الفصل الثاني: اله ابراهيم اله شخصيّ

الفصل الثاني
اله ابراهيم اله شخصيّ

استقينا حتى الآن من التوراة معلومات متفرّقة عن حياة القبائل الدينيّة وعن مختلف القوى التي وثقت بها أعضاء هذه القبائل مدفوعة بالامل أو بالخوف. وإذا عدنا إلى تواريخ الخلاص الكبرى (أي التقاليد اليهوهية والالوهيمية والاشتراعية والكهنوتية) التي ستشكّل لحمة التوراة، سنرى أنها لن تنطلق في التعبير عن الوحي الالهي، من هؤلاء الآلهة الذين ارتبطت بهم هذه القبائل. هناك تاريخان للخلاص (اليهوهي والكهنوتي) يبدأان مع إله آدم (أو الآدم أي الانسان في اللغة العبرية). أما التاريخ الثالث (الالوهيمي) فيبدأ مع إله ابراهيم. ليس هو اله مجموعة (كالقبيلة مثلاً)، حيث الرباطات الاجتماعيّة الوثيقة لا تترك مكانًا واسعًا للفرد، إنه إله شخص واحد. قد يستطيع ذلك الشخص أن يلعب دورًا خاصًا في المجموعة، ولو استحال عليه أن يعيش خارج هذه المجموعة بأفراحها وأتراحها.

1- إله الانسان
إن الانسان العائش في الشرق القديم حوالي سنة 2000 ق م، لا يعتبر الكون عالمًا منظمًا، بل مسرحًا لقوى يُدعى لأن يعيش في وسطها، لأن ينمي حياته الشخصيّة والعائليّة والاجتماعيّة. فوراء الظواهر التي تحدّد شروط وجوده، هناك قوّة غير منظورة يصعب على الانسان أن يسبر نواياها. وإحدى هذه القوى تدلّ على الرضى. ولكن قد لا تكون القوّة دومًا راضية، فتغضب على الانسان: هذه القوّة هي إله الانسان، إله الفرد. هذا الاله هو المحامي الشخصي للرجل أو للمرأة بمعزل عن الظواهر الطبيعية والسياسية والنفسية. يتحدّد "اله الانسان" هذا بالانسان الذي يرافقه، مهما كانت الامكنة التي يقيم فيها، مهما كانت الظروف التي يجابهها. فالانسان في الشرق القديم ليس فيلسوفًا يبحث في الله عن معنى الكون. إنه يتوجّه إلى إلهه الشخصي ويطلب منه أن يساعده على تحقيق حياته وسط حيوات (جمع حياة) أخرى، حيوات إلهية وإنسانية تتفاعل مع حياته.
أرادت التوراة أن يُعرف إله اسرائيل أولاً على أنه إله ابراهيم، بل إله آدم، أول انسان حسب التقليدين اليهوهي والكهنوتي (تك 1- 3). كيف ظهر إله هذا الانسان بطريقة ملموسة في حياة معاصري ابراهيم الدينية؟ أن يكون ابرام (أو ابراهيم) قد عاش حوالي سنة 2000 أو 1500 ق م، أن يكون قد أقام في أور (تك 11: 28) في بلاد الرافدين السفلى أو في حاران (تك 11: 31)، في بلاد الرافدين العليا، فالشهادات المدوَّنة على اللويحات تحدّثنا عن علاقات الانسان بإلهه الشخصي. وهذه الشهادات تأتينا خاصة من بلاد الرافدين ومن مصر. وستأتي فيما بعد وثائق من الأناضول (مع الحثيين) ومن فينيقية وعرابية الجنوبية، فتبيِّن لنا أن الانسان وعى هذا التقرّب من اللاهوت في كل الشرق الأدنى.
رأينا أن إيل، إله الكنعانيين العظيم، كان أبًا للآلهة وللبشر. ولكنه يسمَّى بصورة شخصية "أب الملك كارت". وستدهش الاسطورة أمام موت ابن هذا الاله. وهناك رجال ونساء عديدون، لهم إلههم (ايلو) الشخصي، وهذا حظهم في الحياة. وقد يكون لهذا الاله اسم خاص لدى رؤساء السلالات. قال ملك قديم من ملوك أشورية: "بال (او بعل) هو إلهي". ونحن نقرأ في مدوَّنات السلالة السادسة (حوالي 2200 ق م) في مصر القول التالي: "الهي أمون، الهي تحوت". هناك أسماء عديدة تبدو على الشكل التالي: "فلان هو إلهي أو إلهه". ولكنه يبقى مرارًا "ايلو" الذي لا يُسمَّى. إنه بكل بساطة: إله فلان، إلهي، إلهك، إلهه كما تقول المراسلات. أما الهك فهو اله الانسان في حياته الحميمة.
ليس هذا الاله فقط مُنجبًا للحياة: إنه "أنجب" بصورة خاصة هذا الانسان الذي هو ابنه. وهذا المؤمن هو "ابن الهه". هذا ما يوضحه مثل سومري: "الولد الشرير! لو لم تلده أمه! لو لم يصنعه الهه"! فطريقة الانجاب لا تحدَّد بشكل عام إلاّ في وضع بعض الملوك الذين أعدَّهم الآلهة سلفًا. فالاله يتصرّف كالاب: يقيت هذا الانسان وينميه. "فإله هذا الانسان هو راع يبحث عن الطعام لهذا الانسمان". إنه "يحب" (رامو في اللغة الاكادية، رج "ر ح م") ابنه. من هنا ظهرت أسماء شهيرة ترتبط باسم الاله: نرام سين اي محبوب سين، الاله القمر. وفي اللغة المصرية رعمسيس الثاني، محبوب (ماري) امون. وسليمان سيكون يديدياه أي محبوب (رج الوداد) يهوه (الرب). وأخيرًا ابيرام (أو ابرام): أبي هو محب. إنه حقًا الاله الأب في اللوائح الاوغاريتية، سواء عادت التسمية إلى اللغة الحورية أو اللغة السامية.

2- الانسان وإلهه
يرى الانسان في الاله محاميه الأول. وبما أن هذا الاله لا يرتبط بمكان ولا بمعبد، فهو يرافق مؤمنيه حيث يذهبون. هو يقف "عن يمين" المؤمن أو "عن يساره". ولا يبتعد عنه إلاّ إذا أغضبه. في هذه الحال يتخلّى عنه، فيرى الانسان حينذاك أن شياطين الشرّ صبّت حممها عليه بالامراض والضيقات. وإن لم يُغضب الانسانُ إلهه، يبقى معه هذا الاله في الحروب والاخطار. فقد قالت الالاهة عشتار يوما لاشور بانيبال الذي بدا كئيبًا: "لا تخف". هذه الكلمة قد تلفَّظ بها آلهة آخرون في الالف الثاني موجّهين كلامهم إلى ملوك آخرين: الاله هو السور الذي يحمي.
وإله الانسان يكلّم تقيّه ويسمع له. فالالاهة "نين سون" تكلّم ابنها البطل غلغامش. وتشجّعه كما تشجّع عشتار أشور بانيبال: "سمعتْ شكواي فقالت: لا تخف، وردّت الثقة إلى قلبي. وزادت: بما أنك رفعت يديك إليَّ وامتلأت عيناك بالدموع، سأرحمك... تتمُّ أوامري. حيث تتوجّه أسير معك". قد يغضب الاله (أو الالاهة)، ولكنه يغفر لتقيّه ويعود إليه.
ولكن على هذا المؤمن أن يسمع لالهه، أن يطيع أوامر، ونصائحه. فالانسان الذي لا يغيظ إلهه، ويرفع اليه الصلوات، ويقدّم له شعائر العبادة المعروفة، يعيش في رضاه. وعلى الانسان في هذا الحوار وفي هذا الاصغاء أن يبرهن عن عقل وذكاء: "إذا أنت فكّرت كان الله إلهك، وإن لم تفكّر لن يكون الله إلهك". إن الاله الشخصي يختلف عن آلهة الطبيعة وآلهة السياسة في أنه لا يفرض نفسه على تقيّه. هو يحترم حرّيته: وقد يغضب تاركًا الانسان الذي عصى أوامره ولم يسمع له، عرضة لقوى أخرى. وفعل سمع يعني أصغى وأطاع. يطلب الله من تقيّه أن يُعمل الفكر فيُصبح حكيمًا. ليس إله الحكماء في مصر الاله الواحد، بل المحامي عن تقيّه والذي يعطيه النسل والغنى والعمر الطويل. أما عطيّة الارض فهي للملوك لا للحكماء.
لسنا هنا أمام قوى العقل والتقرير (كانت هاتان القوتان مؤلّهتان في مصر: هو، سيا)، بل أمام ملكة نوجّهها من أجل أعمال تقود إلى النجاح والحياة الصالحة. يجب على الانسان أن "يفتح أذنه" أي أن يفهم. وفي نصوص الحكمة المصرية حيث يعطي "الحكيم" نصائح لتلميذ سيُدعى إلى مستقبل باهر، يُدعى الاله الشخصي "إلهي" أو "إلهك". ولكن هذا الاله يطلب أن يُسمع له، وهذه هي خلاصة تعليم فتاح حوتب (حوالي 2200 ق م). يجب على الانسان أن يتجنَّب ما يمقته الاله أمينيموبي (حوالي 1000 ق م).
إن الاله يكلّم الانسان، وهو يقدِّم له "مواعيد" من أجل الحياة الصالحة التي يعرضها عليه. فالملك السومري غوديا ينال وعدًا "بالازدهار والحياة الطويلة". وينال السامي ليفيت عشتار سنة 2000 تقريبًا (أي بعده بقليل) الوعد بالتاج والمُلك إلى أقاصي البلاد. وتذكر المدائح الملوكية مواعيد الوفر والشهرة من أجل حكم سعيد وعادل... فالوضعاء والمذلولون والمرضى ينالون الوعد بالصحة والعافية وبعودة الامور إلى ما كانت عليه قبلاً. هذا ما حصل عليه "البابلي البار المتألم". وكان نافرأبو عاملاً في مدينة الاموات في طيبة (مصر). أصابه العمى ولكنه شُفي، فجاء إلى إلاهة الجبل يعترف بخطاياه أمامها ويقدّم شكره لها. وإن أكثر المواعيد تواترًا هي تلك التي تتعلَّق بالنسل والاولاد. ولنا على ذلك شهادتان كنعانيّتان في نصوص أوغاريت. لم يكن دانيل على ما يبدو ملكًا، ولكنه كان يقضي لليتيم والارملة. تشفّع له الاله بعل، فجاءه وعد بأن يكون له ابن. أما الملك كارت فقد خسر امرأته وأولاده في سلسلة من الكوارث. فجاء إليه في حلم أبوه الاله ايل ووعده أنه سيجد له امرأة وسيكون له أولاد عديدون. وهذا ما حصل. فبعد أن قدّم ذبيحة، ووجّه حملة، ونذر نذرًا، كان له من امرأته الجديدة ثمانية بنين وست (أو ثماني) بنات، حيث ستكون للصغرى حقوق البكر، بعد تمرّد البكر على أبيه.

3- إله ابراهيم
ذُكرت هنا نصوصٌ من بلدان متعدِّدة ومن حقبات مختلفة. فديانات الشرف القديم لا تُبنى على العقائد والافكار المجرّدة. فإله شخص من الاشخاص قد تكون له سمات محدّدة نجدها عند إله شخص آخر. ولكن هذه النصوص تساعد على التقرّب من الالوهة تقرّبًا لا غنى عنه لنفهم الشهادة البيبلية حول علاقات الآباء (ولاسيّما ابراهيم) بإلههم. فنصوص سفر التكوين تعود إلى أصول متعددة وحقبات مختلفة. غير إنها تتيح لنا أن نتعرّف إلى الاله الذي تعبَّد له الآباء. لن تكون هذه النظرة مثل نظرة الاجيال اللاحقة، وإن تطعمت هذه الاجيال بما سبقها. فإله ابراهيم واسحاق ويعقوب ليس الاله الاخلاقيّ الذي عرفه التقليد الموسويّ. نحن نتشكّك مرارًا حين نرى ابراهيم يسلّم هاجر لانتقام سارة (تك 16: 6: فقال ابرام ساراي: "هذه أمتك بين يديك، فاصنعي بها ما تريدين". فأذلّت ساراي هاجر التي هربت). وإن ابراهيم سيسلم امرأته سارة إلى فرعون (تك 12: 15) أو إلى أبيمالك (تك 20: 2) لينجو بحياته بفضل الكذب (هي أختي). لا يسمّى هذا الاله الاله "العادل" وإن قيل عنه أنه يدين البار والاثيم (تك 18: 25). ولن يسمّى القدوس، ونحن نعلم ما فعله يهوذا مع بغيّ "مكرّسة" (تك 38: 15). فالمكان الذي يتجلّى فيه الاله هو مريع وهائل في زمن يعقوب (تك 28: 17). ولن يقال "مقدّسًا" إلاّ في زمن موسى (خر 3: 5: "إخلع نعليك من رجليك، فإن الموضع الذي أنت قائم فيه أرض مقدسة"). الله هو ترس ابراهيم (تك 15: 1. هناك جدال حول هذه الكلمة)، ولكنه ليس إله الحرب، إله الصباؤوت (ربّ الجنود أو ربّ القوات). وحين غزا ابراهيم الاعداء وخلّص ابن أخيه لوطًا، لا يذكر النص (تك 14: 12- 16) اسم الله. ونحن نتجنّب تفسير "دفع أعداءك إلى يديك" (تك 14: 20) في معنى حربي، لأن الكاتب تحاشى استعمال كلمة حربية، وجعل ابراهيم في إطار البركة. لا تتحدّث نصوص الآباء الا قليلاً عن الزراعة والخصب، أما إله موسى فهو سيّد الحقول والمزروعات، وهذا ما برز في ضربات مصر وفي العلّيقة الملتهبة. هناك تلميح بسيط إلى اسحاق: وزرع اسحاق الأرض فأصاب في تلك السنة مئة ضعف (رغم الجوع، تك 26: 1)، وكان ذلك لأن الله باركه (تك 26: 12). وهناك قول لاسحاق يبارك به ابنه يعقوب: "رائحة ابني كرائحة حقل باركه الرب. يعطيك الله من ندى السماء، ويكثر لك الحنطة والخمر من دسم الارض" (تك 27: 27- 28). أما عن ابراهيم فلا نجد شيئًا. لا يظهر إله ابراهيم في بهاء الكواكب أو البروق، كما يتجنّب النص الحديث عن السماوات، إلاّ ما نجده في تك 14: 19 (الله مالك السماوات والأرض) و24: 3 (إله السماء وإله الأرض) من عبارة بابليّة قديمة. نقرأ في تك 17: 22: "فلما فرغ الله من مخاطبة ابراهيم، ارتفع عنه". وفي تك 35: 12 نقرأ: "ثم ارتفع الله عن يعقوب في الموضع الذي خاطبه فيه". نلاحظ في كلا الحالتين أن النص لا يقول إن الرب ارتفع إلى السماء.
إن إله ابراهيم هو قريب جدًا من الانسان، وهذا ما يدلّ عليه اسم ابراهيم نفسه. فالاسم يعني في بلاد الرافدين: الآب يحب. ولقد رأينا أن الابوّة والمحبّة هما من صفات الاله الشخصي. ولكن حين جاء ابراهيم إلى كنعان، تبدل مضمون اسمه مع اللغة الجديدة فصار: "الأب هو رفيع". وعرف باسم ابراهيم لا باسم ابرام. لقد أدخل حرف الهاء (ابرم- ابرهم) إلى الاسم، وهو أمر معروف لدى الكنعانيين. إن اسم ابراهيم نادر جدًا، ولو وُجد في نصّ مصريّ يعود إلى سنة 1700 ق م تقريبًا: إنه اسم أحد أمراء كنعان. سنكتشف فيما بعد في أخبار التكوين سمات الاله الشخصي، وسننتظر الحقبة الموسوية قبل أن يدعو بنو اسرائيل إلههم إلاّ باسم آخر سوى "إله ابراهيم واسحاق ويعقوب".
إن ابراهيم عرف الله كأب وكأب محبّ. ولكن التوراة لن تتوسّع في هذه الفكرة لكي تتجنّب العالم الجنسي الذي تشير إليه كلمتا أب ومحب. وما يلفت النظر هو أن الاله يرافق ابراهيم في كل مكان يذهب إليه من أور في الكلداي، إلى أرض تتسلط عليها مصر. وايلو هذا لا يرتبط بموضع مقدس (مكرّس) حتى ولو عبده أبو الآباء في هذا المكان أو ذاك. كان الله معه كما سيكون مع يعقوب. وسنجد سمات اله ابراهيم في إله اسحاق وإله يعقوب. ولهذا سيتكلّم الشعب فيما بعد عن إله ابراهيم وإله اسحاق وإله يعقوب (خر 3: 16) أو عن إله ابراهيم واسحاق ويعقوب (خر 3: 16). لن يظهر الله في النصوص المتعلقة بابراهيم حتى في تلك المتأخّرة منها، إنه إله عرق أو إله أمّة. إنه إله شخص يباركه.

4- المباركة
ليست المباركة قولاً نتلفَّظ به. إنها خصب ووفرة. فإن قلنا إن الله "مبارك" فهذا يعني أننا نقرّ بخصبه وغناه. وهو إذ يبارك، يشرك الانسان في هذا الخصب وفي هذا الغنى. يعود الجذر إلى الركبة، وهو استعارة تخفيفيّة للحديث عن الاعضاء التناسلية. فالحياة التي نالها أبو الآباء من إلهه الشخصيّ تنتقل إلى نسله. سيتشفّع ابراهيم إلى إلهه فيُشفى أبيمالك من مرضه، ونساؤه وجواريه من العقم (تك 20: 17).
ومباركة الخصب هذه ليست مباركةَ قوّة خفيّة أو عمياء. فإله ابراهيم "شخص" يعبّر عن ذاته. إنه يتكلّم إلى تقيّه ويصغي إليه. وستتنوّع التعابير في تدوينات التوراة المتعدّدة، وستختلف عمّا كانت عليه في بلاد الرافدين (قول نبويّ أو مدائح). فاسم اسماعيل، بكر ابراهيم، يعني: الله يسمع. ويهوه الوهيم في تك 17:3 (هو يهوه ابراهيم في تك 12) يوبِّخ آدم لأنه سمع لصوت حواء ومن خلالها لصوت الحيّة الماكرة، ولم يسمع لصوته. فإله ابراهيم ليس إلهًا بعيدًا ولا متعاليًا (كانوا يقولون في ذاك الوقت: قدوسًا، أي مفصولاً عن البشر). إنه قريب من الانسان وهو يكلّمه، بل يتحاور معه (تك 18: 13- 32) قبل أن يعاقب سدوم.
"فقال الرب: أأكتم عن ابراهيم ما أنا صانعه؟... فقال الرب: إن الصراخ ضد سدوم وعمورة قد أكثر، وخطيئتهم قد عظمت جدًا... فتقدّم ابراهيم وقال: أتهلك البار مع الخاطىء. إن وُجد خمسون بارًا في المدينة أفتُهلكها، ولا تصفح عنها من أجل الخمسين بارًا الذين فيها؟... فقال الرب... إن وجدت في سدوم خمسين بارًا فإني أصفح عن المكان كله من أجلهم. فأجاب ابراهيم وقال: تجرّأت وتكلّمت مع سيدي وأنا تراب ورماد. إن نقص الخمسون بارًا خمسة، أفتُهلك جميع المدينة بالخمسة؟ فقال الرب: لا أهلكها إن وجدت فيها خمسة وأربعين بارًا. ثم عاد ابراهيم أيضًا وكلّمه فقال: إن وُجد هناك أربعون. أجاب الرب: لا أفعل (أي لا أعاقب) من أجل الاربعين. قال ابراهيم: لا يغضب سيدي إن تكلمت أيضًا. إن وُجد هناك ثلاثون. فقال الرب: لا أفعل إن وجدت هناك ثلاثين بارًا. قال ابراهيم: قد استرسلت في الكلام أمام سيدي. إن وُجد هناك عشرون. قال: لا أهلكهم من أجل العشرين. فقال: لا يغضب سيدي أن تكلمت للمرة الاخيرة. إن وُجد هناك عشرة. قال الرب: لا أهلكهم من أجل العشرة" (تك 18: 17- 32).
حين يتوجّه الاله إلى الانسان فهو يعطيه أوامره. وهنا اصطدم آدم بأوامر الله. قال له الرب: "أما شجرة معرفة الخير والشر، فلا تأكل منها، فإنك يوم تأكل منها تموت موتًا (أي: تموت بصورة أكيدة) (تك 2: 17). كانت الخطيئة الاولى تعديًا على سلطان الله، كانت خطيئة كبرياء. وتجاوز آدم وحواء وصيّة الرب. ولما سمعا صوته اختبأا (تك 3: 6- 8). ولكن ابراهيم أطاع أوامر الرب ووصاياه. قال له: "انطلق من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك إلى الأرض التي أريك". فانطلق كما أمره الرب (تك 12: 1، 4). وقال له الرب بعدما فارقه لوط: "قم فامش في الأرض". فانتقل ابرام بخيامه حتى جاء وأقام قرب سنديانة ممرا (تك 13: 17- 18). أمره الرب أن يختن كل مولود في بيته (تك 17: 13)، فأخذ ابراهيم كل ذكر من بيته وختنه بحسب ما أمره الرب (تك 17: 23). قال له الرب: "خذ ابنك وحيدك الذي تحبّه اسحاق، وامض إلى أرض مورية وأصعده هناك محرقة"... فبكّر ابراهيم في الغداة وأخذ اسحاق ابنه ومضى إلى الموضع الذي أشار الله له إليه (تك 22: 2- 3).
إن ابراهيم يسمع صوت الله ويعمل بما يطلبه منه. لقد آمن بإلهه كما قال الكتاب: "آمن فحُسب له ذلك برًا" (تك 15: 6). هذا هو إيمان ابراهيم وثقته بوعد لا يستطيع البشر أن يحقّقوه. وإله ابراهيم لا يغضب، وهو لا يتخلّى عن عبده كما يفعل سائر آلهة الشرق، لأن ابراهيم ظل له أمينًا. ولن يصاب تقيّ الله بالعمى (لوط)، كما أصيب أهل سدوم (تك 19: 11) أو كما أصيب نافر أبو في مدينة أموات طيبه، الذي جهل الخير والشر فأغاظ سيّدة الجبل (القرن 13 ق م).
وبما أنه أمين، فالله يحميه دائمًا، وفي كل مكان. أكان في مصر أو في كنعان. تلك هي سمة الاله الشخصي. ويحميه مرارًا دون أن يقول له. قال الرب لابرام: "أنا ترس لك. لا تخف" (تك 15: 1)! هذا النداء المشجّع سيسمعه يشوع (يش 1: 6- 7) وملوك يهوذا. سيسمعه ملوك أشورية ولاسيّما أسرحدون، وملوك ماري على شاطئ الفرات (القرن 18). ستسمعه هاجر في البرية (تك 16: 7 ي). وسيقول أبيمالك أحد ملوك الجنوب لاسحاق: "رأينا أن الرب معك" (تك 26: 18). وحين أخذ فرعون امرأة ابراهيم أصابه غضب الرب (تك 12: 17). وحين أرسل ابراهيم عبده إلى بلاد الرافدين ليجد امرأة لابن سيده، فهو سيتحدّث عن الغنى الذي أغدقه الرب على ابراهيم: "بارك الرب مولاي فصار غنيًا جدًا. رزقه غنمًا وبقرًا وفضة وذهبًا وعبيدًا وإماء وجمالاً وحميرًا" (تك 24: 35). وسيموت ابراهيم ميتة هادئة بعد أن شبع من الحياة (تك 25: 8).

5- ظهورات
إن هذا الاله يرى محبَّه ويجعل محبّه يراه وإن لم يكن بطريقة متواصلة. وهذه الظهورات أو التيوفانيات تتمّ في أماكن مقدسة من كنعان: في شكيم (تك 12: 6: وصل ابرام إلى شكيم... وبنى هناك مذبحًا للرب)، في ممرا (تك 18: 1: وتجلّى له الرب قرب سنديانة ممرا). في لحي روئي (الحي الذي رآني) (تك 16: 13). ويربط الكاتب اليهوهي المعابد التي يحجّ اليها الآباء بجذر "رأى". في ذبيحة اسحاق نقرأ "أرض مورية" أي الأرض التي يراها الرب (تك 22: 2، 14). وقد ترجم النص: الرب يدبّر الامور فيجد الذبيحة التي تحلّ محلّ اسحاق. ويتكلّ ابراهيم على عناية الله. ونقرأ في 12: 6: سنديانة مورة. وفي خبر هاجر: لحي روئي أو الحيّ الذي يراني (تك 16- 14).
وترافق هذه التيوفانيات مواعيد، وإن لم تستعمل التوراة هذه الكلمة أكثر ممّا استعملتها الاقوال النبوية والمدائح في بلاد الرافدين أو في أوغاريت. قد تتغيّر اللهجة، ولكن الخيرات الموعود بها هي هي: حياة طويلة وسعيدة (تك 15: 15: "وأنت تذهب إلى آبائك بسلام وتُدفن في شيخوخة سعيدة). إبن (تك 18: 10: يكون لسارة ابن، 21: 2: فحملت سارة وولدت لابراهيم أبنًا في شيخوخته، في الوقت الذي حدّده الله)، أو بالأحرى نسل كبير (تك 21: 13: وابن الأمة أجعله أيضًا شعبًا كبيرًا، لأنه نسلك). امتلاك أرض (تك 12: 7: "لنسلك أعطي هذه الأرض"). وستتوسّع هذه المواعيد في التدوينات المتأخرة لدورة ابراهيم، في النصوص الكهنوتية (تك 17: 1، 8): منه يخرج ملوك وأمم، والبلاد تعطى له ملكًا مؤبدًا. ويكون الامر كذلك بالنسبة إلى يعقوب (تك 28: 3: "الله القدير يباركك وينميك ويكثرك فتكون مجموعة شعوب"، رج 35: 11؛ 48: 5). وإذا عدنا إلى الطبقة اليهوهية التي تهتمّ بسلالة داود، نرى أن الرب حين طلب من أبرام أن يترك بيت أبيه قبل أن يذهب إلى بلد مجهول، قد وعده بأمَّة كبيرة واسم عظيم (تك 12: 1- 2). ثم كان الوعد بنسل في شكيم، بنسل وامتلاك أرض بالقرب من بيت إيل. وجاء الوعد في ممرا كما دوّنه التقليد الالوهيمي (تك 1: 13، 18). وسيتجدّد الوعد لاسحاق في تك 26: 3، 4، 24 حسب التقليد اليهوهي، وليعقوب في بيت إيل (تك 28: 13- 15 حسب التقليد اليهوهي) وفي بئر سبع (تك 46: 3: أمة عظيمة)، وليوسف بواسطة مباركة يعقوب له في تك 48: 16، 20 (لينميا كثيرًا في الأرض).
ليس إله الوعد بعدُ إله الميثاق (العهد) العادل. لن يُسمَّى كذلك إلاّ في تك 28: 19 بفم الكاتب اليهوهي العائش في الحقبة الملكية: سيعلّم ابراهيم بنيه وأهل بيته أن يعملوا بالبر والعدل. وسيتحدّث ابراهيم نفسه عن ديّان الأرض الذي يدين بالعدل (تك 18: 25). ولن يسمّى إله ابراهيم القدوس، مع أن الآلهة العديدون يسمّون "بن قدش" أي أبناء القداسة أو أبناء الالاهة قادش (عبارة معروفة في الوثائق المصرية). مثل هذه العبارة تتضمّن تصرّفًا إلهيًا بعيدًا كل البعد عن تصرّف البشر، وتشير إلى قدرة هائلة أو لا أخلاقيّة، بينما إيل ابراهيم والآباء هو قريب من الانسان في حلّه وترحاله.

6- يهوه، يو، ياهو
وهذا الاله يسمَّى أيضًا يهوه في بعض النصوص وفي بعض التقاليد. حسب التقليد اليهوهي، ان اسم الله يكلّم آدم ويسمَّى الوهيم. ولكن هذا التقليد يعلمنا بعد هذا (تك 4: 26) أن أول من دعا الالوهة باسم يهوه كان أنوش ابن شيت. كان بنو شيت بدوًا يتنقّلون بين موآب وأدوم (عد 24: 17)، وقد سمّتهم النصوص المسماريّة "سوتو"، والمصريون شوسو. ويبدو أن عبادة يهوه جاءت من هذه المناطق الشرقية والجنوبية كما تقول الأناشيد البيبلية القديمة. نقرأ في مباركة موسى لبني اسرائيل: "جاء يهوه (الرب) من سيناء، وأشرق لهم من سعير. تجلّى من جبل فاران، وجاء إليهم من رُبى قادش" (تث 33: 2). وقالت دبورة: "إرتعشت الأرض وارتجفت السماء وسال الغمام ماء" (قض 5: 4). وأنشد حبقوق النبيّ نشيد الامل والرجاء: "الواه يأتي من الجنوب، والقدوس من جبل فاران" (حب 3: 3). وفي النصوص المصرية التي تعود إلى القرن 13 ق م، نرى أن مدينة أو مجموعة تسمى يهوه (إله بني) شوسو. فاسم يهوه قديم في التوراة، ونحن نجده في أشكال متعددة: ياو، يو، ياهو، يو. فأم موسى تسمّى "يوكابد" (أي مجد يهوه)، وأحد قوّاد داود يسمّى يوآب (أي يهوه هو أب). فلهذا الاسم الالهي في النصوص السماوية وظيفة مماثلة لاسم "إيلي" أي إلهي. واحد يسمّى يهوشع (يشوع)، وآخر يسمّى إليشوع. ونجد اليشافاط مع يهوشافاط. والامير الفينيقي الواحد يسمى في النصوص المسمارية تارة ياوبيدي وطورا ايلوبيدي. إن "ياو" تعني في الأدب المسماري "لي، خاصتي"، الهي الخاصّ. وإيلو تدلّ على الاله المحامي. وكانت القرابة وثيقة إلى حدّ جعلت الاله إيل يقول في أحد الأساطير الكنعانية: "اسم بكري هو ياو". نحن نفهم أن يكون الكاتب اليهوهي قد فصل صيغة "يهوه" القريبة من فعل "هيه" العبري (يقابله في العربية هو) الذي يعني كان، عن يو، ياو اللذين لا يعنيان شيئًا في لغته. ولكن يهوه كان الاله الشخصي الذي يرافق أبا الآباء في تنقّلاته عبر أرض مجهولة. كرّمه باسم إيل حين أحسّ بحمايته في شكيم قرب بيت إيل، في شاليم (أي أورشليم)، في ممرا، في بئر سبع. لم يعد يسمّيه "إيلي" (في العربية: ما هو لي)، أي خاصتي، بل إيل مع صفة خاصة: إيل عولام (الازلي)، إيل شداي (المحامي). على كل حال، كان إيل الالهَ السامي لدى الكنعانيين الذين يقيمون في الأرض.

7- إله أبينا
يبدو لنا ابراهيم في التدوينات البيبلية أنه من أشباه البدو: هو يسمع للرب إلهه ويثق بمواعيده (تك 15: 6). وهناك كتابة متأخِّرة تقول إنه سار بالكمال (تميم في العبريّة، التمام في العربيّة) أمام الهه (تك 17: 2)، قاده إلهه إلى المراعي يرعى فيها قطعانه، بين المنطقة الصحراوية والمناطق المروية التي فيها بنى الكنعانيون مدنهم. كان للبدو الاسماعيليين جمالهم (تك 37: 25)، وقد تدجَّنت منذ القرن 12 ق م. أما الآباء فلا جمال لهم إلاّ خارج الأرض الخصبة (تك 12: 6؛ 24: 10؛ 31: 17). وتنقّل انصافُ البدو، وتنقّل مثلهم ابراهيم بين العي وبيت إيل، وقد أقام أيضًا في مناطق النقب، في جرار أو بئر سبع.
قد تكون العلاقات طيّبة بين هؤلاء البدو وأهل المدن، وقد تتأزَّم خاصّة بقرب الآبار الضرورية لريّ الحقول ورعاية المواشي. يأتي البدويّ إلى المدينة فيبيع اللحم واللبن والجلود، ويشتري مصنوعات المدينة، كما يتعرّف إلى إلهها المحليّ. وقد يقلق أهل المدن من قبيلة قوية تنصب خيامها في الجوار. خاف أبيمالك، ملك جرار، من ابراهيم أو اسحاق ولم يسمح لهما بحرية التجارة إلاّ ضمن شروط محدّدة (تك 34: 10). أما قبائل عبيرو فتهجم على مدن سورية وكنعان خلال القرن 14. أما هكذا فعل أبناء يعقوب في شكيم (تك 34)؟ وإذا نمت القبيلة انقسمت قسمين: هكذا انفصل لوط عن ابراهيم وذهب فأقام في سدوم، لأن المراعي لم تعد تكفيهما معًا (تك 13: 5- 12).
في هذا الاطار يتكلّمون عن إله الأب، إله أبينا. فالاله الذي رافق الانسان وأعطاه القدرة والخصب، هو دائمًا بقرب نسله. لهذا يصبح إله الأب وكأنه إله الاجداد. هذه هي الحالة بالنسبة إلى دانيل في أوغاريت (إيل هو "ايل أبونا" أي إيل هو أبونا). وكذا نقول عن إله (تيوس) أومو، هذه القبائل النصف البدوية التي تركت مدوّناتها في صفا، في عرابية الشمالية. في قطنة، على الفرات، إيل هو إله السلالة، وهو أيضًا اله ديتانو جد السلالة الملكية (في أوغاريت) الذي كان يعيش بعدُ تحت الخيام.
لا تتكلّم التوراة عن إله أبي أو إله أبيك، لأن أجداد ابراهيم (تارح وناحور) عبدوا الآلهة المتعددة (يش 24: 1). مع اسحاق صار يهوه "إله أبيك ابراهيم" (تك 26: 23). في تيوفانيا رآها المدوّن اليهوهي، ربط النصّ حضور اسحاق بحضور ابراهيم في بئر سبع.
بما أن النسل والنسب يُستعملان غالبًا في التوراة ليدلا على الرباطات المتنوّعة بين الجماعات، لا نستطيع أن نحدّد العلاقات الدقيقة بين ابراهيم واسحاق. لا شكّ في أن ابراهيم ارتبط أولاً بهاجر وباسماعيل قبل أن يرتبط باسحاق. قال لنا اليهوهي إن ابراهيم أقام كغريب في بلاد الفلسطيين، في بئر سبع، حيث غرس شجرة (تك 2: 33). أما اسحاق فاكتفى بنصب خيامه. يقال عن هاجر أنها كانت مصرية (تك 16: 4). ليس اسمها مصريًا، ولكن يجب أن نميِّز مجموعة اسماعيل الهاجرية التي كانت تعيش في منطقة خاضعة لمصر (تك 25: 18: كانت مساكنهم من حويلة إلى شور التي تجاه مصر)، في لحي روئي، من جماعة الهاجريّين المقيمين في جلعاد (1 أخ 5: 10، 19- 20). إن اسماعيل واسحاق يحجّان كلاهما إلى المكان المقدس عينه، إلى لحي روئي (تك 16: 14؛ 24: 62؛ 25: 11). قد يكون لحي إلهًا ساميًا من الدرجة الثانية، أو إلهًا آراميًا (كانت رفقة آرامية، ونحن نجد آثارًا آرامية في جنوب يهوذا). أما روئي فهو إله مصري من الدرجة الثانية.
حين أقام اسحاق في جرار (تك 26: 6)، حجّ إلى بئر سبع (تك 26: 23) أو هو مرّ فيها مرورًا سريعًا. ويقول اليهوهي إن إيمان اسحاق بإله شخصي صار إيمانًا بإله أبيه ابراهيم. تركه ابنه (ربّما في بئر سبع) يعقوب بسبب خلافه مع عيسو. وصل إلى بيت إيل حيث تجلّى له يهوه: "أنا اله أبيك ابراهيم، اله اسحاق" (تك 28: 13). ولكن الخبر يقول لنا إن أبا يعقوب ليس ابراهيم بل اسحاق. حسب التقليد اليهوهي، يهوه هو قرب يعقوب، على الأرض (تك 28: 16). أما حسب التقليد الالوهيمي، فهو في اسم، وهو يتّصل بتقيّه بواسطة الملائكة. الله هو إله أبيه ابراهيم الذي كان في حاران، وهو سيذهب إلى هناك بعد أن ينذر نذرًا (وهذا أمر معروف في الشرق القديم، مثلاً في إيمار، في منطقة الفرات، حوالي سنة 1500، 1400): "إن كان الله معي وحفظني في هذا الطريق الذي أنا سالكه، ورزقني خبزًا آكله وثوبًا ألبسه، ورجعت سالمًا إلى بيت أبي، يكون الرب (يهوه) لي إلهًا" (تك 28: 10- 21).
ورفع يعقوب نصبًا لهذا الاله الذي في بيت إيل (تك 31: 13؛ رج 28: 22)، وسيمرُّ من هناك في طريق العودة (تك 35: 14- 15) ليشكر لله عنايته به وحمايته له. أما اسحاق الذي لم يترك النقب، فقد كُرِّم اسمه في هذه المنطقة بواسطة يعقوب، كما يقول عاموس (7: 2: من يقيم يعقوب، إنه صغير) وإرميا العناتوتي (33: 26: أرذل ذرية يعقوب... ولن آخذ من نسله متسلطين على ذرية ابراهيم واسحاق ويعقوب، رج مز 105: 9). وسيحمل يعقوب اسم اسحاق إلى الشمال. حين قام نزاع بينه وبين لابان الآرامي، تعرّف يعقوب إلى حماية الله الذي صار إله نسائه وأولاده، واستعمل عبارة مدهشة: "لو أن إله أبي، إله ابراهيم وفحد اسحاق، لم يكن معي..." (تك 31: 42). وسينتهي النزاع بمعاهدة يكون إلوهيم شاهدًا عليها (تك 31: 50). هناك تقليد يقول: إله ابراهيم وإله ناحور (تك 31: 53أ). وفي تقليد آخر يحلف اسحاق بـ "فحد" اسحاق أبيه (تك 3: 53ب). سيكون هذا الاله فيما بعد "أب (ب) ي ر يعقوب" (في أش 1: 24: اب (ب) ي ر اسرائيل) وصخر اسرائيل (تك 49: 24). وحين فضَّ يعقوب (الذي صار اسرائيل) خلافه مع أخيه دعا "إله أبي ابراهيم وإله أبي اسحاق" (تك 32: 9). وحين أراد الذهاب إلى مصر قدّم ذبائح في بئر سبع "لإله أبيه اسحاق" (46: 1). فتجلّى له الله وقال له: "أنا الله إله أبيك. لا تخف أن تنزل إلى مصر، فإني سأجعلك هناك أمّة عظيمة" (تك 46: 3). وبعد أن مات يعقوب، خاف إخوة يوسف من الانتقام فقالوا بلسان أبيهم: "أسألك أن تصفح عن ذنب عبيد إله أبيك" (تك 50: 17. قد يعني إله يعقوب، بل إله يوسف).
ويُذكر إله الأب للمرّة الاخيرة في حدث العلّيقة الملتهبة. حضر الله الرهيب على موسى في مكان مقدّس وسمّى نفسه: "أنا إله أبيك اله ابراهيم وإله اسحاق وإله يعقوب" (خر 3: 6). لم يعد الموضع مرعبًا كما في بيت إيل، بل مقدّسًا ومكرّسًا. وعلى "الرائي" أن يخلع نعليه قبل أن يتقبّل المهمّة الخطيرة. ولكننا نجد نسخة أخرى عن هذه المهمّة (خر 3: 16) التي فيها سيسمّى يهوه "إله آبائك: إله ابراهيم واسحاق ويعقوب (رج خر 3: 13). لقد صار اله ابراهيم الشخصي إله نسله. وهو سيحميهم لأنه إله آبائهم خلال مواجهتهم مع أهل البلاد. لقد اعترفت كل القبائل بإله الآباء الذي كشف لها اسمه: إنه يهوه.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM