الفصل الثاني:تاريخ النصّ في أصله العبريّ وترجماته.

 

الفصل الثاني

تاريخ النصّ في أصله العبريّ وترجماته

إنّ تاريخ نصّ سي معقّد جدٌّا، سواء في العبريّ أو السريانيّ أو اليونانيّ أو اللاتينيّ. ولكن كانت أبحاث نحاول أن نستفيد منها، ونبدأ فنتحدّث عن تاريخ اكتشاف النصّ العبريّ.

1 - النصّ العبريّ الأصيل

أ - إشارات إلى النصّ العبريّ

إذا وضعنا جانبًا بعض الإيرادات المتفرّقة في التلمود وفي الأدب اليهوديّ، لبث كتاب ابن سيراخ معروفًا فقط في اليونانيّ والسريانيّ وفي الترجمات المرتبطة بهما. ورغم غياب المخطوطات العبريّة، بعد أن استُبعد النصّ من القانون (اللائحة) اليهوديّ، حافظ سي على موقعه في الحلقات اليهوديّة. وشهد إيرونيموس أنّه امتلك نسخة عبريّة (مقدّمة كتب سليمان، الآباء اللاتين 28: 1242). حتّى القرن العاشر، وردت نصوص من هذا الكتاب في شكله العبريّ وفي الآراميّ. وأحد الاستشهادات المهمّة، والأخيرة في الوقت عينه، استشهاد رابّي سعديّة (920) الذي أعلن أنّ المخطوط الذي بين يديه عن ابن سيراخ، قد نُسخ مع النقاط لوضع الحركات والتشكيل، وهذا أمرٌ محفوظ للأسفار القانونيّة وحدها. ثمّ أورد سعديّة ثمانيّة أقوال لابن سيراخ في العبريّة الكلاسيكيّة. ولكنّ هذا النصّ العبريّ لم يعد معروفًا في القرن 11، في زمن ابن ميمون.

ب - إكتشاف مقاطع من الأصل العبريّ

أوّلاً: في خزانة (غنيزه) القاهرة

سنة 1896، وُجد أوّل مقطع من النصّ العبريّ: ورقة تتضمّن 39: 15 - 41: 7. إشترتها في أورشليم السيّدتان أغنس لاويس ومرغريت غبسون. وكانتا قد حصلتا في سيناء، على طرس (مخطوط محا الناسخُ الكتابة، ونسخ مؤلَّفًا آخر مكانها) مشهور، الإنجيل السريانيّ. درس هذا الورقة الدكتور شختر، أستاذ العبريّة الرابّينيّة في جامعة كمبريدج (إنكلترا). تعرّف إلى المضمون، ونشره مع ترجمة إنكليزيّة وحواشٍ، في تموز سنة 1896. وفي الوقت عينه تقريبًا، حمل الأستاذ سايسي من القاهرة إلى المكتبة البودلانيّة (أوكسفورد) عددًا من الشذرات العبريّة والعربيّة. رأى العلماء في بعضها سي 40: 9 - 49: 11. هي تسع وريقات تكمّل ورقة السيّدة لاويس. على المقطعين، كانت حواشٍ في الهامش تعطي اختلافات نسخة أخرى، أو بالأحرى من نسختين أخريين لابن سيراخ. وفي الشذرات التي حُملت إلى أوكسفورد، وُجدت مقاطع فارسيّة. هذا يعني أنّ النصّ نُسخ في بغداد، أو بلاد فارس، ربّما عن نسخة سعديّة.

كلّ هذه الوريقات جاءت من خزانة (غنيزه، كنز) القاهرة، من جامع موسى، في القاهرة العتيقة. فاليهود الأنقياء امتنعوا عن تدمير أيّ نصّ عبريّ كُتب عليه اسمُ الله، فودعوه في غرفة الحفظ، في غنيزة (غ ن ز: أخفى، خبّأ، خزن) مع الكتب المهرطقة. فأخذ شختر يُعدّ لائحة بجميع المخطوطات التي كانت مخفيّة هناك. وبعد أن سمح له رئيس الجماعة الإسرائيليّة والرابّيّ العظيم، عاد بحصيلة كبيرة جدٌّا سلّمها إلى مكتبة جامعة كمبرديدج. وجميعُ المقاطع التي اكتشفها شختر جاءت من مخطوط واحد سمّاه B. قُسمت كلّ صفحة عمودين، وشكّل كلُّ سطر آية. وانتهت كلّ آية بنقطتين (سوف فسوق) كما في الكتب البيبليّة. ثمّ إنّ الهامش امتلأ بالحواشي التي هي اختلافات على مستوى الإملاء. هذا يعني أنّ الذين تعاملوا مع النصّ تصرّفوا بإجلال. وهناك عدد من الحواشي تستعيد عبارة من نسخات أخرى. هذا ما فعل الماسوريّون (دارسو التقليد) في البيبليا وفي التراجيم، أي في الكتب المستعملة في المجامع. كلُّ هذا يبيّن أن سي اعتُبر مساويًا لسفر من الأسفار القانونيّة.

واكتشف شختر أيضًا في هذه المجموعة القاهريّة شذرات من مخطوط آخر للنصّ العبريّ سمّاه A، تضمّن 3: 6 - 16: 26 مع فجوة في 7: 29 - 11: 34 سوف تُملأ في ما بعد. تتضمّن الصفحة 28 سطرًا. وما عادت الآيات مقسومة إلى أشطار. لا وجود للحواشي في الهامش، ولكنّ عددًا من الآيات وُضعت عليها علاماتُ التشكيل.

ووصل مقطعٌ من مخطوط جديد سُمّي D، وهو ورقة تتضمّن 36: 29 - 38: 1. ووَجد شختر وعالمان آخران شذرات مقتطفة من سي. سمّيت C؛ 4: 23ب، 30، 31 ؛ 5 :4 - 8، 9 - 13؛ 6: 18 - 19، 28، 35؛ 7: 1، 4، 6، 17، 20، 21، 23 - 25؛ 18: 30 - 31؛ 19: 1 - 2؛ 20: 4 - 6، 12(؟) 25: 7ج، 8ج، 8أ، 12، 16 - 23؛ 26: 1 - 2؛ 26: 16؛ 37: 19، 22، 24، 26. الورقة صغيرة. في الصفحة اثنا عشر سطرًا. الحروف كبيرة وواضحة، وهذا ما يدلّ على قِدَم النسخة.

بعد ثلاثين سنة، اكتشف رابّيّ، في نيويورك، ورقة جديدة من الأصل العبريّ، في مكتبة المدرسة اللاهوتيّة اليهوديّة في أميركا. ورقة سمّيت E. 24 سطرًا، على الوجه. 21 على الظهر. هي تتضمّن 32: 16 - 34: 1. قُسم كلّ سطر كما في الشعر مثل B، وفيها لا وجود لنقاط التشكيل، ولا تكرار، ولا تصحيح، هناك حاشية واحدة في الهامش، وهي مهمّة جدٌّا لأنّها تتوافق مع الترجمة اليونانيّة، ساعة النصّ العبريّ يشبه السريانيّ. أهمّيّة هذا المخطوط الذي يتضمّن ف 38 هو أن يثبّت أن ترتيب الترجمة اليونانيّة الذي جعل 30: 25 - 33: 16 بعد 33: 16 – 36 :10، جاء متأخّرًا. وانتظر العلماء اكتشافات جديدة. وهذا ما حصل في مغاور قمران وجوارها.

ثانيًا: في مغاور قُمران وقلعة مصعدة

ففي سنة 1956، اكتُشف في المغارة الثانية من مغاور قمران بعضُ شذرات من ابن سيراخ، وذلك قبل دمار »الدير« سنة 68 ب.م. في شذرة أولى، يبدو أنّنا أمام 6: 14 - 15 أو 1: 19 - 20. وشذرة ثانية تضمّ 6: 20 - 30. في المغارة الحادية عشرة، اكتُشف في مجموعة المزامير نصّ 51: 13 - 20، 30ب. كُتب على الرقّ سنة 100 - 50 ق.م. في مختارات من المزامير الواقعة بين 101 و151، وُضعت نصوص أخرى. أمّا سي 51:13ي فنقرأه بين مز 138 و »نداء إلى صهيون«. هو على ما يبدو شعر أبجديّ، وإن دوّنه المخطوط القمرانيّ في شكل متواصل.

أمّا مخطوط مصعدة، القلعة التي سقطت في يد الرومان سنة 73 - 74 ب.م.، فقد اكتُشف سنة 1964 ونُشر سنة 1965. تضمّن 26 شذرة تغطّي جزءًا من 39: 27 - 44: 17. هو يعود إلى بداية القرن الأوّل المسيحيّ ويبدو قريبًا من مخطوط القاهرة الثاني. ومن الأصل الذي نقله حفيد ابن سراخ إلى اليونانيّة حوالي سنة 120 ق.م.

حتّى سنة 1940، يوم كتب ساسلا سبيك الدومنيكانيّ تفسير ابن سيراخ، كان بين أيدينا المخطوطات العبريّة التالية:

A - يتضمّن 6 ورقات. قد يعود إلى القرن 11. يتضمّن 2: 18 ب (بعد 6: 17)؛ 3: 6 - 16: 26؛ 23: 16، 17 (بعد 12: 14)؛ 27: 5، 6 (بعد 6: 22).

B - يتضمّن 19 ورقة. ربّما القرن 12. يتضمّن 30: 11 - 33: 3؛ 35: 11 - 38: 27؛ 39: 15 – 51 :30.

C - يتضمّن 4 ورقات. يبدو أنّه أقدم مخطوط (نهاية القرن 10، بداية 11). يُفضَّل نصّه على نصّ A، واختلافاتُه تتوافق مع الترجمة اليونانيّة، أمّا ما في A فيتوافق مع السريانيّ. يتضمّن مقتطفات من ف 4 - 7؛ 18 - 20؛ 25 - 27.

D - يتضمّن ورقة واحدة. فيها 36: 29 - 38: 1.

E - يتضمّن ورقة واحدة. فيها 32: 16 - 33: 32؛ 38: 1.

وهكذا كُشفت ثلاثة أخماس النصّ، 40 فصلاً من أصل 51. 1090 آية من أصل 1616 آية، كما نجدها في الترجمة اليونانيّة. في بعض الحالات، نجد مخطوطين، وفي أربع آيات (37: 19، 22، 24، 26) ثلاثة مخطوطات. وهناك 36 آية في العبريّ لا نجدها في اليونانيّ.

وبعد اكشافات قمران، أضيفت نصوصٌ قليلة تعود إلى القرن الأوّل ق.م. أو القرن الثاني بعد المسيح ولا سيّما 39: 15 - 41: 7، ثمّ 40: 9 - 49: 11، مع غياب مقاطع هي 39: 33 - 40: 9؛ 40: 20 – 25 ؛ 43: 20ح - 21، 26 - 28.

تثبّتت صحّةُ مخطوطات القاهرة بالشذرات التي وُجدت في مغاور قمران أو في قلعة مصعدة. وتبيّن أنّ المخطوطين B و C يؤكّدان ترتيب النصوص الذي عرفته النسختان اللاتينيّة والسريانيّة.

وماذا ينقص حتّى الآن لكي يكتمل النصّ العبريّ لابن سيراخ، 1:1 - 3: 6؛ 16: 27 - 30: 10 (لا نمتلك من هذا المقطع سوى 31 آية متفرّقة)؛ 34: 1 - 35: 10؛ 38: 27 - 39: 15ب. وهكذا ما زلنا نحتاج إلى ف 1 - 2 وف 24 التي تمتدح الحكمة، و 39: 1 - 11 الذي يقدّم لنا صورة الحكيم.

2 - الترجمة اليونانيّة والنصّ اليونانيّ الثانويّ

النسخة اليونانيّة هي الأهمّ وأقدم الترجمات لابن سيراخ. تمّت عن العبريّة بيد حفيد الكاتب، كما تقول مقدّمة سي. وتسلّمت الكنيسةُ الكتاب في هذا الشكل اليونانيّ، وتبقى اليونانيّة أكمل من المقاطع العبريّة التي وُجدت هنا وهناك، وتمثّل مرّات عديدة النصّ الأصليّ بشكل أنقى. ولكن يبقى أنّ هذا النصّ اليونانيّ تشوّه بحيث يستحيل تصحيحه. من جهة، وعى المترجمُ صعوبة عمله (المقدّمة 20). ومن تبعه في هذا العمل، عليه أن يطلب المعذرة من القرّاء. ومن جهة ثانية، أضيفت إلى هذه الأخطاء والفرضيّات الشخصيّة، أخطاء النسَّاخ المتوالين. من هذا القبيل، كان النصّ العبريّ عونًا كبيرًا لتصحيح اليونانيّ وإيجاد الأصل. فالمقابلة بين هذه النصوص تدلّ على أنّ المترجم عرف اليونانيّة أكثر من العبريّة، ولا سيّما على مستوى الصرف والنحو. وها نحن نعطي بعض الأمثلة:

- 7: 12. لا تنسج الكذب على أخيك ولا تفعل مثله على صديقك.

كذا في العبريّ (أم 3: 29؛ 6: 14؛ 12: 20؛ 14: 22). في اليونانيّ: لا تفلح. وهكذا نلاحظ خطأ في الترجمة، هناك »ح ر ش«، حرث (مي اروتريا). ثمّ: استنبط، نسج، أعدّ.

- 10: 5. في يد الربّ نجاح الإنسان، وعلى الكاتب يقع مجده.

في العبريّ: سلطة كلّ إنسان. وفي آ 5ب: المشترع بدل الكاتب. »م ح ق ق« طالب الحقّ (العبريّ). في اليونانيّ: غراماتوس.

- 10: 9. لماذا يتكبّر من هو تراب ورماد بل حتّى في الحياة يَفسد جسده.

في آ 9ب، تحدّث العبريّ عن الدود والفساد كما في 7: 17؛ إش 14: 11؛ أي 17: 14؛ 1 مك 2: 62، 63. أمّا اليونانيّ فترك الفكرة العامّة، وتابع ما في آ 8، فلمّح إلى موت أنطيوخس الثالث الكبير، وأنطيوخس الرابع إبيفانيوس. قال السريانيّ: يسري الدود على ظهره وعلى أمعائه وهو حيّ.

- 12: 8. لا يُعرَف الصديق في السرّاء ولا يُخفَى العدوّ في الضرّاء

ذاك هو النصّ العبريّ مع فعل »ي د ع« (عرف)، أمّا اليونانيّ فلا يُعطي معنى يرضي القارئ.

- 13: 1. من لمس الزفت توسَّخ ومن عاشر المتكبّر مثله صار.

نقرأ في العبريّ: تلتصق يده. ثمّ »ل ص«، الهازئ، الذي يسخر، يحتقر ديانة الآباء.

- 16: 18. ها السماء وسماء السماء تتزعزع وكذلك القمرُ والأرض عند مجيئه.

في النصّ اليونانيّ، آ 18 - 21 تمثّل جواب الكاتب على حديث الخاطئ (آ 17). ويتكلّم الخاطئ في آ 22 فتشجب آ 23 موقفه. أمّا في العبريّ، فالخاطئ يتكلّم في آ 17 - 22. ويكون الحكم على كلامه في آ 23.

- 24:27. تجعل العلم طافحًا كالنيل ومثل جيحون في أوان القطاف.

قرأ المترجم »النور« (ك. أ و ر) بدل (ك ي و ر) النيل. هي مقابلة بين النيل ونهر الفرات أو الأردنّ.

وعرف المترجم اللغة اليونانيّة في السبعينيّة، ولا سيّما البنتاتوكس. ق 20:29 مع تث 16: 19. ق 24: 23 مع تث 33: 4. ق 45، 7 مع خر 26 :..2. لا شكّ في أنّ المترجم قرأ السبعينيّة حين كان في مصر. وهذا يعني أنّنا لا نستطيع أنّ نأخذ بقول يجعل ابن سيراخ معاصرًا للسبعينيّة التي بدأ العمل فيها في القرن الثالث ق.م. إن لم يكن قبلها.

3 - الترجمة اللاتينيّة القديمة

إن كانت هذه الترجمة التي حُفظت في اللاتينيّة الشعبيّة هي أقدم من تلك التي انطلقت من اليونانيّ، فهي أيضًا تلك التي تبتعد كثيرًا عن اليونانيّ كما نقرأ في المخطوطات. النصّ مليء بأخطاء النسّاخ بعد أن حوّلوا النصّ تحويلاً اعتباطيٌّا. فما من سفر في البيبليا يحمل هذا العدد من الاختلافات والتكرارات. نجد أنّ الإيرادات التي نجدها لدى آباء الكنيسة اللاتينيّة هي ثمينة بحيث تساعدنا على تصحيح الأخطاء.

عرف إيرونيموس سي العبريّ، ولكنّه لم ينقله إلى اللاتينيّة، بل هو ما صحّح اللاتينيّة العتيقة. هذا ما قاله في مقدّمة كتب سليمان. وهكذا يكون نصّ الشعبيّة ذاك الذي وُجد قبل إيرونيموس. إذن، هو قديم جدٌّا. وحين نجمع المخطوطات والاستشهادات، نعود إلى ما قبل القرن الخامس مع بروسبر داكيتان وفولجنسيوس دي روسبي، والقرن الرابع مع الإمبروسياستر وبرسكيليانس، بل إن القدّيس قبريانس أورد سي في القرن الثالث. هذا يعني أنّ سي نُقل إلى اللاتينيّة حوالي 200 - 250 مع إبراز حياة في الآخرة حين يفتقد الله الإنسان ويبحث عن جميع أعماله. للأشرار العذاب والظلمة، وللأبرار الحياة الأبديّة والفرح الذي يمنحه الله جزاء عن أتعابنا.

4 - الترجمة السريانيّة

أوّل طبعة لابن سيراخ في السريانيّة البسيطة، نجدها في بوليغلوتة (متعدّدة اللغات) ولتون التي طُبعت في لندن سنة 1657. هناك أخطاء عديدة. أعاد طبعها ابن ذئب سنة 1814. صحّح نصف الأخطاء، ولكنّه أضاف إليها أخطاء جديدة. سنة 1861، صحّح لاغارد الألمانيّ ولتون، وقدّم عددًا من الافتراضات. واستعاد واتيوني طبعة لاغارد. ونحن ما زلنا ننتظر النسخة النقديّة العلميّة في لايدن من أعمال هولندا. من أجل هذا استندنا إلى نسخة داتيوني التي تضع في أربعة عواميد اليونانيّ واللاتينيّ والعبريّ والسريانيّ.

تمّ التوافق، رغم بعض الأصداء المعارضة، منذ سنة 1906، على أنّ السريانيّ نقل النصّ العبريّ واحتفظ بترتيب نصوصه. غير أنّ هذا النقل يتضمّن سمات لافتة للنظر. هو يضيف 74 دستيكًا (بيتين متكاملين) إلى ما أضاف اليونانيّ الأوّل، أي 1616. ولكنّه يُلغي 193 ونصف الدستيك. وتضيف البسيطة 40 دستيكًا ونصف الدستيك إلى المقاطع العبريّة الموازية، ولكنّها تلغي 169 ونصف الدستيك. وتقدّم البسيطة 19 دستيكًا معروفة في اليونانيّ الثاني وتلغي 47. كما تلغي 431 دستيكًا ونصف الدستيك عرفها اليونانيّ الثاني وأخذت بها اللاتينيّة العتيقة واللاتينيّة الشعبيّة.

يُضاف إلى كلّ هذا عددٌ من الاختلافات التفصيليّة مع النصوص العبريّة واليونانيّة. ويُطرح السؤال: هل هناك خطأ في النقل؟ هل هناك إهمال من قبَل المترجمين؟ هل هي حرّيّة الناسخين؟ وكانت محاولات تقديم الجواب. فطرحٌ أَوّل اعتبر أنّ البسيطة انطلقت من العبريّ الثاني، ثمّ مزجت العبريّ الأوّل والعبريّ الثاني. من هنا كان الارتباك. والطرح الثاني، الذي قابل السريانيّ في 39: 27 - 45: 18 مع المخطوطات العبريّة الثانية ومصعدة والنصوص اليونانيّة، اقترح أن تكون البسيطة في سي مرتبطة بنصّ عبريّ قريب من نصّ مصعدة ومن المخطوط B مع تأثير من عبريّ 2 ويونانيّ 1، بل يونانيّ 2. كلّ هذا يجعل النصّ السريانيّ متأخّرًا جدٌّا.

من أين جاءت البسيطة؟ رأى بعض الباحثين أنّ النقل الأوّل لابن سيراخ هو عمل مسيحيّ من الأبيونيّين (جماعة مسيحيّة ظلّت مرتبطة بالممارسات اليهوديّة) في القرن الثالث أو في بداية القرن الرابع. فهناك ما يقارب الثلاثين مقطعًا، يبيّن فيها الناقلُ أنّه يتحاشى الكلام عن الذبائح، أنّه يعارض الكهنوت والمُلكيّة، أنّه لا يأكل سوى النبات كما ينادي بالفقر. كما أنّه يتحاشى أن يذكر الأنبياء، لأنّ الأبيونيّين اعتادوا، شأنهم شأن الصادوقيّين، أن يكتفوا بالأسفار الخمسة. وتابع كلامه: في نهاية القرن الرابع، جاء مسيحيّ صاحب إيمان مستقيم، فأعاد النظر في النصّ وأعطاه شكله النهائيّ، متجنّبًا الكلام الإيجابيّ عن الشريعة، ملمّحًا إلى يسوع ويوحنّا المعمدان (18: 13د؛ يو 10: 11؛ سي 48: 10د). كما تحاشى الكلام عن خلق الحكمة (1: 4، 9: تفوّقت الحكمة على هذه كلّها). وهكذا نكون أمام ناقل يعارض الأريوسيّة التي تحدّثت عن الابن الذي هو مخلوق، لا أزليّ ومساوٍ للآب في الجوهر.

غير أن قراءة 24: 8 - 9 تُجبرنا على تبديل رأينا.

حينئذٍ أمرني سيّد الكلّ

ومَن صنعني وثبّت مسكني، قال لي:

أقيمي في يعقوب، وتثبّتي في إسرائيل.

نتذكّر هنا أنّ أفراهاط أورد سنة 337، 32: 1 - 13 التي تتحدّث عن الوليمة والمائدة. والكلام عن الغناء والخمر لا يتوافق مع التفكير الأبيونيّ. هذا ما يعني أنّ البسيطة اتّسمت بسمات مسيحيّة، وعادت إلى سنة 300 إن لم يكن إلى قبل هذا التاريخ.

ودرس باحث ثالث عن إضافات من النمط الإسكاتولوجيّ، خاصّة بالبسيطة، ونقرأ 1: 22 - 27:

طوبى للإنسان الذي يقترب منها،

ويهتدي بأوامرها.

تضع عليه إكليل الأبد،

والنصر الدهريّ بين القدّيسين.

يفرح بها وتفرح به،

ولا ترميه إلى أبد الأبدين.

ملائكة الله يفرحون بها،

ويُحصون كلَّ تسابيح الربّ.

هذا كتاب مليء كلّه حياة،

طوبى للإنسان الذي يسمع ويعمل به.

إسمعوني، يا خائفي الله،

وأصغوا إلى أقوالي وتبيّنوها.

من أراد أن يرث الحياة،

والوفرة الدهريّة والفرح العظيم،

يسمع أقوالي ويعمل بها،

فيُكتَب في سفر الحياة.

أحببْ مخافة الله،

وثبِّت فيه قلبك ولا تخف.

إقتربْ ولا تتكاسل

فتجد الحياة لروحك.

يا بَنيّ، اسمعوا واعملوا،

لكي تحيوا حياة لأبد الأبدين.

واستخلص ذاك الباحث فقال: »يكون هناك يوم الربّ حيث يكشف عن نفسه كالديّان. ومادّة هذه الدينونة أعمال البشر الصالحة والشرّيرة. وتتسجّل الأعمالُ الشرّيرة في كتاب من أجل المجازاة الأخيرة«. نقرأ في 9:7ب: »تُكتَب في عمود (كتاب) الذنوب« (تحدّث العبريّ عن بيت الزانية). تسجّل البارّ في سفر الحياة، فدخل في عالم (الله) البارّ، لينال الحياة الأبديّة، وليشارك في الإكليل الأبديّ وفي البرّ الأبديّ مع القدّيسين، ملائكة ا؟. في رفقتهم يجد البارّ نعيمه إلى الأبد، فيعلن مجد الله. وهكذا أدخلت البسيطة فكرتين لا نقرأهما في اليونانيّ 2: أعمال الشرّير تتسجّل. والبارّ يعيش في رفقة الملائكة، في عالم الله البارّ.

وبجانب السريانيّة البسيطة لابن سيراخ، هناك السريانيّة العواميديّة أو الهكسبلة (نصّ أوريجانس في ستّة عواميد) التي تعود إلى القرن السابع. إستندت إلى نصّ يونانيّ في المدرسة الأوريجانيّة فبدا قريبًا من مخطوط 253. قُوبل هذا النقل مع اليونانيّ وكما نقرأه في المخطوط الفاتيكانيّ، فوُجد 20 مقطعًا مع نجيمة (إشارة وضعها أوريجانس حين أضاف آيات لم تنقلها السبعينيّة)، ولا سيّما في الفصول الأولى. وغاب ف 51 كلّه.

5 - الترجمة العربيّة

هناك أكثر من ترجمة إلى العربيّة، وكلّ ترجمة ترتبط باللغة التي نُقلت منها. هناك ترجمة عن اليونانيّة وقد نشرها، مع ترجمة إنكليزيّة، فرانك في مجموعة الآباء الشرقيّين CSCO رقم 357 - 358. المخطوط هو سيناء العربيّ 155. لا نجد تاريخًا له، لأنّ البداية غابت والنهاية. فهو يبدأ في 1:26ب: »فإنّ الربّ يرزقك إيّاها. إنّما الحكمة والموعظة خشية الربّ، إنّما مسرّته الأمانة والدعة«. بما أنّ هذا المخطوط نُسخ في خطّ يشبه سيناء عربيّ 72 الذي يتضمّن الأناجيل، فهذا يعيننا كي نقول إنّ هذا المخطوط يعود إلى سنة 897.

وخاتمة المخطوط جاءت كما يلي: »ولا من أن تؤدّب وتوبّخ الجاهلَ الأحمق الحانق. ولا من مداينة شيخ عند آخر كبره بزنا، ويكون مجرّبًا بكلّ شيء أكثر من كلّ حيّ. وأمجّد الربّ الخالق لكلّ شيء، المعطي الحكمة لكلّ المؤمنين« (42:8 - 9 + 43:33). ثمّ: »تمّت حكمة ابن سيراخ الحكيم في الأدب للذين يحتاجون إلى الأدب، بقوّة المسيح ربّنا، له المجد إلى الأدهار كلّها«. إذن ينتهي المخطوط في 42:98 مع 43:33. ثمّ وُضعت الخاتمة. هنا نتذكّر أنّ ابن سيراخ يصل إلى ف 51، ما عدا الخاتمة الأخيرة.

وهناك أكثر من ترجمة عن السريانيّة، مع مخطوطات تصل إلى 31 مخطوطًا. وربّما نكتشف غيرها فيما بعد. مَن صاحب هذه الترجمات؟ أورد السمعانيّ (المكتبة الشرقيّة 2:309) كلامًا مفاده أنّ نسطوريٌّا اسمه ابن الفرج بن الطيّب ترجم الكتاب المقدّس كلّه. يبدو أنّ هذه النسخة عادت إلى السريانيّة، ولكنّنا لم نجدها بعد. وقيل أيضًا إنّ نقلاً آخر تمّ في القرن الخامس عشر على يد الحارث بن سنان عن النسخة السريانيّة العواميديّة لأوريجانس. وتعرّف غراف، العالم الألمانيّ، إلى أكثر من مخطوط عن السريانيّة. المترجم هو فتيون بن أيّوب. ذاك موقف لا يمكن أن يقف أمام القائلين بأنّ هناك ترجمتين لابن سيراخ عن البسيطة. غير أنّ الاختلافات بين نسخة ونسخة تبقى بسيطة. أنكون أمام أخطاء وقع فيها الناسخ؟ يبقى السؤال مفتوحًا.

والترجمة العربيّة عن البحيريّة تعود إلى القرن الثالث عشر. وتُنسَب إلى البطريرك غبريال بن تُريك (1131 - 1145). نقل بعض المقاطع من إحدى القراءات في الاحتفالات الليتورجيّة. ووسّع العمل بطرس أسقف بهلنسة. هو انتقال من اليونانيّة إلى الصعيديّة، ومن الصعيديّة إلى البحيريّة. يبدأ النصّ كما يلي: »وكلّ حكمة فهي من قبل الربّ وهي دائمة إلى الأبد. من يقدر أن يُحصيَ رمل البحر وقطرات المطر وأيّام الدهور؟« (1:1 - 2)

وتبقى الترجمة عن اللاتينيّة الشعبيّة. هي نشرة مجمع الإيمان التي طُبعت في العربيّة واللاتينيّة. إسمها الرسميّ: الكتب المقدّسة باللغة العربيّة. طُبعت في رومة سنة 1671. وعنها أخذت ترجمة الدومينكان التي حاولت أنّ تصحّح نصّ مجمع الإيمان بالاستعانة باللغة اليونانيّة. العنوان: الكتاب المقدّس في العهد القديم والعهد الجديد. جاءت في أربعة أقسام وطُبعت سنة 1875 - 1879. وترجمة اليسوعيّين في بيروت، قدّمت ترجمة جديدة عن اللاتينيّة في أسلوب أنيق. إسمها: الكتاب المقدّس، بيروت، مطبعة المرسلين اليسوعيّين (3 أجزاء) سنة 1876 - 1881.

نقدّم هنا 1:1 في النسخات الثلاث. قالت نشرة مجمع الإيمان: »كلّ حكمة هي من قبل الربّ الإله، وهي معه دائمًا وهي من قبل الدهور«. وقالت النسخة الدومينكانيّة: »كلّ حكمة هي من قبل الربّ (الإله)، وهي معه دائمًا، وهي من قبل الدهور«. أمّا الترجمة اليسوعيّة فجاءت كما يلي: »كلّ حكمة فهي من الربّ، ولا تزال معه إلى الأبد«. نلاحظ بعض الاختلافات الطفيفة، ولكن تبقى الأمانة للنصّ اللاتينيّ هي الميزة السائدة.

خاتمة

قدّمنا فكرة سريعة عن الأصل العبريّ لابن سيراخ وترجماته المختلفة. ولكنّ واقع دراسة النصوص يفرض علينا أنّ نتحدّث عن أكثر من نصّ عبريّ. فالعبريّ I دوّن بين سنة 200 وسنة 175. هذا الأصل نُقل إلى اليونانيّ I. هذا العبريّ I ضاع ووُجدت أجزاء منه في القاهرة. أمّا اليونانيّ I فانتقل في العالم اليهوديّ الإسكندرانيّ قبل أنّ يأخذ مكانته في الكودكسات الكبرى مثل الفاتيكانيّ والإسكندرانيّ... وتحدّث النقّاد في بداية القرن العشرين عن عبريّ II، لأنّ بعض نصوص مجمع القاهرة لا تُقرأ في يونانيّ I. وقد يكون تنقيح لعبريّ I على يد الفرّيسيّين أو الأسيانيّين. من عبريّ II تفرّع يونانيّ II الذي عرفه أكلمنضوس الإسكندرانيّ (+ 215). وأورد إضافاته (1:21أ، 22أ؛ 19:5ب؛ 26:22). هذا يعني أنّ يونانيّ II يعود إلى النصف الأوّل من القرن الثاني، لأنّ اللاتينيّة العتيقة التي ترتبط به تعود إلى نهاية القرن الثاني. فقبريانس القرطاجيّ (+ 258) أورد نصوص هذه اللاتينيّة. وهذا الضباب في تناقل النصوص لامس الترجمة السريانيّة البسيطة. ولكن ما زالت كلّ هذه الأسئلة مفتوحة، ودراسة ابن سيراخ في بدايتها.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM