كلمة الرهبنة الأنطونيّة

 

كلمة الرهبنة الأنطونيّة

أصحاب السيادة،
أولاً: يطيب لي أن أتقدّم منكم جميعًا بأخلص الأماني، لمناسبة هذه الأعياد الخلاصيّة، متمنيًا لكم أعيادًا مجيدة وإطلالة سنة مباركة، تحمل لنا في طياتها سلام الله الذي بشّر به الملائكة الرعاة: "والرجاء الصالح لبني البشر" خاصة وأن سنتنا هذه هي سنة الروح القدس.
ثانيًا: في حب بكم جميعًا باسم الرهبانية الأنطونية وجماعتنا الديرية في مار روكس وباسم الكليّة البيبليّة المسكونيّة والأديان آملاً أن تكون الأيام البيبليّة الأولى موضوع مؤتمرنا، "الآيات والمعجزات في الكتاب المقدّس"، خطوة أساسية لتجديد الإيمان والتراث الكنائسي في شرقنا، كما يشير إلى هذا صراحة الإرشاد الرسولي في عدده التاسع والثلاثين تحت عنوان:
1- ينابيع تجديد وثماره: كلام الله والتقليد الرسولي.
1- "تتغذى الكنيسة من كلام الله الحي بواسطة الروح".
"كانوا يداومون على العمل بتعليم الرسل وعلى الحياة المشتركة وكسر الخبز والصلاة (241- 420) وكان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الربّ يسوع، تؤيدها قدرة عظيمة. وكانت النعمة عليهم جميعًا (أعمال 4: 33)".
ب- التأمل في كلمة الله الذي صار لابسًا الجسد لنتمكن من أن نصير لابسي الروح...
ج- بواسطة الكتب المقدسة يبادر الآب الذي في السماوات، بحنوّ عظيم، إلى لقاء أبنائه ومحادثتهم. دعوة إلى تجديد الإصغاء إلى الله، الذي وهب العالم كل شيء، في الكلمة المتجسد.
د- قرأ الشرق المسيحي الكتاب المقدّس، قراءة رائعة في عمل تفسيري حكمي، يربط اللاهوت والحياة الروحية برباط وثيق.
فالكنيسة في لبنان يدفعها الروح القدس اليوم، إلى تقبل كلام الله وإعلانه ووضعه موضع التنفيذ.
هـ- ولأن "أبناء جيلنا يواجهون ثقافات وعلومًا تطرح على الإيمان أسئلة خطيرة، فهم يحتاجون إلى تنشئة منظمة وثقافة دينية جدية، وحياة روحية قوية إذا أرادوا اتباع المسيح".
و- والتشديد على مواعظ الأحد التي يجب أعدادها بكثير من العناية بالصلاة والدرس وتشجيع المبادرة الرامية إلى توفير ملفات للكهنة تتضمن دراسات تفسيرية.
إفساح المجال للعلمانيين في الاشتراك في دورات تنشئة تفسيرية. وإن ما يقوم به مؤتمرنا اليوم مع مؤتمرات تعقد في مواضيع لاهوتية وليتورجية وما ينشر من مجلات دينية وراعوية تساعد على التعمق في سر الإيمان تدخل في إطار التجدّد والإصلاح الكنسي التطبيقي الداعي إليه الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان".
ثالثًا: المؤتمرات الكتابية، والكتابية الرعائية تتلاحق بزخم وجدية على مستوى كنائس الشرق وهذا ما يساهم مساهمة فعالة بتقريب وجهات النظر بين الكنائس وبين اللاهوتيّين وأبناء الإيمان بالكلمة المتجسد...
وإننا نبارك جهود الساعين إلى مثل هذه المؤتمرات وإنني باسمكم جميعًا أحيّي الخوري بولس الفغالي منسق إقليم الشرق الأوسط الذي يعمل بانفتاح وجدارة وغيرة على تعزيز هذه المؤتمرات مع نخبة من المتخصصين في الكتاب المقدّس.
ومؤتمر الأيام البيبليّة الأولى بموضوع الآيات والمعجزات في الكتاب المقدّس يعيد لأعيادنا المسيحية رونقها وجمالها إذ لم تعد أعياد الميلاد والأزمنة الخلاصية مناسبة مجاملات وتهاني سطحية، إنما أصبحت موقفًا مؤمنًا وصلاة وتأملاً ودراسة في العمق ونداء وهداية.
رابعًا: قبل أن تعمل الكنيسة في لبنان إلى تغيير بناها، من الملحّ أن تدَعَ المسيح يحوّلها (إرشاد رسولي 43)
موضوع مؤتمرنا الآيات والعجائب في الكتاب المقدس دعوة إلى الهداية، فالكنيسة الآية تشير إلى غيرها، إلى الله، إلى المسيح، إلى الخلاص.
إلى وحدة البشر بالله، إلى وحدة البشر فيما بينهم... إن الآية تتعدى ذاتها وتتجاوز نفسها نحو ما هو أسمى منها.
والمسيح آية الله أي إنه الآية العظمى، إنه يشير إلى الآب ويحقِّق حضوره للبشر وقصده فيهم. "من رآني رأى الآب". هو إشارة تدل. ولكن هل الكنيسة إشارة إلى المسيح؟ وماذا إن لم تظهر الكنيسة الآية ما عليها أن تُظهره؟ ففي تاريخ الكنيسة العديد من الأمثلة التي تبين أن هذه الأسئلة ليست بأوهام. المعجزات هي أعمال يفوض الآب إلى الابن أمر تحقيقها (يوحنا 5: 36) ليعلن ما بينه وما بين الابن من وحدة حميمة (يوحنا 5: 17- 10؛ 10: 37). المعجزات تثبّت الرسول والنبّي في رسالته وتبرهن عن حقيقة هويته. إنه هو ذراع الله من أجل خلاص شعبه. الآيات والمعجزات تبدلنا وعلينا أن نتأمل بكامل كياننا (بالقلب والعقل). فاليوم كالأمس، لا يفهم هذه اللغة العقل المتكبر أو المتنكر للدين، بل يدركها ذاك الذي يدرك أن ما من شيء يعجز الله عنه (تكوين 18: 14؛ لوقا 1: 37).
المطلوب منا جميعًا أن ندع الروح يقودنا لنتحوّل ونتبدّل ونتجدّد وهذا ما يدعو إليه "الإرشاد الرسولي رجاء جديد للبنان".
أن نكون شهادة صادقة وآية تشير إلى الله بدل أن نكتفي بتنظيم وترتيب خارجي، فقبل تغيير البنى والتنظيم علينا تغيير الذهنيات والمفاهيم الكنسية.
خامسًا: الأناجيل تحتل مكان الصدارة (في الوحي الإلهي 18).
ليس بخفيّ على أحد أن الأناجيل تحتل بحق بين كل الأسفار المقدسة، حتى بين كتب العهد الجديد، مكان الصدارة، إذ إنها الشهادة الرئيسيّة على حياة الكلمة المتجسّد فادينا وتعليمه.
"إن الكنيسة تمسّكت وتتمسّك دائمًا وفي كل مكان بأن الأناجيل الأربعة تتأصل في الرسل... وهذه الكتابات هي أساس الإيمان، أي الإنجيل الرباعي الشكل، حسب متّى ومرقس ولوقا ويوحنا".
سادسًا: كيفية تفسير الكتاب المقدس (عدد 12 الوحي الإلهي)
ولتوضيح نيّة الكتّاب القديسين يتوجّب علي المفسِّر، فيما يتوجب، أن يولي الأنماط الأدبية اهتمامًا خاصًا. فالحقيقة تعرض وتفسّر بصور مختلفة في نصوص تاريخية متنوعة، أو نصوص نبوية أو شعرية أو في غيرها من أنواع التعبير الخ...
فيجب إذن على المفسِّر أن يبحثَ عن المعنى الذي قَصَدَه كاتبُ الوحي، ويَرى كيف عبّر عنه في أجواء خاصة وفي بيئة لازمة، وفي أوضاعٍ ثقافية راهنة، معتمدًا أنماطًا أدبيّةً شائعة في زمانه.
وبمًا أنّ الكتاب المقدّس لا يُقرأ ولا يفسَّر إلاّ في نور ذاك الروح الذي في نورِه تمَّت كتابتُه، ولأجلِ أن يستخلص المرءُ من النصوص المقدّسة معناها الدقيق، لَزِمَ التنبُّهُ تنبُّهًا فائقًا إلى مضمون الكتاب كلِّه ووحدته، من غير أن يُغْفَل التقليدُ الحيُّ الجاري في الكنيسة كلّها، وقياسُ الشَبَه في التعبيرِ عن الإَيمَان.
سابعًا: الدعوة إلى قراءة الكتاب المقدس (عدد 25 الوحي الإلهي)
الانكباب والمواظبة على مطالعة الكتب المقدسة وهي علمنا جميعًا "لأن من يجهل المسيح يجهل الكتب".
دعوة إلى الجميع وبخاصة أعضاء الرهبانيات لمعاشرة الكتاب والسعي إلى نشره بين المؤمنين "لأننا نكالم الله في صلاتنا ونستمع إليه عندما نطالع أقواله"

خاتمة
أيّها الأصدقاء أن نخرج من الشكليات ورتابتها ونحوّل أعيادنا والمناسبات المتنوعة إلى صلاة وتأمل ومشاركة وتبادل خبرات وأبحاث وتفكير عميق حول مشاكلنا ومشاكل مجتمعنا الإيمانيّة والثقافيّة وأن هذا هو الرجاء الجديد الذي علينا أن نعيشه ونطبقه في جماعاتنا الرهبانية المصلية، في رعايانا وفي عائلاتنا المسيحية وهذا ما يجب أن تشجع عليه المؤسّسات الكنسيّة على تنوعها. نعود من جديد، من خلال الانكباب على كسر الكلمة وكسر الخبز، لنكتشف هويتنا ودعوتنا المسيحية. نتمنى لمؤتمرنا النجاح ولكم أطيب الأوقات برفقة الآيات والمعجزات وإنهمار الروح.
الأب حنا سليم الرئيس العام

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM