تقديم

تقديم
"كتابات قمران" هي أول كتاب نقدّمه في سلسلة "على هامش الكتاب"، وهو يتضمن خمسة كتيّبات: نظام الجماعة، ملحق نظام الجماعة، المباركات، نظام الحرب، المدائح. حاولنا أن ننقلها من العبرانيّة مستعينين بترجمات سابقة ودراسات. وأسبقنا كل كتيّب بمقدّمة صغيرة تضعه في إطاره، وجعلنا بعض الحواشي لتفهمنا ما أشكل من صعوبات في النصّ. وأنهينا بدراسة تاريخيّة ولاهوتيّة.
هذا الكتاب الأول في مجموعة "على هامش الكتاب" سيكون الجزء الأول في مجموعة قمران، وسيتبعه باذن الله جزء ثانٍ يقدّم لنا ما تبقّى من كتابات قمران. وهو سيكون النموذج من أجل هذه الكتب التي تدور في فلك الكتاب المقدس. نضع رقم العمود في خط كبير في هامش الكتاب، ونجعل في متن النصّ أرقام الأسطر. وهكذا يستطيع كلّ واحد منا أن يجد النصّ الذي يريده بسرعة، كما هو الحال بالنسبة إلى الكتاب المقدس. مع العلم أننا في الكتاب المقدس نقدم الفصول الآيات، لا الصفحات والأسطر.
وقدّمنا قبل عرض هذه الكتيبات لمحة وجيزة عن جماعة قمران، مع أنه سبق لنا وقدّمنا دراسة مستفيضة عن هذه الجماعة التي سميّ أعضاؤها الاسيانيون أو حاماوا الشفاء، في مجلّة المسرّة 1995. هكذا يستطيع القارئ أن يحدّد موقع الكتب التي ننقلها إلى العربيّة فنفتح صفحة جديدة في التعارف على هذا التراث اليهوديّ الذي كان له بعض التأثير على المسيحيّة الناشئة. وإذ ننقل النصوص كاملة، وإن كانت بعض الجمل ناقصة بسبب تشويه في المخطوطة أو تلف، فلكي نضع الوثائق في يد القارئ العربيّ كما في يد القارئ الأوروبي والأميركي، فتنتفي الأفكار المسبقة والنظريات المغرضة المستندة في كثير من الأحيان إلى ما نقرأه في صحف ومجلاّت تبحث عن الإثارة لا عن العلم الجديّ الرصين.
حاولنا في هذه الترجمة أن نكون قريبين من النصّ العبري، بل أن ننقل الكلمة العبرية إلى العربيّة في الصيغة نفسها، واللغتان شقيقتان. وهكذا نبقى في الروح عينه أمام تراث شرقيّ لم يكن فيه الشعب العبرانيّ مستقلاً عن سائر الشعوب. فلا يستطيع شعب أن يعيش منغلقاً على ذاته. فهو سيتفاعل حكماً مع سائر الشعوب. ولا تستطيع جماعة دينيّة أن تعتبر نفسها جزيرة منقطعة لا يربطها بالأرض أي رباط. فالجماعات المختلة كالخلايا في الجسم تؤثّر بعضها على بعض في الصحة والمرض، في الغنى والفقر، في النجاح والفشل... وهذا الشرق الذي عرف حضارات يعود بعضها إلى الألف الثالث إن لم يكن قبل ذاك الوقت، قد أوصل إلينا كتابات عديدة بعضها في التوراة وسائر الكتب المكتومة، وبعضها في هذه اللويحات والبرديات العديدة التي اكتشفت بشكل خاص في القرنين التاسع عشر والعشرين. فإلى متى سنبقى جاهلين لتراثنا؟ وإلى متى سنبقى منغلقين على غنى العالم الشرقيّ القديم؟ وما هو الهدف من نبذ بعض النصوص وتشويه الخلاصات العلميّة والحقائق التاريخيّة؟ قد يكون ذلك بدافع من العاطفة تعيدنا إلى الطفولة ولا تصل من إلى ملء النضوج البشري. وقد يكون بدافع من تعصّب ديني أو سياسيّ أو ايديولوجيّ، يغمض عينيه فلا يرى الآخر فيكون كالنعامة التي تطمر رأسها في الرمل. وقد يكون نتيجة عدم فضول علميّ يبقينا على مستوى عصور الانحطاط، فلا نحاول أن نلحق باركب الحضاريّ، لأن مثل هذا "الأدب" لا يطعم خبزاً.
أما نحن، ومع اهتمامنا بتفسير الكتاب المقدس في عهديه القديم الجديد، فقد حاولنا أن نقدّم هذه النصوص الهامشيّة بالنسبة إلى الكتاب المقدّس، والمهمّة مع ذلك من أجل حوار بين عالم قديم وعالم جديد، بين فكر وفكر، بين دين ودين. هكذا نغتني من بعضنا في العودة إلى تراثنا من أجل أدب لا يبقى في حقبة من الحقبات، بل يخرج منها ويضمّ في ذاته جميع الحقبات ليخلق "نهضة" فكريّة على مستوى الفلسفة والسياسة والدين تضاهي ما عرفه العالم العباسيّ في أوج حضوره، والعالم الأوروبي والأميركي في القرنين التاسع عشر والعشرين.
فإلى "كتابات قمران" في جزئها الأول ندعو القارئ، ونرجو أن نتبعه بالجزء الثاني، ثم بسائر الكتب المنحولة أو المكتومة. والله هو الذي يعين خطأنا

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM