الفصل الثالث عشر: ربّ الكون والمحامي عن المساكين في نبؤة عاموس

الفصل الثالث عشر
ربّ الكون والمحامي عن المساكين
في نبوءة عاموس

هذا النبيْ الآتي من الجنوب إلى الشمال، من تقوع الواقعة جنوبيّ بيت لحم إلى السامرة المرتبطة بمملكة صيدا وصور. هذا النبيّ الذي هو ابن مملكة يهوذا، جاء إلى مملكة افرائيم فاعتبر أن الشعب لم يقسِّم، مع أن الانقسام الرسميّ تمّ بعد موت سليمان سنة 933 ق م. هذا النبيّ الذي رفض المساومات السياسيّة، رفض كل جور وظلم يصيب المساكين في مملكة عرفت ذروة ازدهارها مع يربعام الثاني (787- 747)، رفض أن ينغلق على نفسه في شعب اسرائيل فتطلّع إلى الشعوب المجاورة يهدّد بيوم الربّ الآتي لكي يعاقب. هذا النبيّ دعاه الرب الذي ملأ حياته، وهو في النهاية عن هذا الرب يكلّمنا. هو ربّ الكون في الخلق وفي التاريخ. هو إله شعبه، إله الجنود الرب القدير. هو الذي يرعى العدالة الاجتماعيّة ويدافع عن الفقراء أمام جشع الاغنياء.

1- ربّ الكون
نتوقّف هنا عند صفتين من صفات الله. هو سيّد التاريخ الذي يحكم على جميع الشعوب باسم شريعة التضامن والمحبّة المفروضة على البشر جميعًا. هو خالق الكون الذي ما زال يديره فيدلّ على سلطانه وقدرته.

أ- الله سيّد التاريخ
بعد المقدّمة، نقرأ أقوال عاموس ضد دمشق وبيت حزائيل، وغزة والفلسطيين، وصور والفينيقيين، وأدوم مع تيمان وبصرة، وعمون وموآب، ويهوذا واسرائيل. إذا جمعنا يهوذا واسرائيل في شعب واحد، نكون أمام سبعة شعوب. هذا يعني أن شعوب العالم هي كلها تحت نظر الله وهو يدينها. وهو يدين الشعوب الوثنية كما يدين شعبه، فلا فرق بين الاثنين.
ماذا فعل الآراميون المقيمون في دمشق؟ داسوا أسرى جلعاد بنوارج من حديد، كما يُداس القمح، فدلّوا على قساوة قلوبهم حين سحقوا جيرانهم كما فعلوا. وماذا فعل الفلسطيون في غزّة؟ باعوا بني أدوم بيع العبيد، وخطئت صور وأدوم.. وكان لكل من هذه الشعوب العقاب الذي يستحقّ. لقد جاءت ساعة الدينونة، والله قد اتّخذ قراره وهو لا يتراجع.
نلاحظ هنا أولاً أن الله ليس في المبدأ عدوّ الأمم المجاورة ليهوذا واسرائيل. بل هو يريد الخير لكل انسان، ويعاقب من يشوّه صورته، ويعامل الناس كقطيع من الغنم أو الماعز. كما نلاحظ أن سلطان الله لا يتوقّف في اسرائيل من أجل الدينونة والتوبة. إذن، سلطان الله يُشرف على الكون لأنه ربّ الكون. سلطان الله يشرف على التاريخ لأنه سيّد التاريخ.
هنا نفهم أن الله في نظر عاموس هو الله الواحد. فهذا النبيّ لا يذكر بعل كما فعل هوشع. لم يذكر هدد إله دمشق، ولا مولك إله عمون، ولا كموش إله موآب، ولا ملقارت إله صور، ولا داجون إله غزّة... هو لا يذكر إلاَّ الربّ الذي يتكلّم، ويذكره بمناسبة الحكم على كل شعب من هذه الشعوب. هذا يعني أننا بعيدون عن "الهينوتاويّة" حيث يعلن شعب اسرائيل أنه يعبد إلهه دون سائر الآلهة، ولكنه لا ينكر أن يكون لسائر الشعوب آلهة تحامي عنها كما يحامي يهوه عن شعبه. بل هو لا يذكر "إله اسرائيل"، وكأنه إله خاص باسرائيل، وكأنه إله لا يهتمّ إلاّ بشعبه لكي يعامله بالرحمة، وينسى سائر الشعوب أو يقسو عليها. قبل أن يكون الرب إله اسرائيل ويهوذا، فهو إله جميع الشعوب. فلا امتياز ولا اختيار. كل الشعوب شعب الله. في هذا المجال نتذكّر كلام أشعيا الذي جعل اسرائيل في الدرجة الثالثة بعد مصر وأشور. قال: "في ذلك اليوم تكون اسرائيل ثالثًا لمصر وأشور". ويقول الرب: "مبارك شعبي مصر، وصنعة يدي أشور، واسرائيل ميراثي" (أش 19: 25). أجل، صارت مصر شعب الله، شأنها شأن اسرائيل، بل قبل اسرائيل. "وإن صرخ المصريون إلى الرب في ضيقهم، أرسل لهم مخلّصًا ومحاميًا ينقذهم" (آ 20) على مثال ما فعل للعبرانيين في زمن موسى.
ودلّ عاموس أن الرب أشرف على ولادة الفلسطيين، كما أشرف على ولادة العبرانيين، فجاء بهم من كفتور. وأعاد الآراميين الذين سُبوا إلى قير، كما أصعد بني اسرائيل من مصر (9: 7). قد تكون قير هي أور في جنوبي بلاد الرافدين وكفتور جزيرة كريت اليونانيّة. والكوشيون أنفسهم (أهل السودان والحبشة) المحتقرون بسبب جلدهم (رج إر 13: 23 الغريبون عن إله العهد) (عا 9: 7) هم تجاه الله مثل بني اسرائيل. وهكذا نكون أمام نظرة مسكونيّة لا تنغلق على أرض واحدة ولو كانت "أرض الميعاد"، ولا تنحصر في شعب واحد ولو كان "الشعب المختار". فالله يراقب جميع الشعوب ويدينها من معبده المقدس. إنه سيّد التاريخ. وهو أيضًا رب الكون.

ب- الله ربّ الكون
اختبر الشعب العبرانيّ الله مخلّصًا قبل أن يختبره خالقًا. اختبر خلاصه في مصر وفي كنعان. وسيمضي وقت كبير قبل أن يقول: "في البدء خلق الله السماء الأرض". وهذا ما نقوله هنا. انحصر الشعب العبراني في أرض ضيّقة فحصر الله معه في هذه الأرض. ولما توسّع فانفتح على سائر الشعوب، فهمَ أن "إلهه" هو أيضًا إله سائر الشعوب. يهتمّ بهذه الشعوب كما يهتمّ بشعبه. يدين هذه الشعوب كما يدين شعبه. وبما أن الشعب يرتبط بالأرض، فالرب هو سيّد الأرض كلها وربّ الكون. هنا نقرأ المقاطع التي فيها شدّد عاموس أكثر من مرّة على عظمة الله في الكون.
في مقطع أول يهدّد النبيّ مملكة اسرائيل بمعاملة قاسية لأنها ما تابت رغم أن ما حلّ بها يساوي ما حلّ بسدوم وعمورة: "فاستعدّي للقاء إلهك يا اسرائيل" (4: 12). هكذا يقف الجنود لاستقبال الملك وقفة تأهّب. ومن هو هذا الاله؟ هنا نقرأ أول نشيد لله الخالق: "ذاك الذي يصوّر الجبال، ويخلق الريح، ويبيّن للبشر فكره، ويُخرج الفجر من الظلمة، ويطأ مشارف الأرض، اسمه الربّ الاله القدير" (آ 13). قد نكون هنا أمام نشيد كنعاني أخذه عاموس. أمام نشيد يمدح بعل، إله الخصب والعاصفة، أو هدد إله الآراميين. أخذه عاموس وجعل فيه كلمات تك 1- 2: صوّر (تك 7:2). خلق (تك 1: 1). أخرج، أنتج (تك 1: 26). قد نستطيع أن نقرأ: صنع الفجر والظلمة كما في السبعينيّة. أو مع النصّ الماسوري: يجعل الظلمة فجرًا. كلُّ هذه محاولات تدلّ على عظمة الخالق.
في مقطع ثان يطلب النبيّ من شعبه أن يطلب الرب لا الآلهة، أن يطلب الحياة لا الموت. "أطلبوني فتحيوا" يقول الرب (5: 4). ومن هو ذاك الذي يفعل بمثل هذه القوّة؟ "هو الذي خلق الثريا والجوزاء، ويحوّل الظلمات صباحًا والنهار ليلاً مظلمًا، ويدعو مياه البحر فيفيضها على وجه الأرض: اسمه الربّ" (آ 8). نحن هنا أمام جزء من نشيد بُني على فعل "حوّل، بدّل". هو القدير فمن يقف في وجهه: "ينزل الخراب على الاقوياء ويجلب الخراب على قلاعهم" (آ 9). نرى سلطانه في الأمور الصغيرة كما نراه في الأمور الكبيرة.
والمقطع الثالث نقرأه في 9: 5- 6: "السيّد الربّ القدير هو الذي يمسّ الأرض فتموج وينوح جميع الساكنين فيها وتعلو كلها كالنهر وتنخفض كنهر مصر. وهو الذي يبني في السماء علاليّه ويؤسّس على الأرض قبّته والذي يدعو مياه البحر ويصبّها على وجه الأرض: اسمه هو الرب"
نحن هنا في الرؤية الخامسة مع سقوط المعبد حيث لن يفلت أحد. فالربّ هو سيّد الأرض في السماء. مسكنه في العلالي، في أعالي السماء. وعلى الأرض مسكنه هيكل أورشليم. تصبح الأرض الثابتة كالمياه فتنخفض، ويغطّيها البحر فتزول كما في الطوفان. هذا ما يفعله الرب القدير. اسمه هو الذي يفعل ذلك.

2- الرب إله الجنود
وهناك ألقاب أخرى للرب، أوّلها ربّ الجنود أو ربّ القوّات. نقرأ في 5: 14: "أطلبوا الخير لا الشرّ لتحيوا، فيكون الرب الاله القدير (إله القوّات) معكم كما تقولون". وفي آ 27: "سأسبيكم إلى ما وراء دمشق، أنا الذي اسمه الرب الاله القدير" (إله القوّات). نحن هنا على مستوى علاقة مباشرة بين الله وشعبه. لم نعد فقط على مستوى إله جميع الأمم الذي يُخضع سائر الآلهة الوثنيّة لسلطانه. فلو استطاعت أن تقف في وجهه، لمنعته من المجيء بالفلسطيين من كفتور بحيث تخسر هذه الآلهة بعض المتعبّدين لها.
الله هو "إله اسرائيل". إله الجنود طلب أولاً من شعبه السير بحسب الوصايا. عمل الخير لا الشرّ. هذا هو مضمون العهد. ومن نقضه استحقّ العقاب. ولكن الربّ هو الذي يرحم. لهذا نقرأ في آ 16: "أبغضوا الشرّ وأحبّوا الخير، وأقيموا العدل في المحاكم، فلعلّ الربّ إله القوّات يتحنّن على من تبقّى من يعقوب".
هذا الاله القدير لا يقبل أن يعبد شعبُه إلهًا غيره. هو الاله الغيور. وسوف يرى النبيّ في ذهاب الشعب إلى السبي عقاب الله لهم بعد أن عبدوا الاصنام وكوّموا سكوت وسمّوه ملكهم (مع أن يهوه هو ملكهم)، وكيوان وسمّوه إلههم (آ 26). أما يخافون اسم الرب القدير؟
في بدء تاريخ الشعب في كنعان، كان يهوه إله الجبال. إنّه إله جبل سيناء. هناك تطأ رجله الأرض لكي يكلّم شعبه. نقرأ في تث 33: 2: "أقبل الرب من سيناء، وأشرق لهم من جبل سعير، وتجلّى من جبل فاران، وأتى من رُبى القدس، وعن يمينه نار مشتعلة" (رج رمز 68: 18). ولكنه أيضًا إله الحرب ولاسيّما مع المصريين خلال مرحلة الخروج. وكان تابوت العهد (أو عرش الله) يسير أمام جيوشه فيدلّ على حضوره. ولهذا سُمّي في 1 صم 17: 45: "إله جيش اسرائيل" الذي "لا يحتاج إلى السيف والرمح لكي يخلّص شعبه" (آ 17). فهو "سيّد الحرب".
في هذا المجال، نقرأ أيضًا عا 6: 8 مهدّدًا شعبه المتكبّر الذي يرفض الرجوع إلى الله: "أقسم السيّد الرب بنفسه، قال: يقول الرب إله القوّات: إني أكره غطرسة يعقوب وأبغض ترفّعهم" (وربّما "قصورهم" الشامخة)، فلذلك أسلّم المدينة بمن فيها". والسبب: زالت العدالة من البلاد. وفي 6: 14 قال الرب إله القوّات: "ها أنا أقيم عليكم يا بيت اسرائيل أمّة تضايقكم".
نودّ أن نقول في هذا المجال إن عبارة "إله الجنود" (أو: القوّات) ترد أكثر ما ترد عند الأنبياء، مع أنها نبتت في كتاب صموئيل. لهذا، لا نستطيع أن نحصرها في شعب واحد، وإن ارتبطت في البدء بشعب اسرائيل. بل هي ستتخذ فيما بعد بُعدًا كونيًا. فجيوش الرب صارت أيضًا كواكب السماء. هو السيّد على الأرض، وهو السيّد في السماء، وسيادته تنطلق من هيكل أورشليم. لهذا ترجمت السبعينيّة هذه العبارة: الرب القدير، الرب الضابط الكلّ، كما نقول في قانون الايمان.

3- الربّ راعي العدالة
هذا الاله الذي فرض نفسه حتّى على تغلت فلاسر فحاربه منذ مدخل حماة إلى وادي العربة (6: 14). هذا الاله الذي تذوب الأرض من ناره فتصبح ماء (9: 5)، أما يستطيع أن يهتمّ بالمساكين، أما يستطيع أن يجعل العدالة تسود في شعبه وفي سائر شعوب الأرض؟ بلى. وسيصرخ عاموس باسم الله داعيًا الشعب إلى ممارسة العدالة الاجتماعيّة لئلاّ تنصبّ عليهم عدالة الله.
هنا يبدو الاله الذي يبشّر به عاموس ذاك الذي يطلب من شعبه أن يقوم بواجباته تجاه القريب. فيوبّخ "الأقوياء" بسبب الجور الذي يصرخ فيصل صراخه إلى السماء. سيعاقب الرب أولئك الذين "يبيعون الصدّيق" (أو: البارّ، البريء) بالفضّة (قد يبيعونه عبدًا، أو في القضاء تجاه رشوة) والبائس بنعلين (أي حذاء). يمرّغون رؤوس الوضعاء في التراب ويزيحون المساكين عن طريقهم. ويدخل الرجل وأبوه على صبيّة واحدة فيدنّسان اسمي القدوس، ولأنهم يستلقون على ثياب مرهونة لهم بجانب كل مذبح ويشربون خمر المدينين في بيت إلههم" (2: 6- 8).
نحن هنا على مستوى الرشوة في القضاء: يحكم القضاة لقاء ثمن بخس أو مقابل هديّة صغيرة. لا يساوي الفقير أكثر من نعلين. وهكذا لا يصل الضعيف إلى حقّه، ولا الفقير والغريب. ونلاحظ هنا أن هذه الخطايا الاجتماعيّة لا تبقى على مستوى البشر، بل هي تغيظ الله. من جرّد الفقير من ثوبه، من غرّر بفتاة، من حرم الانسان ممّا يملكه، يغيظ الله. فالرب هو كافل الشريعة، والمدافع عن حقّ المساكين. هنا نتذكّر النبي ملاخي الذي يحدّثنا عن الله الذي يرفض ذبيحة تقدّم له. لا لأن هناك عيبًا في الذبيحة، بل لأن مقدّم الذبيحة خان امرأة صباه (ملا 2: 14).
ويعود عاموس مرارًا إلى الضيق الذي يصيب الفقراء، ليعلن حالاً أن الله سوف يعاقب فلا يفلت أحد من عقابه. "هم لا يعرفون العمل باستقامة، بل يملأون خزائن قصورهم بالعنف والسرقة. لذلك هذا ما قال السيّد الرب: يضايقكم العدوّ ويحيط بأرضكم" (3: 10- 11). وهدّد النبي نساء السامرة اللواتي هنّ كبقرات باشان: "تظلمن الفقراء وتسحقن البؤساء... بقداسته أقسم السيّد الرب..." (5: 1).
حين نقابل كلام الأنبياء، بل كلام العهد القديم كلّه مع "شرائع" من الشرق القديم، نرى الفرق شاسعًا في الروح الذي به ترد فريضة من الفرائض. نحن لا نقتل لئلاّ نُقتل. نحن لا نسرق لئلا نُسرق. على مثال ما يقول المثل العامي: بشّر القاتل بالقتل والزاني بخراب الديار. أما في عالم الكتاب المقدس، فنفهم أن الله هو الذي يُسند الشرائع. ففي سفر اللاويين مثلاً، تُعلن الوصايا، ويأتي تأكيد يقول: أنا الربّ. أنا الذي يطالب بهذا الأمر. "لا تظلموا أحدًا ولا تسلبوه. لا تحتفظوا بأجرة الأجير إلى الغد... فأنا الرب إلهكم" (لا 19: 13- 14). في هذا المعنى نفهم لماذا كسر موسى لوحَيْ الوصايا حين عبد الشعب العجل في البريّة. فإن تجاوز الشعب الوصيّة الأولى، تجاوز في الوقت ذاته سائر الوصايا. بل لم يعد أي سند لسائر الوصايا. وحين ترك الانسان في آدم "وصيّة" الله، صار قتل الأخ لأخيه (في شخص قايين) أمرًا سهلاً.
ذاك هو المبدأ الذي سار عليه الأنبياء بشكل عام، وعاموس بشكل خاصّ. فما يريده الرب من أجل شعبه هو "أن يجري العدل كالمياه، والصدق كنهر لا يتقطّع" (5: 24). في هذا المجال نفهم كيف يعامل الله البشر. حسب مبدأ المساواة كما نقرأ في 9: 7: أهل كوش هم مثل بني اسرائيل. وكما عامل الله بني اسرائيل حين أخرجهم من مصر، كذلك عامل الفلسطيّين حين جاء بهم من كفتور. نلاحظ هنا الطريق الطويل الذي سار فيه الكتاب المقدس حيث كان شاول وداود يحتقران الفلسطيين غير المختونين. أما هنا، فلا فضل لشعب على شعب آخر. وإن دان يهوه جميع الشعوب، فلا تصيب دينونته الناس الذين عبدوه أو لم يعبدوه، بل يتطلّع إلى ممارسة الشرائع الإنسانيّة. كل احتقار للانسان هو في النهاية احتقار لله. نحن هنا في خطّ الانجيل حيث يقول يسوع، ابن الله: "كل ما فعلتموه مع أحد إخوتي هؤلاء الصغار فمعي فعلتموه". "وكل ما لم تفعلوه مع أحد إخوتي هؤلاء الصغار فمعي لم تفعلوه" (مت 25: 40، 45).
وما طلبه الرب من الممالك والشعوب، يطلبه من كل فرد من أفراد شعبه. فهناك عهد بين الله والشعب. وهذا العهد ليس امتيازًا للافتخار على الآخرين، بل واجب وفريضة. عهد الانسان مع الله يصبح عهدًا بين الانسان والانسان. إذا كان الرب قد منح شعبه عطاياه منذ الخروج من مصر، فهو يطلب من هذا الشعب أن يكون بدوره أمينًا للوصايا التي أعطيت لهم على جبل سيناء. ولكن بما أنهم ما أرادوا أن يفهموا، قال الله بلسان نبيّه: "إياكم وحدكم عرفت بين جميع عشائر الأرض. فلذلك سأعاقبكم على جميع آثامكم" (3: 2). فبعد أن تجاوز الشعب وصيّة التعامل بحسب العدالة الاجتماعية، لم يعد يوم الرب، اليوم الذي فيه يزور (يفتقد) الرب شعبه، يومَ نور وضياء، بل يوم ظلام وسواد (5: 20). ولكن الكلمة الاخيرة لا تكون للغضب والعقاب بل للرحمة وإعادة البنيان: "أعيد شعبي فيبنون المدن المخرّبة ويقيمون بها، ويغرسون كرومًا ويشربون من خمرها، وجنائن ويأكلون من ثمرها" (9: 14).

خاتمة
ذاك هو وجه الله في نبوءة عاموس. هو إله شعبه وإله سائر الشعوب. هو إله الأرض وإله السماء أيضًا. هو الاله الذي يمنح شعبه كل خير وذاك الذي يعرف إن يعاقب إن ترك هذا الشعب عهده مع ربّه. هذا الاله يعمل من صهيون، من هيكل أورشليم. كان يراقب شعبه وها هو يراقب كل الشعوب فيدعوهم إلى المحبّة والتفاهم والسلام. كما يدعو الأفراد إلى عيش العدالة الاجتماعيّة. هذا الاله الذي هو سيّد التاريخ وربّ الكون، يبقى على مستوى أرض اسرائيل ومن هناك يتطلّع إلى سائر الشعوب. لم نصل بعد في عاموس إلى ما يقوله أش 2: 2 أو مي 4: 1- 5 عن الشعوب الصاعدة إلى أورشليم لتعرف الله. كما لم نصل إلى ملا 1: 11 الذي يعتبر أننا نستطيع أن نقدّم ذبائحنا في كل مكان، لا في هيكل أورشليم حصرًا. كما لم نصل إلى يونان الذي دُعي ليكون نبيّ الأمم الوثنيّة على مثال الأنبياء الذين أرسلوا إلى شعب اسرائيل. ولكن الطريق فُتحت بحيث إن كل من يدعو باسم الرب يحيا، لأن الله إله الجميع والذين يعبدونه يعبدونه بالروح والحقّ.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM