خاتمة عامة

خاتمة عامة

تلك كانت مسيرتنا في هذا الكتاب، فحاولنا أن نكتشف وجه الله في الكتاب المقدس. انطلقنا من الشرق القديم، والاسماء العديدة التي بها عُرف الله. وسرنا في خبرة التاريخ مع الشعب العبراني. وتأمّلنا في نصوص ارتبطت بابراهيم وموسى وجدعون. وحاولنا أن نغوص في فكر الأنبياء والحكماء والرسل.
كل هذا أعطانا لوحات متعدّدة أخرجتنا شيئًا فشيئًا من عالم الاصنام إلى حضور خفيّ يعيشه الله وسط شعبه، في هيكله، بواسطة تابوت العهد، ومع كل مؤمن من المؤمنين. وخرجنا من عالم مادي وملموس إلى خبرة روحيّة تتجاوز المعجزات والعجائب والظهورات. وتعلّمنا كيف نقرأ النصوص الكتابيّة لا بطريقة حرفيّة نسجن نفوسنا فيها، بل في طريقة روحيّة. قد نتكلّم عن غضب الله وعقابه وكأنه من عالم المستقبل. ولكننا فهمنا أن الكاتب الملهم يعود إلى الماضي ويُلقي عليه ضوء كلمة الله. إنه يعتبر أن الله هو العلّة الأولى. إذن، إن انتصر الشعب فالرب نصره. وإن فشل، فالرب فشّله وباعه. وهكذا يصبح الاله في أرض اسرائيل ذاك "الخصم" الذي يحمل عصاه ويهدّد دومًا بالانتقام لمن يخون عهده ويهشّم الانسان.
هي نظرة تربط ربطًا 1مباشرًا كل شيء بالله. ولكنها تنسى العلّة الثانية. الانسان يمرض ويتألّم ويموت. فلماذا يجعل من الله علّة سحريّة تفعل فيه ما تفعل؟ المرض والألم والموت جزء من حياة الانسان. وهو يستطيع بها أن يرتفع إلى الله كما بواسطة الصحة والراحة والحياة. مع المسيح بدا وجه الله ذاك الذي يُفهمنا أعمق فهم، أن الانسان يستطيع بالمحبّة أن يحوّل الشرّ خيرًا والألم خلاصًا والموت قيامة والذل مجدًا.
وحاول الكتاب أن يخرج الشعب العبراني، ويخرجنا نحن أيضًا من صورة إله هو لنا وليس لغيرنا. وهو يحطّم أعداءنا ولا يسمح أن يصيبنا شرّ مهما فعلنا. فالله ليس إله شعب واحد، بل إله جميع الشعوب يدينها إذا خطئت ويحمل إليها الخلاص في أيّ حال. وليس الله إله أرض "مقدّسة" بل إله الأرض كلها. فله الأرض وما فيها والدنيا وساكنوها. وليس الله محصورًا في هيكل لا يستطيع أن يخرج منه. فالسماء عرشه والأرض موطئ قدميه والكون هو هيكله الوسيع.
واكتشفنا أن الله هو ربّ الكون وسيّد التاريخ، وفي الوقت عينه يهتمّ بكل إنسان. هو حاضر في عمل خلقه وخلاصه. وحاضر في قلب المؤمنين وصلاتهم. حاضر، ولكن حضوره لا ينفي حضور الانسان، بل ينمّيه ويكبّره ويرفعه إلى أعلى مستوياته. يتمجّد الله في أعماله في الكون، ويتمجّد في عمل الانسان مهما كان هذا العمل ناقصًا. فالرب ينطلق منه ويكمّله. وهكذا تصبح حياة كل منّا وأعماله مدماكًا في بناء الكون، وهو بناء سيصبح الأرض الجديدة السماء الجديدة.
هذا بعض ما نتعلّمه من هذا الكتاب. يبقى علينا أن نعود إلى ذواتنا وجماعاتنا لنكتشف وجه هذا الاله الذي ما زال يعمل ولن يزال حتى يطبع في الواقع والحقيقة صورته ومثاله على كل إنسان فيصبح كل واحد صورة الله غير المنظور في هذا العالم المنظور.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM