الرب خلاص المرضى

الرب خلاص المرضى
المزمور الحادي والاربعون

1. المزمور الحادي والاربعون هو مزمور توسّل ينشده المرتّل طالبًا إلى الله أن ينجيه من حالة الضيق التي تلمّ به. يسمع الكاهن يدعوه من الهيكل ليعبّر عن ثقته بالله وسط محنته. فيتوجّه بصلاته إلى الله ويقرّ بخطيئته التي هي سبب مرضه وعزلته عن الناس، ويطلب من الله أن يتدخّل ليؤيده ويثبته إلى الأبد.

2. الرب خلاص المرضى المتروكين الذين يقرون بذنبهم أمامه.
آ 2- 4: يتوجّه الكاهن بكلامه إلى مريض سمّره الألم على فراشه، وينبّهه إلى أن الله يحفظه ويحييه ويسعده. أما هذه الطوبى في البداية فهي تذكّرنا ببداية المزمور 31: 2: طوبى لمن غُفرت خطاياه.
آ 5- 7: تشجّع التائب فأعلن عن عزمه: سيتوسّل إلى مراحم الله ويقرّ بخطيئته التي هي أساس مرضه. ولكن ما يهمّه أكثر من الله هو عداوة المستهزئين الذين يحيطون به بقصد قتله وإبادة اسمه. وأصدقاؤه القدماء تخلّوا عنه وخانوه، وإن جاؤوا إليه يزورونه، فزيارتهم كاذبة وصداقتهم ماكرة. أحسّ التائب أن الجميع رذلوه فلم يبقَ له إلاّ التوجّه إلى الرب الذي يستطيع وحده أن يعيد الحقّ إلى نصابه.
آ 8- 19: حكم الناس على هذا التائب بأن حالته ميؤوسة، وتجمّع أعداؤه حوله منتظرين نهايته. أما أصدقاؤه الذين أكلوا الخبز معه فتركوه لئلاّ يربطوا مصيرهم بقضية خاسرة، لا بل جازوه كبرياء وغطرسة على أعماله من أجلهم.
آ 11- 13: ويطلب المرتّل إلى الرب أن يأخذ بثأره. يمكن العدو أن يهتف بالنصر، ولكن يكفي أن يتدخّل الله لينقلب النصر إلى هزيمة تؤمِّن انتقام التائب. وينتهي المزمور بالتأكيد على أن الرب يمسك صفيَّه بيمينه ويجعله ثابتًا أمامه.

3. الرجل التائب يحصل على نعم الرب وبركاته، فيصير له سرير المرض فراش الاصحّاء. وهذا ما فعله المرتّل، فسأل الله شفاء الجسد وغفران الخطايا بينما تمنّى أعداؤه موته ونشروا أكاذيب تقول إنه خاطئ لا يستحق الصحة والمغفرة من الله.
ولكن الله يبقى ملجأه فيعاقب أعداءه على كذبهم. ويشفى التائب لأن شفاءه علامة براءته بعدما قال فيه الاعداء أقاويلهم الكاذبة.

4. يمتدح المزمور 40 رحمة الله تجاه الانسان المخذول. أحسّ التائب أن أعداءه رفضوا كل رحمة تجاهه، ولكنه قرأ عن رحمة الله في حياة الأباء وفي تعليم الشريعة والأنبياء. وهذه الرحمة هي إحدى دعائم تعليم العهد الجديد. قالت يسوع مردّدًا كلام هوشع: (6: 6): أريد رحمة لا ذبيحة (متى 9: 13؛ 12: 7). وشدّد على أن الناس يدانون على أعمال الرحمة (متى 25: 31- 46) كما أعلن في التطويبات، وهي شرعة ملكوت العهد الجديد: "طوبى للرحماء فإنهم يُرحمون" (متى 5: 7).

5. تأمّل
مزمور توسّل وتوبة. والتائب لا يهتمّ بأن يستعيد غفران الله، بقدر ما يريد أن يتغلّب على عالم يعاديه. فيأتي كاهن من الكهنة ويدعوه إلى أن يثق بالربّ في محنته. عند ذاك فهم المؤمن ما يجب عليه أن يعمله: سيتوجّه إلى الله في صلاة واثقة، ويقرّ بخطيئته التي هي سبب الشرّ الذي يضايقه. هو وحده. تركه الأقارب والاصدقاء. فما بقي له سوى الربّ، وطلب منه أن يتدخّل من أجله.
هذا التائب هو مريض أقعده المرضى، فشعر بالألم العميق، لا على مستوى الجسد، بل على مستوى القلب. فهناك من يربط ألمه بخطيئته، فيفعل كما فعل أصدقاء أيّوب الذين "وبّخوا" أيوب على خطيئته بحسب المبدأ القائل: الشرّير يُجازى بشرّه على هذه الأرض. ولكنهم قلبوا المبدأ رأسًا على عقب دون أن يراعوا شخص أيوب المسكين: أنت مريض، إذًا أنت خاطئ. لهذا طلب أيوب من الرب أن يتدخّل، فتدخّل وشجب تصرّف الاصدقاء الثلاثة. والمرتّل هنا ينتظر من الله أن يقوّي صفيّه، أن يعيده إلى حالته الماضية من السعادة التي يتوق إليها.
كل ما يطلبه المرتّل هو كلمة عزاء من الله، بعد أن غاب كل عزاء من عند البشر. فهتف: طوبى لمن غفر الله خطيئته (مز 32: 2). طوبى لمن عرف أن يطلب المغفرة من ربّه (أي 5: 17). طوبى لمن يوبّخه الله (مز 94: 12). وهنا نستطيع القول: طوبى لمن يرحمه الله وينجّيه نجاة في يوم السوء. عند ذاك اتّخذ المؤمن قراره: سيلتمس من الله الغفران ويقرّ بخطيئته. وهكذا يجدّده الرب جسدًا ونفسًا. فالله وحده يستطيع أن يخلقه من جديد، بعد أن فعل المرض فيه فعله، بحيث يستطيع أن يصرخ من أعماق شقائه مع أيوب: "أعرف أن شفيعي حيّ، وسأقوم آجلاً من التراب. فتلبس هذه الأعضاء جلدي، وبجسدي أعاين الله. وتراه عيناي إلى جانبي، ولا يكون غريبًا عني" (أي 19: 25- 27).

6. "أنت نصيري ومنقذي، فلا تتأخّر يا إلهي". هو يدعو، يتوسّل، يخاف من السقوط. "لا تتأخّر". ماذا يعني هذا الكلام؟ تذكّروا ما قرأناه في الانجيل عن أيام الضيق: "لو لم تُقصَّر تلك الأيام، لما نجا انسان" (مت 24: 22). هذه الصلاة إلى الله، التي تبدو صلاة انسان، هي صلاة أعضاء المسيح، صلاة جسد المسيح المنتشر في كل مكان، صلاة شحّاذ مسكين. هو هذا الفقير الذي كان غنيًا فصار فقيرًا كما قال الرسول: "كان غنيًا فصار فقيرًا لكي يغنيكم بفقره" (2 كور 8: 9). هو يُغني المساكين الحقيقيّين، ويُفقر الأغنياء الكذبة. وقد صرخ النبيّ إليه: "من أقاصي الأرض صرخت إليك ساعةَ الضيقُ أحاط بنفسي" (مز 61: 3).
ستأتي أيام ضيق وضيق عظيم. ستأتي كما يقول الكتاب. وبقدر ما تقترب يتكاثر الضيق. فلا يعد أحدٌ نفسه بما لا يعد به الانجيل. أسألكم يا إخوتي أن تتذكّروا كتبنا. هل خدعتكم يومًا؟ هل قالت في يوم من الأيام شيئًا ولم يكن الأمر كذلك؟ إذن، لا بدّ أن يتمّ كل شيء كما قالت، حتى الانقضاء والتجارب الكثيرة. فلنستعدّ لمواجهتها. فإذا لم نكن مستعدين نيأس. "الويل للحبالى والمرضعات" (مت 24: 19). فالحبالى يرمزن إلى من ينتفخون بآمال كاذبة. والمرضعات إلى الذين أمسكوا ما يشتهون...
إنباءات عديدة قد تحقّقت يا إخوتي. فالكنيسة هي هنا. والاصنام زالت. خسر اليهود ملكهم. يجب أن يوجد هراطقة، وهم هنا. ويتكلّم الكتاب أيضًا عن يوم الدينونة، عن جزاء للاخيار وعقاب للأشرار. في كل هذا وجدنا الله الأمين. فهل نظنّ أنه في النهاية سيتخلّى عنّا ويخدعنا. قال المزمور: الرب يهتمّ. أنت نصيري ومنقذي، فلا تتأخّر يا إلهي. فلو لم تقصَّر تلك الايام لما نجا أحد. ولكنها تقصَّر بسبب المختارين. ستكون أيامُ ضيق، ولكنها لن تكون كما يخاف بعضنا. ستمرّ بسرعة، والراحة التي تأتي بعدها سوم تدوم. فنحن نستعدّ لتحمّل الشرّ حين نعرف الخير اللامحدود الذي ينتظرنا. (أوغسطينس).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM