حياتنا عابرة

حياتنا عابرة
المزمور التاسع والثلاثون

1. المزمور التاسع والثلاثون هو مزمور ينشده المرتّل ليخبر الله بمرضه الخطير الذي جعل أعداءه يفرحون بقرب موته. موضوعه قريب من موضوع المزمور السابق، وهو يضع أمامنا خاطئًا يسقط تحت ثقل يد الله فيسلِّم ذاته إلى الرب. في هذا المزمور نجد تعليمًا يشبه تعليم سفر الجامعة وأيوب في الكثير من معانيه وهو يطرح مسألة نجاح المنافق في طرقه وفشل البار في أعماله.

2. الرب هو رجاؤنا الوحيد في حياة قصيرة تملأها الآلام.
آ 2- 7: ينظر المرتّل سعادة المنافقين، فعزم على السكوت لئلاّ يناقش الله. ولكن قلبه يشتعل بداخله فيهتف: "يا رب أعلمني أجلي ومدة أيامي"... ولكن أيامه قليلة وحياته قصيرة، فلا يجب أن يضيع وقته القصير بالنقاش. الأفضل له أن يصمت وأن يصلّي إلى الرب.
آ 8- 14: يسلّم المرتّل ذاته بين يدي الله. لم يبقَ له أمل إلاّ في الله الذي هو حرّ في أن يعاقب صفيَّه أو يعيد إليه الحياة. ولكن المرتّل متأكّد أن الرب خلق الانسان للحياة لا للموت. على كل حال أي خير في أن يلتجئ الانسان إلى انسان آخر (هو 13:5- 14)؟ غضب الله ورضاه يفعلان كل شيء... فعلى الانسان أن يتوسّل إليه ليحرّره من الخطيئة وينزع عنه العار الذي يعيّره به أعداؤه. ويطلب صاحب المزامير إلى الله كالابن الضال (لو 15: 19) أن يعامله كغريب ونزيل، ويفهمه أن ما صنعه له إنما كان لتأديبه.

3. أراد المرتّل أن يصلّي بطريقة صامتة، فلا يخرج من فمه كلام شكوى يتّخذه المنافق ذريعة ليعيّر الربَّ وصفيَّه (ملا 3: 14: لا فائدة من خدمة الرب). سكت ليحافظ على كرامة إله العهد الذي يهتمّ بمن ارتبط معهم بعهد. ولكن هذا السكوت لم يجلب له الراحة، فأحسّ بنار داخليّة تدفعه إلى الكلام (إر 20: 9). أخذ بالصراخ والتشكي، وسأل الرب متى تنتهي أيامه القليلة وتنتهي معها آلامه الكثيرة. قبل المرتّل بما قسم الله له، ولكن بقي له أمل بإله العهد الذي يخلّصه من ء الظلمات الحاضرة، ومن عداوة الأعداء، ومن المرض الذي هو عقاب هدَّام.
ينطلق المرتّل من قصر الحياة البشريّة التي أرادها الله للانسان. ولكن لماذا يزيد الله آلامًا جديدة على حياة "ضيوفه" ولو أخطأوا؟ ويتطلّع المرتّل، فيرى أن الرب قد امتحنه (بالمرض أو بغيره) بينما يرتع المنافق في رخاء. فيسأل: متى تنتهي أيامه ليستريح من هذه الحياة؟ رغم أنه يرى البار يموت والجاهل أيضًا، فهو يعمل كأن عمره سيطول. ولكنه لا يريد أن تطول أيامه ليرى الشرير يتمتّع برحمة الله وغفرانه. أيّة عدالة في معاملة الله هذه للانسان؟

4. يعبّر المزمور 39 عن إيمان المرتّل بالله، رغم أنه لم يكن يعرف الكثير عن الحياة في ما بعد الموت. لا شكّ في أنه لم ينتظر من الرب جوابًا نهائيًا عن سؤال تطرحه حياة مليئة بالدموع، بل أراد جوابًا موقتًا عن حالته الحاضرة. هذا ما نقرأه في سفر أيوب وسفر الجامعة.
وجاء العهد الجديد فجعل آلام يسوع سبيل الخلاص الذي أراده الله. وهكذا القت آلام يسوع ضوءًا على تاريخ الخلاص كله بعد أن لفت المزمور 39 انتباهنا إلى وجهة واحدة هي وجهة الالم والتساؤل. تلك الوجهة شدّد عليها يسوع يوم تحدّث عن قلقه وضيق صدره. عندما فكر بآلامه (لو 12: 50) طلب أن تبعد عنه كأس الآلام ولكنه اتبع صلاته بعبارة: "لتكن مشيئتك" (لو 22: 42)، فصارت صلاته خضوعًا وطاعة للآب، فرفعه الآب وأعطاه اسمًا يفوق كل الأسماء (فل 2: 8- 19) وهكذا صار ذهابه إلى الموت طريق الحياة لجميع البشر.

5. جواب إلى قلق الابرار (مز 37- 39)
هذا المزمور هو جواب للمزموز 37. فكاتبه هو أحد الاتقياء الصادقين الذين يثيرهم نجاح الاشرار، لا عن حسد أو ضغينة، بل لأن هذا يشكّل لهم مشكلة وقلقًا: هناك تعارض ظاهر بين مواعيد الله والواقع الذي أمامنا.
لا ينطلق المرتّل من حالة من الحالات ولا يعتبر أنه يقدّم تعليمًا، بل يعرض على الرب قلقه. هو يُسرّ للرب ما في قلبه. هو يصارح الرب ولكنه يبقى خاضعًا له، لا خضوع العبد بل خضوع الابن. يناقش، ولكن ثقته بالرب لا تتزعزع. يحتدّ، ولكنه لا ييأس. غير أن ألمه لا يخف.
أما البرهان الذي يقدّمه المرتّل فهو أن الحياة قصيرة وقد أرادها الله كذلك. ولكن بما أن الله صالح فلا يجب أن يزيد مصائب أخرى ويرهق ضيوفه وإن خطئوا. غير أننا نجد الشرير ناعمًا في حياته والمؤمن محاطًا بالمحن أكانت أمراضنا أو غير ذلك.
ويود المرتّل أن يجرف متى تنتهي حياته، ويطلب من الله أن يقنعه أنه عابر وزائل. أنت تعرف يا رب أني كلا شيء وأن حياتي قريبة من العدم، أنت يا من ألف سنة في عينيك كيوم واحد. نحن ظل يمحى عندما تشرق الشمس، نحن نفخة هواء، نحن صور تمرَّ ولا تترك بعدها أثرًا.
وبما أنني ضعيف فبما أضع أملي؟ في ذاتي؟ ولكني زائل، ولكني ظلّ... أأضع رجائي فيك؟ ولكن لا تسحقْني ولا تدفعني إلى القنوط واليأس. نجني من خطاياي ومن نتائجها ولا تنسَ أن العقاب يزيد ثقلاً على الخطايا. أنظر واسمع. فإذا عاقبتني وأكثرت العقاب، سأخطأ بلساني وأجادلك. فنجّني واستجبني. وبما أنه يجب أن أذهب فلأذهب بعد أن غفرت لي، بعد أن ذقت رحمتك وصلاحك. فهل يرفض الأب ابتسامة لابنه الذي سيموت؟!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM