "رحم" الذي يعني في السريانية مثلاً: أحبّ ورحم. ثم غاب الموصول (التي) فصارت الجملة رئيسية لا موصولية: الله الغنيّ بالرحمة أحبّنا. وهكذا تصبح آ 4 جملة قاطعة تُبرز الرحمة الإلهية. فيبقى علينا أن نبحث عن فاعل "أحيانا مع"، أقامنا (آ 5، 6) في 1: 17. ولكن هذا مستحيل. ونحن لن نتبع برديّة 46 رغم قدمها. وفي الآية الثالثة قالت برديّة 46: أموات بأجسادنا، بدل أموات بزلاتنا. وهذا يبقى غير مقبول. لهذا نتبع النصّ المعتمد ونترك اختلافات برديّة 46.
في آ 5، زادت النسخة الغربيّة بعد "المسيح" اسم موصول فحوّلت العبارة "بالنعمة تخلصون" إلى جملة موصوليّة ترتبط بالمسيح: الذي بنعمته تخلصون.
في آ 8، زادت بعض المخطوطات أل التعريف على لفظة "إيمان". نقرأ حرفياً (في اللغة اليونانية): أنتم مخلّصون بواسطة إيمان. وجود التعريف أمرٌ طبيعي. ولقد اعتاد بولس أن يلغيه. هذا ما نجده في غل 2: 16: "لا يبرّر بأعمال الناموس، بل بالإيمان".
في آ 15، ألغت برديّة 46 لفظة "أحكامه" التي هي صعبة، وقد جاءت إلى أف من كو 2: 14. وأحلّت "كُوينوس" محل "كاينوس": إنسان واحد عادي تجاه الجميع، بدل "جديد" الآتي من التقليد البولسيّ.
في آ 20، أوضحت النسخة الغربية الصورة فزادت "حجر": المسيح يسوع هو حجر الغلقة.
في آ 21، زادت بعض المخطوطات مثل السينائي والافرامي... أل التعريف، وهذا ما يوضح المعنى الذي نأخذ به عادة: مجمل البناء (باسا هي أويكودومي). فإن غاب أل التعريف (هي) صار المعنى: كل بناء (كل كنيسة، لا الكنيسة كلها). ولكن ما يميّز أف هو أنها تتأمّل في الكنيسة الجامعة، لا في واقعها المحليّ. ولقد رأينا مراراً في أف أن أل التعريف سقط، مع أنه وجب أن يكون على مستوى الأسلوب الكلاسيكي.
في آ 22، أحل الفاتيكاني "الله" محل "المسيح"، فدلّ على تطوّر في التقوى. كانت "مسكناً لله". فقال الفاتيكاني: "مسكناً للمسيح".

3- تحليل النصّ
أ- من الموت إلى الحياة (2: 1- 10)
يبدأ النص بالمفعول به، ثم ترد صيغة المتكلّم الجمع (نحن) وبعدها المخاطب الجمع (أنتم)، وفي النهاية (في آ 4) يأتي الفاعل: الله. هذا الفاعل الذي يتحدّث وليْ الجملة عن رحمته، هو سبب هذا العمل التحرّري. ثم يأتي فعل "أحيانا مع". وتأتي آ 5 في جملة قاطعة. ومنذ آ 6 تعود مبادرة لله مع فعلين (أقامنا معه، أجلسنا معه) يصلان بنا في آ 7 مع جملة غائية شبيهة بالمجدلة: "ليظهر في الدهور المستقبلة غنى نعمته الفائق، بلطفه بنا، في المسيح يسوع". وفي آ 8- 10، تأتي تأكيدات إيمانية في جمل إسميّة لا فعل لها.
ينطلق النصّ في اندفاعه فيتغلّب على عدم تماسك ظاهر. غير أن بنية هذه الآيات العشر (2: 1- 10) ترتسم في منحدرين: منحدر الظلال الذي تمثّله ملاحظة أولى، ملاحظة سلبية هي: "كنتم أمواتاً". وستعود في آ 3: "ونحن أيضاً". ومنحدر آخر هو منحدر النور يصوّر في النهاية، في آ 8- 10: "أنتم مخلّصون بواسطة الإيمان. يرد الفعل "سلك" في آ 10 فيبرز الطريق الذي فتحه الله.
وبين هذين المنحدرين يتمّ العبور الحاسم. يحصل تحوّل في النصّ. يأتي الفصح والانتقال من ضفّة إلى أخرى، ومن أرض العبوديّة والموت إلى رحاب أرض الميعاد. يرد التحوّل في آ 4- 7 مع نتيجة مؤثرة. هناك الفاعل: الاله الغنيّ باللطف والحنان. هناك الموضوع (الحبّ) في بداية الجملة. وفعل: أعطانا الحياة معاً. كان وضع مواجهة وانقطاع: الله، الحياة من جهة. نحن، الموت من جهة أخرى. فتحوّل هذا الوضع واستنار بمبادرة مطلقة وسامية جاءت باتجاه واحد (من الله إلينا): مبادرة النعمة التي يلهمها حبّ الله الذي يتعدّى كل حدود. بعد عمل الإنسان جاء عمل الله.
في نهاية ف 1، سيطر السلطان والقدرة. أما هنا فنجد النعمة التي هي خاصّة بالربّ وتدلّ على اتساع سلطانه. وإليك مركّباتها: الغني بالرحمة بسبب الحبّ العظيم (آ 4). بالنعمة (آ 5 ب، 7، 8). غنى نعمته الفائق بلطفه (آ 7). عطيّة من الله (آ 8). الأعمال التي أعدّها الله من قبل (آ 10).
هناك عبور من حقل إلى آخر. في آ 6 يظهر من جديد فعلان وجدناهما في 1: 20: أظهر الله قدرته حين أقام المسيح وأجلسه في أعلى السماوات. والآن، أظهر الله نعمته. وضمّت أداة "سين" (مع) لتجعل مصير المسيح مصيرنا. ما حصل للمسيح يحصل لنا أيضاً: لم تعد الحياة والقيامة والدخول في المجد وقفاً على الرأس (1: 22)، بل هي أيضاً نصيب الجسد (1: 23) بفعل عمل الله الخلاصّي.
نحن أمام احتفال بالخلاص الفصحيّ، وتبدر معالمه العماديّة واضحة. في الأساس نكتشف كو 2: 10- 13 بعد أن تركت أف ألفاظها (الختان، العماد) واحتفظت بزخمها: عبور من الموت إلى الحياة. ومع أن المعمودية لم تُذكر، إلاّ أنه يجب أن نسجّل هذا المقطع في خطّ الفقاهات البولسيّة حول المعموديّة كمشاركة في موت المسيح وحياته (ق روم 6: 1- 11؛ ى 2: 11- 15).
ونلاحظ التطوّر من روم إلى كو وأف. في روم 6، صُلبنا معه، متنا معه، دُفنّا معه، نحيا معه. في كو 2: دُفنّا معه، قمنا معه، حيينا معه. في أف 2: قمنا معه، حيينا معه، جلسنا في السماوات معه. شدّدت روم 6 على الصليب. ولكن أف لا تذكر الصليب هنا (ستذكره فيما بعد)، بل الجلوس بالمجد. وتبدو كو نقطة الوسط بين روم وأف. وتقدّم النواة المركزية للمقطوعة سمات تميّز الاحتفال: فعل في صيغة الغائب المفرد، يكون فاعله الله، كما في المباركة. ويحتلّ هذا الاحتفال آ 3، 4، 5 أ، 6، 7. وقد رأى فيه بعض الشرّاح نشيداً من أناشيد التنشئة المسيحية.
يشكّل الاحتفال نواة تحيط بها عناصر وعظ: مقاطع في صيغة المخاطب الجمع: في البداية (آ 1، 2: كنتم أمواتاً، سلكتم)، في الوسط (آ 5 ب: أنتم مخلّصون)، في النهاية (آ 8 أ، 8 ب: فأنتم مخلصون. ليس منكم). كل هذا يبرز الطابع المطلق للنعمة التي ينالها المؤمنون. وفي البداية كما في النهاية نجد آية في صيغة المتكلّم الجمع تقوّي الوجهة الشاملة لهذه النعمة فتضمّ في وحدة تامة الكاتب والقرّاء: ليس هناك من تمييز (روم 3: 9- 11). كلّهم تحت الغضب، كلّهم تحت النعمة. عرفت مبادرة الله بالنسبة إليهم "فيما مضى" و"الآن". وهكذا نجعل آ 1- 10 كما يلي: آ 1- 3: كرازة (كنتم أمواتاً ونحن أيضاً). آ 4- 7: إحتفال (ولكن الله وهبنا الحياة). آ 8- 10: كرازة (أنتم مخلّصون. نحن عمل الله).

ب- المسيح سلامنا (2: 11- 22)
رأينا فيما سبق التوافق بين جزئَي ف 2، بين 2: 1- 10 و2: 11- 22. فالمقطوعة الثانية أمينة للنموذج الذي عرفناه. في الوسط، الاحتفال الكرستولوجي مع نشيد السلام (آ 14- 18): "لأنه هر سلامنا، هو الذي جعل من الشعبين واحداً". وقبل هذا النشيد وبعده، نجد تعليمين في صيغة المخاطب الجمع، يُوجّهان إلى القرّاء. فالتعليم الأول (آ 11- 13) يتذكّر وضع استبعاد أولي: كنتم غرباء، أجانب. والتعليم الثاني (آ 19- 22) ينقل الإنجيل إلى وضع استدخال أخير. "لستم بعد غرباء ولا نزلاء، بل أنتم مواطنو القدّيسين". وهكذا يقودنا النصّ من الازدواجية والقسمة إلى الوحدة.
إن الاحتفال (آ 14- 18) الذي يُنشد عمل التحوّل فينا، يبدأ بعبارة (لأنه هو) تميّز كو 1: 15، 17: الذي هو صورة الله... الذي هو رأس الجسد. للمرّة الأولى في أف، يسوع هو الفاعل (نقض الحاجز، أزال الناموس، صالح). إنّ موضوع هذه القصيدة يبدأ مع آ 13 (أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين، قد صرتم قريبين بدم المسيح)، ثم يتوسّع منطلقاً من الصليب الذي يُذكر في النهاية: "بالصليب الذي به قتل العداوة". هذا هو الموضوع الذي أعلن منذ ف 1: جمَع العالم عبر المصالحة التي تضع ختمها على وحدة في الكنيسة تضمّ المسيحيين الآتين من العالم اليهوديّ وأولئك الآتين من العالم الوثنيّ.
إنّ تعداد ما فعله المسيح يرد في أفعال في صيغة الحاضر أو في صيغة اسم الفاعل. فالفعل المشرف (هو سلامنا) تسنده أربعة أسماء فاعل تتوالى: صنع، نقض، أزال، قتل. والهدف: لكي يخلق- لكي يصالح.
ونتوقّف بشكل خاصّ عند وجهتين. هناك القطب المركزي (آ 14- 18) ومحطتان من هنا وهناك (آ 11- 13، آ 19- 20). هناك حرف الجر "إن" الذي يعني: في، ب. وهناك لفظة "واحد". فالسلام يتمّ في المسيح، في دمه (آ 13)، في جسده، في بشريّته (آ 14)، فيه (آ 15). وذلك من أجل إنسان واحد (آ 15)، جسد واحد (آ 16)، روح واحد (آ 18). تشكّل مفردات "صليب، دم، بشرية (أو: جسد)" معالم تدلّ على تجذّر الميثاق الجديد. معالم محدّدة، ولكن بُعد ما حصل يبقى بلا حدود: فالبشريّة كلها هي معنيّة بها. كانت الأمم "بحسب الجسد"، "بفعل اليد في الجسد" (آ 11)، كانت "بدون مسيح"، محرومين من المواطنية، غرباء، بلا إله (آ 12). ولمّا صار المسيح سلامنا (آ 14- 18)، صاروا في الروح (آ 22). وكان الهيكل الذي لم تصنعه يد إنسان (آ 21). والمسيح حجر الغلقة (آ 20). صاروا مواطنين، أهل البيت، وحقّ لهم الإقتراب من الآب (آ 19).
إنّ أساس هذه النظرة الواسعة التي تقود "من الجسد" (آ 11) إلى "الروح" (آ 22)، نجده في كو 1: 19- 22: "فيه ارتضى الله أن يحلّ الملء كله... وأنتم الذين كنتم من قبل غرباء وأعداء... قد صالحكم".
أمّا الوجهة الثانية فهي وجهة التعارض والنقائض. هناك "نحن" (المتكلّم الجمع) و"أنتم" (المخاطب الجمع). هناك "قبل" (آ 11، فيما مضى) و"الآن" (آ 13)، وتعارض بين ماضٍ من الحرمان والاستبعاد، وحاضر مليء بالمستقبل والمشاركة والوحدة (ق 2: 2؛ 3: 5- 10؛ 5: 8). وبجانب هذا العنصر الزمانيّ يدخلنا إيراد أشعيا في العنصر المكاني: "بعيدين" و"قريبين". وهكذا نصل إلى الهدف عينه. كان الأفق أفق الخطيئة ونعمة الخلاص على طريق المعمودية التي ينالها المؤمن. فامتدّ إلى المجال الإجتماعي مع مدلول "الانتماء" و"عدم الانتماء" مع استعارات جغرافيّة أو هندسيّة: حاجز، مدينة، بناء...
وتُبرز نهايةُ المقطع كل ما يتعلّق بالبيت والسكن: مواطن، أهل، عائلة، أساس، حجر الغلقة، هيكل، تنسيق، مسكن... وهذا البناء ليس مزجاً ولا خليطاً: البناء هو تجمّع يكون فيه كل جزء في مكانه: الأساس، القمّة، اللحمات، الحجارة. هذا هو مسكن المسيح على الأرض. هذه هي الكنيسة.
كل هذا يقود النصّ إلى المجدلة، إلى السلام والوحدة. المسيح يقوم في نهاية المحطّة الأولى: "أما الآن في المسيح يسوع" (آ 13). والآب في نهاية المحطّة الثانية: "التوصّل إلى الآب" (آ 18). والروح في نهاية المحطّة الثالثة: "مسكناً لله في الروح" (آ 22). إنطلق الكاتب من كو 1: 20- 22 فأعاد كتابته. أخذ كل عنصر من نواة كو الموجزة فتوسّع فيه. هناك "غرباء وأعداء" (كو 1: 21). صرنا أمام مقولة عامة صيغت بالنظر إلى استبعاد تجاه شعب الله، شعب إسرائيل. وهكذا صارت المصالحة جمعاً بين فئتين. هناك "جسد بشريّته" (كو 1: 23). تحوَّل إلى جسد واحد غابت عنه الفوارق بين فئة وفئة. هناك تقدمة لله في القداسة (كو 1: 22). صار الجميع قريبين، أولئك الذين كانوا بعيدين والذين كانوا قريبين. والنداء لنُبنى ونثبت في الإيمان، تحوّل إلى صورة عن بناء، عن خليقة جديدة مع أساساتها التي هي الرسل والأنبياء، وحجر الغلقة يسوع المسيح.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM